عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

آراميون

080501


الآراميون اسم عام يطلق على مجموعات كبيرة من القبائل الرحل القديمة كانت تقطن في بوادي الهلال الخصيب, وتتكلم اللغة الآرامية بلهجات متعددة. وقد استطاعت هذه القبائل ما بين القرنين الثاني عشر والثامن قبل الميلاد أن تسيطر على بلاد واسعة في جزيرة الرافدين بين دجلة والفرات وفي سورية, وأن تؤسس مجموعات زراعية مستقرة ودولاً وممالك وأسر حاكمة. وقد أُطلق اسم الآراميين على البلاد التي سكنوها فدُعيت باسم بلاد آرام قروناً عدة قبل أن تعرف منذ العصرالهلنستي السلوقي باسم سورية (القرن الرابع قبل الميلاد).

فهرس

 تاريخ

اللغة الآرامية

 الأدب الآرامي

 نص دير علا

 نصوص فيلة

 نقش بهيستون

 نصوص قمران

 الحضارة الآرامية

الدين

الفن

التجارة

مصادر

تاريخ

أقدم مواقع استقرار الآرامين المعروفة، في المناطق الواقعة بين تدمر وجبل البشري ثم اتسعت مناطق استقرهم في أواخر الألف الثاني ق.م, في أنحاء الهلال الخصيب شرقي الفرات وغربه, وذلك بعد انهيار التوازن في بلاد المشرق القديم بتزايد حدة غارات شعوب البحر وتحركاتهم, وانهيار الامبراطورية الحيثية في الأناضول وسورية الشمالية, وانحسار النفوذ المصري عن بلاد كنعان في سورية وفلسطين وضعف بابل الكاشية. ويرتبط اسم الآراميين في هذا العصر المبكر بجماعات من البدو الرحل كان يُطلق عليهم اسم (الأخلامو) . ويمكن تتبع تحركات هذه القبائل منذ القرن الرابع عشر ق.م من المصادر الحيثية (حوليات حاتوشيلي الثالث) والآشورية (حوليات الملك أددنيراري الأول 1307-1275ق.م), ومن الوثائق المعروفة برسائل تل العمارنة (أخيت - أتون) حيث ورد ذكر الأخلامو الآراميين في بعضها من عهد أَخناتون (نحو 1375ق.م) عندما كانوا يتجولون على ضفاف الفرات. وبعد أن تمكن هؤلاء من الاستيطان والاستقرار على ضفاف نهر الخابور وعند مجرى الفرات الأوسط في المنطقة التي عرفت باسم آرام النهرين بدؤوا يؤسسون إِمارات ودويلات سرعان ما تصدى لها الملوك الآشوريون.

ذكر الآراميون لأول مرة في وثائق الملك الآشوري تگلات بلاصّر الأول (1116-1076ق.م) للدلالة على قوم من البدو وعلى منازلهم من دون أن يقرن اسمهم بالأخلامو. ويتباهى هذا الملك بأنه شن عليهم وعلى الأخلامو أيضاً ثمانية وعشرين حملة على جبهة امتدت من جبل باسار (البشري) وتدمر إِلى عانة ورابيقو على ضفاف الفرات. وفي نهاية القرن الحادي عشر ق.م أسس الآراميون مملكة بيت عديني على ضفتي الفرات في المنطقة الواقعة جنوبي كركميش (جرابلس) وأسسوا في وادي الخابور إِمارات لاقي وبيت بخياني تل حلف, وبيت خالوب واستقرت قبيلة تمناي في (نصيبينا) نصيبين, وحزيرانا وحيدادا جنوب غربي ماردين في الجزيرة العليا. أما الحد الأقصى للتوسع الآرامي في الشمال فهو صورو (أي الجبل), والمقصود هنا هضاب طور عبدين. أمّا في غربي الفرات, فقد تبسط الآراميون بالتدريج غرباً حتى جبال الأمانوس واستوطنوا في سمأل (زنجرلي في تركية). وكثر عددهم حول أرفاد قرب أعزاز حيث تأسست مملكة بيت أجوشي التي امتدت على منطقة حلب كلّها. كما انتشروا في حوض العاصي, وصارت حماة في أيدي حكام آراميين. .وفي سهل البقاع وعلى سفوح جبال لبنان الشرقية قامت مملكة صوبة التي ضمّت أراضي البقاع الجنوبي وجزءاً من وادي بردى وعنجر (عين جر), ويمكن أن تكون قد أقامت اتحاداً مع مملكة بيت رحوب على نهر الليطاني, و بيت معكة على سفوح حرمون, وجشور شرق بحيرة طبريا ومملكة دمشق في حوضي بردى والأعوج وسفوح قاسيون والغوطة.

يرد ذكر ملك دمشق الآرامي في الوثائق الآشورية باسم أدد ـ إِدري (هدد عزر)، نجح شلما نصر الثالث الذي في ضم مملكة بيت عديني الآرامية على الفرات (856ق.م) إِلى مملكته, وتقدم بعدئذ غرباً إِلى حوض نهر العاصي ليواجه عند قرقر شمال حماة تحالفاً كبيراً بزعامة برهدد ملك آرام دمشق ضمّ اثني عشر ملكاً وأميراً في سورية وفلسطين الساحلية والداخلية وذلك سنة 853ق.م. واستطاع الجيش الآرامي، أن يتصدى لحملة شلما نصر الثالث ولعوامل داخلية في العاصمة الآشورية اضطر الملك الآشوري إِلى التعجيل في العودة إِلى عاصمة ملكه من دون تحقيق نتيجة حاسمة. إِلا أن الآشوريين تمكنوا من فرض نفوذهم على القبائل الآرامية في حوض الفرات.

وبعد إِبعاد الخطر الآشوري عن العالم الآرامي في غرب الفرات أحرزت مملكة آرام دمشق مكانة مهمة في النصف الثاني من القرن التاسع ق.م عندما تولى الحكم فيها حزائيل ويعني اسمه «ايل يرى» (841-805ق.م) الذي أنهى حكم أسرة برهدد ،و بقي ملك آرام دمشق سيد الموقف في معظم أصقاع العالم الآرامي فبسط سلطانه على شرق الأردن, ومدّ نفوذه من وادي نهر اليرموك إِلى (أرنون) نهر الموجب, ثم دخل أراضي فلسطين ووصل إِلى بلدة جات شرق عسقلان بلغ النزاع الآرامي - الآشوري ذروته في أواسط القرن الثامن ق.م عندما تولى تگلات بلاصر الثالث عرش آشور (745-729ق.م) فقاد سلسلة من الحملات نحو الغرب انتهت إِلى القضاء على تحالف آرامي كبير بزعامة متع إِل ملك أرفاد وحليفه برجاية ملك كتك، وضمن هذا الحلف «آرام كلها» كما ورد في نصوص سفيرة. وهو تعبير له دلالته، إِلا أن الآراميين لم يتمكنوا عملياً من توحيد صفوفهم, واستطاعت القوات الآشورية الزاحفة القضاء على دولهم تباعاً. فبعد احتلالها أرفاد والقضاء على حكم بيت أجوشي (740ق.م), سنحت الفرصة للتحرك جنوباً،(734ق.م) تحرك تكلات بلاصر الثالث واجتاح المقاطعات الست عشرة التابعة لدمشق مع مئات القرى والمدن . وقتل بامو الثاني ملك شمأل (سمأل)،وحوصر رصين الثاني آخر ملوك آرام دمشق (740-732ق.م) إِلى أن سقطت المدينة بعد مقاومة امتدت إِلى الغوطة. ولاقت السامرة في شمالي فلسطين مصير دمشق في سنة 722ق.م. ثم حماة في سنة 720 ق.م. وبعدها عسقلان الفلسطينية في سنة 711 ق.م. وهكذا انتهى دور الآراميين السياسي في التاريخ القديم وأعيد تنظيم البلاد إِدارياً بتقسيمها إِلى ولايات تابعة للسلطة المركزية في نينوى عاصمة آشور.

ولكن الآراميين وحلفاءهم من الكلدانيين تمكنوا من الاحتفاظ باستقلالهم مدة أطول في حوض دجلة الأدنى, إِذ استولى أمراء آراميون على عرش بابل ومنهم نابو مكين زيري (731-729ق.م) ومردك أبلا إِدينا (721-705/703ق.م). وفي خضم هذا النزاعات، نقل الآشوريون عشرات الألوف من السكان الآراميين في مختلف أرجاء الهلال الخصيب، والذين نقلوا معهم لغتهم وعقائدهم كما تعرضت بابل للتدمير والتخريب وقضت الحرائق على أهم معالمها القديمة وقصورها ولاسيما على يدي سنحريب ملك آشور, ثم إِبان النزاع بين الأخوين آشور بانيبال (668-627ق.م), وشمش شوم أوكين (668-648ق.م). ومع ذلك فإِن الآراميين لم يقروا بالهزيمة, فأعيد بناء بابل التي سرعان ما استأنفت تصدّيها لمطامع ملوك آشور, واستطاع الأمير الكلداني نابو بلاصّر أو نابو أبلا أصّر (625-605 ق.م) أن يعلن نفسه ملكاً على بابل وأن يشن على آشور حرباً لا هوادة فيها متحالفاً مع أعدائها المحيطين بها من الشرق والشمال (الميديون والسكيثيون). وانتهت هذه الحرب بالقضاء على مملكة آشور (609ق.م). وقامت على أنقاضها الدولة البابلية الثانية الكلدانية (605-539ق.م) التي كان من العسير التفريق فيها بين الكلدانيين والآراميين إِضافة إِلى البابليين, فقد اختلط الجميع وتمازجوا بقوة وعمق في إِطار ثقافة مزدوجة بابلية - آرامية كانت اللغة الآرامية أهم عناصرها, وظل الأمر على هذا النحو إِلى أن انتقلت السيادة السياسية إِلى ملوك الأسرة الفارسية الأخمينية (539-332ق.م) الذين عرف المشرق القديم في أيامهم وحدة ثقافية لغويةـاقتصادية قامت على أكتاف الآراميين لم يشهد لها مثيل بهذا الاتساع من قبل . وبعد سقوط الأخمينيين على يد الاسكندر المقدوني وقيام الممالك الهلنستية (السلوقيون والبطالمة) طغت الثقافة الهلينية على بلاد المشرق. إِلا أن اللغة الآرامية ظلت على الرغم من هذه المؤثرات أهم عامل في وحدة المشرق العربي القديم حتى دخول العرب المسلمين المنطقة.

اللغة الآرامية

تنتمي الآرامية إِلى أسرة لغوية كبيرة عرفت في أوساط الباحثين باسم اللغات السامية وأقرب اللغات القديمة إِليها الكنعانية, وبينها وبين العربية عناصر مشتركة كثيرة في النطق والمفردات والتصريف.

الأدب الآرامي

لم تؤد التنقيبات الأثرية التي أجريت حتى اليوم إِلى العثور على آثار من الأدب الآرامي القديم إِلاّ في فلسطين ومصر, وليس في سورية أو الجزيرة العليا وهما قلب العالم الآرامي القديم. ولعل مرد ذلك إِلى عوامل مناخية لم تبق على شيء كثير من هذه الآداب القديمة لأن أكثرها كتب على لفائف من البردي أو على الجلد, وهي مواد لا تصمد لعوادي الزمن كالحجر. أما أهم ما بقي من التراث الأدبي الآرامي القديم, فيمكن تعرّفه من المواقع التالية:

نص دير علا

أو نبوءة الكاهن بلعم بن بئور.

مع ما يعتري النقوش على بعض جدران دير عّلا في الأردن من شكوك في ارتباطها بالآرامية لغوياً, فهي على الأرجح نصوص بلهجة آرامية قديمة كتبت بالحبر الأحمر والأسود على الجدران المكسوة بالكلس. وإِن وضع النص المؤطر ومحتواه يدعوان إِلى التفكير بأنه نسخة عن نص أدبي كتب مبدئياً على ورقة أو ملف من البردي أو من الجلد. ويذكر استخدام الحبر الأحمر من أجل كتابة العنوان أو بعض مقاطع العرافة بأسلوب مشابه مألوف في النقوش المصرية القديمة. ولما كان هذا النقش قد أصيب بتلف شديد, فإِن محتواه يبقى عصياً على الإِيضاح, ويمكن أن يثير تفسيرات مختلفة. ومع ذلك فإِن البداية تتضمن حديثاً عن رؤيا تلقاها في الليل كاهن متنبئ يدعى بلعم بن بئور وفيها خبر سيء. وفي اليوم التالي نقل الكاهن متأثراً هذه الرؤيا إِلى الناس الذين يحيطون به... ولا يعرف شيء آخر من مضمون هذه الرؤيا.

نصوص فيلة

أو سيرة الحكيم أحيقار.

بين المخطوطات الكثيرة التي عثر عليها في جزيرة فيلة (وهي إِلفنتين) مقابل أسوان (سيين) في الصعيد يمكن تعرف عدد من النصوص الآرامية من عصر آرامية الامبراطورية. ومنها نصوص في الحكمة يتضح فيها الطابع المصري. أما أهم هذه النصوص فهي أمثال الحكيم أحيقار وقصته, وكانت هذه النصوص متداولة زمناً طويلاً في المدارس الآرامية في العصر الفارسي, وقد بقيت سيرة أحيقار أثراً شعبياً معروفاً في الشرق الأدنى القديم كله كما يتضح من الترجمات المأثورة في عدد من الآداب الشرقية, ولاسيما في الأدب السرياني. أما النواة الأساس في كتاب أحيقار فتتألف من مجموعة أمثال باللغة الآرامية الغربية من مصدر سوري قديم. وقد انتظمت هذه الأمثال في قصة تروي ما أصاب أحيقار من سعد ومن نحس, وهو «الحكيم البارع مستشار آشور كلها, وحامل أختام سنحريب ملك آشور».

وبقي اسم أحيقار مشهوراً في عصور لاحقة, لأنه يرد في لوح مسماري من العصر الهلنستي أدرجت فيه قائمة بأسماء عدد من المشهورين وفيهم أخوقار وهو أحيقار المذكور هنا على الأرجح. وقد عاش في مطلع القرن السابع ق.م. في البلاط الآشوري. أما النسخة الأخرى لسيرة هذا الحكيم الآرامي فكتبت بلغة آرامية وبلهجة شرقية رافدية, وكان هدفها ترسيخ قيم الشرف والأمانة والإِخلاص لتربية أجيال من الكتّاب والموظفين الذين كانوا يعدّون للعمل في خدمة الدولة في آشور وبابل وفارس .

نقش بهيستون

أو تعاليم الملك داريوس بالآرامية.

ويتضمن هذا النقش نصاً تعليمياً لتأهيل الموظفين, وهو في الأصل نقش ملكي حُوّل إِلى نص مدرسي. وهذه وسيلة من الوسائل التي كانت تتبع لترسيخ الفكرة الملكية والإِخلاص في رؤوس أولئك الذين يعدّون للعمل في الدواوين في أنحاء الامبراطورية. يعود هذا الأثر إِلى الأيام الأولى من حكم العاهل الفارسي داريوس الأول (522/521 ق.م). وهو النسخة الآرامية من نقش تاريخي أعدّ بالخط المسماري وبلغات مختلفة كانت معروفة في بلاد الامبراطورية, هي الفارسية والعيلامية والبابلية, ليعمم ويعلن في مختلف الأصقاع.

ويمكن تأريخ النص الآرامي لنقش بهيستون في الربع الأخير من القرن الخامس ق.م أي بعد قرن تقريباً من اعتلاء داريوس الأول العرش, وهو يؤكد إِضافة إِلى ملاحظات أخرى, استخدام النص الآرامي في تعليم سيرة الملك ومآثره في مدارس الامبراطورية الفارسية وفي تربية أتباعه على الولاء له.

وقد كتب النص الآرامي لنقش بهيستون على ملف بردي طوله نحو ثلاثة أمتار, ويتألف من 190 سطراً, وفيه رواية لأخبار الحملات الأولى التي قام بها داريوس الأول لتوطيد أركان عرشه وقمع عدد من الثورات. وتتضمن الخاتمة وصايا وتعاليم أخلاقية موجهة إِلى من يتولى الحكم بعده, وفيها تحذير من الكذب والكذابين ودعوة إِلى الصدق وقول الحق, وتبشير بمباركة الإِله أهورا مزدا للصادقين ولأبنائهم من بعدهم.

نصوص قمران

أو مخطوطات البحر الميت الآرامية.

وهي مخطوطات كتبت بالآرامية والعبرية عثر على عدد كبير منها في مغاور قريبة من البحر الميت في فلسطين (1947) وقد أدى العثور عليها إِلى كشف النقاب عن نصوص آرامية مهمة يمكن تعرف مضمونها بمقارنتها بنصوص موازية في لغات شرقية أخرى معاصرة. ويبدو لأول وهلة أن معظم هذه النصوص الآرامية كتب ما بين القرنين الثالث والثاني ق.م. ومن أهم هذه النصوص أربع مخطوطات من سفر طوبيا. وليس من شك لدى الباحثين اليوم في أن هذا السفر كان قد كتب, أول الأمر باللغة الآرامية, ومن المحتمل أن ذلك كان ما بين القرنين الرابع والثالث ق.م بتأثير قصة أحيقار التي يفترض أن كاتب السفر قد عرفها. وهناك أيضاً سفر أخنوخ, الذي يضم الكتاب السماوي وكتاب الحرّاس وكتاب الأمثال وكتاب الحكماء ورسالة أخنوخ ويمكن أن يضاف إِليها كتاب العمالقة. وقبل كشف مخطوطات البحر الميت كان سفر أخنوخ معروفاً بفضل الترجمة الحبشية, ولكن بعد العثور على إِحدى عشرة نسخة مخطوطة بالآرامية من هذا السفر في المغارة رقم 4 في موقع قمران, غدا من الواضح أن الآرامية كانت اللغة الأصلية للنص.

وإِضافة إِلى هذه النصوص الكبيرة, عثر على نصوص أدبية متنوعة من مصادر مختلفة مثل نص صلاة نابونيد, ونص مزيّف عن التكوين من الممكن أن يعود إِلى القرن الثاني أو الأول ق.م. وكذلك ترجوم سفر أيوب. واستخدمت اللغة الآرامية إِلى جانب اللغة المصرية الديموطيقية في كتابة بعض النصوص. ويوجد نص سحري مزدوج اللغة كتب بالمسمارية البابلية وبالآرامية ويعرف بنص أوروك (الوركاء), وكان أول من قرأه وترجمه فرانسوا ثورو ـ دانجان, ثم نشره أندره دوبون ـ سومر.

وينبغي القول أن يوسيفوس, المؤرخ في العصر الروماني, كتب كتابه في التاريخ أولاً بالآرامية في سنة 75م, ولكن النص اليوناني هو الذي وصل إِلى أيدي الباحثين. وهكذا يتضح كيف تطورت اللغة الآرامية من لغة جماعات بدوية إِلى لغة للإِدارة والتجارة والآداب, وغدت في مرحلة من التاريخ لغة عالمية.

الحضارة الآرامية

الدين يضم مجمع الأرباب عند الآراميين آلهة من كنعان وبابل وآشور, إِضافة إِلى آلهتهم الخاصة بهم. وللإِله عند الآراميين اسم عام هو بعل بمعنى سيّد, ويدعونه أحياناً بعل شميين (رب السموات) كما في نص زكر ملك حماة ولعش. وعبدت إِلى جانب بعل الربة الأنثى بعلت التي كانت تدعى ملكة شميين (ملكة السموات) ولبعض المناطق والمدن بعلها الخاص بها كبعل حمون (بعل الأمانوس) وبعل البقاع (بعلبك). واتخذ الآراميون هدد إِلهاً للطقس, يرسل الأمطار فيخصب الأرض وينبت الزرع ويسبب الكوارث عندما تنحدر السيول من الجبال إِلى الوديان. وكان مقر بعل حمون في الجبل الأقرع (كاسيوس) الذي كان له في حضارة سورية القديمة ما لجبل الأولمب عند اليونان في تاريخهم القديم. وكانوا يعتقدون أن الزوابع والرعود والبرق من الظواهر التي تدل على هدد الذي كان يطلق عليه في بعض اللهجات اسم أدد أو أدّو ويدعى أيضاً رمّون/ وبتأثير الحوريين أدمج هدد برب العاصفة عند الحوريين تيشوب ورشف عند الحيثيين. وكما تدل الشواهد الفنية يبدو هدد في نحت بارز من سمأل الواقعة في أعالي الأمانوس, في صورة رجل محارب حاملاً الشوكة الثلاثية والمطرقة رمز البرق والرعد. وفي ملاطية يبدو واقفاً على ظهر ثور.

وأهم معابد هدد في دمشق وحلب ومنبج (هيرابوليس) وبعلبك (هليوبوليس). وفي العصر الروماني عبد هدد في بعض المعابد بتأثير الثقافة الكلاسيكية اليونانية ـ الرومانية باسم جوبيتر, وعرف في دمشق باسم جوبيتير الدمشقي. وفي منبج عبدت الربة السورية أثارغاتيس إِلى جانب هدد, وكانت هذه الربة صورة مطبوعة بالهلينية لعشتارت وعنات, وكانت تدعى أيضاً «بنيت» أي ربة الذرية والنبوة وقد حمل الآراميون عبادتها من جبل سمعان وجبل بركات إِلى وادي النيل في مصر, ووصف الكاتب السوري لوقيان السميساطي (125-192م), الذي كتب باليونانية, معبدها في منبج في كتابه عن الآلهة السورية.

واختلطت عبادات الآراميين بعبادة آلهة أخرى عند جيرانهم, مثل إِل الكنعاني الذي كان يعد أباً لكل الآلهة, وأقاموا لهم بيوت العبادة حيثما حلوا, و سن إِله القمر عند الرافديين ويدعى بالآرامية شهر، ونابو رب الحكمة في بابل الذي حملوا عبادته حتى أسوان, وشمش إِله الحق والعدل في آشور وبابل.

الفن

لم يعثر إِلا على عدد قليل من الآثار التي تصلح شواهد على الفن الآرامي. فقد شجع أمراء بيت بخياني في الجزيرة وسمأل في كيليكية والأمانوس فناً تشكيلياً سوريا متأثراً بالفن الحوري ـ الحثي. ومن المؤكد أن السوريين في هذه المنطقة الشمالية من البلاد كانوا يرتدون ملابس كملابس الحوريين الميتانيين والحثيين, وقد انعكس ذلك على الفن التشكيلي, ومع ذلك فإِن الفنانين الآشوريين الذي زينوا القصر الآشوري في تل برسيب (تل أحمر) صوروا الآراميين على شاكلة البدو. كما صوروا آراميي بابل ملتحين ويرتدون مآزر قصيرة ويضعون عمائم على رؤوسهم, أما النساء فكنّ يرتدين أثواباً طويلة. وهكذا فإِن الفن التشكيلي, التصوير والنحت, عكس البيئات المختلفة للمجتمعات الآرامية.

وتبدو الخصوصية في الفن الآرامي في العمارة, فالقصور تتصف بالغرف الواسعة, وتؤدي إِليها أبهاء تحمل أسقفها أعمدة منقوشة ومزينة بالنحت الجميل ولها شرفات واسعة من نموذج حيلاني, كما في تل حلف وعين دارة. ويبرز تطور فن العمارة في الأبواب وإِكساء الجدران. وفي بناء العتبات بالحجر البازلتي. أما التماثيل الكاملة المكتشفة فقليلة, وأهم المنحوتات عثر عليها في القبور الملكية في تل حلف وسمأل. أما التصوير فإِن الرسوم الجدارية تمثل مشاهد من الحروب والصيد والرحلات النهرية والبحرية وموضوعات ميثولوجية. وفي رسوم عن الطبيعة تختلط صورة الإِنسان بمخلوقات أخرى كما في الإِنسان ـ العقرب (من تل حلف). وتبدو التأثيرات المصرية في أسلوب مسلّة برهدد التي نذرها للإِله ملقرت (من القرن التاسع ق.م).

وبرع الآراميون كالكنعانيين في الفنون الصغيرة كصناعة الملابس الصوفية والكتانية والقطنية الجميلة, والأثاث الخشبي والجلود, وأدوات الكتابة, وفي صناعة الحليّ من الفضة والذهب والحفر على المعادن والعاج, وقد عثر على نماذج من العاج في أرسلان طاش (حداتو في شمالي سوريا), هي موجودة اليوم في متحف اللوفر. واشتهرت بعض المدن السورية القديمة منذ عصر أغاريت وإِبلا وحماة وكركميش بالحفر على عاج الفيل الذي كانت قطعانه تعيش في سورية الشمالية في غاب العاصي حتى أواخر الألف الأول ق.م وقد صنع منه الحرفيون المهرة الأختام التي نقش عليها صور من الحياة اليومية والدينية والتماثيل والعلب والأمشاط واللوحات التزيينية واستخدموه لتطعيم الخشب كالموزاييك.


التجارة

للتجارة في سورية القديمة ماض عريق يرقى إِلى إِبلا وأغاريت وماري. ولكن التجارة بلغت ذروة مجدها في العصر الآرامي. وكان التجار الآراميون يبعثون قوافلهم إِلى جميع بلاد المشرق القديم لتصل إِلى منابع دجلة والفرات شمالاً وإِلى مصر والحجاز جنوباً. واكتشف في العاصمة الآشورية نينوى بعض الأوزان البرونزية التي خلّفوها. واحتكر الآراميون التجارة الداخلية في البلاد, كما سيطر الكنعانيون على التجارة البحرية في المتوسط والبحر الأحمر. ومن دمشق حاضرة البلاد السورية كانت تنطلق قوافل كبيرة باتجاهات مختلفة. وعمل ملوك آرام ولاسيما حزائيل على فتح طرق التجارة مع مدن فلسطين ومصر وشبه الجزيرة العربية.

واحتل التجار الآراميون مكاناً مهماً في البنية الاقتصادية للامبراطورية الفارسية الأخمينية فيما بين القرنين السادس والرابع ق.م فحملوا الأرجوان من مدن الساحل الكنعاني (الفينيقي) وتاجروا بالأقمشة المطرزة والكتان والحجر الكريم واليشب, وجلبوا النحاس من قبرص, وخشب الأبنوس من إِفريقية واللؤلؤ من الخليج, ونقلوا العطور والعقاقير والزيوت والتمور والثمار المجففة, واتصلوا في رحلاتهم ببلاد بعيدة استوردوا منها التوابل والبخور. وكان يرافق التجار في رحلاتهم المسافرون والمغامرون. وهكذا تحركت في عالم الشرق العربي أسر وتنقلت جاليات حاملة معها معتقداتها وثقافاتها وعاداتها ولغاتها وهو ما أدى إِلى تفاعل بين أقطار المشرق العربي القديم وثقافاته.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها