هل العرب
مسلمون؟!
2004 الجمعة 24
سبتمبر
-1-
إنه سؤال من
أسئلة الحمقى! ولكن أين أسئلة العقلاء هذه الأيام في الفضاء العربي
والإسلامي؟
عندما جاء الإسلام إلى العرب قبل خمسة عشر قرناً، كان العرب في أشد الحاجة
إليه. ولولا خوفهم من أن الدين الجديد سوف يهدد أمنهم ويقضي على تجارتهم
والسياحة الدينية التي كانت تجلبها الأصنام لهم، ويثوّر عليهم العبيد
والأُجراء والمستخدمين والمعذبين في الأرض، وهو ما عبّر عنه القرآن بقوله:
(وقالوا ان نتبع معك الهدى نتخطّف من أرضنا) (سورة القصص، آية 58) لدخلوا
في دين الله أفواجاً منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام، ولما بقي الرسول
يدعوهم في مكة طيلة خمس عشرة سنة، دون أن يستطيع ادخال أكثر من 150 مسلماً
فقط في الإسلام.
وخاصة أن قبيلة قريش كانت هي المستفيدة الوحيدة من الإسلام، كما لم
تستفد أية طائفة أخرى في التاريخ من أيديولوجية أرضية أو سماوية. وهي التي
عبّأت خزائنها بفضل الغزو الديني المسلح بمال وفير لا حصر له، وامتلأت
بيوتها وشوارعها وتجارتها بالعبيد والجواري والقيان والسبايا الذين بلغ
عددهم أضعاف أضعاف ما كان قبل الإسلام، وحكمت امبراطورية تمتد من الشرق إلى
الغرب طوال ستة قرون متوالية (632- 1258م) ومن أبي بكر إلى أخر الخلفاء
العباسيين المستعصم بالله.
ولكن قريشاً والعرب من ورائها استفادوا من الإسلام حضارياً وثقافياً رغم هذه
المظاهر المادية الصرفة التي استفادت منها قريش واستفاد منها العرب من
بعدهم على وجه الخصوص، حيث لم يحكم الامبراطورية الإسلامية طوال ستة قرون
غير حكام عرب مسلمين وقرشيين، علماً بأنها كانت "إمبراطورية اسلامية" وليست
عربية فقط؛ أي يحق لعبد ذي زبيبة أن يحكمها فيما لو كان صالحاً للحكم، ولكن
يبدو أن لا حاكم صالحاً من غير قريش كان صالحاً للحكم، وهو ما ينطبق الآن
على العالم العربي، حيث لا حاكم صالحاً غير ما هو ظاهر على الشاشة، يحكم
عشرات السنين، دون نائب منظور، ثم يفاجأ القوم بأن النائب كان في كُم
الحاكم الساحر، وهو الابن الشاطر.
فدخلت الإسلام شعوب متقدمة في حضارتها وعمرانها وآدابها وفنونها وعلومها،
وتشكّلت فيما بعد ما يُعرف بالحضارة الإسلامية، وما كان الإسلام غير قشرة
ذهبية روحانية طُليت بها هذه الحضارات التي كانت قائمة قبل الإسلام
كالحضارة اليونانية والفارسية والهندية وغيرها، كما لم يكن الإسلام غير
عنوان جديد لهذه الحضارات التي تخلت عن اسمائها ورضيت، نتيجة لظروف تاريخية
معينة ومختلفة التخلي عن اسمها والعيش تحت اسم جديد وهو "الحضارة
الإسلامية" التي قاد مسيرتها فيما بعد - في أغلب العصور والحقول - علماء
ومفكرون وشعراء وفلاسفة ولغويون من غير العرب.
-2-
رضي العرب
بالإسلام ورحبوا وتمسكوا به طيلة ستة قرون من بداية العهد الراشدي حتى
نهاية العصر العباسي، لأنه كان "الكنز" و "مفتاح الثراء" في الحياة. فهو
الذي أمكنهم من السلطة ومن المال. وكان عليهم أن يتشبثوا به، وإلا ماتوا
جوعاً وتشردوا في الأرض، حيث لا صناعة لهم تُغنيهم، ولا زراعة لهم تُطعمهم،
ولا ثروة طبيعة في باطن الأرض تُسعدهم، وليس لهم من مصدر رزق غير الجزية،
وغير ما يكسبوه في الغزوات من مال وأرض ونساء وعبيد. وكان الاقتصاد
الإسلامي على هذا النحو هو بحق "اقتصاد حرب" طيلة ستة قرون من حياة
الامبراطورية الإسلامية. لذا، كان يتوجّب على العرب طوال ستة قرون أن
يكونوا تحت السلاح دائماً، وفي حالة حرب دائمة وغزو مستمر، تأكيداً لقول
الرسول: ( جُعل رزقي تحت ظل رمحي)؛ أي لا عيش ولا حياة إلا للمحاربين! وكان
كل ذلك في ظل عدم وجود أيديولوجيات عظمى تتحدى المُلك الإسلامي وتنتزع منه
الأرض، ودون وجود قوى سياسية وعسكرية عظمى تتحدى الامبراطورية الإسلامية
وتهددها، وتنتزع منها السلطة والمال.
-3-
في العصر الحديث لم يعد الإسلام - كدين للعرب - قادراً على أن يُستخدم كسلاح
لغزو الآخرين في ظل وجود ايديولوجيات أرضية جديدة وقوية، وفي ظل وجود قوى
عظمى وصغرى متفوقة على العرب ليس بالدين، ولكن بالقوة العسكرية وبالعلم
والصناعة والفكر والمعلومات والإعلام.. الخ.
كما أن العرب المسلمين لم يعودوا قادرين على تجييش الجيوش لغزو الآخرين
والاستيلاء على أراضيهم، وسبي نساءهم، وتعيين الولاة عليها بحجة نشر الدين،
بل هم غير قادرين على استرجاع ما انتُزع منهم من أراضٍ من قِبل دول اسلامية
كتركيا وإيران، ومن قِبل دول أوروبية كأسبانيا، ومن قِبل إسرائيل.
وفي العصر الحديث انحطَّ العرب ليس بالشعارات والخُطب فقط، ولكن بالحقائق
العلمية والتاريخية إلى الدرك الأسفل علمياً ومالياً واقتصادياً
واجتماعياً، واصبحت قيمهم قيماً غاباتية ليست انسانية ولا رحمانية، ولم
يُصدِّق العرب وجههم القبيح في مرآة تقريري التنمية البشرية الصادر عن
الأمم المتحدة لعامي 2002، 2003، فتعالوا، وأنكروا، واستكبروا، وكابروا،
واتهموا معدي التقريرين (وكلهم قاطبة من النخب العربية الأقحاح ذات
الكفاءات العالية) بأنهم من "الصهاينة" ومن "عملاء المخابرات الأمريكية"،
وبأن هذين التقريرين "مؤامرة جديدة" على العرب والإسلام.
-4-
والعرب أمة منذ
زمن طويل كانت حاكمة غير محكومة، وسيدة غير مسودة، وغازية غير مغزيّة،
ومُرسِلة غير مُتلقية، وهادية غير مهدية، وقاضية غير متهمة، وحاكمة غير
محكومة، وظالمة غير مظلومة، ولها الصدر دون العالمين أو القبر.. الخ.
ولكنها وجدت نفسها في هذا العصر الحاضر على عكس ذلك، وأنها في الدرك الأسفل
من الأمم، وليس تحتها في قائمة العالم غير الصحراء الإفريقية الجنوبية فقط.
فما العمل لكي تحاول أمة العرب ولو في الخيال والأحلام أن تعيد مجد الماضي،
وتصبح شغل العالم الشاغل، والسيف المُهاب، وقاطعة الرقاب؟
عليها أن تخطف الإسلام أولاً، وهو كل ما تملكه في دنياها، ثم تأسره بعيداُ في
جبال أفغانستان وكهوفه، وتسرقه من قبل حفنة من المفترين على الدين،
وتؤوّله، ثم تحيله إلى موجات من العنف والارهاب وقطع الرقاب. وتأتي بإسلام
عربي جديد لا علاقة له بإسلام الآخرين في العالم، الذين يمثلون 81 ٪ ،
بينما لا يمثل العرب غير 19 ٪ من العالم الإسلامي. وإسلام العرب الآن هذا،
له فرسانه الملثمين الظاهرين على شاشات الفضائيات، وله فضائياته وصحفه
وكتبته، وله فقهاؤه المُعممون ذوي الوجوه الثلاثة: وجه للعرب، ووجه للغرب،
ووجه ثالث للتراجع، فقهاء الدماء، وفقهاء الفتاوى والفتاوى المضادة، وله
أصوليوه المقنعون بقناع الدين المخطوف والمزوّر كما قال المفكر الليبي
المرحوم الصادق النيهوم في كتابه (الإسلام في الأسر).
-5-
فماذا يفعل
باقي العرب الآن من المسلمين الصامتين، وهم الأغلبية الصامتة لكي ينقذوا
الإسلام مما هو فيه من محنة على يد الفقهاء والخاطفين والسارقين له،
والمنتفعين به؟
على العرب أن يعترفوا الآن بأنهم غير مسلمين، وأنهم أبرياء من الإسلام،
والإسلام بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، حماية وصيانة لشرف
الاسلام، ولكي يفوّتوا على الغرب اتهام "الإسلام العربي" بالارهاب، ولكي
تبقى الحقيقة ساطعة وهي أن العرب - بعيداً عن الإسلام - هم الارهابيون،
وليس الإسلام ورسالته الإنسانية التي لم تعرف الارهاب.
فالمسلمون من غير العرب ليسوا ارهابيين. فالاتراك ليسوا ارهابيين، وكذلك
الباكستانيون، والإندونيسيون، والماليزيون، والبنجلادشيون، وكافة مسلمي
العالم. وما جرى في تركيا والباكستان وإندونيسيا ليس من فعل المسلمين
الآسيويين ولكنه من فعل العرب المسلمين وبأموالهم وبتخطيطهم. فتركيا وشعوب
آسيا المسلمة لم تعرف الارهاب قبل ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وجناحها
العريض والطويل: "القاعدة"، وقبل انتشار العُربان الأفغان في العالم.
إن الجرائم الارهابية الفظيعة التي ارتكبت في الجزائر والمغرب والسعودية
واليمن والأردن ومصر والعراق وروسيا واسبانيا وأمريكا وفرنسا كانت من تدبير
عرب مسلمين، وليس من تدبير مسلمين من غير العرب. وأن هذه البلاد التي
انتكبت بالارهاب الدموي لم تعرف الارهاب على هذا النحو من العنف والوحشية
(باستثناء مصر، قاعدة الارهاب المتأسلم قبل عام 1990 لوجود المركز الرئيسي
لجماعة الإخوان المسلين ، مركز اشعاع الارهاب في العالم الآن) قبل أن يخطف
العرب الإسلام ويكونوا "التنظيمات السرية الخاصة"، ويهربوا به الى تورا
بورا وكهوف افغانستان وسراديب الفالوجة. فهل ما زال العرب مسلمين إسلام
محمد عليه السلام؟
-6-
لا يغُرنّك هذا
العدد الكبير من المساجد في العالم العربي.
ولا يغُرنّك هذا العدد الهائل من رجال الدين، وهم الذين يطلق عليهم "العلماء"
والأكثر عدداً من الخبراء في العالم العربي! ولا يغُرنّك هذه الملايين من
المسلمين التي تملأ المساجد كل يوم جمعة، ولا هذه الملايين التي تفد إلى
الحج كل عام، ولا هذه الملايين التي تصلي التراويح في كل ليلة من ليالي
رمضان.
ولا يغُرنّك الآلاف من كتب اجترار الدين دون نقده، التي تصدر كل عام في
العالم العربي، والتي يتغرغر بها "المسلمون" غرغرةً، دون تفكير أو تأمل أو
تدبّر. لقد تحوّل الإسلام عند هؤلاء من قيم اخلاقية، وواقعية سياسية، وعقل،
وتدبّر، ودين حوار، وقبول، ورضا بالفكر الآخر، إالى تعاويذ، وسحر، وشعوذة،
وفتاوى سياسية مدفوعة الثمن، وإلى دين شعائر وطقوس، تؤدى كما تؤدى الإلعاب
الرياضية الروتينية المفروضة، في طوابير الصباح على طلبة المدارس.
-7-
نحن نعلم أن محمداُ عليه السلام كان خاتم الأنبياء والمرسلين . وكان ذلك
الختام ذا معنى كبيراً، وهو أن البشرية قد شبّت عن الطوق بعد ذلك، وبلغت سن
الرشد، ولم تعد بحاجة إلى أنبياء، وأنها بهذا الختام مدعوة لأن تتولى أمرها
بنفسها دون أنبياء أو مرسلين. ولكنا اكتشفنا نحن العرب الآن، بأننا ما زلنا
قُصّراً، ولم نبلغ سن الرشد بعد، وبأننا رُددنا إلى أرذل العمر، وهو إما
الشيخوخة أو الطفولة، وأننا بحاجة إلى رحمة من الله لانقاذ دينه من سوء ما
فعلنا به. فهل يبعث الله فينا محمداً من جديد، لكي يحارب هذه الجاهلية التي
نحن فيها كما حاربها من قبل؟ وهل يبعث الله فينا محمداُ من جديد، لكي يحارب
أصنامنا وطواطمنا الجديدة أمثال ابن لادن والظواهري والقرضاوي والغنوشي
والترابي والرفاعي والبيومي والزيدان وغيرهم، كما حارب أصنام الجاهلية
الأولى؟ هل يبعث الله فينا من يجدد له دينه، ويعيده من سارقيه ومختطفيه
ومشوهيه ومزوّريه ومن فقهائه المرتزقة، أصحاب الفتاوى والفتاوى المضادة،
ويصفّيه من الارهاب والاستغلال، وينقيه من المتاجرة وطلب السلطان؟ فيا محمد
الهادي، انهض لتر ماذا فعل الفقهاء بإسلامك. لقد شرّعوا ما لم يأتِ به
قرآنك، وما لم تأتِ به أحاديثك، وقالوا ما لم تقله، وفعلوا ما لم تفعله،
وجاءونا بإسلام جديد هو "إسلام الفقهاء" وليس إسلامك.
قُمْ يا أبا
عبد الله لكي تُخلّصنا، وتعيد هذا الدين إلى دنيانا المعاصرة بعد أن أصرَّ
الفقهاء على سجنه في الماضي السحيق، بين مكة والمدينة فقط. تعال لتر ماذا
فعل الفقهاء بأصحاب الكتاب، فسوف ترد هذا الدين من غربته ومن مختطفيه في
الجبال والكهوف والسراديب، دون هجرة، ودون قطع لطريق قوافل المشركين، ودون
غزوات، ودون هدر دماء، وسوف تعقد صلحاً حضارياً جديداً بشجاعتك مع
"الكفار"، كما عقدت صلح الحديبية مع مشركي قريش رغم اعتراض الصحابة، وسوف
تسخر ممن يريدون رفع راية الإسلام فوق قصر بكنجهام في لندن، واقامة الخلافة
الإسلامية هناك.
تعال أيها الحبيب، وأنظر ماذا فعل المسلمون والفقهاء بإسلامك منذ أن رحلت عن
دنيانا إلى اليوم. لقد أصبحوا مسلمين بلا إسلامك، ولكن بإسلام الفقهاء، بل
هم بدون إسلام أياً كان كما قال الشيخ محمد عبده منذ قرن من الزمان.
انهض أيها الهادي، لكي ترد الإسلام من غربته، فلا أحد غيرك قادر على رده.
(تُنشر
بالتزامن مع جريدة "السياسة" الكويتية، و"المدى" العراقية، و"الأحداث
المغربية")
Shakerfa@worldnet.att.net
|