هل في لبنان ديمقراطية؟ (2)
ويا للعجب
أن معظم الذين يسْخَرون من الديمقراطية اللبنانية ويستهزؤون بزعمائها
الديمقراطيين الشجعان، كالرئيس فؤاد السنيورة الذي ظل محاصرا ومهددا أكثر
من سنة ونصف وهو يدافع ببسالة، سيشهدُ لها التاريخ وقل نظيرها في تاريخ
الشعوب مع حكومته التي قدمت الوزير الشهيد بيار الجميل من بين صفوفها، عن
الدستور والنظام الديمقراطي أمام جحافل الشر الميليشياوية الشمولية
الحاقدة.
حتى ان
هؤلاء الذين يسخرون من ديمقراطية لبنان هم أنفسهم غارقون مع دولهم في عفن
الدكتاتورية ومستنقع الفكر الاستبدادي المظلم ويا ليتهم يستطيعون الخروج
منه الى رحاب الحرية لتشرق عليهم شمس الديمقراطية ويستنشقون رحيق زهور
الحياة بدل قطعها بسكاكينهم، والدوس عليها بأرجلهم، وحرقها بكبريتهم،
لتتحول الى دخان دواليب وفقاقيع نراجيل وتكسير أملاك وتحطيم سيارات، وحرق
محلات وبيوت ومؤسسات عامرة مضرٌ للبيئة، واغتيالات وخطف واعتقالات وفتن
وفوضى وسلاح منفلت مضرٌ لحضارة الإنسان ورقيه واقتصاده واحترامه لأخيه
المسالم الديمقراطي.
ومن هؤلاء
على سبيل المثال مثقف السلطة وربيب النظام السوري فيصل القاسم صاحب
برنامج الاتجاه المعاكس في قناة "الجزيرة" القطرية، الذي هاجم لبنان
وديمقراطيته وزعمائه في عدة مقالات اخترت منها واحدة بعنوان "كلهم
زعماء.. من أين آتي لهم بالشعب ؟"
نشرت في "الحوار
المتمدن"
بتاريخ
2006 / 5 / 8
.
يقول
القاسم في هجومه العشوائي
على
السياسيين اللبنانيين:
"الساسة
اللبنانيون يتصرفون بطريقة مسرحية كالأباطرة أو على أقل تقدير على طريقة
الملوك
والزعماء،
فيلتفت المارة
ليعرفوا من
يكون هذا، فإذا به رئيس لبناني سابق مضى على خروجه من السلطة
أكثر
من عشرين عاماً وبالكاد يتذكره أحد".
فيصل
القاسم هنا يسخر من نفسه ومن تفكيره الشمولي قبل ان يسخر من الرئيس
اللبناني الديمقراطي الذي ترك كرسي الحكم حسب نصوص الدستور وتأكيداً
للتبادل السلمي للسلطة طواعيةً.
أسأل
القاسم وأمثاله: هل هناك زعيم او رئيس في دولة عربية يترك كرسي الحكم
طواعية كما في لبنان؟
بالتأكيد
لا. وحافظ الاسد في طريقه الى القبر كان قد جهز كرسي رئاسة الجمهورية
السورية بعيدا عن نصوص الدستور للإبن تدعمه كامل العشيرة الأسدية من الأخ
الى ابن الخال الى الأخت الى الصهر.
فانتقاد
القاسم هنا هو شهادة في الديمقراطية للزعيم اللبناني الذي لا يلتصق
بالكرسي. وكان الأجدر بهذا القاسم لو كان مثقفا حراً جريئا أن يوجه هذا
الانتقاد لنظامه العشائري الأسدي الدكتاتوري السوري.
ومضحك
بعد ذلك عندما يصف القاسم الحياة السياسة الديمقراطية اللبنانية بأنها:
"
تجسيد صارخ
للبداوة السياسية في أنصع صورها في
بلد
يتظاهر بالتحضر".
أما
الطامة الكبرى فهي قوله:
"بينما
تخلصت سوريا من بداوتها السياسية وانصهرت في دولة وطنية حديثة بقي
لبنان
متمسكاً بتقاليده الإقطاعية والمشيخية البائدة."
لحد هون
وبس! لقد تخنتها يا استيز فيصل، وسأرسل لك غوار الطوشي ليعطيك دروسا في
الطوشان!
ولا
يخجل هذا الفيصل ولا يرف له جفن من القول:
"مسكين
ذلك
البلد"
لبنان"
الذي يتكاثر فيه «القادة» والبكاوات كما تتكاثر الفئران والأرانب.
وليس
صحيحاً أبداً أن ذلك
ضرب من
التعددية الديمقراطية. إنها العشائرية والقبلية السياسية المقيتة
التي
لم تعد موجودة إلا في مجاهل أفريقيا، والديمقراطية منها براء".
سأرد على
هذه النقطة بإسهاب لاحقا.
إلا أني
لا بد وأن أذكِّر القاسم بأن الزعماء اللبنانيون،
الذي
ينعتهم بصفات لا تليق بهم، انما فقط بنظامه المخابراتي الذي يفرخ الفئران
والجرادين والوحوش من أقبية المخابرات، هم من يواجهون الموت دفاعا عن
وطنهم وديمقراطيته وسيادته واستقلاله. والوحيد الذي يحمل بحق صفة أرنب في
الجولان وأسد في لبنان هو القائد الضرورة في قهر سوريا المغدورة.
أما
الزعماء والقادة اللبنانيون فلقد قدموا خيرة الشهداء من بين صفوفهم في
عمليات اغتيال جبانة لا يرتكبها إلا أرانب كأرنب الجولان.
يتابع
القاسم قائلا:"
ومما
يثير
السخرية أكثر فأكثر أن بعض «الأحزاب» اللبنانية التي ترفع شعارات
تقدمية واشتراكية هي أحزاب موغلة في الوراثة السياسية والزعاماتية
والمشيخية والعائلية القروسطية".
سأفند
وأنقد لاحقا هذا الكلام السفسطائي!
ثم
يتابع: "لكم
تفاخر
اللبنانيون بأنهم استطاعوا التغلب على عصبياتهم الطائفية ونزعاتهم
«البكاواتية»
من خلال النظام العلماني الذي صهر الأديان والعقائد والأعراق
في
بوتقة واحدة. لكن ذلك لم يتحقق إلا على الورق".
سأرد على
تهجمات القاسم باسهاب في معالجتي لموضوع الديمقراطية اللبنانية.
وهذا كاتب عربي آخر يقول معبرا عن حقده على لبنان وديمقراطيته التالي:
"
أليس
من
المخجل على كل السياسيين والمفكرين في العالم العربي النطق بكلمة
ديمقراطية بجانب كلمة لبنان وهي بلد منذ نشأته
بعد سايكس بيكو".
عجبا وكأن
لبنان هذا المخرز الديمقراطي في عيون هؤلاء الجهلة هو الوحيد الذي نشأ
بسبب اتفاقية سايكس بيكو. مع أنهم يتعامون عن حقيقة أن سوريا والاردن
والعراق وفلسطين هم أيضا نشأوا بعد سايكس بيكو. والجميع كانوا ولايات
واجزاء من الدولة العثمانية.
ويتابع
هذا العبقري قائلا: " ولبنان
به حروب
أهلية
باردة وساخنة، والأهم من ذلك أنه منذ أن تأسست تشكيلته السياسية
الأولى، قامت ولا تزال على تقسيم طائفي للرئيس ورئيس الوزراء ومجلس
النواب
؟
فأين
الديمقراطية بكل هذا التفصيل؟ وكيف يمكن للديمقراطية أن تكون
متماهية مع الطائفية أو العنصرية؟ وأي ديمقراطية هذه التي لا ينتخب فيها
الشعب
على الأقل رئيسه؟"
قوله
الأخير هو دليل على جهل هذا الكاتب بالنظم الدستورية في العالم حيث هناك
الكثير من الدول الديمقراطية كألمانيا مثلا يتم انتخاب الرئيس من ممثلي
الشعب أي مجلس النواب وليس من الشعب.
ثم
يتابع هذا العبقري قائلا: "وكيف
يمكن أن نفسر بحسب التعريف البدائي
للديمقراطية، أن هنالك دولة ديمقراطية يجب أن يكون رئيسها مسيحياً
مارونياً؟ وإن قبل البعض فكيف تقبل دولة –إن صح تسميتها بذلك- على نفسها
أن
تقول أنها ديمقراطية وهي تقوم على تقسيمة طائفية للأقوى فقط؟
سأفند هذا الكلام لاحقا وبإسهاب!
ثم يتابع:
"الديمقراطية
بحسب
التعبير اللبناني تعني أن يكون لكل زعيم مليشيا مسلحة دور سياسي،
يحدد
فيه جنسية وطائفة رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب،
وكذلك
الاغتيال بطريقة ديمقراطية، فإطلاق النار لم يعد وسيلة ديمقراطية
جيدة،
فالسيارة المفخخة هي أفضل وسائل التنافس السياسي الديمقراطي بين
الفرقاء اللبنانيين".
كلامه هنا
صحيح. وهو يصف فيه بدقة سياسة الميليشيات والأحزاب المسلحة من جماعات 8
اذار وعلى رأسها حزب الله والتي تعمل بلا كلل على تدمير الدولة
الديمقراطية في لبنان ليكون على شاكلة أسيادهم في سوريا وإيران.
ومعلق آخر
يعلق على مقال لي قائلا:
"لبنان
لا
توجد فيه ديمقراطيه فهو نظام وراثي كمال جنبلاط مات خلفه ابنه وليد،
وامين الجميل خلف والده،
وسعد خلف والده رفيق الحريري.
اي ديمقراطيه تتحدثون
عنها في لبنان".
سأفند كل هذه الانتقادات وأرد على أباطيل هؤلاء دفاعا عن لبنان
الديمقراطي وبإسهاب في المقال القادم. يتبع! |