ضاحية " كل
مين إيدو إلو": سرقات، دعارة ومخدرات
الشراع
الأحد, 25 مارس 2012
كانت تهمّ بالخروج من مرآب السيارات في
إحدى مناطق الضاحية الجنوبية بعد ان استقلت إحدى السيدات سيارتها متوجهة
إلى عملها حينما استوقفها أحد الشبان بطريقة مفاجئة طالباً منها أن تسدد
فاتورتي تصليح سلك الستالايت والاشتراك الشهري بحجة انه تردد عدة مرات إلى
منـزلها هو وغيره من الشبان المكلفين بجمع الاشتراكات كل شهر ولم يجدها.
لم تتردد تلك السيدة بالاقتناع بما يقوله الشاب فالستالايت كان منقطعاً عن
منـزلها بسبب عطل تقني كما انها لم تدفع الاشتراك الشهري حتى الآن وقد مضى
خمسة أيام على تحصيل الاشتراكات، كما انها جديدة في المنطقة التي سكنت فيها
ولم تتعرف بعد على الموظفين أو الجباة.
وبعد ان أصرت السيدة ان يحضر إليها عندما يأتي بعلها إلى المنـزل عاد
وتراجع الشاب عن طلبه بدفع أجرة التصليح مكتفياًَ بإصراره بالحصول على
الاشتراك الشهري.
ولكن تلك السيدة لم يكن بحوزتها سوى 100 ألف ليرة لبنانية.. فطمأنها بأنه
سيتولى صرف المبلغ للحصول على 20 ألف ليرة وانه سيترك لها الايصال لدى
الناطور الذي ذكره بإسمه ولكنه رحل ولم يعد.
هذا مؤشر واضح عن انه من المنطقة ويعرف كل تفاصيلها حتى اسم الناطور.
ولكن الموضوع لا يتوقف على الـ100 ألف ليرة فهو مؤشر واضح على السرقات التي
تحصل بطريقة احتيالية في الضاحية وبشكل يظهر مدى ارتياح اللص في تنفيذ
السيناريو الذي وضعه بسبب غياب العين الساهرة والقوى الأمنية.
وقد ولدت هذه الحادثة شعوراً بالخوف لدى تلك السيدة التي باتت تخشى من أن
يعترض طريقها مرة أخرى ويؤذيها لذا عمدت إلى حمل قنينة سبراي مخدر تستخدمها
للدفاع عن نفسها في حال تعرضت لأي مكروه وذلك برش كمية منها على وجه
المعتدي.
هذا نموذج عن عمليات النصب والسرقة التي تحصل في الضاحية ويعزو البعض
ارتفاعها إلى الوضع الأمني في سوريا ويشيرون بأصابع الاتهام إلى السوريين
الذين يحاولون تأمين قوتهم اليومي من السرقات والسلب، إضافة إلى غياب الأمن
والدولة.
فوضى واستهتار
فوضى، استهتار، انتشار الأمن الذاتي أو حتى أمن قوى الأمر الواقع.. كلها
مصطلحات تعكس الوضع القائم في ضاحية بيروت الجنوبية أو ((حارة كل مين ايدو
إلو)).
وكأن هذه العناوين ليست كافية لإعطاء صبغة عامة عنها، فكان لانتشار تعاطي
المخدرات ومروجيها وارتفاع نسبة السرقات التي تأتي المخدرات سبباً أولياً
لها قد أعطى صورة سوداوية عنها، إضافة إلى انتشار الدعارة السرية.
ولكن هذا لا يعني ان أهالي الضاحية كلهم من الطينة نفسها، فهناك نسبة كبيرة
منهم تريد الأمن والأمان وتؤمن بأن النظام من الايمان كما هي النظافة وترفض
كل التسميات التي تطلق على ضاحية أشرف الناس.
إلا ان الواقع يفرض نفسه وليس بيد أولئك الذين يريدون العيش بكرامة سوى
الرضوخ للتسميات التي تطلق على منطقتهم.
فالأمن الذاتي أو أمن قوى الأمر الواقع جعلها ملاذاً لكل فار من وجه
العدالة سواء كان لبنانياً أم من جنسية أخرى.
750 ألف نسمة
تتبع الضاحية إدارياً إلى محافظة جبل لبنان وتضم: الشياح، الغبيري،
المشرفية، برج البراجنة، حارة حريك، بئر العبد، حي السلم، حي فرحات، حي
الليلكي والاوزاعي.
النسبة الأغلب من سكانها من الطائفة الشيعية قسم منها هجر من الجنوب بسبب
الاحتلال الإسرائيلي في الثمانينيات وذلك نتيجة لعمليات الاعتقال والقتل
التي كان يقوم بها العدو الإسرائيلي، والقسم الآخر هاجر من البقاع بسبب
الحرمان الموجود وإهمال الحكومات المتعاقبة في تحسين الظروف الاجتماعية
والمعيشية في منطقة البقاع. بالإضافة إلى أبناء المنطقة المحليين وهم
يتوزعون (مسلمين ومسيحيين).
مساحة الضاحية 28 كليومتر مربع بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان
شرق بيروت ويعيش فيها أكثر من 750 ألف شخص ضمن 120 ألف وحدة سكنية وفي
السبعينيات والثمانينيات عاشت الضاحية ((فورة)) عمرانية غير شرعية كانت
بداية لما سمي ((حي السلم)) الذي يعتبر من أكثر المناطق اكتظاظاً في لبنان.
لا يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الضاحية على انها بؤرة فساد فما
يحصل بداخلها قد يحصل في أي منطقة أخرى في لبنان من تنوع الجرائم والحالات،
ولكن الغريب في الموضوع هو ان الحالات في الضاحية تتكاثر وتتضاعف بسبب غياب
القوى الأمنية أو البذلة الرمادية بشكل دائم وفوري في أي حالة أو تجاوز
يحصل بداخلها بسبب السيطرة الحزبية بداخلها.
هذا إضافة إلى الانتشار الكثيف للعشائر التي فرضت سيطرتها على مناطق وشوارع
بأكملها وأصبحت مولجة بتأمين أمنها الذاتي ورزقها اليومي بحيث يعمل بعض
أهالي العائلات الكبيرة في مجال توزيع مياه الخدمة على المنازل بسبب
انقطاعها المتكرر وذلك لقاء مبلغ 3000 ليرة عن كل برميل، وتسيطر كل عائلة
على منطقة بأكملها وتمنع أي بائع لمياه الخدمة من الدخول إليها وإلا يحصل
ما لم يكن في الحسبان. ناهيك عن لجوء بعض الاشخاص إلى الاستقواء تحت اسم
العائلة التي يكون لها تاريخها في الارتكابات المخالفة للقانون فيفرضون
الخوات على أصحاب المحال التجارية ويفتعلون معهم المشاكل في حال لم يرضخوا
لطلباتهم.
وفي ظل هذا الوضع فإن حزب الله يمتنع عن التدخل لتجنبه الدخول في صراع مع
عائلات كبيرة وربما قد يكون للانتخابات دورها في هذا المجال بحسب ما يتردد
من معلومات تشير إلى ان الحزب يخشى أن يتعرض للنقمة من قبلهم فتكون نتائج
الحسابات في غير محلها.
ناهيك عن السيطرة على اشتراكات الكهرباء والستالايت فتتولى كل عائلة وضع
يدها على عدد من الاحياء بأكملها وتمنع أي يد غريبة الولوج إلى أماكن
سيطرتها حتى بات التجار الكبار ممن يتولون عملية توزيع الكهرباء يرفضون
استقبال أي زبون خارج نطاق سيطرتهم.
حبوب مخدرة ومجامعة قاصر
تعرض في الآونة الاخيرة أحد محال السوبر ماركت في حارة حريك الى عملية سرقة
مع العلم ان اللصوص يدركون تماماً انه مزود بكاميرات مراقبة ومع ذلك لم
يمتنعوا عن القيام بما خططوا له في ظل غياب الرقابة الامنية في المنطقة،
الاّ ان رجال الامن تدخلوا في اللحظة الاخيرة بعد ان أحال حزب الله القضية
عليهم علهم يستطيعون ان يبسطوا الامن في المنطقة. وبالفعل تم توقيف الجناة
الذي لا يتجاوز عمر الواحد منهم عشرين عاماً، الى ان تم اطلاق سراحهم
بكفالة مالية.
وهؤلاء الشبان انفسهم معروفون في المنطقة وهم يتعاطون حبوب ((السيمو))
و((الريفوتريك)) وحبوباً مخدرة اخرى، لذا يعمدون الى توقيف اي شخص يعرفونه
كي يحصلوا منه على 5000 ليرة لبنانية لجمع المبلغ وشراء مؤونة اليوم.
ولكن حادثة السوبر ماركت لم تكن وحدها التي كشفت سر هؤلاء الصبية، فقد
تعرضت احدى الفتيات البالغة من العمر 15 عاماً، ومن عائلة بقاعية كبيرة الى
عملية فض بكارة على يد احد هؤلاء الشبان بسبب علاقة الحب التي تربطهما
وإدراك الفتاة ان ذويها لن يقبلوا بتزويجها منه بسبب صغر سنهما وعدم قدرته
على تأسيس منزل الزوجية.
وبعد ان علم ذووها بالامر تقدموا بشكوى الى مخفر المنطقة وتم استدعاء الشاب
الذي فجر قنبلة امام المحقق في المخفر روى فيها كيفية اقدامه على فعلته
وذلك بتسهيل من سيدة مطلقة تعيش مع ابنتها المطلقة ايضاً في احدى مناطق
الضاحية، وقد فتحت شقتها لاستقبال هذا الشاب ورفاقه وسهلت لهم كل الاعمال
المنافية للاخلاق، فكانت تطلب منهم الحضور يومياً الى شقتها لقضاء السهرة
بعد احضار البيرة ومستلزمات السهرة وتحرضهم على سرقة الدراجات النارية
ومحلات البقالة وغيرها وغيرها، وإحضار الاموال اليها.
وكانت تزرع في نفوسهم الطمأنينة وتطلب منهم المبيت في منزلها في حال تعرض
لهم احد من ذويهم. ومن بينهم الشاب الذي اعتدى على الفتاة، حيث باح لها
بحبه لتلك الفتاة فطلبت منه احضارها الى المنزل واقامة علاقة معها، وهذا ما
حصل فقد حولت منزلها الى وكر للدعارة وممارسة الرذيلة.
وعندما ذهبت اليها والدة احد الشبان الارملة وطلبت منها ترك ابنها بشأنه
تهجمت عليها بالضرب ورمتها ارضاً.
سرقات تحت التهديد
وتروي احدى السيدات كيف تعرضت صديقتها الى السرقة في احد المراكز التجارية
وفي وضح النهار عندما كانت تركن سيارتها في الموقف، وما ان ترجلت من
سيارتها حتى كان اللص قد وضع سكيناً على رقبتها مهدداً اياها بطعنها او
بتسليمه حقيبة يدها بكل ما تحملها..
فما كان منها الاّ ان لبت طلبه خوفاً من ان يلحقها الضرر، خصوصاً انها كانت
تشاهد الشرر الذي يتطاير من عينيه والذي يشير الى مدى جهوزيته لفعل اي شيء
لأجل الحصول على المال.
سيناريو احترافي
وفي منطقة السانت تريز حيث يعيش رجل وزوجه في شقتهما بعد ان زوجا اولادهما،
تعرضا الى عملية سرقة قيمتها 12 الف دولار اميركي عدا المجوهرات، وتتحدث
احدى الجارات كيف جرت عملية السرقة وهي انه حوالى الساعة العاشرة من مساء
أحد الايام رن جرس المنـزل فحاول الرجل ان يستفسر من وراء الباب عن الطارق
واذ بصوت سيدة تقول ((هذه انا))، ففتح لها الباب الرجل بسرعة، وبينما هو
كذلك هجم عليه اربعة رجال كانوا يختبئون على مطلع الدرج ودخلوا المنزل
وعمدوا الى ربطه بالكرسي وزوجه وسرقة محتويات المنزل من اموال ومجوهرات
وفروا هاربين.
تقدم الرجل بشكوى امام مخفر المنطقة وما يزال ينتظر النتيجة وما اذا كان
رجال الامن سيتمكنون من ضبط الجناة.
اما في منطقة برج البراجنة فقد تنكر اللص في ثوب بائع متجول، فطرق منزل
احدى السيدات بهدف عرض البضائع التي بحوزته عليها، وبالفعل اشترت منه
السيدة ادوات للمطبخ ودخلت الى غرفتها لتحضر له المال.. فما هي الاّ ثواني
معدودة حتى وجدت الرجل وراءها يحمل سكيناً ويهددها بالقتل ما لم تعطه كل ما
تحمله من اموال ومجوهرات.
كسر وخلع
وفي منطقة الطيونة تعرض احد المواطنين للسرقة عن طريق خلع وكسر سيارته،
وبلغت قيمة السرقة 1000 دولار، فما ان ركن احد المواطنين سيارته متوجهاً
الى احد الـ((مولات)) الكائنة في المنطقة حتى عاد ليجد سيارته الجيب قد
تعرضت للكسر وللخلع وسرقة ما بداخلها من بضائع عبارة عن ملابس لماركات
شهيرة قدرت قيمتها بـ1000 دولار اميركي.
ولم يكتف اللصوص بسرقة ما بداخلها لا بل مزقوا الكيس الذي يحتوي على ادوية
يتناولها المواطن بشكل يومي فظنوا ان بداخله اموالاً.
ومع ذلك لم يبلغ عن السرقة بل اكتفى بالصمت لأنه على ثقة انه لن يصل الى
نتيجة حتى لو تقدم بشكوى امام مخفر المنطقة.
وفي منطقة الشياح تعرض محل لبيع الهواتف الخلوية الى السرقة وقدرت قيمة
السرقات بـ10 آلاف دولار اميركي، وهو ينتظر نتيجة الشكوى التي تقدم بها الى
مخفر المنطقة، في حين ان جاره سلب منه مبلغ مليوني ليرة لبنانية بعد ان
استغل احد الزبائن انشغاله وقام بالسطو على كل ما في الصندوق.
هذا وتنتشر في الضاحية عملية السرقة عن طريق بطاقات الائتمان ولكن اللصوص
يبررون انها تتم بطريقة شرعية لأنها عائدة الى اشخاص اجانب متوفين وهم في
اغلبيتهم من الجنسية الاميركية.
فيبتاعون الاغراض عن طريق هذه البطاقة بأسعار مرتفعة جداً ويشترون من محلات
بيع الملابس بقيمة الفي دولار في بعض الاحيان.
في حين ان البعض منهم يطلب من اصحاب المحلات ان يمرروا البطاقة في محلاتهم
على ان يضاعف صاحب المحل قيمة البضاعة في اي مبلغ يريد وان يقوم بدوره بدفع
المبلغ المتبقي ((كاش)) للزبون.
ضاحية البساتين والعيش المشترك
ويروي احد ابناء الضاحية الجنوبية الذي يقطن فيها منذ 35 عاماً كيف كانت
منطقة آمنة تنتشر فيها البساتين وتشكل رمزاً للعيش المشترك وتحديداً منطقتي
حارة حريك والمريجة حيث كان يعيش المسلمون الى جانب المسيحيين بسلام.
ويضيف: وبعدها تحولت الى بؤرة فساد بعد ان قررت الميليشيات تقاسمها فأصبحت
الطائفة هي التي تحكم وغابت الدولة وتربع على عرش كل طائفة كما كل لبنان
الاحزاب.
وهكذا الى ان نزحت اليها العائلات من الجنوب والبقاع والعشائر الكبيرة التي
حكمت بقوة وسيطرت واستفحلت في سيطرتها بعد ان انسحبت الدولة شيئاً فشيئاً.
ويعزو اسباب تفشي الفساد في الضاحية الى انتشار الاجانب من غير اللبنانيين
فيها من سوريين وعراقيين وسودانيين ومصريين وغيرهم الذين استغلوا فرصة غياب
الدولة وأقاموا بطريقة غير شرعية على الاراضي اللبنانية وتحديداً في
الضاحية التي شكلت محيطهم الآمن. |