مشروعُك جبران مثل الشَوْرَبة الباردة...
المخرج يوسف ي. الخوري
شكرًا جبران.
فليشهد الله عليّ كم أُصبت بالسوء والمَهَانة بسبب تيّارك يا
سيّد جبران.
قبل عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الباريسي، كنت أترفّع
لكَوْني جنديًّا صغيرًا في صفوف المناضلين من هذا التيّار، في
سبيل تحرير لبنان من الإحتلال السوري.
بعدما "حملت الشرعيّة الشعبيّة منذ العام 2005" تيّارك ليُثبت
وجوده ضمن معادلة الطائف، وبعدما استطاعت إتّفاقية مار مخايل
أن تأخذ توقيع الجنرال في العام 2006، صرتُ أخجل من كَوْني في
يوم من الأيام ساهمت، ولو قليلًا، في نشوء وتقوية هذا التيّار
الذي كنتُ أحد المشاركين في جلسة ابتداع إسمه.
يوم الأحد 14/3/2021، أفصَحْتَ بأنّ تيّارك ينتمي إلى
"المشرقيّة" التي اعتبرتَها "حضنًا حضاريًّا وثقافيًّا"، ثمّ
أضفت بأنّ مشروعكم هو "السعي إلى تحويل المشرقيّة إلى حاضنة
جغرافيّة حسّية..."!
لا شكّ أنّه بتعريفك هذا إرتعدت في القبور مفاصلُ يوسف بك كرم
ويوسف السودا وكمال يوسف الحاج وشارل قرم وميّ المر وسعيد عقل
وموريس عوّاد... أمّا بالنسبة لي شخصيًّا، فبفضل هذا التعريف،
نِمْتُ ليلَ الأحد-الإثنين الماضي مرتاحًا، مطمئنّ البال، إذ
تأكّد لي أنّ تيّارك، وبحسب تعريفك بـ "المشرقيّة"، هو ليس سوى
فرع محلّي للحزب السوري القومي الإجتماعي، وأنّ تيّارك لا
علاقة له بتيّارنا السيادي الذي ناضل، في تسعينيّات القرن
الماضي، جنبًا إلى جنب مع القوّات اللبنانيّة وأحزاب الجبهة
اللبنانيّة وغيرها من المؤمنين بسيادة لبنان، لإخراج السوري من
أرضنا.
إذا كنتُ في السابق أتحاشى التعرّض لك، أو لتيّارك، فهذا من
باب أنّي تعلّمت التزام الصمت تجاه مَن فرّقت الأيّام بيني
وبينهم، ولأنّي لست معتادًا على نقل البارودة بسهولة.
أمّا وقد اطمأنّ قلبي، إثر إطلالتك الأخيرة، إلى أنّني وإيّاك
لم ننتمِ يومًا إلى المسيرة النضاليّة نفسها، كما وأنّنا لا
نحمل الرؤية نفسها للبنان، فسأتيح لنفسي انتقادك وانتقاد
إطلالتك الأخيرة لأنّها دارت في فلك غير لبناني.
بادئًا ذي بدء، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مَن يكون في السلطة،
ولديه ثاني أكبر كتلة في البرلمان، لا يقدّم في إطلالته
التلفزيونيّة مشاريع "إصلاحيّة" للناس، بينما البلد ينهار،
إنّما يقدّم للناس حلولًا واقعيّة قابلة للتطبيق وتُنجدهم من
دُهمة مصيرهم.
أمّا بعد مجاهرتك بـ "المشرقيّة"، ولكَوْن الإنتماء للمشرق
يُناهض فكرة استقلال لبنان ويتضارب مع انتمائنا الوطنيّ الحرّ،
فيُصبح عليك لِزامًا تغيير إسم تيّارك إلى "التيّار المشرقيّ
الاجتماعي".
تردّد في الأشهر الماضية أنّك لجأت إلى شركة أجنبيّة لتحسين
صورتك العامة، أَفَلَم تتوصّل هذه الشركة إلى أكثر من أن
تُماثل إطلالاتك بإطلالات السيّد حسن نصرالله، إن لناحية جلوسك
في إطار تلفزيوني مماثل للإطار الذي يستخدمه السيّد، وإن
لناحية إستخدامك خلفيّة مماثلة للخلفيّة التي تُستخدم وراء
السيّد، وإن لناحية مقارباتك للأمور وكأنّك سيّد، وإن لناحية
طول مؤتمراتك لتوحي بأنّك تعرف مثلك مثل السيّد، وإن لناحية
ظهورك بلحية في مؤتمرك الأخير، ولحية لونها قريب من لون لحية
السيّد؟
(لمزيد من التماثل أنظر الصور المُرفقة)
إذا كانت فكرة التماثل بالسيّد حسن مقصودة، فهذه مصيبة.
أمّا إذا كانت غير مقصودة، فهذا يعني أنّك متأثّر بالسيّد حسن
لدرجة أنّك صرت ملبوسًا بشخصيّته، وهذا لا فخر فيه، لا
للمسيحيين ولا للبنان!
وتتحدّث، يا سيّد جبران، عن "تناغم الهويّة والوجود"، ومن
الواضح أنّ أمرًا ما بهذا الخصوص إلتبس على مستشاريك الذين
قاربوا لك هذا الموضوع.
التناغم يحصل بين نقيضين أو مكوّنين مختلفين، فكيف تحدّد مفهوم
الهويّة على أساس تناغمها مع الوجود، بينما الهويّة والوجود
هما واحد لا يُجزّأ، إن قامت قام، وإن اضمحلّ اضمحلّت؟
لا داعي للغوص هنا بفلسفة الهويّات الوطنيّة، لكن من المفيد،
في حال لم يكن مستشاروك من السوريين القوميين، أن يطّلعوا على
مبحث الفيلسوف كمال الحاج بعنوان "بين الجوهر والوجود".
وتأخذنا في الحديث إلى أنّ تيّارك يناضل في سبيل الدولة
المدنيّة التي ربطْتَ تحقيقها باللامركزيّة الإداريّة
والماليّة الموسّعة، إذ بحسب ما أنت فاهم "يصعب تحقيق الدولة
المدنيّة في نظام مركزي".
ما هذا الكلام يا سيّد جبران؟
حتّى لو طبّقنا اللامركزيّة الإداريّة، سيبقى نظامنا
مركزيًا!!!
أخشى ما أخشاه أنّ قناعتك تُريد الفدراليّة، بينما لسانك لا
ينطق إلّا باللامركزيّة! بالمناسبة، طالما أعلنتَ في مشروعك
أنّك مع استكمال تطبيق دستور الطائف، فما الداعي إذًا لتُعلن
أنّك ضدّ الفدراليّة؟!!
أرجو ألا يكون ذلك إرضاءً لحليفك، صاحب الحزب الإلهي، لأنّ
الفدراليّة تُشكّل عائقًا أمام تحقيق حلمه بالجمهوريّة
الإسلاميّة الملالويّة.
ولنختم بشيء من الفكاهة:
أضحكني أمران وأنا أستمع إلى مؤتمرك الصحفي؛ الأول، حين طرحت
علينا سبل مكافحة الفساد، لأنّ كل ما طالبت به هو منقول عن
مطالب الثوّار المرفوضين من تيّارك ومن حليفك حزب الله، فضحكت
وسألت نفسي لِما أنتما في المقلب المعادي للثورة؟
أمّا الأمر الثاني الذي أضحكني، فكان حين قلتَ إنّ التيار
"يشتغل ويقدّم حلول"، فضحكت وضحكت طويلّا وأنا أتساءل متى
سيُدرك هذا الرجل أنّ العبرة ليست في كتابة مشاريع، بل في
إنجازها.
سيّد جبران،
مشروعك الذي تلَوْتَه على اللبنانيين يوم الأحد الماضي، هو
صفُّ كلامٍ منقولٍ من هنا وهناك، ولا يرقى إلى مستوى مشروع
إنقاذي لوطن منهوك، إلّا أنّني "لم أسكت" عنه وتناولت غيضًا من
فيض مغالطاته، لأني شعرت بأنّه بين يديك كالسلاح بين يدَيّ
شخصٍ لا يُجيد استعماله، وهو الأمر الذي قد يُطيح بمَن تدّعي
الحفاظ على حقوقهم.
أرجو أن تحمل لنا في إطلالتك المقبلة رؤيةً قيّمة، وليس
شَوْرَبة باردة. |