عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الآراميون السريان العنصر الأساسي في لغة السكان


خالد اسحق سكمانى

بل تاتي ساعه فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله وسيفعلون هذا بكم لانهم لم يعرفوا الاب ولا عرفوني دمشق قبل العهد الأموي:
قبل الاستعمار الإسلامي لبلاد الشام كانت مدينة دمشق مزدهرة تتعاطى التجارة والصناعة؛ وكانت نقطة التقاء بين آسيا الوسطى والغربية. وقد اشتهرت بأقمشتها الحريرية (الدمقس) ومصنوعاتها الزجاجية. وكانت من أجمل مدن الشرق. وقد احتفظت بجمالها وأهميتها في العهد البيزنطي، بفضل موقعها الممتاز المتقدم إلى تخوم الصحراء. وقد بقيت على جمالها وحضارتها حتى غزاها المسلمون.

وكانت لهذه المدينة سبعة أبواب، وكان الشارع الرئيسي: ((الزقاق القديم)) يخترق المدينة كلها من الباب الشرقي ((باب شرقي)) حتى الباب الغربي ((باب الجابية)) ليقابله اليوم شارع السلطاني وسوق مدحت باشا، وكانت كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان، والتي ما لبث أن استولى عليها المسلمون، وحولوها إلى ما يُعرف اليوم باسم الجامع الأموي. وكانت تقوم بخدمة أحياء المدينة أكثر من ثلاثين كنيسة، وقد حفظ منها ابن عساكر حوالي أربعين من أسمائها. وأكثرها يخص الملكيين، وبعض الكنائس لليعاقبة. وكان متروبوليت دمشق الملكي يأتي رتبة بعد البطريرك في سلسلة السلطات البطريركية الانطاكية.
كما كان لليعاقبة أيضا كرسي أسقفي في المدينة. وكان هناك كثير من الأديار على سفوح جبل قاسيون المشرف على مدينة دمشق من جهة الشمال، وعلى تلاله الممتدة نحو الشرق، وفي السهول المنبسطة شرقي المدينة.

وشكل الآراميون السريان العنصر الأساسي للسكان، انضمت إليهم جالية صغيرة من اليونانيين، الموظفين والتجار، وقد أجاد الفريقان اللغة السريانية واليونانية. كما دخلتها بعض الجاليات العربية عندما احتلها الأنباط.هذا وقد عانت دمشق الكثير من جراء النزاع البيزنطي -الفارسي، نظرا لموقعها الوسط بين الدولتين. فاحتلها الساسانيون سنة 613 لكن الدولة البيزنطية عادت وانتصرت عليهم واسترجعت المدينة، وأعادت الثقة إلى سكانها الذين استعادوا نشاطهم التجاري كالمعتاد..والكنيسة السريانية بجمعها بين لاهوت المسيح وناسوته، واستنكارها لتأليه مريم العذراء، ونشاطها البالغ في نشر تعاليمها وتفانيها في نشر رسالتها، كنت العامل الأقوى في الحضارة السورية، التي طبعت الشرق الأدنى بطابعها، من مصر حتى فارس. -----كما أخذت هذه الكنيسة بالانتشار حتى وصلت شرقا إلى فارس. والمدافن الأثرية وسواها من الآثار تشهد على وجود كنائس سريانية في مر وهراة، وسمرقند، وفي مواضع أخرى من آسيا الوسطى يعود تاريخها إلى أواسط القرن السادس. كما نشأت كنائس سريانية لا سيما في سيلان، وملبار. وقد عرف أتباع الطقس السرياني في الهند:ب((نصارى القديس توما)) وقد وصلت فئة منهم إلى ((سيان فو)) داخل الصين سنة 635م.

أما الفرع الغربي للكنيسة السريانية الذي علم بالطبيعة الواحدة ورفع العذراء إلى مراتب القديسين، فقد عُرف أتباعه باليعاقبة، إذ كانوا أتباع يعقوب ألبرادعي، أسقف الرها في أواسط القرن السادس. وكان الغساسنة وسواهم من العرب السوريين قد اعتنقوا هذا المذهب، وقد كانت لغة الكنيستين الشرقية والغربية لا تزال السريانية.

دمشق في العصر الأموي:

لقد أدى الغزو العربي في النصف الأول من القرن السابع الميلادي إلى تقويض الإمبراطورية الفارسية، وزعزعة أركان الإمبراطورية البيزنطية. حيث استولت على أملاك الساسانيين، واقتطعت من بيزنطية أزهى مقاطعاتها الشرقية. فبعد موت محمد انطلقت الجيوش
العربية لتغزو سوريا والعراق وفارس، بقيادة ابن الوليد خالد، وابن العاص عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم ---حيث غزت هذه البلاد واستعمرتها. ومن الأسباب التي يسرت للعرب استعمار هذه البلاد:

-الحروب الطويلة بين الفرس والبيزنطيين، وإرهاق رعايا هاتين الدولتين بالضرائب القاسية والتي أدت إلى نفورهم.

-الصراع المرير الطويل للدولة البيزنطية ضد الفرس، أدى إلى إضعاف القدرة العسكرية من جراء الخسائر الكبيرة فلم تنعم الإمبراطورية بالهدوء والوقت الكافي لاستعادة تجهيز جيشها والتعويض عن خسائره.

-وجود القبائل العربية في سوريا والعراق وفي المناطق الواقعة على حدود الهلال الخصيب.

-الانشقاق في جسم الكنيسة المسيحية الشرقية، حيث نشأت البدعة المونوفيزية في سوريا ومصر، والنسطورية في العراق وفارس، واضطهاد الكنيسة البيزنطية للمنشقين عنها. وزادت النعرات الطائفية في مدى هذا التنافر بين سكان البلاد الساميين وحكامهم اليونان. فالكنيسة السورية المونوفيزية آمنت أن المسيح طبيعة واحدة لا طبيعتين إلهية وبشرية كما ارتأى المجمع الخلقيدوني الذي أقرته كنيسة بيزنطية اليونانية. مع العلم أن قسما من نصارى الشام والروم والعرب والسريان وقفوا إلى جانب الروم قدر المستطاع.

القديس مار أفرام السرياني(وفي القرن الرابع للميلاد، ) الشاعر والملفان، والذي ملئ الكتب من أشعاره، وتخيلاته، فنراه هنا يتخيل في أحد أشعاره الجنة فيقول:يتخيل الجنة فيقول: ((لقد شاهدت مقامات الأبرار، الأبرار أنفسهم، وإذا الطيوب تقطر منهم، والروائح العطرية تفوح من أعطافهم، وطاقات الزهور تكلل رؤوسهم، وأنواع الفاكهة تزين قاماتهم---وعندما يتكئ الأبرار إلى المائدة تجود
عليهم الأشجار بأظلالها في الهواء الطلق، وتتفتح الزهور من تحتهم، وتنضج الفواكه من فوقهم---الرياح تقف بين أيديهم مستعدة لأداء ما يطلبون، تهب إحداها بالطمأنينة، وترفع الأخرى بالشراب فيجري رقراقا يحمل بعضها بالزيت وبعضها الآخر يحمل الطيوب ---كل من امتنع عن الخمور في الدنيا تتوق إليه الخمور في الفردوس، وتمتد إليه كل نبتة من الكرمة بعنقود من العنب. وكل من عاش عفيفا تستقبله الحوريات بصدور نقية طاهرة((

ويبدو أن هذا النص، قد لاقى هوىً في قلب الرسول
فأدخله في سورة الغاشية من الآية 4:16 - وأيضا في
سورة الرحمن من الآية 46: 78

كما أن من يُجيدون اللغة السريانية يستطيعون أن يتبينوا بسهولة الكثير من الألفاظ السريانية الآرامية في المفردات الإسلامية:
فرقان-كاهن-قسيس-صلاح-زكاة-سراط--------في سنة 633 غزت الجيوش العربية الإسلامية سوريا. وقع الصدام الأول في وادي عربة في غور الأردن جنوبي البحر الميت، حيث قُتل القائد البيزنطي سرجيوس، وفُتحت الطريق أمام الغزاة باتجاه
دمشق------تباينت روايات المؤرخين القدماء المسيحيين حول أيام دمشق الأخيرة-----وقد شهد العهد الأموي انقلابا
خطيرا في النظام السياسي بالنسبة لما كان عليه في عهد الخلفاء الراشدين. فلقد تبدل مفهوم السلطة المتعارف عليه منذ أيام محمد.
إذ تحول هذا المفهوم من نظام الشورى إلى نظام الملك، وعن طريق الوراثة. وبدأ هذه التحول عن طريق الخليفة معاوية الذي سارع إلى تنصيب ابنه يزيد خلفا له، متفردا برأيه دون الأخذ بعين الاعتبار لما قد يترتب على هذا التفرد في القرار من ردات فعل تكون لها انعكاسات سلبية على مسيرة الحكم.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها