دور غير
مباشر لمرجعياتنا الدينية والسياسية في استهداف شعبنا
يوسف متاوي
yousifmatawy@yahoo.com
من يستهدف مسيحيي الموصل؟
سؤال ساذج يفرض نفسه على الجميع مع ما يجري حاليا في الموصل.
ورغم تناول العديد من الاخوة الكتاب هذا السؤال عنوانا لمقالاتهم او
مضمونا لها فانه يبقى سؤالا "ساذجا" اذا ما اريد به فقط تحديد الخلفية
العقائدية للقائمين بقتل وتهجير مسيحيي الموصل.
لان الامر حينها لن يحتاج الى فكر لامع او قدرة تحليلية للامور بل يكفي
فقط مشاهدة واقع مسيحيي ما يسمى بالعالم الاسلامي من مغربه الى مشرقه
لتكون العقيدة والايديولوجيا التي وراء استهداف مسيحيي الموصل واضحة
ومعروفة.
فالفكر والعقيدة التي تستهدف مسيحيي الموصل هي ذاتها من يستهدف مسيحيي
الجزائر والاقباط في مصر ومسيحيي الاراضي المقدسة وايران وباكستان
ونيجريا وغيرها
مثلما هم ذاتهم من استهدفوا قبل فترة مسيحيو الدورة والبصرة والانبار
واستهدفوا الصابئة المندائيين في الجنوب والايزيدية في نينوى
انها العقيدة الاسلاموية بنهجها الرافض لوجود الاخر والقبول به
انها العقيدة الاسلاموية بسعيها لافراغ دار المسلمين من غيرهم
انها التطبيق العملي لمقررات مؤتمر لاهور في باكستان مطلع الثمانينات
مثلما هي امتداد لما حصل على مدى 15 قرنا من المسيحية تحت الاسلام ومنذ
ايام الغزو الاسلامي (الذي بات مطلوبا منا ومن كنائسنا ومثقفينا ان نسميه
زورا وبهتانا بالفتح الاسلامي!!)
واذا كان بعضنا لا يشاء قول الحقيقة العارية فانه لا يمكن الغاء وجود هذه
الحقيقة
من هنا فان تكرار المقالات باتجاه الاجابة عن الخلفية العقائدية للقائمين
باستهداف مسيحيي الموصل ليس ذو جدوى ولا يحمل جديدا رغم تثميننا وتقديرنا
لجهود القائمين بالكتابة عنه وحرصهم واخلاصهم لشعبهم وشعورهم بمعاناته.
ومع الواقع السياسي الحالي في العراق، وتحديدا في الموصل، فان الامر ذاته
ينطبق اذا ما حاولنا تحديد التنظيم السياسي الذي ينفذ التقتيل والتهجير.
فالتنظيمات الاسلامية الاصولية والتزامها اقامة الدولة الاسلامية لم تعد
معرفتها محصورة بالاجهزة الاستخبارية بل باتت معروفة للجميع وحاضرة في
شاشات التلفزة والاعلام بشتى وسائله ولا تتطلب حذاقة سياسية لمعرفة اجندة
هذه التنظيمات الدموية في تحقيق ما يلتزمون به من هدف اقامة الدولة
الاسلامية بحد السيف.
ومن معرفة المشهد السياسي العراقي القريب والحالي يمكن معرفة الزواج
السياسي لهذه التنظيمات الاسلامية مع التنظيمات العروبية وتحديدا ما
ينتمي منه الى ايديولوجيا البعث فكلاهما اجتثاثي للاخر دينيا او قوميا،
وكلاهما مكمل للاخر، ومع تحكم بقايا البعث بادارة محافظة نينوى فانه قد
توفر المناخ السياسي والاداري والايديولوجي المناسب لهذه التنظيمات
واستهدافها لغير المسلمين في الموصل، خاصة وان الشماعة والتهم المسبقة
جاهزة للاوضاع السياسية والمرحلة الانتخابية والعداءات القومية وغيرها من
محاولات تحريف بوصلة الاتهام عن وجهتها.
ان ما يتناوله هذا المقال هو عن موقف المرجعيات الدينية والسياسية
المسيحية العراقية من هذه الاستهدافات، وهل انها شاركت بشكل او باخر في
استمرار هذه الاستهدافات من خلال طريقة التعامل معها او تبريرها؟
قد تكون الاسطر التالية مؤلمة ولكن اكثر الحقائق يكون قولها وسماعها
مؤلما، ولكن الالم في قولها وسماعها لا يلغي حقيقتها.
نقول وبمرارة وحسرة والم ان المرجعيات الكنسية والسياسية المسيحية
العراقية تتحمل مسؤولية ليست بالصغيرة في بقاء واستمرار هذه الاستهدافات.
1- فهذه المرجعيات ساهمت بشكل غير مباشر في استمرار استهداف المنسيحيين
عندما اصرت على انكار وجوده.
عفوا سادتي رجال الكنيسة والسياسة، ولكن حقائق الواقع والمشهد تؤكد انه
استهداف لشعبنا بسبب هويته ودينه.
صحيح ان ابناء شعبنا ممن قضوا في التفجيرات العشوائية في الاسواق الشعبية
والطرقات لم يتم استهدافهم بسبب دينهم وهويتهم بل قضوا في عمل ارهابي
استهدف الجميع، ولكن ماذا عن الاستهدافات المحددة والمنتقاة على اساس
الهوية الدينية للضحية. ماذا عن استهداف الكنائس واختطاف وقتل رجال الدين
واستهداف الطلبة الجامعيين المسيحيين من دون بقية الطلبة وقتل الضحايا
المسيحيين في بيوتهم.
كل هذا ويخرج علينا العديد من المرجعيات الكنسية والسياسية وبلغة تشتم
منها رائحة النفاق بان لا استهداف للمسيحيين!! بل ويذهب بعض السياسيين
ممن ابتلى بهم شعبنا الى اكثر من ذلك بالقول اننا نبالغ القول في ضحايانا
ومعاناتنا!! وان ليس هناك من تهجيرونزوح لشعبنا بل انمه في رحلات سياحية
للساحة والاستجمام في دول الجوار!!
واذا كان البازار القذر للسياسة في اوطاننا يجعل سياسيينا يزايدون لتحقيق
اغراضهم الحزبية ويقومون بانكار استهداف شعبنا فما بال رجال الدين
وكنائسنا في انكار حقيقة الاستهداف.
اهو النفاق المتجذر في الانسان الشرقي؟ ام هو الشعور بالدونية التي
زرعتها قرون الاضطهاد في اعماقنا؟
الم يقل المسيح لا تخافوا والم يقل لنا ان نقول الحق ولا شيئ غيره؟
فلماذا اذن؟
2- كما ساهمت هذه المرجعيات الدينية والسياسية باستمرار هذا الاستهداف
عندما اصرت على وضعه على قدم المساواة مع استهداف الجوامع السنية
والحسينيات الشيعية وغيرها من الاستهدافات الطائفية.
ان يخدع الانسان الاخرين قد يكون امرا سياسيا شائعا، ولكن ان يخدع
الانسان نفسه وشعبه فتلك طامة كبرى.
وهذا الخداع هو بالضبط ما تمارسه هذه المرجعيات عندما تضع استهداف
الكنائس ورجال الدين المسيحيين على قدم المساواة مع استهداف الحسينيات
والجوامع ورجال الدين المسلمين.
نحن لا نبرر ابدا استهداف ايا من دور العبادة ورجال الدين، ولكن لا يجوز
وضع الامر على قدم المساواة. فالجوامع والحسينيات تحول الكثير منها الى
مشاجب اسلحة ومواقع قنص وربايا محاربين ومعاقل مليشياوية ومعتقلات وسجون
للمعارضين، وتحولت منابر الكثير منها الى منابر خطابات واجندات سياسية
وحزبية، مثلما كان وما زال رجال دينها دعاة سياسة وخطاب سياسي وحزبي على
المنابر الاعلامية المختلفة.
ومن المتوقع مع هذه الحال ومع الوضع السياسي والاحتقان الطائفي والفراغ
الامني ان يتم استهداف هذه الدور والشخصيات الدينية لهذا الطرف من الطرف
الاخر وبالعكس.
وهذا لا يستوي مع الكنائس ورجال الدين المسيحيين فهم لم يتحولوا الى
مشاجب ومنابر خطاب سياسي ولم يحولوا الكنائس الى ثكنات عسكرية.
من غير العدل والانصاف وضع الامرين على مستوى واحد.
3- كما ساهمت هذه المرجعيات السياسية في استمرار هذا الارهاب والاستهداف
لشعبنا عندما قدمت خدمة طوعية ومجانية للارهابيين مبررة ورابطة ارهابهم
بانه بسبب مطالب شعبنا السياسية بالحكم الذاتي!!
لقد كان امرا مخزيا ومخجلا ان يظهر السيد يونادم كنا على شاشة الجزيرة
اثناء استهداف مسيحييها وتقتيلهم وتشريدهم في تشرين الاول 2008 ليقول ان
المطالبة بالحكم الذاتي هي سبب هذه الاستهدافات!!
وكان لسان حاله يقول ان الارهابيين لا يبغون شرا لشعبنا ولا يستهدفونه
ولكننا نجلب على انفسنا البلية بمطاليبنا!!
الم يقل الشيئ ذاته لاحقا السيد اثيل النجيفي شريك السيد يونادم وممول
فضائيته اشور عندما دعا شعبنا الى الخضوع اليه او الويل والثبور، والحق
يقال ان تهديده ووعيده لم يتاخر، فلم تكن تنقضي الا اسابيع قليلة على هذا
التهديد حتى انطلق في الموصل التي يديرها ويتحكم بها فصل اخر من فصول
استهداف شعبنا وترهيبه.
4- كما ساهمت هذه المرجعيات السياسة المحسوبة على شعبنا في تغطية
واستمرار هذا الارهاب عندما دخلت والتزمت وروجت لشراكة سياسية مع جهات
سياسية معروفة بموقفها العقائدي من شعبنا وبتغطيتها وتوفيرها المناخ
الملائم لاستهدافه من خلال تحكمها بمرافق الادارة في محافظة نينوى.
مفهوم سياسيا ان يتحالف السيد كنا مع النجيفي.
ومفهوم
سياسيا ان يقوم النجيفي بتمويل قناة اشور الفضائية.
ولكن ان تصل حدود التحالف الى هذا الحد فانه لا يمكن التسامح معه.
مفهوم ان يبادر الزوعا في شيكاغو الى الذهاب الى مطار المدينة للقاء
النجيفي في ساعات توقفه هناك في طريق العودة الى العراق، ولكن ان يقول
ممثل الزوعا الى النجيفي انك ممثل شعبنا في المحافظة فهو وقاحة منه
ومكافاة وغطاء لم يكن يتوقعه حتى النجيفي نفسه.
ما لا يمكن التسامح معه هو ان يقوم السيد كنا بالذهاب الى الموصل محميا
بقوات النجيفي ويعقد مؤتمرا صحافيا دعائيا على جثث القتلى وفلول
المشردين.
لقد حمل المؤتمر الصحافي اكثر من مدلول ورسالة سياسية خطيرة تصب جميعها
في خانة تبرير الارهاب وتغطيته وتوظيفه انتخابيا وفق معادلة: قتلى +
مشردين = اصوات انتخابية
فاول ما اراد السيد كنا قوله بمؤتمره الصحافي هو ان مدينة الموصل مدينة
امنة ومحمية والدليل انه ذهب اليها للمؤتمر الصحفي!!! في الوقت الذي كانت
مئات العوائل تهرب من المدينة خوفا من البطش.
اذا كان النجيفي وفر لك يا سيد يونادم الحماية الامنية للساعة الوحيدة
التي امضيتها في مؤتمرك فان ذلك لا يعني انه يوفر الحماية لشعبنا.
كما اراد السيد كنا التعبير عن التزامه بالشراكة السياسية مع النجيفي
وانها لم تتغير رغم ما يعانيه شعبنا تحت ادارة ومسامع ومراى النجيفي في
الموصل. فالمؤتمر الصحافي كان دعما كاملا للادارة الفاشلة للنجيفي.
بل وانه تضمن دعوة الى المزيد من الصلاحيات للنجيفي بما يعنيه المزيد من
القتل والتشريد لشعبنا.
لقد كان الاولى بالسيد كنا ان يحاسب ادارة النجيفي عوض مكافاتها.
اذا كان السيد كنا متضامنا مع شعبه صميميا عوض الرقص الانتخابي على جثثه
ومعاناته فانه كان عليه ان يعقد مؤتمره الصحافي في القوش وديرها او
بغديدة وكرمليس او اية مدينة من مدن سهل نينوى محاطا بالمئات من العوائل
النازحة والمشردة.
واذا كان السيد كنا متضامنا مع شعبه كان عليه ان يشارك في المسيرات
والمظاهرات الاحتجاجية التي دعت اليها احزابنا ومؤسساتنا وكنائسنا.
5- كما ساهمت هذه المرجعيات السياسية في استمرار الارهاب عندما ابقته
مادة للكسب الانتخابي والحزبي وكان بها تتمنى ان يستمر لانه في استمراره
يستمر لها وقودا انتخابيا وحزبيا خاصة مع تحريفها لبوصلة القائمين به.
اصر السيد كنا، ومن قبله حليفه النجيفي، على القول انهم يمتلكون نسخة من
ملف التحقيقات بشان الارهاب الموجه ضد شعبنا.
واصر السيد يونادم على القول انه يحمله في حقيبته الدبلوماسية التي معه
في جولته الانتخابية في اوربا واميركا.
فلماذا لا تنشره وتضعه امام الملأ لتتم محاسبة الضالعين في الاستهداف؟
ولماذا تصر على ابقاءه في الحقيبة؟ الاجل اطالة فرصة الارهابيين في
ارهابهم؟
اما اذا كان ادعاءك بوجود وامتلاك هذا الملف هو اكذوبة ودعاية انتخابية
رخيصة فان من واجب شعبنا ان يحاسبك على هذا التوظيف الرخيص لمعاناتهم،
ومن واجب مؤسساتنا ان تحاسبك قانونيا على هذا الادعاء.
طالما حذر الجميع من تحويل شعبنا الى حطب للصراعات السياسية بين الكتل
والاطراف العراقية.
ولن نتفاجا ان تحاول الاطراف العراقية المتصارعة هذا الشيئ، ولكن ان
تتطوع بعض مرجعيات شعبنا السياسية بتحويل شعبنا الى حطب ورميه في هذا
الصراع كما هو حال ما يقوم به السيد يونادم فانه غير مقبول بتاتا. |