تفسيرات القرآن ناقصة
نقلاً عن جريدة القاهرة
العدد 263
الثلاثاء 26 أبريل 2005
في الوقت الذي
تختلف السيدة " صافي ناز كاظم " مع الشيخ "خالد " فضائياً حول هل يعتبر
الزواج غير الشرعي زنا أو زواجاً باطلاً ؟ يكون " كريستوفر لوكسنبرج "
العالم الألماني المختص باللغات السامية القديمة صاحب الاسم المستعار قد
تغلب على مشاكل نشر موسوعته العلمية "القراءة السريانية للقرآن" التي تضع
كل تفاسير القرآن الكريم أمام محك لم يكن لعلمائنا الثقات السنة – على رأي
السيدة صافي ناز – ولا لبحور العلوم الشيعة على مر التاريخ الإسلامي محك
حرج مثله سواء أ أخطأ ام أصاب السيد "لوكسنبرج" فقد تحرر من التراث النقلي
وضرب مثلا لمفسري القرآن على سلطان المنهج العلمي لفقه اللغة ومدى حجته
لتقديم قراءة أكثر وضوحاً للقرآن الكريم تحرره من كل الغموض محافظاً في ذات
الوقت على قدسية النص وباحثاً عن جوانب أكثر موضوعية تضىء جوانب أعمق قدسية
.
منهج لوكسنبرج
:
تحتد المناقشة
مؤداها أن السيدة "صافي ناز "ترى أن العبرة بالنية , فمن كانت نيته أن يزني
فهو "زان" أما من كانت نيته وقت المضاجعة زواجاً اتضح بعد الاغتسال انه غير
شرعي , فهو ليس بزنا , وإنما ربما زواج ناقص ,هذه المعضلة الفقهية هي نتاج
الموروث السلفي من القراءة التراثيةالمتراكمة عبر التاريخ التفسيري للتعامل
مع النص القدسي , والتي تغلب عليها لوكسنبرج في كتابه بأن تحرر من التعويل
على التراث النقلي , وقوفاً على الطبيعة الشفاهية التي ولد فيها النص
القرآني في الوقت الذي لم تكن في الجزيرة العربية إلا اللغة السريانية هي
اللغة المكتوبة فهي الرحم صاحب الثقافة المؤثرة وقتها على التحول الثقافي
العربي إلى الكتابية . وعليه فيجب قراءة القرآن عبر اللغة التي ولد في
رحمها و ليحل لنا الثقات هذه المعضلة كيف يكون القرآن عربياً (إنغ أنزلناه
قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) " سورة يوسف:2" وينتهي الباحث الألماني إلى أن
القرآن له جذور سريانية .ربما يفاجأ علماؤنا بأن اللغة العربية التي بين
أيديهم اليوم لم يكن لها هذا الوجود عند نزول الوحي ولم تنحت حروفها النحت
الكامل بعد مما دفع سيدنا محمد (ص) أن يحض أتباعه على تعلم اللغة السريانية
كما أن (ص) كان يعرف عدم اكتمال اللغةالعربية المكتوبة فأباح كل قراءة
للقرآن الكريم تبدل فيها "النقمة "إلى
"النعمة
" كما أورد ذلك الطبري في تفسيره . بل أباح لهم الاختيار من سبعة أحرف
متعددة وهي قضية لم يقدم أي مفسر توضيحاً لمقصود السبعة أحرف هل هي أحرف أم
لهجات قبائل أم لغة اختزالية اختص بها جبريل
.
المستشرق
المتمرد :
يتمرد
لوكسنبرج على كل سابقيه من المستشرقين الغربيين اللذين أتبعوا التقليد
الإسلامي في التعامل مع القرآن الكريم بدل من استعمال منهج لغوي ويرى أن
الغربيين والشرقيين عجزوا عن تفسير أو تبرير المصطلحات الأعجمية و الحوادث
التي حدثت في دول أجنبية والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم لعجزهم عن تصوّر
السياق التاريخي للغة التي نزل أثناءها القرآن الكريم وتخطى لوكسنبرج كل
هذا وتحرى وراء المفردات العربية و السريانية مقارناً بينها و اعتمد كمعون
لغوي للمفردات على تفسير الطبري معتمداً على الأثر الشفاهي للغته وعلى "
بروكلمان " وعلى لسان العرب "لأبي الفضل بن منظور " كما يتمرد على العلماء
المسلمين وعلى رأسهم "الطبري " من قبيل غياب الأدوات المعجمية والقواميس
اللغوية كما يغيب في تفسير القرآن التدليل بالشعر الجاهلي
مما يجعل
البحث عن الجذر اللغوي للمفردات من الأمور الضبابية وهي نفس ملاحظة الأستاذ
"برغشترس" أستاذ اللغات السامية في جامعة ميونخ في كتابه
"
التطور النحوي
للغة العربية " حيث عزا عدم القدرة على تتبع التطور الدلالي لمفردات اللغة
العربية بسبب كونها اللغة الوحيدة التي بلا قاموس مفردات ، بينما تكثر فيها
معاجم المعاني .حتى أنه تمرد على وضع النقاط فوق الأحرف التي أحكمت بعد
مصحف سيدنا "عثمان " بزمن في محاولة من الكتبة المتقدمين للقرآن من تثبيت
التنقيط الذي يجعل هناك فروق بين القراءات المختلفة لحرف واحد وقد نقّح هذه
النقطة مختاراً القراءة الأصعب ، معتمداً على أن القرآن المحفوظ لم يكن
منقطاً.
معانٍ جديدة
: عندما
احتد النقاش وصفت السيدة "صافي ناز " مجادلها حول مفهوم الزنا أنه لا يفهم
، حيث تبين ان هناك معاني متعددة لفعل المضاجعة ، فقد يكون معناها زنا ، أو
زواجاً غير شرعي ، أو زواجاً شرعي!! فهذه هي محصلتنا من الثقة في العلماء
الثقات حيث نقدسهم قداسة المقدس نفسه أو ربما نزيد ، فهناك حتى الآن في
صعيد مصر من يقسم بصحيح البخاري كأغلظ الأيمان تخطى لوكسنبرج هذه الإشكالية
في تحديد المفاهيم بأن قوض البناء اللغوي والموضوعة قواعده على يد "
سيبويه" (ت:795م) الأعجمي الجاهل باللغة التي نزل بها القرآن الكريم ،
وتعامل مع المفردات من خلال الجذور اللغوية الآرامية والسريانية
.
سورة مريم
:
من النماذج
التي قدمها لوكسنبرج إزالة غموض وعدم منطقية السرد لقصة وضع السيدة مريم
فقد استقرت جميع التفاسير القرآنية للآية ( فناداها مِن تَحتها ألا تحزني
قد جعل ربك تحتك سريا )"سورة مريم :24" فيرى "الطبري" : اختلفت القراء في
قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق " فناداها من تحتها " بمعنى :
فناداها جبرائيل من بين يديها ومن متأول منهم أنه عيسى، أنه ناداها من
تحتها بعدما ولدته . ذكر من قال : اللذي ناداها من تحتها الملك .إذن
فناداها المولود من تحتها ألا تحزني يا أمه " قد جعل ربك تحتك سريا ". ماهو
ذلك الشيء الذي كان سريا تحت السيدة مريم ؟ يستمر " الطبري " قائلاً : قال
ابن زيد ، في قوله " فناداها من تحتها أن لا تحزني" قالت : وكيف لا أحزن و
أنت معي ، لا ذات زوج فأقول من زوج ، ولا مملوكة فأقول من سيدي ، أفي شيء
عذري عند الناس "يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسياً منسياً ، فقال لها عيسى :
أنا أكفيك الكلام . وأختلف أهل التأويل في المقصود بالسرى في هذا الموضوع ،
فقال بعضهم : عُني به : النهر الصغير . و ذكر من قال ذلك قال : سمعت البراء
يقول في هذه الآية " قد جعل ربك تحتك سريا " قال: الجدول ، وعن ابن عباس
قوله " قد جعل ربك تحتك سريا" وهو نهر عيسى ،وقال : السرى : النهرالذي كان
تحت مريم ولدته كان نهراً يجري يسمى سريا . وعن مجاهد " سريا " قال : نهر
بالسريانية ، وهو بالنبطية : السرى .
فهذه الآية
تقدم موضوعات مجهولة ، من الذي نادى مريم من تحتها ؟ سر حزن مريم ؟ ما هو
ذلك الشيء الذي جعل منتحتها ؟وما معنى كونها سريا؟ ولكن هل هناك منطق في
الحوار أن تكون مريم قلقة من حالها بهذا الوليد فتكون الإجابة بعيدة عن
موضوع قلقها بالإشارة إلى أن الله جعل من تحتك جدولاً أو نهرا، في حين في
حين لم يتنبه كل المفسرين إلى " من تحتها "التي وردت مرتين مرة هي المكان
الذي تمت منه مناداتها والمرة الثانية هي مكان نهر الماء .فمنطقياً أن يكون
الذي ناداها حسب التفسير المعتمد مكلماً لمريم من تحت الماء
.
ويأتي
لوكسنبرج موضحاً ما التبس علينا طوال قرون ماضية ، والغريب أن مصدره هنا من
المراجع العربية حيث ارتكن لتفسير " السيوطي" الذي ينقل من أبي القاسم من
كتاب لغات القرآن وعن "الكرماني " في كتابه " العجائب" أن (تحت) كلمة نبطية
وهي لغة الأنباط السريانية أو مزيج من العربية والسريانية التي تعني البطن
بمعناها السرياني "جنين" ..... ويرى لوكسنبرج أن كلمة (تحت) لاأصل لها في
اللغة العربية وأنها مشتقة من الفعل السرياني (نحت) بالنون و هو أصل الفعل
العربي نحت المفهوم منه : نحت الحجر لتسويته أو صقله ، والمقصود منه
بالسريانية إزالة ما زاد منه ، وعليه فمن تحتها هي من "نحتها" ومن هنا ليست
ظرف مكان وإنما زمان أي حال وضعها و ميلادها ، فالنحت هو الوليد المنحوت من
أمه لحظة الميلاد .
معجزات أكثر
إعجازاً :
بل يضيف
لوكسنبرج معجزة بلاغية دلالية بيانية أخرى للقرآن الكريم حيث أنه ورد في
جميع آياته كلمة " ولد" و" وضع " للتعبير عن الميلاد الطبيعي إلا عند
الحديث عن سيدنا عيسى كان الحديث عن واقعة مولده ليست بالمفردات المعتادة
بل بالنحت من الأم فقط فلا ينسحب عليه معاني الميلاد التي تحتاج إلى زوجين
ليكونا سبباً لها . وعليها (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوا أحد ) "سورة الإخلاص" تتفق انسيابياً عن واقعة نفي الميلاد عن
المسيح عيسى ابن مريم ، فلو كانت الصياغة القرآنية بمعنى الميلاد الطبيعي
لكان هناك تعارض مع نفي الميلاد ، اما الصياغة بالنحت تتوافق مع نفي
الميلاد منطقياً . وإذا كان الله خلق عيسى كما خلق آدم أول مرة ( إن مثل
عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )"سورة آل
عمران:59"وخلق الله آدم من طين كالصلصال (خلق الإنسان من صلصال كالفخار
)"سورة الرحمن:14" ،إذن فكلاهما قد نحت نحتاًبالأمر الإلاهي المباشر . وهو
أقرب تصور لعملية الخلق من صلصال فهي كالنحت الذي ورد في الآية مميزاً
للولادة الغير طبيعية لسيدنا عيسى المخالفة لميلاد أي مخلوق آخر سوى آدم
أول البشر . وحتى الآن يكون المعنى فناداها أثناء ميلادها ألا تحزني قد جعل
ربك مولودك سريا
.
معنى "سريا"
:
إذا كان معنى
"سريا" هو "جدول ماء أو نهر" أياً كان ، فهذا حديث لا ينسجم مع سياق الموقف
، عذراء متبتلة العبادة تصبح حاملاً دون أن يمسها بشر تأتيها آلام الوضع ،
فيكون أول حديث معجز لابنها موضوع حزنها هو الحديث عن جدول ماء وضعه الله
تحتها !!. يوضح لوكسنبرج معنى " سريا " المختلف عليه بأن الرسم القرآني
لكلمة "سريا" تلفظ بالسريانية " شريا" –بالشين وهي مشتقى من فعل " شرا" أي
حلال . لتكون الآية( فناداها من نحتها ألا تحزني قد جعل ربك من نحتك شريا )
أي أن التفسير الذي تكون فيه إجابة منتظرة تعزي مريم عن إتهامها بالحمل
الحرام ، بأن لا تحزن فأن الله سيجعل مولدك هذا الذي ينطق حملاً حلالاً
طاهراً. عندئذ يسأل الشيخ خالد السيدة " صافي ناز" هل كنت معهما ؟ فتجيب
قائلة : وهل كنت أنت معهما ؟ وتضج قاعة المشاهدين الشباب بالضحك لما تخيلوا
أن تكون السيدة "صافي ناز" والشيخ خالد معهما للوقوف على النية أثناء
الزواج .وعندما يفشل الشيخ خالد في الإقناع المنطقي يستأذن المشاهدين في أن
يلطم وجهه ؟! . فليلطم وجهه الآن وله ما يراه من الأسباب
.
|