الدستور
السوري والفقه الاسلامي
طاهر حذُيفا
den 13 mars 2012
ورد في مشروع الدستور السوري الجديد ما يلي: «دين رئيس الجمهورية هو
الإسلام، والفقه الإسلامي هو مصدر للتشريع».
إن هذه المادة الدستورية مخففة جداً قياساً على النص التقليدي الذي يرد في
معظم الدساتير العربية والذي يقول: «دين الدولة هو الإسلام، والشريعة
الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع».
إن هذا النص موروث من زمن السلطنة العثمانية، أي دولة الخلافة، وقد أخذ به
الدستور المصري الذي وضع في عهد الملك فؤاد الأول الطامح إلى الخلافة آنذاك.
أما
في سوريا فقد أثار الإخوان المسلمون، موضوع دين الدولة في مداولات الدستور
سنة 1950، وطالبوا بأن يتضمن الدستور الجديد نصاً واضحاً وقاطعاً يعلن أن
الإسلام هو دين الدولة. لكن لباقة رشدي الكيخيا وحنكة فارس الخوري توصلتا
إلى ان يكون النص على النحو التالي: «دين رئيس الدولة هو الإسلام»، أي ان
الدولة لا دين لها، بينما رئيس الدولة يجب أن يكون مسلماً.
إن أي مادة دستورية تنص على ان دين الدولة هو الإسلام (أو حتى المسيحية)،
او أن دين رئيس الدولة هو الإسلام (أو المسيحية او أي دين آخر) تعتبر مادة
ناقضة للديموقراطية التي يسعى كثيرون منا اليوم كي تكون صفة ملازمة لسوريا
المقبلة، لأن الديموقراطية تتضمن بالضرورة، عنصر المساواة. والنص على
إلزامية أن يكون الرئيس من دين محدد يطيح المساواة علناً حين يمنع هذا
المنصب على أشخاص لا ينتمون إلى الإسلام ديناً.
ثم
إن مثل هذا النص يخالف روح العصر، ويفتح نوافذ للجماعات الأصولية والسلفية
كي تطالب، لاحقاً، بتطبيق الشريعة الإسلامية، كما تفهمها هي، على المجتمع
الذي يتألف من مسلمين ومسيحيين وآخرين.
الدولة، في هذا العصر، لا دين لها.
الأفراد والجماعات لهم دياناتهم، ولهم حق الاعتقاد (أو عدم الاعتقاد إذا
أرادوا). أما الدولة المعاصرة القائمة على المواطنة المتساوية (لا على أي
أصل عرقي أو إثني أو ديني) فهي فوق عقائد مواطنيها وطوائفهم، وتقف على
مسافة واحدة من الجميع وتحمي الجميع استناداً إلى الدستور والقوانين، وليس
استناداً إلى أحكام فقه دين محدد.
إن سوريا هي أكثر بلد تعددي في العالم العربي كله. ففيها 23 طائفة، أي ان
طوائفها تزيد على طوائف لبنان بأربع: الاسماعيلية والمرشدية والإيزيدية
والأحمدية. وفيها خمس قوميات ذات عصبية وحضور فاعل ومتفاعل وهي: الأكراد
والتركمان والشركس والأرمن والسريان.
وفي المجتمعات المتعددة مثل سوريا فإن العلمانية ينبغي ان تكون هي المبدأ
المرشد للدولة. وأكثر ما يلائم سوريا المقبلة هي الديموقراطية العلمانية
الشاملة، مهما يكن رأي الجماعات الأصولية والسلفية في شأن العلمانية، وإلا
فإن سوريا ستنحط وتتهتك على أيدي الجماعات الدينية في ما لو بات لهذه
الجماعات صولة وجولة وشوكة.
ليتذكر من نسي أن سوريا في عهد ملكها الدستوري فيصل الأول كانت على الشكل
التالي: الملك حجازي (فيصل بن الحسين)، ورئيس البرلمان مصري من أصل لبناني
(رشيد رضا)،
وقائد الجيش عراقي (ياسين الهاشمي)، ووزير الداخلية لبناني (رضا الصلح)،
ووزير الخارجية فلسطيني (سعيد الحسيني).
أما أول حكومة في سوريا فكانت موزعة على النحو التالي: الحاكم العسكري سني
من دمشق (رضا الركابي)،
ورئيس مجلس الشورى سني من بغداد (ياسين الهاشمي)، ومدير العدلية مسيحي من
دير القمر (اسكندر عمون)، ومدير المالية مسيحي من الشويفات (سعيد شقير)،
ومدير الأمن العام مسيحي من طرابلس (جبرائيل حداد)، ووزير الخارجية مسيحي
من دمشق (توفيق شامية).
ولنتذكر جميعاً ان محكمة الاستئناف المدنية في دمشق التي تطبق أحكام
الشريعة الإسلامية في الحقل المخصوص، كانت مؤلفة من ثلاثة قضاة كلهم
مسيحيون: نجيب الأميوني من حاصبيا رئيساً، وأسعد ابو شعر من دمشق عضواً،
وفايز الخوري من دمشق عضواً. ويمكن ان نضيف إلى هؤلاء كثيرين جداً: سعيد
حيدر، رئيس مجلس النواب السوري (شيعي من بدنايل)، مرشد خاطر، وزير الصحة
(ماروني من بتاتر)، عادل أرسلان، وزير الخارجية (درزي من الشويفات)، عفيف
الصلح، نائب (سني من بيروت وشقيق الرئيس رشيد الصلح)، عبد الكريم زهر
الدين، قائد الجيش (درزي من كفرفاقود)، شوكت شقير، رئيس الأركان
(درزي
من أرصون)، فريد زين الدين، نائب وزير الخارجية (درزي من الشوف)،
فريد حيدر، رئيس أركان سلاح الطيران (شيعي من بدنايل)، محمد صفا، ضابط كبير
(شيعي
من بزبدين)، عارف النكدي، قاض كبير ومدير للمعارف (درزي من جبل لبنان)، عبد
المطلب الأمين، سفير (شيعي من شقرا).
لم يفكر الشعب السوري في يوم من الأيام باستثناء شريحة على حساب شريحة
أقلية كانت أم أكثرية ولم تراع متطرف او ف~ة دينية على حساب لحمة الشعب
الواحدة والمتعددة فهل نحن اليوم نعود بدستورنا الجديد والذي تكنينا أن
يكون دستورا يعبر عن لحمتنا الوطنية ويضع أسس الديمقراطية والمدنية لوطننا
لدستور تخلف حتى عن فترة الخمسينات. |