بيان
الهيئة القيادية المؤقتة لحزب الشعب الديمقراطي السوري
15/12/2016
إن سقوط حلب عسكريا، عاصمة التاريخ الإنساني، بعد صمود أسطوري أمام برابرة
العصر، الذين استباحوا دماء الاطفال والنساء والشيوخ في مجازر غير مسبوقة
تغذيها عصبيات طائفية حاقدة، بمشاركة مباشرة من دولة عظمى عضو في مجلس
الامن، ووسط عجز دولي واقليمي وعربي يثير الريبة والشكوك في نفوس احرار
العالم، وكأن الدماء التي تسيل والدمار والجوع والمرض والحصار الخانق يحصل
في مكان آخر لا ينتمي إلى كوكبنا ولا الى عصرنا
.
إن ما حصل في حلب هو شكل من أشكال الإبادة الجماعية بمواجهة عشرات الآلاف
من المدنيين، الذين أصروا على الصمود في بيوتهم رغم البرد والجوع والحصار
وانعدام أبسط الشروط لاستمرار الحياة، ومن ثم جرى دفعهم الى مزيد من
التهجير والتشريد.
إننا اذ نتوجه إلى الرأي العام العالمي لوقف العدوان المهول ومجازر القرن
التي يرتكبها النظام الفاشي البربري، مدعوما من الاتحاد الروسي ودولة إيران
و ميليشياتها التي تتغذى على الحقد الطائفي والثأر. هذا العدوان الذي لم
يتوقف منذ خمس سنوات على حلب ومناطق واسعة من سورية
.
وفي الوقت ذاته نسجل استنكارنا لهذا العجز الدولي، خاصة من تلك الدول التي
أطلقت على نفسها اسم " أصدقاء الشعب السوري " لكنها تركته وحيدا في وجه
هولوكوست العصر
.
إن ثورة السوريين، كأنبل ثورة عرفها التاريخ المعاصر، التي انطلقت ردا على
استبداد النظام المديد، رافعة شعارات الحرية والكرامة، وقدم لها الشعب مئات
الاف الشهداء والمعتقلين ستبقى مستمرة رغم تكالب قوى الشر والعدوان في
العالم عليها، التي حولت سوريا الى ساحة لتصفية الحسابات الدولية
والاقليمية، ضاربة عرض الحائط كل المطالب المشروعة للشعب السوري في العيش
بحرية وكرامة
.
إن ما يجري في حلب، وان كان يشكل منعطفا خطيرا في مسار الثورة، لكنه في
الوقت ذاته يجب ان يكون حافزاً لتمسك السوريين بقضيتهم العادلة والدفاع
عنها وتخليصها من براثن التجاذبات الدولية والاقليمية والاحتلالات
المتعددة، وذلك بإجراء مراجعة جدية لمسار الثورة خلال السنوات الست الماضية
واعتماد استراتيجية مختلفة ترتكز - بالدرجة الأولى -على مقدرات وطاقات
الشعب السوري داخل البلاد، وفي مخيمات الشتات والجاليات السورية في بلدان
العالم، وبمساندة حلفائهم الحقيقيين لدى شعوب العالم من قوى مدنية وسياسية
مناصرة لقضية الانسان وشرعة حقوقه ولحق الشعوب في انتزاع حريتها وتقرير
مصيرها، في زمن تهتك فيه كل القيم والمبادئ الانسانية أمام تغول المجتمع
الدولي وصعود التيارات اليمينية والفاشية وتملُّكها لمراكز القرار
.
إننا أحوج ما يكون لبناء مشروع وطني جامع، يضع السياسة في مكانها الصحيح
كرافعة أساسية ويستطيع إنتاج برنامج سياسي، تنفذه مؤسسات وطنية ثورية جديدة
منبثقة عضوياً من هذا المشروع ومختلفة جذريا عن التشكيلات السياسية
والعسكرية التي تصدرت المشهد وفقدت قرارها المستقل منذ البدايات و اتاحت
المجال للتدخلات الإقليمية والدولية في أوضاعها، وكذلك لقوى الثورة المضادة
أن تنهش من مشروع الثورة الوطني الديمقراطي ذي البعد الإنساني التحرري
المتطلع لدولة المواطنة والقانون متخلية عن أية ايديولوجيا
.
لقد آن الأوان كي تتداعى قوى الثورة الخيرة من كل فئات الشعب، و خاصة من
الشباب الذين فجروها وكانوا وقودها، والتي تشكل وعيها السياسي والفكري
والثقافي خلال مسيرتها، وقدمت أكبر التضحيات، لاستيعاب الدروس القاسية التي
تعرض لها الشعب السوري وثورته، وللعمل جدياً من أجل هذه الأهداف التي ثارت
من أجلها، والوقوف بوجه كل المشاريع المتطرفة واللاوطنية التي حرفت الثورة
عن مسارها الصحيح . وأن تضع نصب أعينها استمرار الثورة لتذهب نحو غاياتها
الحقيقية في بناء الدولة المدنية التعددية الديمقراطية. دولة المواطنة التي
يتساوى فيها كل السوريين أمام القانون على مختلف انتماءاتهم، مما يفسح في
المجال لتحقيق شعارات الثورة في الحرية والكرامة
. |