الديمقراطية هي الحل!
من
رفع شعار الإسلام هو الحل لاستعادة مجد الخلافة الاسلامية، كان مراهقا
في السياسية قصير النظر في الدين. ولم يكن مجددا مبتكرا بقدر ما كان
مرددا مكررا لتجارب دول وممالك استبدادية فاشلة بنهايات دموية قاتلة
وفي تجاهل لحقائق التاريخ واسباب انهيار الخلافات الاسلامية ترهلا
الواحدة تلو الأخرى.
لقد اثبتت التجارب التاريخية وبالأخص الحديثة منها أن المجتمع أو
الدولة أو النظام الذي ينهض على تصارع الرؤى والفلسفات والأفكار
واحترام الحريات وصونها بالدستور، هو مجتمع قوي البنية، متماسك النسيج
الاجتماعي، مستوعب للمشاكل ولإيجاد حلول لها، منفتح على الآخر متقبل
للنقد، متفتح الروح يرفض الانغلاق، عقلاني مستنير واثق من نفسه، يسير
ثابت الخطى على هدى المصابيح الفكرية المشعة تنير له الطريق من تقدم
الى نجاح، ومن استقرار الى ازدهار، من اختراع الى ابداع، ومن تألق الى
إشعاع.
على عكس المجتمع أو الدولة أو النظام الذي يُبْنى على الفكر الشمولي
الاستبدادي، الإكراهي الاستعبادي، الدكتاتوري الأحادي الذي يقوده في
نهاية المطاف ليس الى الفشل الذريع فحسب، بل وإلى تخثر الدم في
الشرايين، وبالتالي الى فساد الجسم والشيخوخة والتَّهرم والتكلس
والتقوقع والتقزم والموت السريري والانهيار.
وهذا ما حدث بالضبط للعملاق التاريخي الاتحاد السوفيتي الكبير الذي لم
يستطع رغم تفوقه العلمي الناجح وفي كل الميادين، ومنظومته العقائدية
الإنسانية الاشتراكية الغنية المضامين، واتساع اراضيه المترامية
الأطراف بثرواتها الهائلة وشعوبها المجدة، الصمود أمام مطرقة الحقيقة
ومنجل الحرية، أكثر من سبعين سنة فتلاشى جثة هامدة وانهار دون حرب
وقتال.
وها هي روسيا اليوم بعد ان جددت الدماء في شرايينها عادت في وقت قصير
لتحتل كدولة عظمى مركز عالمي مرموق من خلال تصارع الأحزاب والرؤى
والأفكار.
ولا عجب بعد ذلك ان تنهزم الامبراطورية العثمانية المريضة الهرمة
المترامية الأطراف هزيمة شنعاء في القرن الماضي وتتشرذم جثتها، وتنهض
على أثرها دولة أتاتورك العلمانية الديمقراطية التي جددت الدماء في
شرايين تركيا وسمحت أخيرا للإسلام العقلاني الديمقراطي باستلام السلطة
عبر صناديق الاقتراع ودون فكر سقيفة بني ساعدة العشائري القبلي
الاكراهي الاستبدادي الدموي العسكري الانقلابي، الذي ساهم مباشرة في كل
الانقلابات العسكرية التي حلت كوارثها في العالم العربي في القرن
العشرين، والتي لم تكن سوى امتداد متوارث واستمرار لم ينقطع لحظة واحدة
لفكر سقيفة بني ساعدة وصراع الخلفاء المسلمين على الكراسي وقتل الأخ
لأخية بدم بارد.
ماذا فعلت هذه السقيفة التي يعمل الإسلاميون جاهدين على تجميل ما حدث
فيها وكأنه شورى بين صحابة وحكماء أدت الى مبايعة ابو بكر، وليست صراعا
بين متخاصمين على كرسي السلطة فُرضَ عليهم ابو بكر بالقوة ؟
لقد اسست السقيفة في الاسلام لسياسة الغالب المنتصر على المغلوب
المنكسر، وشرَّعت لانتصار منطق القوة والعنف والإكراه والتهديد بالسيف،
على منطق الحق والحوار والإقناع والاقتناع بالكلمة.
لم
يكن الأنصار مقتنعين بمبايعة المهاجرين فقبلوا مكرهين!
ولم يكن علي مقتنعا بمبايعة ابي بكر وبايعه مكرها!
ولو لم يحصل يومها ابو بكر وربعه على مبتغاهم بوراثة كرسي السلطة عن
محمد لوقعت الواقعة التي تفادوها يومها.
ولكن ما بُنِي على غلط لا بد ان يتهدم على رؤوس اصحابه. وهكذا وقعت
السقيفة على الرؤوس التي تطايرت لاحقا تباعا.
كيف لا وقد اسست لمنطق القوة والمؤامرة والخداع وحد السيف، الذي قتل
خلفاء ابو بكر فيما بعد واحدا بعد الآخر، الى ان وقعت الواقعة الكبرى
بين على ومعاوية وقسمت ظهر الإسلام بين فرق ومذاهب وشيع تحمل في قلبها
وعقلها وكامل عواطفها العداوة والحقد الدفين والثأر والتآمر على بعضها
البعض حتى اليوم.
ونظام ملالي ايران اليوم يمثل رأس المؤامرة المستمرة والمستعرة
والمتجذرة في النفوس المريضة لاستعادة مجد تليد خسره كسرى، وحق مهضوم
ذهب من ايديهم يوم السقيفة، لا يستطيعون بعد الف 1400 سنة استعادته الا
بالسيطرة الكاملة كدولة نووية عظمى على العالم العربي والاسلامي
وكوريثة شرعية لآل البيت.
لقد سلبت فكرة تؤخذ الكرسي غلابا بقوة الساعد والجيش والمخابرات وبدعم
من رجال الدين قدرات العقل العربي عن التحرر من هذه الفكرة التي بَنت
نظاما دكتاتوريا شموليا تعسفيا معرضا للانهيار، ولا تصنع وطنا لشعب حي
منطلق مبدع جبار.
ولا عجب بعد ذلك أن تقف الدول العربية صاحبة الموروث الاسلامي التسلطي
عاجزة عجزا كاملا امام تحديات العصر الحديث وتطلعات شعوبها متخبطة في
فراغ فكري بين الموروث البائد والحاضر السائد.
وحاولت وما زالت الحركات الاسلامية تحاول عبثا على انواعها سنية وشيعية
ملء الفراغ بواسطة فكر اسلامي مستهْلَك، ومُردِّدٌ غير مُجدِّدٍ.
متجاهلة وغير منتقدة أسباب انهيار الخلافات الاسلامية واخرها
العثمانية. في قاموسهم الحل في الاسلام وانتهى الموضوع. وكأن دولة
الخلافة العثمانية كانت تحكمها القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وليس
تعليق المشانق في بيروت ودمشق والجبل الأسود.
ان
هيمنة الفكر الإسلامي وتسلطه القهري التعسفي على الحقيقة قادت مجتمعاته
خلال مئات السنوات الى حالة من الركود الفكري الأحادي الاستسلامي
لمشيئة الله وأقداره، أدت الى الجمود والتخثر والتخلف والجهل والفقر
والانهزام والتخبط على غير هدى بين قيم الحداثة وابداعاتها التي
يحتاجها المجتمع بحكم الضرورة وبين الموروث الديني الذي يقطع طريقها
بعد ان اعلن الحرب على ما لا يحتاجه منها كالحرية والديمقراطية
والتعددية وتقبل الفكر الآخر واحترام حقوق الإنسان.
فالموروث الديني يلهث وراء السيارة مقطوع الأنفاس، وفي داخلها تتجلى
الحداثة بكامل حللها!
فالموروث الديني يلهث وراء دولة الخلافة مقطوع الأنفاس، وفي الدول
الحديثة العصرية تتجلى الديمقراطية بكامل حللها!
وستنتصر ثقافة التنوير السلمية الفكرية الحرة وستقود المجتمع الى
التغيير الديمقراطي المطلوب خدمة للشعوب.
|