نشرْتُ البارحةَ
مقالا بعنوان "التف حول حكومتك الشرعية يا شعب لبنان
!"
ورد الكثيرُ
من
التعليقات التي أشكر أصحابها الأخوات والإخوة من أعماق القلب،
لإغنائهم المقال
بتزكياتهم القيمة، وأفكارهم الغنية، المعبرةِ عن وطنية أصيلة منيعة
صافية
صفاء سماء بلاد الأرز الشامخة في وجه كل الوصايات، ورغبتهم الصادقة
في التفاعل
والمشاركة معا من أجل بناء لبنان السيد الحر الديمقراطي المستقل
والمتمثل في هذه
الظروف العصيبة بحكومة الأستاذ فؤاد السنيورة الشرعية دستوريا
والمدعومة شعبيا
ودوليا.
هذه الحكومة التي تميزت بإدارتها الجيدة للأزمات وقدرتها الفائقة
على تجاوز الصعاب ومهما كانت، بالحكمة والصبر والتروي والحزم، ورد
الشتيمة على
الشاتم المغرور بالبسمة الطيبة، وبالقفز من فوق الألغام السرطانية
التي تركها
الاحتلال السوري في طريقها بنجاح، وفي تفانيها الوطني والقومي
بالدفاع عن حق لبنان
في كل الميادين والمناسبات، ومحاولاتها الدؤوبة لإيقاف حرب
تموز
وإنهاء الحصار بأقل الخسائر الممكنة، حيث تحقق لها ذلك بينما
الآخرون الذي يطعنونها
اليوم في الوجه ويتآمرون عليها في الظَّهر كانوا يمدحونها كمقاومة
سياسية في النهار
مدرارا، ويسهرون حتى آخر ساعات الليل تشوقا وانتظارا، لما ستسفر
عنه حركة السنيورة
الناجحة في إيقاف العدوان الذي استمر أكثر من شهر دمارا، وامتد إلى
شهرين حصارا.
أيضا يجب أن لا ننسى بعد أن نسي بعض الجاحدين في تلك الأوقات
العصيبة دور الوزارات المختصة ودوائر الحكومة المختلفة في جميع
أنحاء البلاد ومنذ
اللحظة الأولى للعدوان في قيامها بواجباتها على أحسن وجه وعلى مدار
الساعة، أحيانا
حتى تحت القصف لمساعدة ضحايا الحرب من المنكوبين وإسعاف الجرحى
وإيواء المهجرين ضمن
إمكانياتها المحدودة وفي وقت خطير تعطلت فيه المرافئ وقصفت المطار
وتهدمت الجسور
وتقطعت الطرقات وصار السير لأصحاب الشاحنات على الشوارع مجازفة
خطرة وفوق الجسور
استشهادية وذهب العديد منهم ضحايا
القصف.
منهم على سبيل المثال
أحد أبناء منطقتي الذي ترجَّتْهُ زوجتُهُ بعدم الذهاب بالشاحنة،
خاصة وأن إسرائيل
كانت قد هددت بقصف الشاحنات، إلا أن جاوبها " الشغل أبْدَى
والأعمار بيد الله وبدنا
انطعمي ولادنا الصغار".
واستشهد في البقاع عندما قصف الطيران شاحنته تاركا طفلين
وزوجة حامل. إنها مأساة واحدة من عشرات آلاف مآسي الحرب التي كنا
في غنى عنها والتي
أدمت جميع اللبنانيين ولم تفرق بين شمال وجنوب وجبلٍ وبقاع وبيروت.
أيضا يجب أن
ننوهُ بما تقوم به الحكومة حاليا مشكورة في كل لبنان وبالأخص في
بيروت الكبرى بعد
تعرض العديد من ثكناتها للاعتداءات الجبانة، من قبل عناصر الفتنة
السرطانية التي
أشرنا إليها،
وإلى
إرساء أسس صحيحة للأمن الوطني الحقيقي وليس كما كان يحدث أيام
الجهاز الأمني المخابراتي السوري اللبناني حيث كان حاميها حراميها:
يقتلون
القتيل ويمشون في جنازته. ينهبون الدولة والبنوك ويعاقبون
الأبرياء. يفبركون
الملفات حسب أوامر غزلان المخابرات. ويرتكبون العديد من الموبقات
والممارسات
اللاأخلاقية والتي تذكر بالأنظمة الشمولية الاستبدادية، حيث الأمن
ممسوك بمخابراتي
لص وعلى رأسه ضابط حرامي صعلوك.
وفي هذا الصدد يتساءل المواطن بمرارة وحيرة
وألم عن تصريحات ميشال عون الأخيرة الممجوجة السوقية والانفعالية،
إذا لم نقل
الخبيثة والتي ذهب بها بعيدا جدا، حيث باتت تعبر حقا عن نفسية
إنسان معقد بحاجة
للمعالجة ومريض عن جد. لا يهمه أبدا معاناة الناس، بل فقط الجلوس
على الكرسي ولو
أدى ذلك إلى حرق البلد.
الله يسترنا من عون وكل الأعوان و"أزلام" الغلمان
!
وللأسف كان قائدا
سابقا
للجيش، وأهداه الشعب ثقته، وهو حاليا رئيس كتلة
برلمانية كبيرة من عشرين نائب.
حقا أستطيع القول بعد أن قرأت ما قاله أمام
كوادر تياره في الضبية
:
ساعدك الله يا شعب لبنان على زعماء آخر زمان!
ولكن
قبل أن أعرض ما قال، ألفت نظر القارئ العزيز إلى الوضع السياسي
المتأزم والأمني
الهش جدا بسبب خوف النظام السوري من المحكمة الدولية وهلع عملائه
من إنشائها، وفشل
كل محاولات وقفها أو تفريغها من محتواها:
إن كان عبر التدخل الروسي لمصلحته في مجلس
الأمن،
وإن كان عبر استقالة "وزراء حزب الله وأمل" لعرقلة قيامه.
وهكذا كشر
النظام السوري عن أنيابه وأوعز إلى أذنابه بوقف مسيرة الحكومة،
التي وفت بالعمل على
كشف الحقيقة كما وعدت الشعب المجروح، ولم تألو جهدا في دعم التحقيق
الجاري برئاسة
المحقق براميرتس إلى أبعد الحدود لكشف ملابسات الجريمة البشعة التي
أودت بحياة
الرئيس رفيق الحريري وكل الجرائم اللاحقة، وأسرعت في تذليل العقبات
أمام
إقرار إنشاء محكمة ذات طابع دولي.
محاولاتها الجريئة أيضا في القيام بكامل
واجباتها لفرض سيادة الدولة الشرعية على كامل أرضيها وإرسال الجيش
إلى الجنوب
تطبيقا للقرار 1701 ، الذي يحاول المتملصون التملص منه
بعد أن دفَّعوا لبنان الأثمان.
كل ذلك أثار نقمة
النظام السوري أكثر وخاصة بعد فشل كل محاولاته لعرقلة إنشاء
المحكمة التي رافقتها
قبيل وصول مسودتها أعمال تفجير متعددة على الثكنات في بيروت نذكر
منها ثكنة بربر
الخازن، ووسط بيروت، والرملة البيضاء والقنبلتان اللتان ألقيتا على
ثكنة الحلو،
بالإضافة إلى بث شائعات الفتنة وتوقع حصول اغتيالات للوزراء أو
النواب بهدف ضرب
شرعية الحكومة بالقتل حيث تخسر أكثريتها وتصبح دستوريا بلا تغطية
شرعية.
في ظل
هذه الأوضاع الأمنية المتدهورة والتي هي حقائق وليست هواجس تنبئ
بأن الشائعات ليست
بعيدة الحصول على أرض الواقع، وأن الإرهابيين القتلة والعملاء
المأجورين جاهزين
لخراب البلد، خاصة بعد فشل طاولة التشاور، التي كنا قد توقعنا
فشلها في مقال
سابق.
ازاء هذا الواقع عمدت وزارة الداخلية إلى وضع خطة أمنية فاعلة
بالتعاون مع
الجيش في بيروت لمواجهة كل الاحتمالات. وهكذا سيرت قوى الامن
الداخلي الدوريات
وأقامت الحواجز الطيارة وأفرزت 5 آلاف عنصر تعزيزا للامن واشاعة
لجو الطمأنينة لدى
المواطنين البيروتيين الذين لم يرتاحوا بعد من آثار الحرب الأخيرة
والتفجيرات.
بدل أن يحي عون كزعيم سياسي يهمه مصلحة البلد قوى الأمن الداخلي
والجيش، الساهرة على النظام الديمقراطي وعلى حفظ أمن المواطنين فعل
العكس تماما حيث
أعلن أن "كل تنبيه من الحكومة من الشغب يدفعنا إلى الاعتقاد أن
عناصر الحكومة
وعناصر الأمن التابعة لها هي التي ستقوم به"، وتوجه إلى وزير
الداخلية احمد فتفت
قائلا: "لا تقل لنا نحن أن شغبًا سيحصل، "ضب زعرانك" من الشارع
عندما سننزل إليه،
لأن ذلك ليس من مصلحتك". وأيضا أن "الحكومة فقدت شرعيتها، ولن نطيع
أوامرها بعد
اليوم".
أي أن قوى الأمن والجيش هما "زعران" في نظر عون.
وليسوا حماة الديار والنظام!
ما هذا الهذيان؟ يا
شعب لبنان
!
هذه شتيمة كبيرة جدا بحق كل اللبنانيين وليس فقط بحق رجال الدولة
يعاقب عليها الإنسان العادي ويسجن بحكم القانون، فكيف بزعيم يطمح
ليكون رئيسا
للجمهورية ومثلا يحتذى حكمة ووقاراً.
وهل يريد عون أن يكون رئيسا لجمهوري
"زعران"
؟
عدا أنه دعوته
تبطن خطرا
كبيرا على احتلال مراكز الحكومة من قبل الانقلابيين وهو دعا
صراحة للعصيان!
عندما قال لن نطيع أوامر الدولة
بعد اليوم.
هذه دعوة إلى الثورة والفوضى والخراب وخدمة لمن يريد تعطيل المحكمة
الدولية.
وكأن بشار الأسد وعده
قائلا:
عطل المحكمة الدولية يا ميشال وبأي
وسيلة، ولك الكرسي من عيني الشمال وبظهرها تمديدة طويلة.
تصريحات عون
اللامسئولة تنم عن أدنى حس وطني ممكن أن يصل إليه زعيم بحق بلاده،
وتعبر عن أدنى
شعور إنساني للتضامن مع ضحايا الاغتيالات البشعة، وأدنى شعور
بالمأساة الرهيبة التي
يتعرض لها الشعب اللبناني ومنذ 30 سنة.
خاصة وأن قوى الأمن الداخلي قد فقدت هذا
العام في محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة المسؤول عن ملف الحريري،
أربعة شهداء من
عناصرها ترمل باستشهادهم نساء وتيتم أطفال!
أقترح على مجلس النواب رفع الحصانة
عن عون لكي تتم محاكمته بتهمة إهانة الدولة، والدعوة إلى العصيان
والتمرد،
وتعريض
السلام
بين اللبنانيين
للخطر.