هل
حقا جنبلاط وسطي؟
اعلن
النائب وليد جنبلاط في حديث إلى مجلّتي "الاسبوع العربي" و"الماغازين"
أنه "اليوم في الوسط بين
8
و14 آذار".
هو
ردد معزوفة وسطيته اكثر من مرة وزاد في ترتيلها تزلفا وتزحلقا وتملقا ل
النظامين السوري والايراني ولشلل 8 اذار متنازلا الى ابعد الحدود
بزيارة خصمه اللدود اميل لحود، ومنذ خروجه مرغما (لا مقتنعا من قوى 14
آذار الحضارية السلمية الديمقراطية الوطنية الاستقلالية) تحت تهديد
سلاح جماعة 8 آذار بعد السابع من ايار وبقيادة حسن ابو هادي الجبار
ومقاومته الإلهية في غزوة بيروت العار وقتل وخطف وإذلال شعبها، وحرق
مؤسساتها، واستباحة كرامتها، وغزو الجبل بآلات الحرب والحقد والعمالة
والدمار!
هو
بدل العبور الى الدولة السيدة الحرة المستقلة ذات القرار الوطني الحر
"ضرب فريم اخو محلوشي وكوَّع " عابرا الى دولية المربعات والمؤامرات
والشائعات والاعتداءات والغرف السوداء والاغتيالات وميليشيات الغدر
الصفراء.
هو
بدل الثبات على المبادئ الديمقراطية والدفاع عنها بشراسة الشجعان حن
الى السجن العربي والاسلامي الكبير تحت ظلال الدكتاتورية الاسدية
وولاية الفقيه المذهبية الشمولية ومواخير مخابراتهما واكاذيب اعلامها
الحربي الموجهة ضد استقرار وامن وسلامة ووحدة وديمقراطية واقتصاد
وسياحة وازدهار لبنان.
هو
يفتخر بحياديته كطريق وسطي جديد مستقل لانقاذ لبنان من الغيوم السوداء
التي تلوح في افقه بكثافة زائدة عبر اللحى والعمائم والجبب السوداء.
ولكن حل حقا جنبلاط سينقذ لبنان بتكويعته؟
لا
نعتقد البتة!
بل
على العكس، فبخروجه الغير مبرر من 14 اذار اعطى قوى 8 اذار دفعة جديدة
في غرورها وغيها واستكبارها للانقضاض على لبنان والهيمنة على طوائفه
بضرب صيغة التنوع والتعدد الحضارية اللبنانية.
الكلام عن وسطيته ليس صحيحا. وهو فقط لذر الرماد في عيون السذج.
لانه ومنذ انقلابه على مبادئ انتفاضة الاستقلال المباركة في الحرية
والسيادة والقرار الوطني الحر والديمقراطية،
ومنذ انقلابه على مبادئ ثورة الارز الحضارية الشعبية المليونية
العفوية في كشف حقيقة الاغتيالات عبر المحكمة الدولية المستقلة
ومعاقبة القتلة، ومنذ انقلابه على ثقافة الحياة والتنوع والتعددية
والديمقراطية التي كان يتغنى بها، فقد جنبلاط أي مصداقية ووسطيه مرتميا
في احضان القوى الشمولية الميليشياوية المعربدة على صدر لبنان بسلاحها
واستقوائها بالخارج.
وقبل ان يتغنى جنبلاط بوسطيته:
هل
هناك وسط بين الحق والباطل؟
وهل هناك وسط بين الخير والشر؟
وهل هناك وسط بين الصدق والكذب؟
وهل هناك وسط بين العدل والظلم؟
وهل هناك وسط بين الحقيقة والزيف؟
وهل هناك وسط بين شرعية حكم القانون وشريعة اسد الغاب؟
وهل هناك وسط بين حق القصاص والافلات من العقاب؟
لقد انتهت الازمات في لبنان ومنذ استقلاله الى لا غالب ولا مغلوب.
اما اليوم وبعد عمليات الاغتيال الدنيئة والخسيسة والقرووسطية البشعة
والقذرة التي ارتكبت بحق احراره، فلا يجوز ولم تعد تصح هذه المعادلة
البالية، وانما يجب ان يكون هناك غالب ومغلوب:
والغالب هي دولة القانون والمؤسسات الشرعية والمغلوب هي دويلة
الميليشيا ومربعاتها الطائفية الامنية.
والغالب هي المحكمة الدولية والمغلوب هم مرتكبو الجرائم البربرية بحق
احرار لبنان وقادته الكبار.
والغالب هي الحقيقة والمغلوب هم جماعة الإفك والتضليل والتزوير.
والغالب هي ثقافة الحياة الحضارية والمغلوب هي ثقافة الموت التدميرية.
وكم كان ضعيفا جنبلاط في ارضاء غرور جوقة 8 اذار عندما تحدث عن تورط
النائب الوطني الشهم مروان حمادة في ملف شهود الزور بقوله:
"الشخص الوحيد الذي ينتمي إليّ من بين المتهمين بملف
شهود الزور هو صديقي الكبير مروان حمادة، وسأدافع عنه حتى لو كان
ضروريًا
تدخّلي لدى الرئيس السوري بشار الأسد".
وكأن
الشهيد الحي حمادة والذي تعرض لاول عملية اغتيال تفجيرية بعد التمديد
للحود وصدور القرار1559 هو من فجر نفسه.
ولا ادري لماذا انسان مثقف وراقي وحضاري كمروان حمادة سيشهد زورا في
قضية وطنية مصيرية مأساوية كادت ان تؤدي بحياته، واودت بحياة اقرب
المقربين اليه من كبار قادة لبنان ومثقفيه؟
وكم كان ساذجا جنبلاط عندما
رأى أن "هدف المحكمة الدولية تجاوز إطار العدالة، وقد تحوّل
كليًّا إلى هدف سياسي واستُخدمت لغايات تجاوزتنا".
هذا كلام واهي سياسي تلفيقي تدليسي بامتياز، وليس له أي سند او حجة او
دليل سوى تاكيد جنبلاط لاتهامات فارغة وواهية ترددها جماعة 8 اذار
للنيل من صدقية المحكمة التي لم تصدر قرارها الظني ولم تتهم احدا بعد.
وكم كان سطحيا جنبلاط وهو ينصح الآخرين بدل ان يصمت ويحترم اراء من لا
يوافقه الرأي بقوله
أنه:
"إذا كان لي نصيحة أُسديها لهؤلاء(
المسيحيين)
الذين يقلّدون
خطابات آبائهم في حرب السنتين (1975-1976)، بأن يصمتوا ويهدّئوا
أنفسهم،
ولنحاول الحفاظ على ما تبقى من مسيحيين في لبنان".
وهل ممكن ان يكمل جنبلاط تكويعته دون الوقوف للحظات في محطة المؤامرة
الشهيرة ليعلق على مشذبها ما نمارسه نحن بحق انفسنا من فتن وخبث
واعتداءات ؟
ولهذا فلم تسلم نظرية المؤامرة من نظراته الثاقبة لكي يُرضي غرور نجاد
وبشار وحسن ونبيه وتبرر لهم العبث بأمن واستقرار وسلامة لبنان والعراق
وفلسطين واليمن والبحرين بقوله:
الى أنه "في مكان ما في
الغرب، هناك مفكرون خططوا لإغراق المسلمين في فوضى كاملة لإلهائهم
وتحويلهم
عن
القضية الاساسية وهي فلسطين، فعندما ينشغل الجميع بالتقاتل والتذابح
والتمازق، عندها يرتاح الاسرائيليون".
وكأن مفكري الغرب لا هم عندهم ولا شغل شاغلهم الا الاشتغال بالمؤامرات
الشيطانية الشريرة. هذا مع ان مفكري الغرب وقادته منهمكون برفاهة
ورعاية شعوبهم ومنهم عشرات الملايين من المسلمين، وحتى الزبال في الغرب
حسده يوما جنبلاط على الحقوق التي يتمتع بها.
ان
المجتمع الذي يهتم حتى بحقوق زبَّاله، فلا وقت عنده ليضيعه في التآمر
على الامم الأخرى!
ولو ان مفكري الغرب شغلهم الشاغل التآمر علينا وبث الفتن بيننا لما
استطاعوا الوصول الى بناء حضارة علمية ديمقراطية انسانية شامخة.
اين نحن منها عندما نتخبط في مستنقعات من الاكاذيب والغش والتزوير
والقتل والاغتيال والفساد !
جنبلاط يعرف انه ينافق بكلامه هذا الذي يقوله فقط ليرضي 8 اذار وايران
وسوريا. ولا يعبر عن وسطيته التي يتغنى بها. لان الوسطي يقول الكلام
الحق ولا يدهلس وينافق ويملس جوخ. |