موقف جبهة الحرية من إلغاء الطائفية السياسية
وقانون التجنيس
المؤتمر الصحفي - الجمعة 5 شباط 2010 في مقرها في الكرنتينا
أريد أن ابدأ كلمتي بتوجيه التعزية الحارة الى جميع أهالي الضحايا الذين
قضوا في كارثة الطائرة الاثيوبية وأسأل الله أن ينعم عليهم بالصبر
والسلوان.
إن الاندفاع غير المسبوق "لإستكمال تطبيق بنود إتفاق الطائف" وفي طليعتها
بند إلغاء الطائفية السياسية إستدعى من جبهة الحرية ردوداً على الطروحات
المتسارعة، في وقت أمل فيه اللبنانيون أن تنصرف الدولة بكامل مؤسساتها
الى تهدئة داخلية تسهم في خفض منسوب الاحتقان الذي قارب الانفجار مرات
عدة كما أملوا أن تنصرف الحكومة الجديدة الى الاهتمام بأمورهم المعيشية
وأمنهم وإستقرارهم الاقتصادي.
أمام هذا الاصرار في وجه كل اللبنانيين الذين عبّروا بلسان مرجعياتهم
الزمنية والروحية، ليس عن رفضهم لهذا المشروع، بل عن قناعتهم المشتركة
لعدم ملاءمة توقيته، إضافة الى الإنتقائية في تطبيق مبدأ الديمقراطية
التوافقية، كان لا بدّ لجبهة الحرية أن تعلن موقفها الرسمي من مسألة
إلغاء الطائفية
السياسية.
لقد سبق لنا في بيانات اصدرناها أن أعدنا دولة الرئيس نبيه بريّ الى كتاب
"الوصايا" للمغفور له سماحة الإمام محمد مهدي شمس الدين في صفحاته 51/53
الذي أوفى هذا الموضوع حقه بعقل سوي وقلب صادق أدرك الغاية الحقيقية من
مطلب إلغاء الطائفية السياسية، وإستشعر خطورة الإندفاع إليه بتسرع
وإنحراف، وها نحن اليوم نعيد دولته ثانية الى هذا الكتاب المرجع*. كما
نريد تذكير دولة الرئيس بالمحاضرة التي القاها في جامعة جورج تاون في قطر
عن فوائد إعتماد الديمقراطية التوافقية في لبنان وطن التعددية والاقليات
بامتياز.
من هنا، فإننا نرى أن إلغاء الطائفية السياسية بالأسلوب الذي يطرح يتناقض
مع ميثاق العيش المشترك الذي كرسه الدستور اللبناني خياراً حراً وجامعاً
لكل اللبنانيين، وذلك للأسباب التالية:
1-
إن إصدار قانون التجنيس وتوزيع المجنسين على المناطق خلق خللاً فادحاً في
التوازن الطبيعي وترك اثراً سيئا جداً لدى المسيحيين اللبنانيين.
فكيف يمكن الركون الى إلغاء الطائفية السياسية إنتقائياً وقد أتى قانون
التجنيس في العام 94 نتيجة حسابات مصلحية، فئوية وضيقة، ولقد طعن به
وبالسلطة التي أقرته يومها من قبل اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة! هذا
القانون يعتبر أكبر عملية تهريب موصوفة في تاريخنا المعاصر وقد إشترك
فيها أدعياء الحرص على حقوق ومصالح المسيحيين. لقد شكل هذا القانون طعنة
قاتلة لميثاق العيش المشترك ولحقيقة لبنان وتاريخه ومعنى وجوده إضافة الى
الحضور الحرّ للمسيحيين فيه ومستقبل بقائهم على أرضهم واليكم بعض
الارقام:
لقد بلغ عدد المجنسين بناء على هذا القانون 202000 ملف. كان من بينهم فقط
51071 من المسيحيين أي بفارق 150929 من المسلمين. إضافة الى هذا الخلل في
العدد، تمّ تسجيل أعداداً من المجنسين المسلمين في مناطق محددة من لبنان
بهدف قلب الموازين الديموغرافية وتهميش فئة ومصادرة قرارها وإلحاقها
صاغرة راضخة بركب فئة مهيمنة. على سبيل المثال: في زحلة سجل 13826 من
المسلمين وفي البقاع الغربي 3876 والمرفأ 1914 والقبيات 13079 وغيرها..
وقد ظهرت نتائج ذلك جلية واضحة في الإنتخابات النيابية الأخيرة. من
هنا فإن جبهة الحرية تطالب بإحصاء دقيق لأعداد المجنسين وبإقرار ملحق
لقانون التجنيس يعيد التوازن المفقود وثقة المسيحيين بالدولة والعيش
المشترك.
2-
هناك اليوم شحن معنوي طائفي ناتج عن ممارسات تعاقبت في السنين الاخيرة.
مما يحتّم حالياً تنفيس هذا الشحن المعنوي ومعالجته ومن ثم طرح ورشة
إلغاء الطائفية السياسية.
3-
إن الهدف من إلغاء الطائفية السياسية هو تحقيق دولة مدنية، يكون اللبناني
فيها مواطناً بكل ما للكلمة من معنى بغض النظر عن إنتمائه الطائفي. فكيف
يصار الى بناء دولة مدنية عصرية من غير مواطن ملتزم؟ ونزيد على ذلك اننا
نؤمن بأن نتوصل يوماً في لبنان الى إرساء العلمنة الشاملة.
4-
قبل الوصول الى ذلك يجب خلق ظروف ملائمة تعالج النظام السياسي المريض
وتركيبة الدولة وذلك بإيجاد صيغة عصرية لعقد شراكة جديد بين اللبنانيين
ينهي الصراع على السلطة بين الطوائف ويحيّد
لبنان عن الصراعات الخارجية وخاصة العربية – العربية.
لا يمكن البدء بطرح إلغاء الطائفية السياسية قبل معالجة المواضيع
التالية:
أ-
الإتفاق بشكل نهائي على أن مبدأ الديمقراطية التوافقية على مستوى
القرارات المصيرية هو سبيل للحكم في لبنان.
ب-
إقرار نظام إنتخابي جديد يعتمد الدائرة الفردية بحيث يقسم لبنان الى
دوائر صغرى كل دائرة تنتخب نائباً واحداً (One
man one vote).
ت-
إقرار مشروع قانون إستعادة الجنسية لفاقديها وسحبها من غير مستحقيها
وإعطاء حق الإقتراع للمغتربين.
ث-
إقرار النظام المناطقي (اللامركزية الإدارية والإنمائية الموسعة) الذي
كنا أول المطالبين به والذي يحافظ على خصوصية وثقافة كل منطقة.
ج-
إنشاء مجلس شيوخ يضمن التمثيل الطائفي ويعطي للطوائف الكبرى حق النقض
(الفيتو) بالنسبة للقرارات المصيرية.
ح-
إعتماد نظام موحّد للأحوال الشخصية وإعتماد الزواج المدني الاختياري.
خ-
إقرار مبدأ الحياد الإيجابي والنهائي الذي يعيد للبنان دوره على صعيد
المنطقة والعالم ويجعل منه مساحة حرية وتلاقي لا ساحة إقتتال.
د-
توحيد كتاب التاريخ حسب حقيقته ومن دون تزوير وبالأخص تاريخنا الحديث
وكتاب التربية المدنية الصحيحة.
ذ-
إصدار ملحق لقانون التجنيس يتيح المجال أمام المسيحيين بإعادة التوازن
ورفع الغبن الذي فرض عليهم.
عندما نطبق هذه الأمور نكون قد خطونا خطوات كبيرة وثابتة لخلق دولة مدنية
فيسهل عندها إلغاء الطائفية السياسية وإرساء مبادئ العلمنة الشاملة.
جبهة الحرية
مكتب الاعلام |