عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

 هيثم الشاعر – إعلامي – رئيس جمعيّة بني قيومو(ابناء العهد)

 بيروت – لبنان


المعركة الفاصلة...

 

حظّ ربّما لا أن أولد في لبنان! صدفة أم مكتوب أن أتعمّد! نعمة أم نقمة أن أتمورن!

أسئلة طرحتها ولا أزل...

هل تراب الدنيا يشبه بعضه؟

وهل مياه الينابيع متشابهة؟

هل أصبحنا في عالم العولمة، أم عدنا إلى اصل البشريّة قبائل وحضر؟

أيضاً أسئلة طرحتها ولا أزل...

بين التعاسة والسعادة حرف الدال ولكن في الحقيقة فرق شاسع، لا بل حياة أو موت.

واقع أتخبّط فيه بين الـ"أنا" أي سعادتي الماديّة بكل معانيها، وبين الـ"أنا" الثانية، أي وجودي وهويّتي وتاريخي ومستقبلي... وبين الـ"أنا" الأولى والثانية، حياة أو موت أيضا.

ثلاثون سنة، قضيتها في عذابات الروح ومرض الأهل وفقدانهم، مغامرات بين وظيفة من هنا وأخرى من هناك، صراعات بين دعوتي الرهبانية ودعوات أخرى من عشق التحزّب والسياسة، والاعلام والعلاقات العامة، وغيرها من النجاحات والانكسارات وربّما الخسائر الفادحة...هذا كلّه عراك بين هذه الـ"أنا" وتلك.

الواضح دوماً هو البحث، البحث المستمرّ عن معنى لحياتي، هل أريد السعادة الماديّة والرخاء وعشق النفس والوصول لا بل الخضوع لملذّات الحياة واشباه من يحكمون الأرض لكي في النهاية ربما اصل الى ما أريد، ولكن هل هذا ما أريد؟
هل أريد الوصول بارخص ثمن، واسرع وسيلة، فاقول مع المسيح "مرتا مرتا... تهتميّن بأمور كثيرة والمهم واحد... ما نفع لو ربح الانسان العالم وخسر نفسه"؟

ربما خزعبلات، وقيم فاسدة، لأن ما نراه وما يحيط بنا هو عالم الفسق والنجاسة وبيع الضمائر والأجساد والنفوس وهلاك الأرواح.

هذا البحث الذ ي كنت أعيش، كان من دون رجاء لا بل من دون هدف. كيف بحثت؟

وعن ماذا ؟

ولماذا؟

لا أعرف. ولكن الآن عرفت عن ماذا؟ ولماذا بحثث؟

يوماً، كنت جالساً مع رفيق لي لا بل أخ، مرّت بالقرب منّا سيارة ترجّل منها شاب لربّما كان سليمان النبيّ، فسألني هذا الرفيق: "هل تريد واحدة منها"؟ فقلت "إنّها رائعة"... فقال: "تنحّى عن العمل في (القضيّة) فتحصل على واحدة مثلها".هذا يعني، أن أتنحّى عن القيم التي من أجلها أناضل، أن أصرف مالي على أشياء أخرى بعيدة عن النضال، أن أكون مثل هذا الـ"سليمان" شاب انيق يفوح عطره قبل وصوله، وبهذا أكون ربحت العالم، ولكن خسرت نفسي.

ثلاثون سنة لم أكن إلاً ابن الـ"انا" الثانية، ولكن تعاملت معها بكبرياء وعدم ثقة...وقد شعرت بأنّ اللحظة أتت لكي أتبع الأولى بكل الوسائل التي أملك. ولكن ما هي تلك الوسائل: أن اترك بلدي، واسافر الى أرض لا أعرفها، أن أمضي ربما نصف عمري في ديار العرب في الخليج بين من يحتقرون كل ما أنا منه وله وفيه، أن أصبح رقماً ضعيفاً بين أرقام عالم المال، والتجارة، والاعلام، وإن عدت الى لبنان، أعود للتأسيس ربما من جديد، هذا إن عدت!!!

كنت على شفير اقفال منزلي، وحمل أمتعتي، وترك كل ما عملت من أجله في لبنان، لأسافر الى بلد عربي لكي في آخر المطاف أحصل على ورقة خضراء اضافية لكي اصرفها في آخر الشهر على تلك أو على هذا الشيء أم ذاك

 طبعاً لا...

لن اترك أرضي، أرض لبنان، لا ماس، ولا ذهب، ولا فضّة، ولا نبع نفط يفرّقني عنها...لا صحراء ولا ماذنة ولا ناطحة سحاب، ولا أي غال يجعلني أترك هذه الارض، ارض فينيقيا، وآراميا، أرض قنوبين، وبشري وتنورين وسواها، لأن أرضي أرض مقدّسة إن تركتها فرغت، ودخل العثّ فأكلها..."لا تتركوا كنزكم الى الخنازير فترتد عليكم وتأكله"...

لن ابيع نفسي، ولا تاريخي وهويّتي ومستقبلي لأتبع سراب ماء في صحراء قاحلة. أرز لبنان وإن بقى لأنه أرز الربّ، أمّا نخل البادية فلن يبقى لأنّ الشتاء مرّ وقحلت الارض وجاء القاطف وبيده المحصدة.

سابقى هنا، اعيش بفلس الأرملة، ربما اكتفي بشرب الماء وأكل الجراد، ولكن لن أتخلّى عن كرامة عمّدها أجدادي بدمهم، وماتوا لنبقى، فصراع الـ"أنا" حسمته والمعركة الفاصلة حسمتها، سابقى هنا في أرض "العهد" بين "ابناء العهد"، جماعة مسيحية آرامية مارونية، وإن اغدقت عليّ أموال العالم لن أتررك يا لبنان... يا وطني بحبّك.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها