المغرب والخيارات الحكيمة
مشاركة المغرب في "عاصفة الحزم" مع اشقائه ضد الاطماع الفارسية في المنطقة
العربية يؤكد مرة أخرى حكمة الملك المغربي في اتخذا القرارات الصائبة
والخيارات الحكيمة خدمة لبلده أولا، ولاستقرار المنطقة برمتها ثانيا،
وثالثا وليس أخيرا الوقوف بحزم في وجه الإرهاب السني الشيعي المتطرف
المتمادي في غيه وغروره، ودمويته وشروره، المعيق لحركة التاريخ وتطور
المجتمعات، بل والمدمر لها.
لقد
أصبحت نعمةُ الأمن والاستقرار عملةً نادرةً في زمن التحولات المفصلية
العربية الكبرى المرافقة بثورات وانتفاضات ومظاهرات واضطرابات وأزمات
وتدخلات ومؤامرات وحروب ومفاجآت وانقسامات ومآس، وفوضى عارمة، وتقلبات بين
أملٍ بربيع مزهر، ويأسٍ بشتاء مدمر.
ومن
يستطع اتقاء بلده من عواصف الشتاء التدميرية الدموية هذه والتي هبت بشراسة
على دولنا من أفاعي الاسلام السياسي، المتربصةِ شرا بثقافة الحياة والابداع
وبكل ما هو حداثة وتقدم ونجاح وتطور ورخاء واعتدال وخير وبناء، يكون قد قام
بعمل تاريخي جبار وحمى شعبه من الفتن والويلات ووطنه من الكوارث والدمار.
ولهذا
فنعمة الأمن والاستقرار التي ينعم بها المغرب لم تأت من فراغ، وانما هي
نتيجة إيجابية للسياسات الحكيمة الرشيدة، والعقلانية المدركة، والاستباقية
الناجحة في استشعار الأزمات ولجمها او استيعابها ومعالجتها بالحسنى قبل
وقوعها التى انتهجتها وما زالت تنتهجها بهدوء وثبات ووضوح رؤية وبعد نظر
الدولة المغربية من خلال ارشادات ملكها محمد السادس.
بالطبع المملكة المغربية كمجتمع تعددي فيها الكثير من الخلافات السياسية
والنزاعات الحزبية والاختلافات الفكرية والفروقات الاجتماعية:
فيها الفقر والبؤس والحرمان والتخلف وعدم تكافؤ الفرص والبطالة ومشاكل
الشباب في مجتمع اسلامي شرقي نموه السكاني يفوق بكثير نموه الاقتصادي، إلا
انه ومنذ استلام العاهل المغربي سدة العرش عام 99 تغيرت أمور كثيرة الى
الأفضل وظهرت شخصيته كملك متواضع حكيم محب لشعبه، وإنسان متزن بأقواله راق
بأفعاله، قريبٌ من الشعب متحسسا آلامه، ومحاولا بجد تحقيق آماله وطموحاته
في الرخاء والازدهار والعيش الكريم، مُدخلا الى البلاد روحا شبابية منفتحة
عصرية متجددة، محافظةً في الوقت نفسه على القيم والتقاليد المغربية
العريقة، ونهجا جديدا يتميز بالشفافية والبساطة، يختلف جذريا عن النهج
الاستبدادي الصارم الذي كان سائدا ايام والده.
نهجه هذا كان وما زال محل اعجاب وثناء وحب واحترام من قبل الشعب المغربي
بكامل أطيافه.
سياسةٌ رشيدةٌ كهذه لا بد وأن تؤدي الى الاستقرار الاجتماعي.
فالناسُ بحاجةٍ الى حاكم يخدمُها بإخلاص ، وليس إلى آخرٍ يَقمعُها بالرصاص!
ولهذا فلقد استطاع بحكمته ومرونته السياسية وثباتها كسب الشرعية الدولية
الى جانبه في الأزمة الصحراوية، وانهاء حرب الأشقاء المكلفة هناك من خلال
الحكم الذاتي للإخوة الصحراويين ضمن السيادة المغربية.
واستطاع المغرب بنجاح استيعاب موجة "القاعدة" التكفيرية الارهابية الجهادية
الدموية الاجرامية بعد الحادي عشر من سبتمبر بأقل الخسائر ولجمها من خلال
مواصلة الحكومة تطبيق الإصلاحات الداخلية التي هدفت لتحسين الأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية، فقد تم تدشين مبادرة وطنية للتنمية البشرية بقيمة
1.2 مليار دولار. هدفت إلى خلق فرص عمل، ومكافحة الفقر، وتحسين البنى
التحتية في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة، التي كانت مسقط رأس معظم
منفذي العمليات الانتحارية في الدار البيضاء. وقد نفذت هذه المبادرة حوالي
22 ألف مشروع استفاد منها أكثر من 5.2 مليون شخص بين عامي 2006-2010.
والمغرب كانت الدولة العربية الاولى السباقة في قطع العلاقات الدبلوماسية
مع دولة الملالي عندما استشعرت خطرهم الداهم في التغلغل في المجتمع المغربي
المسلم، وذلك لزرع الشقاق والاختلافات بين ابنائه. حيث كانت السفارة
الايرانية مركزا لبث الفكر الانحرافي الشعوبي باسم مظلومية اهل البيت التي
يتأثر بأحداثها ويتفاعل معها عاطفيا اي مسلم مؤمن دون ان يدري بأن ملالي
الخبث تسوقه الى دمار مجتمعه.
حيث أن الأسلوب الإيراني في التغلغل:
مخابراتي خبيث، تحريضي بامتياز، وحاقد لئيم، وارهابي عنيف، يتم من خلال
شراء الذمم الرخيصة والضمائر الضعيفة بالمال والسلاح لانقلاب الناس على
مجتمعاتها وتدميرها بحروب أهلية وسفك دماء. كما هي الحال في اليمن ولبنان
والعراق وسوريا وفلسطين والكويت والسعودية والبحرين وحتى أنهم وصلوا
بتغلغلهم الى بعض الدول الإفريقية المسلمة التي اكتشفت شبكات وخلايا لحزب
الله اي للحرس الرجعي الايراني.
أليس هناك ما يدعو الى الاستغراب كيف أن الارهاب القاعدي الداعشي الدموي
ضرب وما زال يضرب في كل الدول السنية؟!
أما ايران الشيعية فهو يهاجمها كلاميا ويحرض عليها اعلاميا مغررا بالشباب
الذي يفجر ويقتل ويخرب في الدول السنية عمليا؟
ألا يدل هذا على ان مخابرات ايران وحلفاءها هم الممول والمنظم والمشرف
الغير مباشر على ارهاب المجموعات السنية، في عمل تآمري خبيث وحاقد لتشويه
الاعتدال السني وتدمير مجتمعاته.
ولا ننسى ايضا موجة الربيع العربي التي هبت على الكثير من الأنظمة العربية
فأزالتها من الوجود، وكيف ان السياسة المغربية بتوجيه من الملك استوعبتها
بعملية اصلاح سياسي دستوري استباقية وبحكمة ودراية ولطف دون اسالة قطرة دم.
فبعد نجاح الثورة المصرية في الإطاحة بنظام مبارك؛ نظم شباب المغرب مظاهرات
في عشرات المدن والبلدات في 20 فبراير 2011، وحشد الإسلاميون عشرات الآلاف
من أنصارهم في الشوارع.
لم يواجه الملك محمد السادس تلك الاحتجاجات بالقمع والعنف مثلما حدث في
تونس ومصر وليبيا، بل أعطى المسئولين الأمنيين أوامر بإفساح المجال أمام
التظاهرات. وألقى الملك خطابًا تعهّد فيه بإجراء المزيد من الإصلاحات التي
من شأنها استرضاء كافة فئات الشعب.
ومن خلال توطئة هادئة لمبادئ ديمقراطية اصلاحية رائدة:
اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا واعلاميا. وذلك بوضع
دستور مغربي جديد مكرّسا فيه التلاحم بين مكونات الأمة المغربية، مؤكدا على
دور المرأة في المجتمع، كافلا لها حقوقا لم تكن لتحلم بها من قبل، مرسخا
لقيم الحرية وحقوق الإنسان، معززا لصلاحيات البرلمان في التشريع ومراقبة
العمل الحكومي، محترما لاستقلال القضاء، منفتحا على قيم الحداثة مع
المحافظة على الشخصية الاسلامية الوسطية للمجتمع المغربي التعددي بتراثه
الغني العريق وتقاليده الأمازيغية العربية الأصيلة.
ومن هنا فالنموذج الذي أرساه المغرب في تناغم الديمقراطية والتعددية
السياسية مع الأصالة الوطنية التقليدية في مجتمع اسلامي أثبت جدواه ويعتبر
نموذجا رائدا على الصعيد العربي والاسلامي.
وعندما فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية لم
يتردّد الملكُ في تنفيذ رغبة الشعب وتسمية الأمين العام للحزب "عبد الإله
بنكيران" رئيسًا للوزراء.
ولقد توج الملك إصلاحته بقرار تاريخي هام اصدره العام الماضي
منع من
خلاله الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من "ممارسة أي
نشاط سياسي"، ومنع "اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي"، إضافة إلى المنع عن
"القيام بكل ما يمكنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية".
قرار شجاع حكيم وصائب ويأتي في الوقت المناسب. ويعتبر خطوة الألف ميل
الأولى على الطريقة الرشيدة في الوصول بتؤدةِ ورفق الى العلمانية العربية.
فرجل الدين موقعه الصحيح الدعوة الى
مكارم الأخلاق، والخير، والوسطية، حفاظا على المجتمع، لا ان يستغل منبره
للتحريض على القتل والارهاب والتغرير بالشباب ليتحولوا من رجال عمل وبناء
الى ادوات هدم وفناء.
فتحية الى الملك الشاب الذي يقود سفينة بلاده رغم العواصف والأنواء بثقةٍ
الى شاطئ الأمان.
سعيد ب. علم الدين . برلين |