الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

 

د. شاكر النابلسي


الإجابة على سؤال: لماذا دولة الإسلام لا تصلح لنا الآن؟!

 2004 الجمعة 8 أكتوبر

-1-
للدول في التاريخ أحكامها وشروطها وسياقاتها.
أوروبا لا تستطيع الآن أن تكون دول الحكم الالهي المطلق الذي كان قائماً في القرون الوسطى، ولا تستطيع أن تعيد النظام الاقطاعي الذي كان سائداً أيضاً في تلك الفترة. ليس لأنها تعارض قيام مثل هذه الدول، ولكن لأنه لا مكان في هذا العالم الجديد الآن لا للحكم الالهي المطلق، ولا لنظام الاقطاع بعد أن قطع العالم أكثر من خمسة قرون في التنوير والتطوير والصناعة والعلوم وتقدم الفكر والفلسفة وخلاف ذلك.  طبيعة العصر ومنطقه الذي تعيشه أوروبا الآن لا مكان له لدولة الحق الالهي المطلق، ولا مكان له لدولة الاقطاع.
شروط ومقتضيات دولة الحق الالهي انتهت وانقضت في زمانها وفي شروط ذلك الزمان، وتوقفت اوروبا عن البكاء على ما مات وفات من أمجاد ماضية، وبنت لنفسها أمجاداً جديداً هي نتاج أجيال جديدة.  من الصعب على أوروبا أو على الغرب عموماً الآن أن يعيش حياته بكل تفاصيلها وتعقيدها وقد هندسها له وأقامها له الأسلاف من الأموات الذي عاشوا لأيامهم، ثم قضوا.
-2-

كمال أتاتورك عندما قام بثورته على الخلافة الإسلامية في 1924 وأسقطها، كان يدرك هذه الحقيقة التاريخية. وهي حقيقة أن عصر الخلافة قد انتهى. وإن لم يسقطه أتاتورك لكان قد سقط من تلقاء نفسه كحبة الفاكهة الناضجة والتي حان أوان قطفها. والدليل أن شيوخ الأزهر عندما أرادوا اقامة الخلافة من جديد، وتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين، لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، بغض النظر عن الضجة التي أحدثها كتاب الشيخ علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم، 1925). ونفي فيه أن يكون الإسلام ديناً ودولة، وكان عبد الرزاق على خطأ بذلك. فكما قلنا سابقاً في مقالنا (لماذا "دولة الرسول" و"الراشدين" لا تصلح لنا الآن؟) فإن الإسلام كان دولة قبل أن يكون ديناً مكتملاً. وكتاب واحد ككتاب علي عبد الرازق، ما كان سيوقف رجال الأزهر وعلى رأسهم الشيخ خضر حسين شيخ الأزهر آنذاك - والذي قام بالرد على عبد الرازق بكتاب مضاد - عن الاستمرار بالدعوة لإقامة الخلافة الإسلامية من جديد، ولا كان مثل هذا الكتاب يمكن أن يوقف ملكاً متحفزاً للخلافة كفؤاد الأول عن تنصيب نفسه خليفة جديداً للمسلمين بدل الخليفة العثماني المخلوع عبد المجيد بن عبد العزيز. وإنما الذي حال بين الملك فؤاد وبين الخلافة هو أن شروط الدولة وقيامها بعد الحرب العالمية الأولى قد اختلفت عما كانت عليه قبل هذه الحرب. والقيم السياسية التي كانت سائدة قبل هذه الحرب اختلفت عن القيم السياسية التي جاءت بعد هذه الحرب. وهو ما أدركه معاوية بن أبي سفيان الذي بدأ باقامة دولة علمانية عربية مختلفة كلية عن دولة الرسول ودولة الراشدين، وفاصلاً فيها بين الدين والدولة، وقائلاً: "أنا أول الملوك" (تاريخ اليعقوبي، ج2، ص276). حيث لا مكان لدولة الراشدين بعد 36 سنة من حكمهم. وهو ما لم يدركه أشياخ الأزهر والمؤسسات الدينية الأخرى في العالم العربي ومنها جامع الزيتونة في تونس الذي فزعوا ودب الخوف من قلوبهم من انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية، وطفقوا يبحثون عن خليفة، حتى ولو كانت طاغية كالملك فؤاد الأول.

-3-
لو افترضنا أن الإسلام السياسي في بلد ما من العالم العربي قد نجح في انتخابات ديمقراطية حرة فماذا سيحصل؟
إن هذا متوقع وأكيد ولا شك فيه.  فإي بلد عربي تقام به انتخابات حرة ونزيهة، سوف يكتسح فيها الإسلامويون الانتخابات كما اكتسحوها في الجزائر عام 1990. وهذه ما يعلمه الغرب والعرب جيداً. والدليل على ذلك الواقع السياسي المصري مثلاً. فلو سُمح للإخوان المسلمين بأن يعلنوا عن أنفسهم رسمياً كحزب سياسي معترف به ويخوضوا انتخابات حرة ونزيهة، لنجحوا واحتلوا مقاعد الحزب الوطني الاشتراكي الآن بكل سهولة. وهذا هو السبب وراء عزلهم والتضييق عليهم، وعدم السماح لهم بممارسة العمل السياسي كباقي أحزاب المعارضة الأخرى القومية واليسارية. وهذا هو الحال في كثير من البلدان العربية. وسببه الرئيسي ليس قوة خطاب وبرامج أحزاب الإسلام السياسي، ولكن ضعف الأحزاب القومية الأخرى، والفراغ السياسي الذي تعاني منه الأمة، والنكبات التي لحقت بالأمة نتيجة لحكم الأحزاب القومية والأحزاب غير الاسلاموية، واهتراء المعارضة وافلاسها، وقيام الأحزاب الاسلاموية بتحمل جزء كبير من مسؤوليات الدولة العربية من حيث التعليم والطبابة ورعاية الأطفال وفتح مشاغل للعمل والتدريب.. الخ.   بحيث أصبحت هذه الأحزاب هي "دولة الظل" القوية والمفضلة على "دولة النور" الرسمية والضعيفة والمكروهة.
إن أكبر امتحان وأقصر طريق للسقوط النهائي للأحزاب الاسلاموية هو توليها الحكم ومطالبتها من قبل ناخبيها ومحازبيها بتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً دون تخلٍ عن أي نص من نصوصها أو موادها، وكما تقول الآن خطاباتها السياسية والتي ابرزها:

1-
  سياسياً:

 حصر الخلافة في عائلة واحدة كما كان عليه الحال في عهد الراشدين حيث حصرت الخلافة في قريش فقط تنفيذاً للحديث النبوي (الأئمة منا أهل البيت) و (الأئمة من قريش) وظلت هذا الحصر قائماً طيلة أكثر من ستة قرون ( 632- 1258  )

 اختيار الخليفة من ذوي العلم الديني وليس السياسي أو الاقتصادي أو العلمي عن طريق من بين عدة مرشحين ومبايعته بيعة أهل (الحل والعقد) فقط؛ أي عن طريق مجموعة من رجال الدين النخبة كما كان معمولاً به في عهد الراشدين، لا عن طريق الانتخابات المباشرة المعمول بها في الغرب (الكافر). وهو ما يتم الآن في طريقة اختيار مرشد الاخوان المسلمين الذي يعتبر خليفة بلا خلافة.
- لا زمان محدداً لترك الخلافة إلا بالموت. فالخلفاء الراشدون لم يتولوا الحكم من بعضهم إلا بالموت، والموت قتلاً لثلاثة منهم. ومن هنا فلا تداول في السلطة لسنوات طويلة.
-  اعتبار الدولة التي سيحكمونها "دار سلام" وباقي العالم الآخر "دار حرب" كافرة.
-  قيام مجلس الشورى بالتعيين لا بالانتخاب، كما فعل الرسول في دولته في المدينة، وكما فعل الخلفاء الراشدون.
- عدم الزام الخليفة بقرارات مجلس الشورى، واعتبار الشورى " مُعلّمة" وليست " مُلزمة" كما كان عليه الحال في عهد دولة الراشدين.
- خلط المال العام مع المال الخاص والنهب من الخزينة العامة للدولة كما يشاء الخليفة كما كان عليه الحال في عهد عثمان بن عفان، والذي كان السبب في الثورة عليه وقتله.
-  تعيين الولاة من قبل الخليفة مباشرة كما كان معمولاً به في عهد الرسول وفي عهد الراشدين، وليس انتخابهم من قبل مواطني الولاية، أو الإقليم.

 وهذه كله يعني في قاموس السياسة المعاصر اقامة دولة دينية ديكتاتورية مطلقة تحتكم إلى نصوص سياسية ميتافيزيقية، لا تمت إلى الواقع المعاش بصلة.

2-
  اقتصادياً:

- اغلاق كافة البنوك الربوية المحلية، وإحلال البنوك الإسلامية محلها التي تعمل بنظام "المرابحة"، وتعيين الشيخ القرضاوي وأمثاله كمستشارين شرعيين لهذه البنوك كما هو حال الشيخ القرضاوي بالنسبة لأكثر من عشرين بنكاُ اسلامياً.
- عدم التعامل مع البنوك الربوية الأجنبية، بحيث لا يختلط المال الحلال مع المال الحرام. فلا ايداع في البنوك الإسلامية الداخلية، ولا ايداع من البنوك الإسلامية في البنوك الربوية الخارجية. وبهذا فسوف نقيم عالماً اقتصادياُ خاصاً بنا، لا شأن له بالعالم الآخر.
-  إلغاء كافة الضرائب القائمة الآن، واحلال الزكاة محلها، وهي نسبة 5 و 2 ٪ .
-
إلغاء كافة استثمارات رجال أعمال الدولة الإسلامية في الفنادق والمنتجعات السياحية الداخلية والخارجية والتي تبيع الخمور ، وتفتح في هذه المرافق البارات والملاهي الليلة المخالفة لتعاليم الدين.

3- اجتماعياً:

-  اعتبار النصارى واليهود وغيرهم من الأديان الأخرى – إن وُجدوا في العالم العربي- من الذميين، دافعي الجزية، ومواطنين من الدرجة الثانية، وعدم السماح لهم بممارسة حقوقهم السياسية كاملة، واخراجهم من الجيش كما طالب مصطفى مشهور مرشد الإخوان المسلمين السابق.

- حبس المرأة في بيتها وتكريسها للعلف والخلف فقط كما كانت عليه في القرن السابع الميلادي. وفرض الحجاب على المرأة الحُرّة فقط، والذي هو تشريع مديني وليس مكي. واعتبار المرأة كلها عورة. فقد روي عن محمد بن المثنى عن النبي

أنه قال" المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون المرأة برحمة ربها وهي في قعر بيتها".

-  تفضيل البنين على البنات في المعاملة والإرث والشهادة.

- منع المرأة المسلمة من أن تكون شاهدة في حادثة قتل أو أي قضية جنائية تستوجب القتل.

- منع المرأة المسلمة من أن تكون قاضية أو رئيسة دولة طبقاً للحديث النبوي "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رغم أن تركيا والباكستان واندونيسا وبنغلادش ولوا أمرهم لنساء.

- اباحة الزواج من الطفلة التي لم تبلغ سن المحيض. والإسلام هو الدين الوحيد الذي أباح ذلك لقول القرآن: (واللائي لم يحضـن وأولات الأحمـال أجلهـن أن يضعـن حملهن)( الطلاق: 4 ). ويقول ابن كثير إن عدة الصغار من البنات اللائي لم يبلغن سن الحيض ثلاثة أشهر.

-  والدولة الإسلامية لا تعترف بالاغتصاب. فإذا اغتصبت امرأة واشتكت فعليها أن تأتي بأربعة شهود ذكور، رأوا المرود في المكحل. وشهادة المرأة لا تقبل في هذه الحالة. فمن هو العاقل الذي يغتصب امرأة أمام أربعة شهود من الذكور كما تساءل كامل النجار في كتابه المخطوط (قراءة نقدية للإسلام، ص 179). ولا يوجد في الشريعة الإسلامية تعريف للاغتصاب. ولهذا السبب، فإن أية امرأة مسلمة تدعي أن رجلاً اغتصبها قد تنتهي مدانة بالزنا لأنها لا تستطيع أن تحضر أربعة شهود ذكور. وهذا ما يحدث في الباكستان الآن كما تقول جمعية الأخوات المسلمات.
-4-

فمن أراد منكم أيها القراء أن يعيش في مجتمع يُطبّق مثل هذه الأحكام، فليصوت للجماعات الإسلامية والأحزاب الإسلامية في أول انتخابات تجرى في بلده، لكي يمكنها من تسلم الحكم من الحكومات العلمانية وشبه العلمانية والمحافظة القائمة الآن، وتطبيق ما تنادي به حرفياً في خطاباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ودون استثناء أو تعديل أو تبديل، بحجة السياسة الشرعية والظروف الإقليمية والدولية، والتي تريد بها الوقوف في وجه العالم ووجه التاريخ، وتبحر في تيار مختلف ومعارض لحركة التاريخ، وكأنها تتصور نفسها بأنها تعيش في كوكب آخر منفصل عن الأرض، وليس لها أية مصالح خارج حدودها، ولا علاقة لها بما يدور في باقي أنحاء العالم.  فهل دولة كهذه يمكن لها أن تقوم، وإذا قامت فهل يمكن لها أن تستمر، في ظل النظام الدولي الجديد، وفي ظل القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في العالم الآن؟

(تنشر بالتزامن مع جريدة "السياسة" الكويتية، و "المدى" العراقية، و "الأحداث المغربية")

(الرجاء من المعلقين على هذا المقال ارسال ردودهم لـ "إيلاف" رأساُ)

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها