هندي لـ"الجمهورية": تطبيق
الطائف شرطه استعادة السيادة
جريدة الجمهورية
يعتبر الدكتور توفيق هندي أنّ الخلاص الوطني ونجاح النموذج اللبناني
يشترط تحقيق مسألتين أساسيّتين: إستعادة الدولة سيادتها على كامل أراضيها
واحتكارها القوة المسلحة، ومن ثمّ إرساء المناصفة الفعلية بين المسيحيين
والمسلمين، ويرى أنّ تحقيقها يؤدّي إلى تنفيذ اتفاق الطائف الذي يدافع عنه
بشراسة، داعياً إلى تنفيذ كامل بنوده قبل التفكير في أي تعديلات إجرائية
وليس أساسية على متنه.
إذا فُقِد التوازن في المجلس، تُفقد المناصفة الفعلية والتوازن بين السلطات
• هل اتّفاق الطائف قابل للتطبيق؟
يفترض أن يكون الطائف قابلاً للتطبيق في أي وقت كان، ولكن ما حال دون
تطبيقه في السابق هو الوجود السوري في لبنان الذي استفاد من ظروف إقليمية
(حرب العراق) دفعت المجتمعين العربي والدولي إلى إهداء لبنان إلى سوريا
لتسيير أموره.
فالظروف اختلفت بين لحظة نشأته من حيث موازين القوى التي كانت سائدة آنذاك،
ووقت تنفيذه. والسبب الأساسي في هذا الإطار هو الحرب التي شنّها صدام حسين
على الكويت واحتلاله لها، ما غيّر كلّ المقاييس وأدخل سوريا شريكاً مع
أميركا والدول الخليجية التي خافت على نفسها، وبالتالي ولدت إرادة دولية
وعربية بأن تدير سوريا لبنان.
وقد استمرّ هذا الوضع حتى العام 2005، تاريخ خروج الجيش السوري من لبنان،
إلّا أنّ إيران حافظت على وجودها فيه من خلال وجود "حزب الله"، وبالتالي
فإنّ موازين القوى فرضت حالة من عدم التوازن وعدم القدرة على تنفيذ اتّفاق
الطائف أو غيره. ولكن هذا لا يعني أنّ هذا الاتفاق لن يُطبّق أبدا، بل إنّه
سيكون قابلاً للتطبيق عندما يستعيد لبنان سيادته واستقلاله الكاملين، وتصبح
الدولة فعلاً موجودة.
كلمة مقاومة غير موجودة
إتّفاق الطائف لا يقتصر فقط على الإصلاحات التي تطال النظام السياسي
والدستور، إذ إنّه يضمّ أيضاً حلّا لجميع الإشكالات التي طرأت منذ حرب
1975، إذ ينصّ على موقف تجاه إسرائيل وموقف آخر تجاه الدولة وأجهزتها أي
بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، من هنا نجد التشديد على دعم الجيش
اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وفي الوقت نفسه تسليم كافة الميليشيات
اللبنانية وغير اللبنانية سلاحها، أما بدعة المقاومة وما يدّعيه البعض عن
ذكر هذا التعبير في نص الطائف، فهذا غير صحيح إطلاقاً، كلمة مقاومة غير
موجودة.
صحيح أنّ هناك بنداً حول تحرير الأرض ولكنّه واضح جداً، إذ ينص على العودة
إلى اتّفاقية الهدنة عام 1949 وتنفيذ القرار 425 إلى جانب قرارات مجلس
الأمن ذات الصلة. أمّا في ما يتعلّق بالعبارة الواردة في البداية والتي
تشير إلى "استعمال كامل الوسائل لتحرير الأرض، فلا يعني بتاتاً أنّ
المقاومة محصورة بـ"حزب الله"، كما أنّ هذا البند يأتي في إطار أكبر وهو
بناء الدولة اللبنانية، أي أنّ العنوان العريض لاتفاق الطائف هو بناء
الدولة.
وأكثر من ذلك، فإنّ مَن غطّى الطائف على المستوى المسيحي هما طرفان
أساسيان: "القوات اللبنانية" على المستوى السياسي، وبكركي والبطريرك صفير
على المستوى الوطني والكنسي.
وبالتالي، لم تكن هذه التغطية لتؤمن، لولا أنّها كانت تعني أن تسلّم القوى
المسيحية سلاحها في حين أنّ "حزب الله" أو غيره يحتفظ بسلاحه بذريعة
المقاومة. فهل من المعقول أن يقبل هذان الطرفان بهذه المعادلة؟ فحزب
"القوات" كان أيضاً مقاومة لتحرير لبنان من كافة الأطراف التي وضعت يدها
عليه، عدوّة كانت أم صديقة.
سلاح "حزب الله"
• هل سقوط النظام السوري يدفع في اتّجاه تسليم "حزب الله" سلاحَه؟
سقوط النظام السوري سيخلق ميزان قوى داخل لبنان يؤدي إلى أن يكون موقعا
"حزب الله" و8 آذار أضعف من السابق، ولكن هل يكون هذا الأمر كافياً لكي
يسلّم "حزب لله" سلاحه؟ برأيي، من الصعب أن يؤدّي سقوط النظام الأسدي إلى
هكذا نتيجة. هناك مَن يسعى إلى تشبيه وضع "حزب الله" بوضع حزب "القوات"
عندما سلّم سلاحه، ولكن هذا غير صحيح، فالوضع مختلف تماماً.
فمشروع "القوات" هو قيام الدولة اللبنانية، أمّا "حزب الله" فمشروعه جهادي
إسلامي (بالمفهوم الشيعي)، يتعدّى تصوّره وإطاره الحدود اللبنانية، ويتعدّى
الصراع العربي – الإسرائيلي وهو صراع كوني. والأساس في هذه المرحلة
الاستراتيجيّة التي يمرّ فيها مشروع "حزب الله" هو "المقاومة"، والتي لا
تعني تحرير الأرض اللبنانية.
فبالعودة إلى الوثيقة السياسية التي وقّعها عام 2009، يتبيّن لنا أنّ هدفه
أوسع بكثير من تحرير مزارع شبعا بل يتعدّاها إلى تدمير دولة إسرائيل والى
ما بعد بعد تدمير إسرائيل.
وبالتالي إذا سلّم سلاحه في هذه المرحلة، فهذا يعني أنّه تخلّى عن مشروعه
الأساسي وعن علّة وجوده السياسية، فهو ليس حزباً شيعياً ولا حزباً إسلامياً
في وسط شيعي. وهذه المسألة تختلف تماماً فالحزب الشيعي هو حركة "أمل".
طالما لدى "حزب الله" القدرة على الحفاظ على سلاحه من خلال ميزان القوى فهو
لن يتخلّى عنه. واليوم، إذا تطوّر الأمر أكثر، بمعنى أنّه إذا تعرّضت إيران
بدورها لضربة على المُفاعل ومنشآتها النووية، قد يقدّر "حزب الله" أن لا
مجال ولا ظروف مؤاتية لاستكمال مشروعه، وبالتالي قد يتخلّى عن سلاحه. إذاً،
إنّ سقوط النظام وحده لن يؤول إلى تخلّي "حزب الله" عن سلاحه.
• هل تعتقد أنّ الأزمة اللبنانية ستبقى معلّقة في انتظار أن يسلّم "حزب
الله" سلاحه؟
طالما أنّ هناك طرفاً يحمل سلاحاً أقوى من سلاح الدولة ويملك قرار تحريكه،
فلا وجود للدولة اللبنانية، بل هو شكل دولة ومن الصعب أن تصبح فعليّة قادرة
على اتخاذ قرار فعلي وتسيير أمورها.
• هل تعتقد أنّ "حزب الله" يريد تطيير اتّفاق الطائف؟
"حزب الله" لم يكن يوماً مع اتفاق الطائف، الذي يلغي وجوده المسلّح، وهو
يدرك ذلك ولكنّه يحاول التحايل على الموضوع، وطالما أنّ الجميع يؤيّد اتفاق
الطائف فهو مضطرّ إلى نفي معارضته له، ولكن هذا مجرد كلام ولكنّه فعلا ضدّ
هذا الاتفاق. ما يهمّه ليس تغيير المعادلة الداخلية كما يقول البعض، بل ما
يهمّه هو تحديد وجهة لبنان في المنطقة.
• هل يطبّق الطائف كما هو اليوم أم أنّه يحتاج إلى تعديلات؟
المناصفة المسيحية-الإسلامية
النقطة الأساسية التي يقوم عليها الطائف هي قضية الدولة بشكل عام وسيادتها
والحرية والاستقلال وما إلى ذلك، وصيغة الدستور الأساسية القائمة على
معادلة واضحة هي المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين إلى حين إلغاء
الطائفية، وذلك حسب آلية معنية ينصّ عليها الطائف والمادة 95 من الدستور.
يجب الالتزام الكامل بهذه المعادلة، وأي محاولة للتلاعب بها تكون خطأ
كبيراً. فمن مصلحة المسلمين قبل المسيحيين المحافظة على هذه المسألة إذا
أرادوا المحافظة على الكيان اللبناني، أمّا إذا أرادوا أن يصبح لبنان مثل
سوريا، مصر أو الأردن، حيث وضع المسيحيين غير شبيه تماماً بوضع المسيحيين
في لبنان، فنحن منطلقون من دولة طابعها مختلف بالأساس عن طابع الدّول
الأخرى، وبالتالي يجدر بنا أن نبقى في إطار لبنان الكيان المميز الرسالة،
وأن نصون هذه المعادلة الأساسية وهي المناصفة الحقيقية بين المسلمين
والمسيحيين. وهنا المقصود ليس إلغاء الطائفية السياسية بل إلغاء الطائفية،
والالتباس كان مقصوداً.
في البداية، يجب تنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف. أما عمّا إذا كان هناك من
ضرورة لتعديل بعض بنوده، فهذا يكون بعد السير في عملية التنفيذ. كما هناك
بعض الشوائب ولكنها قضايا إجرائية، ففي إطار صلاحيات رئيس الجمهورية على
سبيل المثال، هناك بعض القضايا الإجرائية التي يُفترض توضيحها تنفيذاً
لصلاحياته.
مصدر السلطات هو مجلس النواب الذي ينتخب رئيساً للجمهورية ويُعيّن رئيساً
للحكومة ويعطي الثقة للحكومة وينزعها عنها. وبالتالي هو المركز الرئيسي،
وإذا فُقد التوازن في المجلس، تُفقد المناصفة الفعلية والتوازن بين السلطات
أو الرئاسات الثلاث. إذا، يبدأ التوازن في المجلس النيابي حيث يحصل
المسيحيون على مناصفة فعلية في هذا المجلس، وذلك من خلال قانون الانتخاب
الذي يؤمّن المناصفة الفعلية والعيش المشترك.
ولكن يبقى شرط تنفيذ الطائف أن يزول العنصر الذي يعيق وجود الدولة ألا وهو
السلاح.
تلافي الحرب على لبنان
• ماذا لو لم يسلّم "حزب الله" سلاحه واستطراداً ما انعكاسه على لبنان؟
لكي "لا يذهب الصالح بعزى الطالح"، على الدولة اللبنانية أن "تنشق" عن
"دولة حزب الله" إذا رفض الحزب تسليم صواريخه بالسرعة البيانية للجيش
اللبناني لتفويت الفرصة أمام إسرائيل لتدمير ليس فقط حزب الله إنّما لبنان
دولة، شعب وأرض. ومن الواضح أن ترسانة "حزب الله" باتت تشكّل عاملاً
"مهدّداً" لأمن إسرائيل، بتقدير القيادة الإسرائيلية. وإذا كان سلاح الحزب
الذي يتحرّك بقرار ذاتي مترابط مع قرار إيران يستجرّ منطقياً الحرب
الإسرائيلية المدمرة على لبنان، بغض النظر "لمن يكون الانتصار"، يمكن تلخيص
الحالات التي يمكنها في هذه المرحلة أن تنتج هذه الحرب على الشكل التالي:
1. أن تأخذ إسرائيل المبادرة بضربة استباقية على لبنان تحضيراً لضربة
على إيران باتت بحكم الواقعة بنسبة عالية قبل الانتخابات الأميركية وبشكل
شبه مؤكد في الربيع القادم على أبعد تقدير.
2. أن يبادر حزب الله بحرب على إسرائيل على الحدود أو في الخارج (مثلا"
بلغاريا؟!)، رداً على هجوم إسرائيلي على إيران أو للخروج من مأزقه اللبناني
على وقع سقوط الحكم الأسدي وضعف إيران النسبي نتيجة حصارها وعزلتها، أو
لمحاولة خلق دينامية "مقاومتيّة" قد يظن الحزب أنّها قد تساهم في إخراج
الحكم الأسدي من ورطته أو تطويل عمره.
3. أن تبادر إسرائيل بهجوم على لبنان إذا تمّ نقل أسلحة من سوريا إلى حزب
الله تعتبرها خطرة (بعض أنواع الصواريخ، أسلحة كيماوية أو بيولوجية).
4. أن تبادر إسرائيل بضرب حزب الله كبدل عن ضائع، أي ضرب إيران. لم تكن
يوماً الحرب الإسرائيلية على لبنان أقرب من اليوم. نتمنّى على رئيس
الجمهورية أن يستخدم صلاحياته الدستورية بالحفاظ على سلامة لبنان
واللبنانيين للطلب رسمياً من حزب الله تسليم صواريخه إلى الجيش اللبناني،
ونتمنّى من الرئيس ميقاتي تقديم استقالته وبالتالي استقالة الحكومة لكي لا
تتحوّل الحرب على حزب الله إلى حرب على لبنان.
المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها