هل مصالحة قمة الكويت شكلية أم جذرية؟
يجب أن لا يعمي عيوننا لقاء المصالحة في قمة الكويت عن قول كلمة الحق دون
مجاملات ووضع النقاط على حروف الكلمات، لكي تظهر الحقيقة ولا تضيع في
تبادل المصافحات والابتسامات تحت وطأة العناق وحرارة القبلات.
فكلمة الحق هي الباقية والمصالحة ان لم تكن جوهرية فهي الذاهبة.
هذا لا يعني اننا لا نتمنى من جوارح القلب وعصارة الفكر، ومهجة الروح ان
تكون المصالحة التي حدثت بهمة امير الكويت في الفاتح من هذا العام 09
حقيقية وجوهرية وجذرية وباقية بين الأشقاء وأبناء العائلة العربية
المترامية الأطراف.
إلا أن التمنيات شيء والحقائق التي ستكشفها التطورات المتسارعة يوما بعد
يوم على صعيد السياسة العربية شيء آخر!
والمصالحة الآنية وتبويس اللحى شيء، وقول الحقيقة للكاتب الذي يبحث عنها
ويريد إبرازها وتوضيحها شيء آخر!
فالكاتب يجب ان لا يطبل لأي حدث ويزمر، وانما يجب عليه ان يحلل ويفكر.
كيف لا والكاتب الحقيقي ليس سياسيا يبحث عن منصب او مركز بقدر ما هو ناقد
ومحلل وباحث عن الحقيقة ليظهرها حسب قناعاته الفكرية.
فاللقاء الذي حصل بهمة امير الكويت مشكورا بين السعودية ومصر ومعهما قوى
النضج والمنطق والاعتدال والصدق والإخلاص والعقلانية والتقدم والفعل
والبناء والسلام والحب والعطف والعروبة والأصالة وتحقيق الممكن في العالم
العربي من ناحية،
وبين سوريا وقطر ومعهما إيران وقوى المراهقة والهرطقة والتطرف والإرهاب
والاجرام والميليشيا والكذب والغوغائية والتخلف والفوضى والشعارات
الخاوية والهدم والخراب والفتنة والتعصب وبث الفرقة والتآمر وزعزعة
استقرار العالم العربي والهيمنة عليه من ناحية أخرى، هو لقاء مجاملات
أكثر مما هو تغيير استراتيجيات.
فمن تكون استراتيجيته حل مشاكل العالم العربي واعادة اللحمة بين
الفلسطينيين واحتواء المعضلة الفلسطينية وتفكيك صواعقها قبل أن تنفجر ليس
كمن يسعى للهيمنة على القرار العربي واغتصابه باسم القضية الفلسطينية
وشرذمة أهلها بين غزة والضفة وتفجير الصواعق في وجه السلام وتعقيد
المشاكل في الدول العربية:
كما رأينا باحتلال حزب الله لبيروت ومحاولة هيمنته على القرار اللبناني
بالبلطجية، وباحتلال حماس لغزة ومحاولة هيمنتها على القرار الفلسطيني
بالقمع، ومحاولة عملاء إيران كجيش المهدي السيطرة على العراق، والحوثيين
في السيطرة على اليمن وضرب أمن البحرين أيضا، ودفع الامور الى الفوضى
والانقلاب في مصر وغيرها من الدول المعتدلة.
ولهذا فالخلافات العربية بين قوى الاعتدال والتطرف ليست شخصية بقدر ما هي
جوهرية واستراتيجية.
ومن هنا فالخلاف بين فتح ومنظمة التحرير والقوى الفلسطينية المعتدلة من
ناحية، وحماس والجهاد وقوى التطرف الأخرى من ناحية اخرى، ليس على المناصب
بقدر ما هو خلاف على المبادئ في حل الصراع العربي الإسرائيلي.
والخلاف بين قوى 14 آذار المعتدلة في لبنان وقوى 8 اذار المتطرفة، هو
خلاف جذري حول هوية لبنان ودوره كوطن سيد حر ديمقراطي مستقل لقوى
الاعتدال، وساحة مستباحة لحروب الاخرين شمولي استبدادي ايراني ذليل تابع
لقوى التطرف.
وما ان وقف الرئيس سليمان في مؤتمر الدوحة، معبرا عن موقف لبنان السيد في
التمسك بالمبادرة العربية، قائلا لا لبشار الاسد، حتى هاجت قوى التطرف
ضده في مظاهرات غوغائية مطالبة بعودة "المكاوم" السيء الذكر اميل لحود
المطيع لنصرالله وبشار الاسد.
والدليل على ان المصالحات التي حدثت هي آنية مؤقتة وليست جذرية دائمة هو
قول
الأمين
العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بعيد انتهاء القمة:
إن الوضع العربي
"لا
يزال مضطرباً ومتوتراً".
معنى ذلك ان
المصالحة لم
تستطع
أن
تضع
حداً للخلافات
الجذرية
العربية
التي تصاعدت
حدتها منذ حرب تموز
على وقع الحرب
الأخيرة
في غزة.
وليس محاولة بشار الاسد في اعلان موت المبادرة العربية للسلام وبهذه
السرعة سوى ارباك لقوى الاعتدال ومزايدة عليها بما يسمى مقاومة. مع العلم
انه في موقفه هذا متناقض تناقضا تاما مع نفسه، حيث ان ارضه محتله ويرفض
رفضا باتا ان يوجد فيها أي نوع من المقاومة.
الاعتدال العربي يحاول في هذا الظرف الصعب تحقيق الممكن للفلسطينيين وليس
إضاعة كل شيء، لأنه أم الصبي وعربي الولاء.
معسكر التطرف بالمقابل يريد اضاعة كل شيء، لأنه يخشى المحكمة الدولية
وإيراني الولاء!
وبما ان السياسة هي فن تحقيق الممكن، فإن المقاومة التي تعرفنا عليها في
لبنان وفلسطين هي مقاومة كسر الرأس بالدخول في الحائط.
كما فعل حزب الله بإدخال لبنان في الحائط وتدميره،
وكما فعلت حماس بإدخال القضية الفلسطينية بالحائط وتدمير غزة.
ونرى بعض الفاشلين الحاقدين جالسا في كنبته المريحة، وهو يتهكم على دول
الاعتدال التي لم تدخل الحرب بالقول:
اسرائيل تدمر والانظمة العربية تعيد البناء في كل مرة.
هو هنا بدل أن يقول شكرا والف شكر لمساهمات السعودية والكويت وباقي الدول
التي دفعت الملايين لكي لا يبقى الغزاوي جائعا عطشانا بردانا بلا بيت ولا
مكان يأوي اليه، نراه يقول العكس لمرض في القلب.
وكأنه أفضل للغزاوي المنكوب المدمر أن يعيش في الشارع، بدل أن نمد له يد
العون ونعمر له بيتا، ونضد له جرحا، ونبني له مدرسة، كما تفعل دول
الاعتدال العربية.
ولا بد أن نسأل هنا جماعة ممانعة ومقاومة:
كم دفعت سوريا وايران لاعادة اعمار غزة؟ وسنراقب كم ستدفع في المؤتمر
المعلن عنه قريبا في مصر.
وكم دفعت سوريا وايران أصلا لإعادة اعمار لبنان؟
حتى انه منذ اشهر تظاهر سكان قرية في الجنوب اللبناني مطالبين النظام
السوري الذي تعهد بإعادة إعمار منازلهم بالوفاء بالتزاماته.
دول التطرف والممانعة وجماعاتهم يتسببون بالدمار والخراب وتهب دول
الاعتدال للملمة الجراح: كرما وشهامة ونخوة ورأفة ورحمة واخوة لمد يد
العون ومساعدة المواطنين الأبرياء المنكوبين في لبنان وفلسطين.
واتصل صاحب النصر الإلهي
بمشعل مهنئا: "بالانتصار الذي
حققته
حماس
في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة". وأشار
نصر الله "إلى
أنها الهزيمة الثانية للكيان الصهيوني خلال
عامين ونصف بعد هزيمته في تموز ألفين وستة".
على شاكلة هكذا هزائم لإسرائيل فلن يبقى حجر على حجر في لبنان وفلسطين.
وهل التسبب بقتل
وجرح آلاف
الفلسطينين الابرياء ومنهم
الاطفال والنساء وتدمير
أحياء وقرى وشوارع بكاملها
والبنية
التحتية يعتبر انتصارا؟
وهل
التسبب بقتل
وجرح آلاف
اللبنانيين
الابرياء
في كارثة تموز
ومنهم
الاطفال والنساء وتدمير
بلد بكامله وضرب
بنيته
التحتية يعتبر انتصارا؟
الانتصار عند مشايخ آخر زمان يعني فقط الاختباء والبقاء
على قيد الحياة ولا
يهمهم
بعد ذلك
ما
يحصل
للشعب
المنكوب بسببهم.
وفي النهاية يأتي
تكليف
القمة العربية
مصر ملف المصالحة الفلسطينية
ليؤكد صحة وسلامة الموقف المصري ونجاح قوى الاعتدال العربي، وبالتالي
هشاشة وضعف الموقف الايراني السوري.
ورغم كل ما أسلفنا نتمنى النجاح للمصالحة
العربية
لتعم على فلسطين ولبنان وتعود بالخير على الشعبين. فكفى دمارا واراقة
دماء بريئة تذهب سدى! |