لوفيجارو: مسيحيو سوريا يسقطون بين فكى كماشة
باريس فى 2 أغسطس / ام سى ان /
افردت صحيفة ( لوفيجارو) الفرنسية – الواسعة الانتشار باوروبا- فى موقعها
على شبكة الانترنت ،عدة موضوعات تطرقت فيها إلى وضع مسيحيى سوريا ومستقبلهم
فى ظل الصراع الدائر هناك حاليا ، كما اجرت لهذا الغرض حوارا حصريا مع سلام
كواكبى مدير مؤسسة "مباردة الاصلاح العربى" بالانابة .
فتحت عنوان( مسيحيو سوريا يسقطون بين فكى كماشة) قالت ( لوفيجارو) " إنها
المرة الاولى من بداية الحرب فى سوريا التى تدور فيها عمليات قتالية بين
الجيش النظامى والثوار على حدود اثنين من الاحياء المسيحية فى دمشق وهما حى
باب توما وحى باب شرقى".
واشارت إلى أنه حتى هذه اللحظة من الصراع ، آثر المسيحيون ان ينأوا بأنفسهم
عن هذا النزاع إذ التزم جميع المسيحيين اماكنهم .
وقالت "إن النظام السورى طالما دلل المسيحيين وهم اقلية التفت حول الطائفة
العلوية إذ ان نظام بشار الاسد كان يحرص دائما على الحصول على مساندة
اقليات اخرى"، مشيرة إلى ان نسبة المسيحيين فى سوريا تتراوح بين 8 و12 %
وهى نسبة يصعب التحقق منه نظرا لغياب احصاءات ترتكز على اساس دينى .
واضافت "لوفيجارو" أنه بعد مرور عدة شهور من اعمال العنف ، اصبح الكثير من
المسيحيين يخشون ان يدفعون مستقبلا ثمن تقربهم المفترض مع حكومة بشار الاسد
ومن قبل والده حافظ الاسد .
ولهذا يثير احتمال استبدال الحكم الاستبدادى لبشار بحكومة انتقالية تعددية
قلق اعضاء مايقرب من 12 كنيسة فى سوريا تتنمى إلى الطائفة الارثوذكسية او
تتبع روما .
كما ان تواجد الاخوان المسلمين فى الحكومات المستقبلية امر لايبعث على
الطمأنينة بين المسيحيين ، بالرغم من إن جماعة الاخوان المسلمين طالما وعدت
بتحقيق المساواة بين الطوائف كافة .
ونقلت الصحيفة عن رئيس الاساقفة فى حمص خلال الفترة من 1986 وحتى 2005
المونسنيور ابراهام نيهمى - وهو اسقف يونانىـ كاثوليكى - خشيته من أن يمثل
تولى الاخوان المسلمين الحكم فى سوريا تهديدا لوجود المسيحيين فى هذه
المنطقة على المدى الطويل.
وقالت " إن المخاوف تنتاب المسيحيين من تعرضهم لعمليات قمع نظرا لان الكثير
من رجال الدين المسيحيين ايدوا مبررات السلطة واستنكروا الطابع الشعبى
للانتفاضة ، وكان اينياس زاكا رئيس الكنيسة السريانية الارثوذكسية قد اعلن
ـ من جانبه ـ فى شهر فبراير الماضى لوكالة /نوفوستى/ الروسية للانباء ان
قوى خارجية اججت الثورة وليس ابناء المجتمع السورى ، فيما استنكر بعض رجال
الدين ماقالوا إنه مؤامرة من جانب الجماعات السلفية لـ (طرد المسيحيين)
خاصة المقيمين فى حمص" .
ويبدو ان هذه المزاعم تستهدف ـ بصفة خاصة ـ لواء محليا تابع لجيش سوريا
الجيش يرأسه عبدالرزاق طلاق ـ ابن عم العميد المنشق مناف طلاس ـ والذى ايد
مؤخرا مواقف الاسلاميين، بينما انكر اليسوعيون السوريون من بيت حمص مسألة
استهداف الانصار المسيحيين .
وكان خطاب رجال الدين السورى الناشطين تجاه الإسلاميين يختلف ـ فى الماضى ـ
وفقا لتحالفات النظام ، وفى عام 2006 ـ خلال الحرب التي شنتها اسرائيل في
جنوب لبنان ـ طالب الاب الياس زهلاوى، راعى كنسية السيدة العذراء فى دمشق
فى عظته (الصلاة من أجل حزب الله) .
استطردت ( لوفيجارو) قائلة " إن الفاتيكان اعرب عن قلقه من حدوث انتهاكات ،
وقام ماريو زينارى، القاصد الرسولي في دمشق المطران بتعيين عدد من الاساقفة
كمقربين من النظام وذلك حسبما جاء فى مقابلة نشرها على شبكة الانترنت
كريستان كانوييه، استاذ اللاهوت في جامعة ليل الفرنسية ، الذى أنكر تحديد
القاصد الرسولى لاسماء بعينها، ولكنه اكد انه لايوجد حتى هذه اللحظة طرد
ممنهج للمسيحيين من جانب فصائل المعارضة ، مضيفا ان التعاون بين الاغلبية
المسلمة والمسيحيين لايزال قائما .
بيد أن الحقيقة معقدة كما هو الحال دائما فى الشرق، وفى هذا الصدد يرى
اينياس لوفوريه وهو دبلوماسى فرنسى سابق عمل فى سوريا وكاتب مدونة ( نظرة
على سوريا) " إنه ممالاشك فيه ان الكثير من المسيحيين فى سوريا يفضلون بقاء
النظام الحالى مع وجود حكومة تضم اسلاميين ، ولكن هناك مسيحيين اخرين مثل
المعارض التاريخى ميشيل كيلو يرفضون هذا التوجه ، الذى اكد انه "إذا قرر
المسيح ان يعود فى عصرنا هذا ، فإن اول شىء سيفعله هو النزول إلى الشارع
والمشاركة فى المظاهرات ."
واضافت صحيفة "لوفيجارو" إن معارضا مسيحيا آخر وهو ايمن عبد النور المستشار
السابق لبشار الاسد والذى يقيم فى المنفى منذ عام 2008، قد أسس حركة اطلق
عليها "مسيحيو سوريا من اجل الديمقراطية".
وقالت الصحيفة إن ايمن عبد النور استنكر فى موقعه ( الكل من اجل سوريا)
التلاعب بالعامل الطائفى، وقال " إن الامن السياسى كان يرغب فى تسليح
الشباب المسيحيين من احياء قصاء وباب توما فى دمشق من اجل مساعدتهم على
حماية احياء من أى هجوم محتمل من جانب الجماعات الجهادية المسلحة "، كما
تمت دعوة الشباب لتشكيل ميلشيات ولكنهم رفضوا " ، وذلك حسبما اشار المدون.
وقالت الصحيفة إنه " حتى هذه اللحظة لم يتعرض المسيحيون لأى هجوم من جانب
"الجهاديين" بل على النقيض ، ففى الريف يأتى رجال الحكومة السورية لسحب
اسلحة المسيحيين حيث ان غالبية الشعب اصبح مسلحا" .
وفى مقال آخر لصحيفة "لوفيجارو" تحت عنوان ( الانقسام يدب بين شباب
المسيحيين) قالت " إن الشباب المسيحى منقسم بين مؤيد للنظام ومعارض له، إذ
شاركت قلة من الشباب المسيحى فى مظاهرات سلمية ضد النظام ولم ينجوا من
السجن بل وتعرضوا للضرب ولكن لحسن الحظ لم يخضعوا لتعذيب، بل إن البعض أجبر
على مغادرة البلاد ، ولكن على جانب آخر ، هناك مسيحيون اصطفوا إلى جانب
النظام السورى .
ويرى بعض الطلبة – وفقا للصحيفة – " ان النظام يقف وراء هذه التوترات
الطائفية ، إذ يتم دفع الشباب لتبني مواقف لم تكن طبيعية بالنسبة لهم ، كما
دأبت وسائل الإعلام التابعة للنظام على تكرير أن الوحدة هى سمة الشعب
السوري وان عناصر اجنبية تقف وراء اثارة النعرة الطائفية مما يجذب اهتمام
الناس وتتزايد الهجمات بين الطوائف" .
كما زادت حدة المعركة بين الشباب على شبكات التواصل الاجتماعية ، إذ يضع
الشباب المسيحى من مؤيدى النظام صورة بشار الاسد بزيه العسكرى على صفحاتهم
فى الفيس بوك ويوجهون اتهامات بالكذب لوسائل الاعلام الغربية وقناة الجزيرة
القطرية ، الامر الذى يزيد من حدة السباب من الجانب الاخر ، حيث اصبح
السباب امرا شائعا على الانترنت .
وفى محاولة للوقوف على حقيقة الامر ، اجرت صحيفة "لوفيجارو" حوارا مع سلام
كواكبى مدير مؤسسة "مباردة الاصلاح العربى" بالانابة الذى اكد ان النظام
السورى وبعض رجال الدين يقفون وراء المخاوف التى تنتاب المسيحيين السوريين
من حقبة مابعد بشار الاسد .
واضاف كواكبى "ان المعارضة السورية لاتتوانى عن اصدار بيانات لطمأنة جميع
الطوائف فى سوريا، بيد ان المشكلة الوحيدة تكمن فى ان المعارضين تجنبوا
التطرق للمسألة الدينية لعدة شهور وكانوا يرغبون فى التوجه إلى الشعب
السورى كله" .
وعما إذا كانت الكنائس المسيحية تواصل مساندتها للنظام السورى ، قال كواكبى
"إنه يتعين فى بادىء الامر معرفة ان روما او الكنيسة الارثوذكسية هى التى
تقوم بتعيين الاساقفة وان السلطة يجب أن تصادق على هذا التعيين"، مضيفا إن
البعض ذهب بعيدا فى مساندته للرئيس السورى ولكن الاساقفة بدأوا يتخذون الان
موقفا معتدلا ومتوازنا ، فهم يؤكدون قبل كل شىء ضرورة الحفاظ على امن
اتباعهم ، واصيب البعض منهم بالصدمة عندما تم الحديث عن المسيحيين كجالية
اجنبية يجب ان تظل بمنأى عن الصراع ، ولكن المسيحيون بعيدين كل البعد عن
ذلك ، فقد بعث مسئولون مسيحيون مؤخرا برسالة تفيد برفضهم عروض السلطة حمل
السلاح ... كما بدا القساوسة الشباب اكثر جرأة واكثر انخراطا مع المحتجين
".
واستطرد كواكبى " إن المسيحيين شاركوا منذ بداية الثورة في المظاهرات كما
شاركوا بانتاجهم الفكري ومعارضتهم مثل جورج صبرا عضو الحزب الشيوعى السورى،
واليوم يعمل الشباب المسيحيون فى حلب علي انقاذ المصابين ومساعدة النازحين
، فالقساوسة والاتباع المسيحيون يقومون في كل مكان بعمل رائع للحفاظ على
الروابط بين الطوائف المختلفة ".
وعما إذا كان وضع الطائفة المسيحية فى سوريا مماثل لنظيرتها فى العراق ،
قال كواكبى "إن التاريخ الحديث لسوريا يختلف تماما عن نظيره العراقى،
فالطائفة المسيحية السورية كانت حاضرة فى حرب الاستقلال وفى بناء الدولة
القومية وفى تأسيس الاحزاب السياسية سواء كانت يسارية أم يمينية " معربا عن
اعتقاده بعدم وجود "ضغينة" بين الطوائف فى سوريا.
وحول ما إذا كان هناك عامل طائفى فى الصراع ، قال كواكبى انه " يتم التحدث
اليوم عن وجود القاعدة ولكن هذا الوجود محدود، فالجيش السورى الحر يعى
تماما الخطر ومنذ عدة ايام اطلق بالقوة سراح اثنين من الصحفيين ـ احدهما
بريطانى والاخر هولندى ـ كانت عناصر جهادية قد اختطفتهما بالقرب من حلب ".
واكد سلام كواكبى فى ختام حواره أن كل المحاولات التى سعت لتحويل النزاع
إلى مواجهة دينية باءت بالفشل حتى الان، الا ان الدين لايزال عنصرا حاضرا
فى هذا الصراع ، والاسقاطات التى تعتمد على الحركات الجهادية توشك ان تشجع
هذه الحركات على "التطفل" على الثورة .
|