على مدى أربعين
عاما من حكم الأسد، الأب والابن، ونحن نسمع أن دمشق هي عاصمة العروبة،
وهي عاصمة الصمود والتحدي، وأن دمشق الأسد هي معقل الممانعة، وحامية
سلاح الممانعة، وغيرها من شعارات وأكاذيب أخرى. لكن يوم الثلاثاء
الماضي كانت الصورة مختلفة تماما، حيث بدت دمشق الأسد وكأنها الضاحية
الجنوبية، ضاحية حسن نصر الله.
الثلاثاء
الماضي، أخرج النظام الأسدي مريديه في مشهد محزن، ومثير للشفقة،
لاستقبال المندوبين الروسيين، وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات،
استقبالا يشبه استقبال الأبطال الفاتحين، أو القادة، وليس استقبال وزير
خارجية، ورئيس استخبارات. بل إن السؤال الذي يتبادر للأذهان هو: كيف لو
أن الرئيس الروسي نفسه قد زار دمشق، أو رئيس وزرائه، فكيف سيكون الوضع
حينها؟ فقد استقبلت دمشق المندوبين الروسيين مثلما كانت الضاحية
الجنوبية بلبنان تستقبل رئيس وزراء تركيا، أو أمير قطر، أو الرئيس
الإيراني، بعد حرب إسرائيل على لبنان، فقد أراد النظام الأسدي أن يقول
للروس شكرا على استخدام الفيتو، الذي كان بمثابة أجهزة الدعم الحياتي
لنظام بشار الأسد المتوفى سياسيا.
وعندما نقول إن
دمشق باتت وكأنها الضاحية الجنوبية، فيوم الثلاثاء الماضي، وبينما كان
مريدو الأسد في شوارع دمشق يرحبون بالوزراء الروس على طريقة الضاحية،
أعلن أن العراق قد وافق على أن يكون ممرا للبضائع السورية، حيث تقمص
المالكي روح صدام، ولكن شيعيا، حيث وافقت بغداد على أن تكون «سلكا» آخر
في جهاز الدعم الحياتي لنظام الأسد المتوفى سياسيا، وذلك عكس القرار
الذي صدر من دول الخليج التي قررت طرد سفراء النظام الأسدي من أراضيها
في موقف يعكس وقوف الخليج صراحة مع السوريين العزل ضد طاغية دمشق،
بينما قررت بغداد الوقوف مع الأسد.
وعندما نقول إن
دمشق باتت مثل الضاحية الجنوبية اليوم، فبعد أن كانت سوريا هي من تمد
الضاحية بجهاز الدعم الحياتي، باتت بغداد هي من يمد الأسد اليوم بهذا
الدعم. فضاحية نصر الله أصبحت أشبه بكهف، أو وكر، فها هو حسن نصر الله،
وفي نفس يوم الثلاثاء، خرج مدافعا عن نفسه وحزبه، حيث يقول إنهم لا
يتاجرون بالمخدرات، لأن الله أغناه بإيران، وهذا عذر أقبح من ذنب، فمن
يريد أن يكون عربيا، ويعيش في منطقتنا لا يمكن أن يفاخر بالدعم
الإيراني، أو الروسي.
وعليه، فإن
المرء لا يملك إلا أن يقول سبحان مقلب الأحوال، حيث بات كل بحجمه
الطبيعي، سواء الأسد الذي بات يستعين ببغداد لتمده بجهاز تنفس سياسي،
كما أننا نرى حسن نصر الله وهو يفاخر بأن مصدر رزقه هو إيران وليس
المخدرات، علما بأن إيران نفسها تمر بأسوأ أزماتها السياسية
والاقتصادية! كل ذلك يقول لنا إن منطقتنا اليوم في مرحلة تقلب فصول
مصحوبة بزوابع وعواصف، لكن الأكيد هو أن منطقتنا ستكون أفضل حالا من
دون هذه النماذج المتطرفة، والمعتمدة على أجهزة الدعم الحياتية،
السياسية، الإيرانية أو الروسية.