كي
لا ننسى و لا ينسى أبناءنا..
20150426
نص
الكلمة التي ألقاها الأب شابو الخوري، كاهن كنيسة مار بطرس ومار بولس
للسريان الأورثوذكس في نورشبورغ - السويد، الأحد 26 أبريل (نيسان) 2015،
لمناسبة إزاحة الستار عن النصب التذكاري لشهداء مجازر "سَيفو:
أصحاب النيافة.
الآباء الكهنة الموقرين. بارِخمور.
الضيوف الأعزاء مع حفظ الألقاب.
الحضور الكريم
باسم المجلس الملي و اللجان و المؤسسات السريانية و باسمي أنا كاهن هذه
الكنيسة: كنيسة مار بطرس ومار بولس في بوت شيركا - نورشبورغ، و باسم أبناء
كنيستنا أرحب بكم أجمل ترحاب و أقول لكم جميعاً: أهلاً و سهلاً.
دعونا، أحبائي، نطرح السؤال التالي: لماذا قُتل أجدادنا و آباؤنا و
استُبيحت دمائهم من قِبل السلطنة (الإمبراطورية) العثمانية عام 1915، و
لماذا لا زلنا حتى يومنا هذا، نُهجر و نُقتل في مواطننا الأصلية في الشرق
الأوسط؟.. الأننا شعب بربري متوحش ظالم؟!
أم لأننا نمتلك تنظيمات و أحزاب
إرهابية تملك سلاحاً و جيوشاً، تحتل و تهدم بها القرى و المدن، و تسرق و
تنهب و تستبيح حرمة مساكن و بيوت الجيران و السكان في المناطق المجاورة؟!
أو لأننا قمنا، أو لا زلنا نقوم، باحتلال و استعمار و استعباد البلاد و
العباد فيها؟!.. إن الجواب، أو الأجوبة، على كل هذه الأسئلة هو بالطبع لا.
فالسبب الرئيس إذاً وراء حرب الإبادة السابقة و الحالية هو قساوة القلب و
عمى العقل، عمى البصيرة، و الحسد و الحقد الأعمى وانعدام الأخلاق لدى من
خطط و نفذ سابقاً و من يخطط و لا يزال ينفذ حالياً. فعندما كان هؤلاء، غلاظ
القلوب، يتأملون و يرون الإيمان و الحضارة وحسن الأخلاق و الصدق في التعامل
و النجاح و التقدم لدى أبناء شعبنا السرياني، و لدى المسيحيين بشكل عام،
تملكهم الحسد و الكراهية و الحقد ما جعلهم يُفلتون عنان وحشيتهم و يتفنون
في صنوف القتل أبشعها ومن أشكال العذابات أمرّها دون رحمة على شيخ أو
إمرأة، صغير أو شاب.. و كم من مرّات ومرّات مرّة قام هؤلاء الوحوش يشقون
بطون الأمهات الحوامل بسيوفهم و خناجرهم، يُخرجون منها الأجنّة، يقذفونها و
يرمونها أمام مرأى الجميع فيما الأمهات الثكلى يلفظن أنفاسهن الأخيرة وسط
بحيرات من الدماء!..
أما الأسرى، فبوحشية كانوا يُقتلون، يلقون بهم في
الآبار و المغاور و يحرقونهم وهم أحياء، تماماً كما تفعله التنظيمات
الإرهابية اليوم مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" و شقيقاتها بحق
المسيحيين و غيرهم.
أحبائي: من المعروف تاريخياً بأن الشعب الآرامي قبل ميلاد الرب بالجسد كان
شعباً صاحب علم و معرفة و حضارة، محباً للأمن و السلام بعيداً عن الظلم و
أعمال النهب و القتل و التسلط على الغير.
و عليه أخذ أجدادنا الآراميون
حوالي عام 1500 ق.م. الحروف الأبجدية عن إخوتهم الفينيقيين في لبنان و
طوروها و نشروها في أنحاء المسكونة كي تستفاد منها الشعوب قاطبة، فتبتكر
لنفسها أبجدياتها الخاصة، ابتداء من الشرق الأوسط، الموطن الأصلي لأجدادنا
و أباءنا الآراميين، مروراً بآسيا و إفريقيا و انتهاء بأوربا.
و بواسطة هذه
الحروف انتقلت البشرية جمعاء من ظلمات الجهل إلى نور العلم و المعرفة، حتى
وصل عالمنا اليوم إلى ما هو عليه من تقدم علمي عظيم.
إذاً، فنحن السريان، كوننا أبناء أولئك الآراميين العظماء، الذين لقنوا
شعوب المعمورة الحضارة و المدنية قبل ميلاد الرب، أصبحنا، بعد ميلاده، له
المجد، بواسطة إيماننا أبناء و إخوة و تلاميذ ليسوع المسيح الذي صار هو،
بصلبوته و موته على خشبة الصليب، الشهيد الأول، و ضرب لنا بذلك مثلاً نتشبه
به بالتضحية من أجل إيماننا المسيحي و الحفاظ على تراثنا و هويتنا
السريانية.
و علمنا أيضاً أن "لا نخاف من أولئك الذين يقتلون الجسد". أما
الروح فلا يستطيعون قتلها.. و بواسطة العلم و الحضارة أصبحنا أيضاً أبناء
لمار أفرام السرياني ومار يعقوب الرهاوي ولكوكب الشرق مار غريغوريوس يوحنا
ابن العبري و غيرهم.
و لكن أبناء و أحفاد و رفاق هولاكو وجينكينزخان وتيمورلنك، و مَن شبههم
وتشبّه بهم بربرية و همجية ، وبسبب الحسد و الحقد الأعمى و غياب العقل و
انعدام التفكير، لم يطب لهم العيش بوجود الشعب السرياني و المسيحي بشكل
عام، نيّيري العقل و أصحاب العلم والمعرفة والحضارة، فأثاروا، ولا يزالون
يثيرون عليهم، أشنع الإضطهادات و أمرّها، فتراهم يقتلون و يسبون و يعتدون
مستبيحين الأملاك و الحرمات و الأعراض، و يسوقون و ينهبون مرهبين الأبرياء
مجبرين إياهم على اعتناق دين غريب أو النزوح أفراداً و جماعات بطرق محفوفة
بالمخاطر نحو المجهول.. تراهم يخطفون حتى الكهنة و المطارنة ومنهما أخيراً
مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم و بولس اليازجي، لينجهم الرب من أيدي الخاطفين
الكفار..
والآن، و لمناسبة إقامة هذا النُصب التذكاري في كنيستنا السريانية مار بطرس
ومار بولس في بوت شيركا - نورشبورغ، بجهود المجلس الملي برئاسة الأخ خلف
خلف، الذي كنا نتمنى حضوره معنا بهذه المناسبة، و بجهودي أنا كاهن الكنيسة،
و باتفاق أبناء هذه الكنيسة المباركة نقول لأبناء السلطنة العثمانية
الظالمة: لن يقوى الظلام على النور، و لن يقدر الجهل على أن يغلب العلم و
الأدب، و لا الظلم و الإضطهاد والوحشية أن يغلبوا النور والمحبة و السلام،
و لا الكبرياء أن تغلب التواضع و الوداعة. ظننتمم أنكم بسفككم دم شهدائنا
ظلماً قبل مائة عام ستتقتلعوننا من جذورنا و تزيلوننا نهائياً من أوطاننا
الأم المباركة.
و لكن فات عليكم، نتيجة جهالتكم، أن ذلك الدم المسفوك، دم
شهدائنا الأبرار الزكي، قد روى أرض الآباء و أنبت في تلك الأرض المباركة
ثماراً كريمة الواحد:
ثلاثين و ستين و مائة، الذين هم نحن، أبناء و أحفاد
أولئك الشهداء، قد كثرنا وانتشرنا في أصقاع المعمورة.. وها إننا اليوم نزيح
الستار عن هذا النُصب التذكاري تكريماً لشهدائنا و رفاقهم الذين نُحروا
بسيف السلطة العثمانية الغاشمة و أتباعها المتمثلين بها بالظلم و الوحشية..
نُقيم هذا التمثال، النُصب، كي لا ننسى و لا ينسى أبناءنا، بل نتذكر و نذكر
و نكرّم شهداءنا الأبرار في احتفالاتنا الكنسية و الوطنية وفي صلواتنا و
قداديسنا و خطبنا و مواعظنا..
أحبائي:
أختم كلمتي بتقديم الشكر الجزيل مع عظيم التقدير، و أنحني إجلالاً
وإكراماً أمام تضحيات و شهادة و بطولات كل واحد من أبطال السريان الآراميين
الذين وقفوا، بقلوب لا تعرف الخوف و الوجل، في وجه الكفار الظالمين، خلال
مذابح "السَّيفو" و دحروا و كسروا شوكة جحافل الطغيان العثمانية و أذنابها
في بعض قرى طورعابدين المبارك، و أنقذوا بذلك من الذبح و التنكيل مَن التجأ
إليهم من العديد من إخوتهم و إخواتهم من السريان و المسيحيين من مختلف
الطوائف دون تمييز، و اقول:
عاش الشهداء السريان.. عاشت الأمة السريانية..
وشكراً حسن استماعكم و حضوركم حفلنا التاريخي هذا.
مترجمة عن السريانية |