تصريحات
الاستاذ يونادم كنا بين الجارحة والحقيقة
اثارت التصريحات التي ادلى بها الاستاذ يونادم كنا خلال الندوات
واللقاءات التي عقدها مع ابناء شعبنا واجهزة الاعلام الامريكية في زيارته
الاخيرة الى الولايات المتحدة موجة صاخبة من ردود الافعال , دفعت البعض
الى امتشاق مختلف انواع الاسلحة القديمة والحديثة , تسعى بها الى تحقيق
ضربة قاضية , احيانا تحت الحزام , كحق مشروع في الدفاع عن النفس , او
تصفية لحسابات او استغلالا للفرصة المتاحة في ازاحة ( حجر العثرة )! .
فهل كانت تلك التصريحات حقا جارحة للجميع ومشوٍهة للحقائق وتحمل من
التجني ما لا يمكن السكوت عليه ؟! او ما يستوجب تسلق صاحبها مقصلة
الاعدام السياسي او , على الاقل , تقديم اعتذار رسمي ؟ !. حكى لي احد
الاصدقاء ان كاهنا فاضلا استنسخ , وقتها , مقالي عن تسمين القطط وذهب الى
المطران شاكيا قائلا له ( اقرأ ياسيدنا ماذا يكتبون ) , فقرأ الحبر
الجليل وقال لا اجد شيئا غريبا , فمن لايجد نفسه طرفا في المقال لايمكن
ان يرى فيه سهما يتجه صوبه . الانتهازيون وابطال اقتناص الفرص محظوظون
على الدوام في مسيرة حياتهم , لانهم يجدون غالبا ايادي بيضاء تتقدم
وتتطوع لتكون كاسحة الغام في طريقهم , فتفتح لهم افاقا اخرى فيه وهي
تتوهم انها بفعلها هذا تنتفض لنفسها , فالابيض لايحتاج الى دليل يؤكد
بياضه , لكنه يقينا يفقد من البياض عندما يتداخل , في غفلة من الزمن , مع
بعض البقع هنا وهناك , او يقبل في ان يكون حجابات لها ! .
لقد قرأت المقالات التي كتبها الاستاذ الفاضل انطوان الصنا عن الموضوع
كما شاهدت ايضا المقاطع الستة من تسجيلات الفيديو لحديث الاستاذ يونادم
كنا , ولابد من الاعتراف في ان الاستاذ انطوان الصنا كان امينا في نقل
احداث الندوة , وكم كنت اتمنى ان يبقى حياديا في المعالجة حتى النهاية
كما حرص في البداية , حيث يلمس المرء من المقالات الاخيرة رجحانا لكفة
على حساب اخرى , من خلال تسفيه المقالات التي كُتبت ردا او تعقيبا على
مقالاته , دون ان انكر انه قد يملك بعض الحق في فعل ذلك عندما وجد البعض
يطعن في امانته وهو الواثق منها والحريص عليها . اما مقالات الاستاذ
الفاضل وسام كاكو فقد كان حقا فيها طباخا , غير موفق على الإطلاق , وجد
في هذه التصريحات فرصة ثمينة لكي يكون يونادم كنا ( العِجل المُسمًن ) في
قِدْره , والذي يستلزم جمع الحطب له من كل فجٍ عميق!.
لا ادخل في قواعد النحو والصرف واللغة لانبش في ( سيبويه ) عن اصل كلمة
جعجعة فقد سبقني الى ذلك اساتذة افاضل واشبعوها شرحا وتفسيرا وتأويلا ,
ولكنني احكم على الفعل بنتيجته الحالية , ولذلك فان الاخوة الاعزاء من
المتحمسين لمشروع الحكم الذاتي مطالبون قبل غيرهم بتقييم حاصل بيدرهم من
الحقل الذي بذروه قبل سنتين من الان , ومن المؤكد ان تقييما ذاتيا امينا
ومنصفا سيمنح الحق للمراقب او المتحفظ او الرافض للمشروع وصف الجهد من
اجله خلال هذه الفترة كما سبق ( بالجعجعة ) كونه في السياسة وصفا شائعا
لايفتقر الى شروط اللياقة , ناهيكم عن كونه حافزا وتحديا للبعض لتحقيق
خطوات جوهرية في المستقبل القريب بما يفنٍد هذا الوصف . عامان مضى على
طرح المشروع فماذا أُنجز وتحقق حتى الان ؟ اتمنى ان لانغالط انفسنا
بالادعاء في ان الحركة الاشورية قد منعت او اعاقت كل شئ ! ان كل الذي
يمكن ان يُحسب كجهد لصالح مشروع الحكم الذاتي خلال هاتين السنتين يصح
اختصاره بصورة جوهرية بإنعقاد مؤتمر عنكاوة وانبثاق المجلس الشعبي , دون
ان ننسى ان مؤتمرعنكاوة كانت نتيجة عرضية او بمثابة ضربة حظ على محركات
شعبنا ساهمت الظروف الانية والذاتية الشخصية في تحقيقه , اما المجلس
الشعبي فكانت ولادته القيصرية ثم غياب الشخصية ( الكاريزما ) التي من
الممكن ان تنقله الى دور مؤثر بسبب قرار الاستاذ سركيس اغاجان قيادته من
خلف الكواليس , كان كل هذا وغيره كان سببا في ظهور المجلس وكأنه يعاني من
الكوليسترول وتصلب الشرايين وهو في نعومة اضفاره . لقد اشبعنا صفحات
مواقعنا عن الحكم الذاتي خلال هاتين السنتين ولم نتقدم خطوة واحدة على
طريق اثارته فقط ( وليس تثبيته ) دستوريا , على الاقل في دستور الاقليم
الذي يعرف عنه افضل من اهل البصرة والاهوار والرمادي , نغضب ونزعل من
وصف ( الجعجعة ) وحالنا اشبه بذلك الذي سُئل عن مشروع زواجه فأجاب قائلا
ان 50 % من المشروع قد اصبح في الجيب متمثلا في موافقته وموافقة ابيه
وأُمٍه , وبقي منه 50% الاخرى وتشمل موافقة العروس واهلها وعشيرتها
وجيرانها ! الى متى نبقى نتبجح بلقاءات تبثها عشتار مع هذا وذاك يعلن
فيها تأييده للحكم الذاتي وهو يبدو يتحدث عن شئ لايُدرك غير إسمه ولا
اعتقد انه قد قرأ عنه حرفا واحدا , كاحدى عضوات البرلمان العراقي التي
اجرت معها عشتار لقاءً في كندا وعُرض قبل ايام !
اما بخصوص كون مناصري الحكم الذاتي من ( المأجورين ) او القاصرين في
الوعي السياسي والقومي , فان الاستاذ يونادم كنا كان سيكون اكثر دقة لو
اضاف الى ذلك ان هنالك شريحة ليست مأجورة او قاصرة في الوعي السياسي
والقومي , بل اجتهدت ووصل اجتهادها الى هذه القناعة وترى فيها خيرا
لشعبنا , دون ان ننكر ان هذه الشريحة لايمكن تمييزها بسهولة وبالعين
المجردة عن غيرها , ولذلك ولان الانسان بطبيعته يحكم على الظواهر ويصفها
بسماتها الغالبة وليس باستثناءاتها الخاصة , فيكفي ان تصف لوحة معينة
بلونها السائد دون الاشارة الى كل زاوية صغيرة فيها . ان العمل في جهد
ومؤسسات الاستاذ سركيس اغاجان يختلف مثلا عن العمل في الحزب الشيوعي ,
فالشخص الذي يدخل الىمقرات الحزب الشيوعي يعرف ان الاحتمال الوارد هو ان
يخرج من المقر وفي جيبه اقل مما كان موجودا فيه قبل الدخول , وخروجه بجيب
اثقل هو من علامات قيام الساعة ! , اما الذي يدخل الى المجلس الشعبي او
المؤسسات الاخرى فلايتوقع ان ينقص من جيبه شيئا بل هنالك امكانية واسعة ,
اعتمادا على الشخص والظرف , لتحقيق ربح ما , وهذا ليس تجنيا , فالسيد
سركيس اغاجان يدير امكانيات واسعة وابناء شعبنا في القرى والبلدات
والمهجر قادرون على وصف حال عدد كبير من العاملين في تلك المؤسسات قبل
عملهم فيها واثنائه وبعده . ليس بخلا بهم , ولكنها الحقيقة التي يعرفها
ابناء شعبنا وفي مقدمتهم السيد اغاجان في ان كثيرا من هذه النماذج تشخص
عيونها الى (الحنفية ) وليس الى الطرح السياسي وبرامج ومشاريع صاحبها ,
دون ان ننسى ان نشير مرة اخرى الى ان هذا ليس بالمعنى المطلق , بل سمعت
وأُخبرت عن نماذج نزيهة بيضاء , كعلامات مضيئة هنا وهناك , وجدت في
الامكانيات التي يوفرها جهد السيد اغاجان فرصة ثمينة لتخدم بها شعبها
خدمة نظيفة لوجه الله . اما الوصف بالقصور في الوعي السياسي والقومي فهو
أخف وطأة من الوصف بالضحالة والغباء السياسي واداة المشروع العروبي
والخيانة والوقوف حجر عثرة امام اهداف وطموحات شعبنا وغيرها من الاوصاف
التي يوصف بها على الدوام كل المتحفظين والرافضين لمشروع الحكم الذاتي
بشكله المطروح , فلا داعٍ للغضب والزعل اذن. كما اننا لوتصوًرنا العكس
وخرج السيد سركيس اغاجان او الاستاذ جميل زيتو واعلن عن وجهة نظره في ان
كل من يقف في الخندق المقابل لمشروع الحكم الذاتي يعاني من القصور
السياسي فكيف كان سيكون رد فعل البعض على هذا الطرح , سؤال نتركه
للمنتفضين يجيبون به انفسهم قبل النوم !
تبقى مسألة التطاول على الرموز الدينية وهي حقا مزايدة رخيصة , فالمتوقع
ان السيد يونادم كنا اكبر من ان يقع في هذا الفخ ويُسبب لنفسه ولحركته
خسارة سياسية فادحة غير مبررة اضافة الى خسارة شخصية كبيرة في تناول
ممارسات واداء رموزنا الدينية بشكل مطلق , والمثال الذي ذكرناه في مقدمة
هذه السطور يوضح بشكل ناصع عدم جواز الحكم المطلق , لكن هذا لايمنع حتما
السيد كنا , وهو جزء من شعبنا يعيش على اتصال مع حركته ويعيش احداثه , ان
يتناول بالتشخيص امثلة يثق من صحتها , ربما تكلم و يتكلم عنها , همسا وفي
المجالس الخاصة او علنا , كثيرون غيره من ابناء شعبنا , والجميع بحديثه
عن هذه الممارسات لايهدف قط التطاول او الانتقاص من هيبة رموزنا الدينية
بقدر ماتشتعل في نفسه الغيرة على الثوب الديني والمرتبة الكهنوتية ,
وتكمن أُمنيته الصادقة في ان يحافظ حاملها دائما وابدا على تلك الصورة
المترفعة السامية الناكرة للذات , حاملا صليبه , يجول في الارض يصنع خيرا
قبل ان يفكر بثروة لنفسه او لاقربائه او مستقبل في دول الغربة لمن
يُحِبْ. ثم لا ادري لماذا تكون بالنسبة للبعض حلالا الاشارة بالانتقاد
لرمز ديني يبدي موقفا متحفظا ازاء مشروع الحكم الذاتي بينما تُصبح هذه
الاشارة , لذلك البعض , تطاولا واساءة عندما يتعلق الامر برمز ديني يؤيد
المشروع !
في هذا المقال ارجو ان يتسع صدر الاخ العزيز والاستاذ الفاضل جميل
روفائيل لكلمة تعقيبا على كتاباته الاخيرة. لقد كتبت قبل فترة ولازلت
مؤمنا بما كتبته في ان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل هو شخصية سياسية
واعلامية كبيرة في صفوف شعبنا , وعرفناه في قضايا شعبنا صاحب جهد ملموس
في محاولة مسك العصا من المنتصف بما يحقق توازنها , ولا ادري كيف فات
الاستاذ جميل روفائيل بعد كل هذه التجربة الطويلة المتخمة بالخبرة ان
الاسباب التي منعته من نشر وثيقة ما في زمن ما لا تسمح اطلاقا بإشهار تلك
الوثيقة في الدفاع الشخصي في اي وقت من الاوقات لاحقا , كما ان الاستاذ
جميل روفائيل وهو السياسي والاعلامي المخضرم لايحتاج لمن يُذكٍره
بمُسلًمة بسيطة جدا وهي انه لوكانت تلك الوثيقة حقيقية لكان السيد يونادم
كنا , وكتحصيل حاصل , في مقدمة الذين يبصمون على تلك المشاريع الخاصة
بشعبنا وعلى ورقة بيضاء إنقاذا لرقبته , وما كان الجانب الكردي مثلا
ليغفر له مشاغباته على مشروع الحكم الذاتي المقترح ولا اعتقد انذاك ان
الائتلاف الشيعي او التجمعات السنٍية كانت ستجد مُتسعا لمقاومة الرغبة
الكردية وهدر الوقت في الدفاع عنه. اما الحديث عن الدار وقطعة الارض
فانني اعتقد ان معايير النزاهة في العراق وخاصة خلال العقدين الاخيرين
تُصنٍف المسؤول او الوزير الذي يخرج ( من المولِد ) بدار وقطعة ارض في
مرتبة متقدمة من معايير النزاهة إن لم تضعه في القائمة النظيفة فيها , بل
في المعيار العام الدارج يعني خروج هذا الوزير بدار واحدة وقطعة ارض انه
يستحق درجة متدنية في ( سُلم الشطارة ) . ليست هذه دعوة لتشجيع الفساد
بل مقارنة نسبية بالواقع الذي نعيشه , كما ارجو ان لايضع البعض هذا في
باب الدفاع والانحياز الى الحركة الاشورية وسكرتيرها بقدر ما هي اراء
شخصية بحتة في المناقشات الدائرة بين اوساط شعبنا . اما حديث الاستاذ
جميل روفائيل عن شخصه الكريم فلا اعتقد انه بحاجة له , لان شعبنا يعرف
جميل روفائيل كما يعرف هو شخصيا عن ذاته مذ اختاره شعبنا حصة له ولم يعد
ملكا خالصا لنفسه .
انني ارى في تصريحات السيد يونادم كنا العكس تماما , بل يمكن ان تكون
ارضية لبناء قواسم مشتركة طالما ان السيد كنا يرى كل حقوق وامتيازات
الحكم الذاتي هي تحت مُسمًى الادارة المحلية , واعتقد ان كل الذي يطلبه
السيد يونادم كنا من الاخرين هو الاداء والقرار المستقل الذي لايلبي سوى
اجندات شعبنا , ولايمكن لكائن ما ان يقول ان القرار والاداء المستقل مع
الحكم الذاتي هما اشبه بمعضلة البيضة والدجاجة فلايعرف من يتقدم منهما عن
الثاني , بل هنا الحكم محسوم بالدرجة القطعية لقرار واداء مستقل , اولا ,
ليتم عليه بناء حكم ذاتي ( ادارة محلية ) على اسس سليمة .
وفي كل الاحوال نرى لزاما التنبيه في الختام الى ان استهداف السيد سركيس
اغاجان ليس الطريق الذي يتركنا نتذوق ( زلابية ) الادارة المحلية , كما
ان حرق السيد يونادم كنا ليس الكفًارة الواجبة الدفع والتي تجعل ايادينا
تغرف من ( قوزي ) الحكم الذاتي . |