عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
أيمن شحادة  

أيمن شحادة

 *كاتب من لبنان


ميشال عون، ذروة الإهتزاز الفكري والسياسي

090216

تداخل في الرّؤيا، ارتباك في الكلام، اضطراب في التّصرّفات، إهتزاز في التّحالفات، إسفاف في الخطاب، تشتّت في الأفكار، ضياع في الأساليب، إخفاق في الإقناع، تمادي في الأخطاء وإمعان في ممارسة  سياسة شريعة الغاب،  وبالتّالي نجاح ملفت في زرع التّشاؤم والخوف واليّاس في نفوس اللبنانيّين مقيمين ومغتربين، وعامل مؤثّر في مسيرة التّباعد الطّائفي والمذهبي.

هذا هو واقع ميشال عون منذ أن عاد من المنفى وهو الحالم بالوصول إلى كرسي الرّئاسة منذ العام 1988، وهذا حقّ له كأيّ مواطن لبناني من الطائفة المارونيّة الكريمة، ولكنّه وبسبب كلّ هذا "التّخبيص" وبسبب أصراره الجنوني على استحواذ هذه الكرسي لشخصه وليس لتيّاره حتّى لو كلّف الأمر حرباً أهليّة جديدة .... فوّت على نفسه نهائيّاً هذه الفرصة، فموقع رئاسة الجمهوريّة يتطلّب توافقاً جامعاً بين اللبنانيّين ليكون رمز وحدة وعامل التفاف وشخصيّة تحكيم وإدارة أزمات، خلافاً لموقع رئاسة الحكومة الذي يتطلّب اتّفاق أكثريّة نيابيّة فقط مقابل أقليّة معارضة، ...... ولا داع لطمس الحقائق وإنكار الواقع أيّاً كانت الدّوافع والمسبّبات، فميشال عون قد يكون اكتسب شعبيّة واسعة على السّاحة الشّيعيّة، فيما حقّق خسائر على السّاحة المسيحيّة يعترف بها تيّاره (حتّى وإن كان يؤكّد أنّ أكثريّة هذه السّاحة لا تزال تؤازره على الرّغم من الخسارة بنسبة لا تقلّ عن 60 بالمئة)، ولكنّه وبالتّأكيد خسر الغالبيّة العظمى من الطائفة السنيّة حتّى من أولئك الغير متعاطفين مع تيّار المستقبل، ... وإنطلاقاً من هذه المعطيات الحقيقيّة، فإنّ شخصاً يقف في هذا الموقع لن يكون ولا يجوز مطلقاً ومن غير المسموح أبداً أن يكون رئيساً للبنان، بلد التّوازنات الطائفيّة والمذهبيّة الحسّاسة، أقلّه في المستقبل المنظور. 

وها هو الآن يطلّ علينا كلّ بضعة أيّام بخطابات وتصريحات دونيّة فيها الكثير من التّهديد والوعيد والإهانات وتوجيه الإتّهامات السّخيفة يميناً وشمالاً ممّا من شأنه أن يعمّق توغّله في حقول الإنقسامات والفتن اللبنانيّة اللبنانيّة بعد أن سبق وطالت سهامه ميثاق الطّائف والبطريرك صفير والمفتي قبّاني وكثيرين غيرهم، ... وخطابه الأخير الذي وجّهه إلى المغتربين اللبنانيّين في الخارج يبرز بوضوح إرباكه وضياع حيلته وفراغ مضمون كلامه، فهو وضع تيّار المستقبل تحت مرمى سهامه متّهماً إيّاه بمحاولة شراء أصوات المغتربين من خلال تغطية تكاليف رحلاتهم إلى لبنان، ...... ولكنّه لم يكن يعي بأنّ مثل هذا الإتّهام إنّما هو إهانة لضمائر وعقول وذكاء المغتربين أنفسهم قبل أن يكون اتّهاماً لتيّار المستقبل !!!!! ولو افترضنا جدلاً أنّ تيّار المستقبل قد يقدم على مثل هذه الخطوات الإغرائيّة، فهل سيكون هذا كافياً لشراء صوت هذا المغترب أو ذاك ؟؟؟؟ وحتّى إذا تمّت عمليّة تمويل الرّحلة، ما هو الضّامن بأنّ هذا المغترب المستفيد سيصوّت لصالح تيّار المستقبل، وكيف سيكون ذلك في ظلّ التشدّد في تطبيق القوانين عند الإقتراع ؟؟؟؟ هذا فعلاً هراء إن لم نقل سذاجة،

هذه الإتّهامات هي علامات إفلاس وفشل سياسي الهدف منها تغطية أيّ خسارة محتملة في الإنتخابات، وهي أيضاً تأكيد وجود عقدة نفسيّة كبيرة لدى ميشال عون إسمها تيّار المستقبل وآل الحريري (مع العلم بأنّني شخصيّاً لست من مناصري تيّار المستقبل بل من منتقديه بسبب ضعف تركيبته السياسيّة)، حيث أوعز ميشال عون لماكينته الإعلاميّة ببثّ سموم الحقد والكراهيّة ضدّ آل الحريري وأيضاً ضدّ الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري من خلال التّركيز على افتراءات واتّهامات باطلة عن الفساد والسّرقة تعود إلى زمن الوصاية السّوريّة متجاهلاً عن قصد أنّ أكثر من ثلثي وزراء كلّ الحكومات التي شكّلها الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري والذين كانوا أقوى منه نفوذاً في وزاراتهم وفي الأموال التّابعة لها بسبب تقاربهم الأقوى مع الإستخبارات العسكريّة السوريّة وتغطيتها لهم آنذاك، هم الآن رفاق له في صفوف المعارضة من أمامه وخلفه وعن جانبيه، وبالتّالي سيكون من الأفضل له لو يتوقّف عن التّجنّي على آل الحريري وعلى الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري، فرفيق الحريري حجز له مكانة كبيرة في نفوس اللبنانيّين أكبر بكثير جدّاً ممّا يمكن لميشال عون أن يتصوّره أو أن يحلم به. 

إذا حرصت أجهزة الدّولة والمراقبون والمندوبون على سلامة سير العمليّة الإنتخابيّة فلن يكون هناك تأثيرات تذكر لأيّ مال إنتخابي مهما عظم حجمه، فمنع النّاخب من الإقتراع العلني وإلزامه التقيّد بالقوانين من خلال إجباره على الدّخول خلف السّتارة وإقفاله المظروف قبل الخروج للإقتراع سيحدّ كثيراً من فاعليّة شراء الأصوات وسيدفع بشاري الأصوات إلى التّفكير مليّاً قبل الشّروع بأيّ عمليّة دفع إذ أنّ مسألة التّأكّد من الإقتراع لمصلحته ستكون شبه مستحيلة، .....

على ميشال عون أن يعرف أنّ النّاخب الأكبر في الإنتخابات المقبلة هو الحدث والخطاب والبرنامج والمشروع والرّؤيا، وبناءً عليه أجدى له يتوقّف عن الهبوط في أداءه السياسي العشوائي المنفّر، وأن يحاول الإرتقاء إلى المستوى الحضاري المتـّزن الذي قد يعيد خلط الأوراق من جديد لما قد يكون فيه إيجابيّات تنعكس على سير حملته الإنتخابيّة.

chehade@gmx.com

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها