سألعب على كلامِكَ يا سيّد حسن
المخرج يوسف ي. الخوري
/19 شباط/2021
في البدء سأُسقِط عنك كلَّ مقامٍ ولَقَب، فأنا لا أخضع
لإملاءاتك في ما يتعلّق بإحترام الرموز الدينيّة، لأنّ
الإحترام بالنسبة لي، لا يُفرَض بل يُكتسب، ولأنّي خُلِقت على
صورة الله ومثاله، ومَن يكون على هذه الصورة، يكون حرًّا
ومساويًا في الجوهر لكل إنسانٍ آخر مهما علا شأنه.
سألعب اليوم على كلامك في إطلالتك الأخيرة، وما قصدي الإشارة
إلى تخبّطك في تناقضات لا حصر لها، بقدر ما قصدي الإضاءة على
دِهمَاويّتك ليفهم حقيقتك هؤلاء الذين لا يزالون مفتونين
بإطلالاتك، من الموارنة قبل الشيعة.
قال غبطة البطريرك بشارة الراعي بـ
الحياد،
فارتدّيتَ عليه بالرفض، وحرّكت ضده أزلامك، ولا أقول حلفاءك،
لقطع الطريق على مبادرته.
لم تُقاربوا خطوة الحياد لا بالحجج المُقنِعة، ولا بطروحات
بديلة بنّاءة، بل اكتفيتم بالسُباب والشتيمة، وبالتهجّم على
مقام غبطته بالكلام الفارغ من أيّ مضمون. البطريرك أرقى من أن
تطاله خزعبِلاتكم، وللبرهان فهو لم يصدُرْ عنه أيّ ردّ على
افتراءاتكم بحقّه.
لم تقدّموا أيّ بديل للشعب المقهور الرازح تحت القهر والفقر
الظلم والبطالة والجوع، والرازح أيضًا تحت سلاحكم غير المقاوم
وأيديولوجيّتكم غير اللبنانيّة، ما دفع غبطة البطريرك للتقدّم
خطوة إضافيّة إلى الأمام، فقال بـ
مؤتمر
دولي
لحمايتنا من الأسوأ وليس لإدارتنا، وإذا بك، يا حسن، تخرج
بالأمس رافضًا هذه المبادرة أيضًا!!
ترفض الحياد وترفض المؤتمر الدولي، فماذا تُريد إذًا؟ أخشى ما
أخشاه، هو أن تكون رافضًا لصاحب مقام بكركي وليس للمبادرتَين!
تقول يا حسن:
إنّ
الدعوة إلى مؤتمر دولي هي دعوة إلى الحرب، ودعوة إلى احتلال
لبنان من قوى أجنبيّة.
أوَليسَ احتفاظ حزبك بسلاحه، منذ انتهاء الحرب عام 1990، هو
دعوة مفتوحة ومستمرّة لاشتعال الحروب على أرضنا؟
قد يصحّ ادّعاؤك بأنّ المؤتمر الدولي سيكون دعوة للإحتلال، لو
أنّ حزبك هو حزب لبناني يدافع عن سيادة لبنان. أمّا وأنّ حزبك
هو ميليشيا إيرانية تحتلّ لبنان، فقد يصدر عن أيّ مؤتمر دولي
قرار بتحرير لبنان من هيمنتك وليس باحتلاله.
رفضك لمبادرتَي البطريرك الراعي هو الإعلان للحرب. البطريرك لا
يُريد مزيدًا من المآسي على اللبنانيين، ولا يريد حروبًا،
وبرأي غالبيّة اللبنانيين، خلاصُ لبنان وشعبه يبدأ بخلاصهما من
سلاحك، فقلْ لنا يا حسن، ومن دون مزاح، هل من سبيل آخر إلى
الخلاص من سلاحك غير الحرب؟
أنت تقول:
التدويل
يضرّ بلبنان ويعقّد المسائل فيه.
بالله عليك، هل من تعقيد أعقد ممّا نحن فيه؟
التوطين: يا
مَحْلاه
بالمقارنة مع وضع يدك على لبنان.
ترسيم الحدود: يا
مَحْلاه
أمام فتحك حدودنا للتهريب والسرقة.
تضييع أراضٍ وتضييع مياه جرّاء التطبيع مع إسرائيل: يا
محلاهما
أمام رهنِك كل لبنان لإيران.
ترفض
أيّ
شكل من أشكال التدويل،
وأنت التدويل. ترى في التدويل
خطرًا
على لبنان وعلى مستقبل لبنان،
وأنت الخطر الذي يُمعن في مَحْوِ هويّة لبنان وحضارته وثقافته
لتسهُلَ عليك فيما بعد أسلمته.
ترفض التدويل، وفي إطلالاتك الإعلاميّة لا تترك ملفًا
إقليميًّا أو دوليًّا إلّا وتقاربه وتأخذ موقفًا منه. في نفس
إطلالتك الأخيرة، ما كدتَ تنتهي من المواضيع المحليّة
اللبنانية، التي تناولتها بكثير من الفوقيّة والإستخفاف، حتى
قلت إنّ
كل
ما يجري في المنطقة يتأثّر به لبنان:
من الملف النووي الإيراني، إلى الوجود العسكري الأميركي في
الشرق الأوسط، وصولًا إلى مستقبل أفغانستان،
فكيف يكون لبنان بعيدًا عن التدويل وهو يتأثّر بكل هذه
الملفّات؟!
كيف يكون لبنان بعيدًا عن التدويل، وأنت زجّيته في حروب سوريا
واليمن والعراق، وجعلته ولاية تابعة لإيران التي هي محور دولي
أساسي في سلوكها النووي؟!
كيف يكون لبنان بعيدًا عن التدويل وأنت تتوعّد بطرد أميركا من
الشرق الأوسط، وأميركا لا تحتلّ بلدك؟!
كيف يكون لبنان بعيدًا عن التدويل، وأنت تتبع لإيديولوجيّة
الأمميّة الشيعيّة التي تسعى لأن يكون مقرّها في نيويورك؟!
كفاك استهزاءً بعقولنا واستقواءً علينا يا حسن، وكفاك إملاءات
على اللبنانيين بما يكون أو لا يكون. إذا أنت اليوم القويّ
الأقوى، فلأنّ الموارنة بالتحديد، لا زالوا يدفعون ثمن عدم
تفريطهم بالعيش المشترك عام 1982، وثمن عدم تنازلهم عن شيء من
السيادة اللبنانيّة تحت وطأة الإجتياح الإسرئيلي للبنان، إضافة
إلى أنّهم لم يُبَدّوا علاقتهم بإسرائيل على أيّ مكوّن لبناني،
عدوّا كان أم حليفًا لهم. أنت القوي اليوم، لأنّ اللبنانيين
بمللهم كافة لم يتخلّوا عنك في حروبك الهوائية ضدّ إسرائيل
(1996 و 2006)، تعزيزًا للوحدة الوطنيّة في مواجهة أيّ رياح من
الخارج.
إذا كان اليوم يلوح في الأفق شيءٌ من تدويل للأزمة اللبنانية،
فيكون هذا من جنى ما أنت زرعته يا حسن. إعلانك بالأمس أنّك لن
تميّز بين مدنيّ إسرائيلي وعسكري إسرائيلي في الحرب الآتِية،
سيسرّع عمليّة التدخّل الأجنبي على ارضنا، وهو يذكّرني بفتوى
القرضاوي التي حلّل بها لحماس تنفيذ عمليّات انتحارية ضد
المدنيين الإسرائيليين، وبما بلغته غزة من مصير حالك جرّاء هذه
الفتوى. فعسى ألّا تحلّ علينا الويلات الجَمم قبل الحساب.
إسمع يا حسن! إذا كنت لبنانيًّا، فإليك خيارك وخَيرك: الحيادُ
من ورائِك، والتدويلُ من أمامِك، فلا تُرابط مكانك متفرّجًا
على مآسي اللبنانيين، وسلّم سلاحك. وإذا عنيت فعلًا أنّك جندي
صغير في جيش الفقيه، ولم تكن تمزح حين تلفّظت بهذا الكلام،
فعليك اختيار مصيرك: البحر من ورائك، وإيران من أمامك، فاخترِ
السبيل الأنسب لمغادرتك، وارحل، وسيبقى مجد لبنان لأبنائه
الشرفاء. |