قرأت لاحد
الكهنة الاعزاء على الفيسبوك التالي:
"هل من تفسير منطقيّ وشرعيّ للافتات الموضوعة على بعض الجدران في النّاصرة
وفيها مَسٌّ بمشاعر آلاف المسيحيّين الدّينيّة؟
ماذا تخدم هذه اللافتات؟
هل تخدم وحدتنا الوطنيّة
والقوميّة، أم تجعل المسيحيّ يشعر بأنّه منبوذٌ حتّى في أرضه وبلده؟
وعندما يأتي متطرّف
يهوديّ كرئيس الائتلاف الحكوميّ ليُعلن عن قانونٍ لا يخلو من الخباثة
والنّجاسة يجعل من المسيحيّين أُمّةً منفصلةً عن الكيان العربي بتمييزهم في
بطاقات الهويّة بأنّهم "مسيحيّون لا ينتمون إلى العروبة" ويسير خلفه بعض
المسيحيّين، نشتمهم ونلعنهم ونقول عنهم "عملاء"، لماذا لم تُفكّروا في بعض
التّصرّفات الجاهليّة والعبثيّة الّتي تجعل هذا البعض المسيحيّ ينحاز
لإسرائيل؟
لماذا يصمت الصوت
الإسلاميّ المعتدل عن هذه الخروقات الفاضحة للبعض المسلم "المتغرِّب عن
إسلامه ونبيّه الكريم؟".
لماذا لا يدعو العاقلون من المسيحيّين والمسلمين (وأعتقد أنّهم كُثُر) إلى
مؤتمرٍ عام يدرس بعمقٍ هذه التّحديّات والأزمات الّتي يتخابط بها مجتمعنا
العربيّ؟
هل الدّين يعني
إلغاء الآخر المختلف أم قبوله ومحبّته والحوار معه؟
نحن لا زلنا نؤمن بأنّنا شعبٌ واحد، ولكنّ ما يحدث من انفلاتاتٍ عبثيّةٍ
هنا هناك يقودنا إلى التّفكير بأنّ هذه المقولة هي مجرّد شعاراتٍ عفا عنها
الزّمن. أدعو الجميع إلى وقفةٍ حرّة وموقفٍ شجاع."
الجواب:
1. ما هي الهوية الارامية السريانية؟ ما
علاقتها بمسيحيي البلاد التي تحدها شبه الجزيرة العربية في الجنوب وبلاد
ارمينيا في الشمال، والبحر الابيض المتوسط من الغرب وبلاد فارس (ايران) من
الشرق؟
*
ما هو أصل الاراميين بحسب الكتاب المقدس:
الآراميّون هم بنو
آرام بن سام. وكانوا امَّة كبيرة مشهورة. مواطنهُم من اقدم الايام البلاد
الفسيحة الارجاء التي توطنوها مع ابيهم قبل الجميع فتسّمت باسمهم: بلاد
آرام او بلاد الآراميين. وهي المحدودة :
شرقاً ببلاد الفرس وغرباً البحر الابيض المتوسط.
شمالاً ببلاد الارمن و آسيا الصغرى وجنوباً بشبه جزيرة العرب .
*
المطران جورج خضر: "لفظة روم لم تعني يوما اليونانيين"
"كل المسيحيين كانوا على اليونانية او
السريانية بحسب المناطق، وتعرّب لساننا تدريجيا..."
"..الطقس البيزنطي كان يؤدى فترة طويلة من الزمن باللغة السريانية، وكان
الانجيل يقرأ فيها في كنائسنا حتى القرن 16."
"فالقول ان هذه الكنيسة كانت عربية من حيث العرق او الدم او اللغة ليس
صحيحا، أما أنها في زمن الثورة العربية في الحرب العالمية ال1 كانت تحس
بعروبتها فهذا صحيح..."
*
"المطران حداد: تعرف أن أنطاكية ذابت مع التاريخ. وبعد الزلزال الذي
حدث وبعد سيطرة القسطنطينية على أنطاكية أصبح الطقس البيزنطي طقسا مهيمنا.
واختفت آثار السريانية في طقوسنا الشرقية هنا. والهيلانية كانت ذات طابع
عام وشامل في هذا الشرق. حتى الروم الأورثوذكس اليوم. الإشكالية ليست فقط
عند الروم الملكيين إنما عند الروم الأورثوذكس أيضا. طقسهم ليس بيزنطيّا
بحسب التاريخ، وهو قسطنطيني. أما الطقس الأنطاكي فهو يختلف. ولا تزال هناك
مخطوطات قديمة باللغة السريانية ندين لها بأنها أصالتنا وتشبه إلى حد بعيد
الطقس الماروني السرياني والسرياني السرياني."
2. هل هي هوية نشأت من جراء وضع لافتات جدران
عنصرية طائفية ضد الايمان المسيحي في مدينة الناصرة منذ اقله عام 2008؟
طبعا لا فالهوية الارامية السريانية تسبق الكثير من الهويات (منها العربية
القرن ال-7) على هذه الارض بقرون عديدة.
3. هل هي هوية نشأت جراء المس بمشاعر الدينية
لالاف المسيحيين؟
طبعا لا. ان الهوية الارامية سابقة لليهودية والمسيحية والاسلامية. وعند
انتشار المسيحية كان اول شعب (الشعب الارامي) امن بالمسيحية ونشر البشارة
المسيحية حتى وصلت الصين والهند. حتى ان سيدنا يسوع المسيح ووالدة الله
مريم والرسل تكلموا الارامية الجليلة التي ما زالت بقواعدها ومفرداتها حية
على لسان اهل الجليل والاراضي المقدسة ولبنان وسوريا. فطبعا ان المس
بالمشاعر الدينية لم تسبب انشاء هذه الهوية لانها سابقة لهذا المس. لكن ان
مثل هذه التصرفات والذمية ونكبات عدة وتزييف التاريخ ادت الى طمس او تغطية
هذه الهوية.
4. وهل هي اللافتات التي تفرق الوحدة الوطنية
والقومية؟!
ام ان هناك قومية وحضارة تسيطر عنوة وتفرض نفسها بالتجهيل والترهيب
والترغيب على الهويات الاصلية في بلادنا. وتفرض نفسها وترفض غيرها وكل
اختلاف بعنصرية وجهل!
5. هل عضو الكنيست المتقدم بقانون مساواة
للمسيحيين، على غرار الانتماءات الاخرى، هو متطرف يهودي؟!
أم ان من يرفض القانون هو متطرف
وعنصري؟!
وهل من يشتم ويلعن
ويهدد وينعت غيره بالعمالة هو المتطرف؟!
علما ان:
أ.
القانون ليس مفروض على احد وخاصة ليس مفروض على المسيحيين ولا على غيرهم
فبالتالي هو لا يفصل احد عن احد
ب. من طلب من عضو الكنيست ان يتقدم بالقانون
هم مسيحيين منهم من لا ينتمي الى القومية العربية (وهذا حق انساني طبيعي)
ومنهم من لا يعطون للهوية القومية معنى كانت ارمنية، ارامية، عربية او
يونانية الخ...
فبالتالي الكلام على
الفصل عن العروبة والكيان العربي لا يمت اليهم بصلة لانهم ليسوا عربا اصلا
بل الصقت بقسم منهم العروبة عنوة في زمن لطرد العثمانيين وضد موجات التتريك
والاسلمة الحديثة!
فهذا كان في عصر ساد
الخوف على مسيحيي الشام، وان كنتم ترون ان الاسباب ذاتها موجودة فالعلة ليس
بالمختلف بل العلة في من لا يقبل الاختلاف!
وها اننا نرى حتى ان
التنازل عن الهوية الاصلية لمسيحيي سوريا والعراق والتمسك بالهوية العربية
لم تشفع لهم في هذا العصر، ولا في عصور سبقت!
فلماذا الافغنستاني والايراني
والباكستاني ليسوا مضطهدين لانهم افغانستانيين او ايرانيين او
باكستانيين... بينما الارامي السرياني صاحب الارض في الشام مضطهد لاجل
قوميته المختلفة مع العلم ان البلاد بلاده وسميت بلغته بشهادة الجغرافيين
العرب القدماء ذاتهم!
ج.
القانون هو حق وليس واجب، وهو حق للمسيحيين غير مفروض كما ان نفس الحقوق هي
للعربي والدرزي والبدوي والشركسي... فلماذا لا تدعونهم بالعنصريين والتطرف
و..و..و...
ليكن معلوم عند الجميع وخاصة عند المسيحيين الذميين وغيرهم: "المسيحيين
ليسوا مكسر عصا عند احد".
*
ان من يلعن ويشتم و..و..و.. فهو ينضح بما في داخله من صفات ويوضح للعامة ان
كان لديه حضارة وثقافة وما هي ماهيتها؟!
6. " هل الدّين يعني إلغاء الآخر المختلف أم
قبوله ومحبّته والحوار معه؟ "
ونضيف فنقول هل اي
قومية مختلفة تعني إلغاء الآخر المختلف أم قبوله ومحبّته والحوار معه في
اطار التعددية وبناء صورة جميلة ملونة لمجتمع افضل لا يسيطر عليه لون واحد
باهت؟!
فالامثلة كثيرة
فالاراميين في بلاد الشام مر عليهم احتلالات كثيرة كالفرس واليونان
والرومان والعرب والمغول والمماليك الخ. وكان لهم شأن كبير في ترك الاثر
عند تلك الشعوب وعلى سبيل المثال فالاراميين خدموا اعظم خدمة بنقل كتبهم
وعلومهم وكتب وعلوم اليونايين الى العرب ومن ثم الى اوروبا دون الذوبان ومع
الحفاظ والافتخار بهويتهم الاصلية فلماذا تحاولون وتريدون منذ قرن ونيف من
الزمن تزييف هويتهم (-تكم) وهوية ابنائهم (ابائكم) واحفادهم لاجل سياسات
عابرة!!!
7. نحن لا زلنا نؤمن اننا مجتمع متعدد
الحضارات والثقافات والديانات والاثنيات وما يجب ان يجمعه هو الانسانية
بالعمل والفعل والتصرفات والاحترام المتبادل رغم الاختلاف وليس دين او
قومية سياسية او سياسة او حضارة او ثقافة او اثنية الخ... هذه الانتمائات
منها ما نحن احرار بتحديدها (كالدين والسياسة) ويمكن انتقاضها بصورة حضارية
وديموقراطية، ومنها ما ولدنا عليها وفيها كالاثنية والحضارة لا يمكن
تغييرها مهما جربتم طمسها وتزييفها وتحوير اسمائها وانتحالها!
8. فمن هم العملاء بربكم من يصبو الى انجاز
قرار مسيحي حر!
ام من يسلم "لحيته"
لغيره خوفا كونه اقلية، ويجعلونها اقلية داخل اقلية لا قرار لها!
او من يقبل ان يبقى الوضع المسيحي
على ما هو بدون ان يكون له حرية التعبير او الاختلاف او التعدد او اتخاذ
قرارات علنية تخصه وتخص مصالحه ومستقبل ابنائه وتحسين اوضاعهم في الدولة
التي يعيشون بها بكرامة وحرية!
وهل ستبقون تتطالبون بحقوقكم من
"تحت لتحت"بالخفية من دولة اسرائيل وتسليم قراراتكم لملحدين سياسيين واخرين
لا يمتون للمسيحية بصلة، همهم الوحيد تأجيج الشارع والمناطحة لاجل الحصول
على كرسي ووظيفة في هذا المكتب الحكومي او في البرلمان او الظهور في
الصحافة العربية المنافقة الصفراء كالجزيرة والعربية وغيرها التي لا تذكر
المسيحيين في الشرق الا اذا "فاتو ببعضن"!
9. اما بالنسبة للافتات، فلماذا سكتم على هذه
اللافتات العنصرية سنين طويلة، والفرصة الوحيدة التي تم الاعتراض عليها هو
من خلال التطاول على مسيحيين شرقيين اصيلين الذين يطالبون بحقوقهم!
الا يقدر قراركم الحر "العربي"
المطالبة بحقوقكم دون التجني على اخرين او اظهار اخرين انهم مسيحيين
"عاطلين"!
اوليست هذه الذمية
الحديثة التي يعاني منها المسيحي في كل الشرق! فلماذا تستحضرونها في دولة
قانون بعكس الدول العربية التي يستشري فيها قانون الغاب!
اخيرا، ان لم تجمع الانسانية الانسان بغيره، فيما تحفظ كرامته وحريته، لا
يمكنها ان تجمع ابناء قومه (فانظروا الى شرقنا التعيس الخالي من الانسانية
وهو مهد الانسانية والحضارات والديانات). فنعم ان تعميم اللون الواحد على
الفسيفساء المتعدد هي مجرد شعارات! |