الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

 

د. شاكر النابلسي


مصر بين العسكري والديني/السياسي
 2011 الإثنين 21 فبراير

-1-

 بدايةً، لا اعتراض لي على حضور الشيخ القرضاوي للقاهرة، وأن يصلي الجمعة في ميدان التحرير بالذات، وليس في الجامع الأزهر، أو مسجد الحسين، أو مسجد السيدة زينب مثلاً، وأن يؤم القرضاوي المصلين، ولا يؤمهم شيخ الأزهر مثلاً، أو أحد كبار شيوخ الأزهر، إذا كان لا بُدَّ من هذه المظاهرة الدينية الضخمة.

رسالة، لا مجرد صلاة فقط

لقد كانت "خطبة الجمعة" تلك، خطبة سياسية بامتياز، وليست خطبة دينية للهدى والرشاد.
كانت تلك المظاهرة – وليست الصلاة – الدينية الضخمة، رسالة سياسية واضحة إلى المصريين، والى العرب، وإلى العالم كله، مرتبطةً أشدَ الارتباط باختيار المجلس الأعلى للقوات المسلحة طارق البشري رئيساً للجنة تعديل الدستور. والبشري لمن لا يعرفه من الباحثين المصريين الذين اتجهوا مؤخراً إلى المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، كما أصبح من كبار منظري "الإسلام السياسي"، ومؤلف عدة كتب دينية/سياسية، تدعو إلى تطبيق الشريعة الدينية، وقيام الخلافة الإسلامية منها: "الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي"، "منهاج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي"، "ماهية المعاصرة"، وكتابه الأخير: "الجماعة الوطنية: العزلة والاندماج" (دار الهلال، 2005)، وهو من أكثر كتبه وضوحاً في شرح، وتبني منهاج "الإسلام السياسي".

اثنان من الإخوان في "لجنة تعديل الدستور"!

كذلك، فإن صلاة وخطبة القرضاوي في ميدان التحرير، ترتبط باختيار المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاثنين من قيادي الإخوان المسلمين في لجنة تعديل الدستور وهما: عاطف البنا (المستتر)، وصبحي صالح (المنتشر).
أما (المستتر) عاطف البنا، فهو الذي قال في كلمته في حفل إفطار الإخوان المسلمين في شهر رمضان 2010 "إن الشرعية السياسية للإخوان مكتسبة من الشارع، ومن تأييد الناس."
وعن شرعية الإخوان قانونياً، قال البنا:
"إن جماعة الإخوان المسلمين، تمَّ حلها في الأربعينيات والخمسينيات، وعادت إلى نشاطها من جديد، واعترفت السلطة بها."
وانتقد البنا موقف أحزاب المعارضة من الإخوان، وقال:
"إنَّ إغفال السلطة الحاكمة تنظيماً قوياً لديه أغلبية مثل الإخوان أمر مفهوم، إلا أن الأمر غير المفهوم هو موقف المعارضة التي استبعدت الإخوان من حوارها."
أما (المنتشر) صبحي صالح، فهو عضو الكتلة الدستورية للإخوان، وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب، 2005.

الإخوان وسياسة الزرافة

يتبع الإخوان المسلمون هذه الأيام سياسة الزرافة، عندما تدس رأسها في الرمال، ظناً منها أن الناس لن يرونها. وهذا ما يفعله الإخوان المسلمون هذه الأيام. ففي المذكرات التي بدأ ينشرها القيادي ألإخواني عصام العريان قال في الحلقة الأولى منها مؤكداً دور (شباب الإخوان) في ميدان التحرير:
"لقد نجح الشباب، وفي القلب منهم شباب الإخوان، في كسر حاجز الخوف من جديد، ولم ترهبهم جحافل الأمن ولا المطاردات، وكانت بؤرة الحدث في ميدان التحرير الذي انتقل إليه المتظاهرون من أمام دار القضاء العالي الذين شاركوا النواب من جميع الاتجاهات في وقفتهم، وبدأت تطورات جديدة لم تقتصر على مجرد الوقفات الاحتجاجية التي كانت تقوم بها حركة كفاية، أو الاحتجاجات العمالية والوظيفية.. إلخ."
ويبدو أن شباب الإخوان هؤلاء، تنظيم سري جديد للإخوان. وهم من بدأوا الاستعراض العسكري المليشاوي في رحاب الأزهر 2010. وهؤلاء من ضمن جموع غفيرة من الشباب المتحمس الذين انضموا إلى الإخوان المسلمين عام 2005 بعد انتصاره البرلماني الكبير في انتخابات 2005.

هل سقط القرضاوي من السماء؟

والمضحك فعلاً في "رسالة صلاة الجمعة"، أن الإخوان المسلمين نفوا دعوة القرضاوي للقاهرة، علماً بأن القرضاوي – لمن لا يعلم - هو "المرجعية الفقهية العليا" لجماعة الإخوان المسلمين. وما زال عضواً فاعلاً في "الجماعة".
وإن كان الإخوان لم يدعوا القرضاوي إلى القاهرة فمن الذي دعاه إذن؟

ومن الذي سمح له بدخول القاهرة؟

أليس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القابض على زمام الأمور الآن في مصر!

ومن الذي نظم صلاة الجمعة في ميدان التحرير، أليس تنظيم شباب الإخوان، باعتراف التلفزيون المصري الرسمي ؟
ومن هم حرّاس القرضاوي، الذين منعوا وائل غنيم من الخطبة، أليسوا من عناصر وشباب الإخوان؟
هذا كله يمكن أن (نبلعه) أما ما لا يمكن (بلعه) هو حرمان ومنع وائل غنيم أحد قيادي الشباب في انتفاضة 25 يناير من الخطاب في ميدان التحرير، وهو الذي بنى هذا الميدان سياسياً مع رفاقه، وأتاح للقرضاوي و"الإخوان" باعتلاء أمواجه.
وهو ما يعني خلع المدني/السياسي في مصر الجديدة، وتثبيت الديني/ السياسي.
وبدأ الهمس في القاهرة يدور، ويقول:
هل نامت نواطير مصر الجديدة عن ثعالبها، التي راحت تغزو كروم العنب المصرية بشراهة، بعد جوع السنين الطويلة الماضية؟

البابا في ميدان التحرير أيضاً

خطبة الشيخ القرضاوي في ميدان التحرير، تناولت حقوق أقباط مصر، وضرورة مساواتهم بمسلمي مصر، وبكلام لين إلى حين، يذكرنا بآية "لا إكراه في الدين" المكيّة التي جاءت أيام ضعف الإسلام. ولكن الأمور انقلبت بعد أن قوي الإسلام وساد.ولكن هل هذا يكفي لطمأنة الأقباط؟
وكيف يطمئن الأقباط إلى سلامتهم في مصر الجديدة، وعصام العريان القيادي الإخواني، يقول: "إن المادة الثانية من الدستور هي فوق الدستور، وأن رحيل مبارك يعني بدء تطبيق الشريعة الإسلامية وحدودها." ؟
وهل لو طلب البابا شنودة غداً، الإذن له بالصلاة أيضاً - أسوة بالقرضاوي - يوم الأحد في ميدان التحرير، حيث سيجتمع أكثر من مليوني قبطي، فهل سيؤذن له؟

(اشمعنى) القرضاوي بالذات؟

وللعلم، فإن القرضاوي عندما أمَّ بثلاثة ملايين مصلٍ في ميدان التحرير، وخطب فيهم خطبة الجمعة، فعل ذلك باعتباره من قادة جماعة الإخوان المسلمين، وليس باعتباره مجرد داعية ديني. ولو كان الأمر كذلك، لتمَّ تكليف شيخ الأزهر بالقيام بذلك، باعتباره أعلى مرجعية دينية مصرية. أو لتمَّ تكليف أحد كبار أشياخ الأزهر للصلاة بهذه الملايين، وإلقاء خطبة الجمعة. ولكن الأمر – كما قلنا – كان أكثر من كونها صلاة وخطبة، بقدر ما هي رسالة للجميع في الداخل والخارج تتحدث عن مصر الجديدة.

السلام عليكم.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها