عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

اقرأ المزيد...

كثرة الكلام عن المال السياسي الإنتخابي – هي سمة الفاشلين

090223

أيمن شحادة

 *كاتب من لبنان

 ازداد في الآونة الأخيرة ظهور بعض السياسيّين المرتبكين والمضطربين عبر وسائل الإعلام ليشنّوا الهجوم العنيف على الطّرف الآخر ويتّهمونه بإنفاق أموال هائلة في لبنان والمهجر من أجل رشوة وإغراء النّاخبين بهدف كسب المزيد من الأصوات لمصلحة لوائحه الإنتخابيّة، .... ولكن كان واضحاً للجميع أنّ مثل هذه الإتّهامات ليست سوى واحدة من محاولات الهروب إلى الأمام لتبرير أيّ إخفاق محتمل (أو بالأحرى مرجّح) في الإنتخابات النيابيّة المقبلة.

المسألة ليست بهذه البساطة التي يحاول هؤلاء السياسيّين ترويجها، فشراء الأصوات أو بالأحرى شراء الضّمائر سيكون أمراً أقرب إلى المستحيل لو تحرص وزارة الدّاخليّة وأجهزتها المدنيّة والعسكريّة على ضمان سير آليّة الإقتراع طبقاً للقانون، وأهمّها إلزام النّاخب الذّهاب إلى خلف السّتارة والتّشديد على أن يضع لائحته في المظروف قبل الخروج من ورائها، فهذا سيحرم مندوبي المرشّح من التّأكّد أو الجزم أنّ هذا النّاخب قد وضع فعلاً اللائحة المتّفق عليها ولم يبادر إلى استبدالها بأخرى.

إنّ أحداً لا يستطيع شراء أصوات النّاخبين ما لم يكن هناك طريقة أو أسلوب يضمن إلتزامهم بالتّصويت حسب الإتّفاق، فهناك الكثير ممّن قد يستفيدون من إغراءات هذا المرشّح أو ذاك ولكنّهم في النّهاية يقترعون حسب قناعاتهم  100%، على غرار ما حدث لأحد المرشّحين الميسورين في انتخابات العام 1996 عندما موّل رحلات لعدد كبير من النّاخبين اللبنانيّين المقيمين في ألمانيا ولكنّه لم ينجح في الإنتخابات نال بالإجمال أقل من هذا العدد حسب نتائجها وهذا يعني أنّ عدداً لا بأس به من المستفيدين لم يقترع لمصلحة هذا المرشّح السّخيّ.

 هناك صنف من النّاس لا يغريه المال ولن يقترع إلاّ حسب قناعاته .... وهؤلاء هم أكثريّة ساحقة، وهناك صنف يغريه المال ولكنّه وبرغم ذلك سيحاول الإقتراع حسب قناعاته إذا تمكّن من ذلك .... وهؤلاء أيضاً هم كثر، وهناك صنف لا قناعة له وليس مؤيّداً لأحد ومستعدّ لبيع صوته لمن يدفع أكثر .... أمّا هؤلاء فهم فعلاً قلائل جدّاً.

 لا يوجد هناك من يمكن لمبلغ من المال أن يغيّر قناعاته السياسيّة أو الإنتخابيّة، وبالتّالي فإنّه لمن المستبعد جدّاً أن يقترع الناخبون المستفيدون من تلقاء نفسهم وبكلّ حريّة لمصلحة المرشّح الذي قدّم لهم الإغراءات والأموال والخدمات "الإنتخابيّة" في حال كانوا غير مقتنعين به أو كانوا من معارضيه، .... ولن يقترعوا لمصلحته إلاّ في حال توفّرت للمرشّح آليّة تراقب وتضمن إلتزام المستفيدين باللوائح المحدّدة ...... وهذا أمر شبه مستحيل كما ذكرنا ... لأنّ هكذا آليّة ستكون خرقاً فاضحاً لقانون الإنتخابات.

  إذن ليس هناك ما يدعو للقلق في مسألة ما يسمّى بالمال الإنتخابي لأنّ تأثيراته الواقعيّة تكاد تكون معدومة، فبعض مؤيّدي المعارضة قد يحصلون على مساعدات من تيّار المستقبل ولكنّهم بالتّاكيد لن يقترعوا لمصلحة لوائح الأكثريّة بل سيضعوا لوائح المعارضة وهم خلف السّتارة،  وبعض مؤيّدي الأكثريّة قد يحصلون على خدمات من الحزب أو التيّار العوني، وهم بدورهم لن يقترعوا لمصلحة هؤلاء بل سليتزموا لوائح الأكثريّة خلال وجودهم خلف الستارة العازلة.

 من هذا المنطلق يمكننا الجزم بأنّ السياسيّين الذين سيكثرون الكلام عن المال الإنتخابي ومفاعيله من الآن وصاعداً، إنّما هم شعروا مسبقاً بأنّ ثباتهم السياسي قد يتعرّض لصدمة سلبيّة في الإنتخابات المقبلة، ومن باب الإحتياط سيتحتّم عليهم البحث عن أسباب لفشلهم المتوقّع لتأتي على شكل تحذيرات وإنذارات مسبقة يتناولونها بإسهاب قبل حصول الإنتخابات وذلك من على كافّة المنابر الإعلاميّة، والسياسيّة والإجتماعيّة، .... فإذا حصلت المفاجأة وفازوا بالإنتخابات، فسينسون أمرها خلال دقائق بعد إعلان النّتائج، ... أمّا إذا خسروا .... فسيقيموا الدّنيا ولن يقعدوها مبالغين مغالين ليعلنوا أنّهم خسروا أمام مفاعيل مئات الملايين من الدّولارات الأمريكيّة الإنتخابيّة التي اشترت ضمائر وقناعات النّاس، ..... ومثل هذا الكلام ليس فقط علامة فشل وإفلاس فكري وعقائدي وأخلاقي ..... بل رسالة مهينة للشّعب اللبناني.

 إذا حرص الجميع على تطبيق آليّة الإنتخابات تماماً كما نصّ عليها الدّستور والقانون، فلن يكون هناك أيّ تأثير يذكر للمال الإنتخابي والخدمات الموسميّة، بل ستكون القناعات الذاتيّة للمواطنين هي المعيار الأساسي للنّتائج التي ستفضي إليها هذه الإنتخابات ..... وهنيئاً للفائزين.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها