هل الحلف الإيراني السوري "طبخة بحص"؟
أثبت الحلف المذكور في حرب تموز في لبنان، وفي حرب غزة الحالية أنه نمر
من مطاط منفوخ بضجيج كلامي وميكرفون إعلامي أمام إسرائيل والولايات
المتحدة فقط لا غير.
بالمقابل هو مخلب قاتل حاقد، وإجرامي دموي شرير:
لضرب استقرار وسلامة وقيام دولة لبنان من خلال مخلبه حزب الله،
والقضاء على فكرة قيام الدولة الفلسطينية من خلال مخلبه حماس، والعبث
باستقلال العراق والهيمنة عليه من خلال مخلبه جيش المهدي،
وزعزعة أمن العالم العربي ككل وبالأخص مصر والسعودية من خلال خلاياه
المخابراتية ومخالبه الإرهابية المتطرفة الظلامية المدمرة لقيام نهضة
عربية ديمقراطية حضارية انسانية واعدة، آن لها أن تخرج من هذا التيه،
الذي تتخبط به اليوم إيران الظلامية القمعية بسبب نظرية ولاية الفقيه.
ولن يغير من الامر شيئا إطلاق بضع صواريخ من جنوب لبنان على اسرائيل، ولا
بضع رصاصات من سوريا عليها. هذه الأعمال الفردية تؤكد على أن التحالف
المذكور هو نمر من مطاط منفوخ أمام إسرائيل.
ولكن هل الحلف الإيراني السوري "طبخة بحص"؟
هذا ما سنعالجه في هذا المقال.
فالمعروف عن كل الاحلاف العسكرية السياسية والعقائدية في العالم انها
ليست حبرا على ورق، بقدر ما هي دماء تراق لنصرة الحليف والدفاع عنه
والقتال الى جانبه عندما يتعرض للاعتداء.
هذه الحقيقة لا غبار عليها منذ فجر التاريخ وأكدتها الوقائع والحروب
وبشكل صارخ في الحربيين العالميتين الأولى والثانية وما تبعهما من احلاف
سياسية عسكرية وعقائدية فكرية:
كحلف الناتو الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية،
يقابله خلال ما سمي ب "الحرب الباردة" حلف وارسو الشرقي وعلى رأسه
الاتحاد السوفيتي.
ونجد اليوم بعد انهيار حلف وارسو ان معظم دوله التحقت بحلف الناتو، حماية
لاستقلالها من الدب الروسي المخيف لجيرانه تاريخيا.
فمثلا اليوم قبل ان تفكر روسيا بأي اعتداء على بولندا او تركيا عليها ان
تعرف مسبقا انها ستكون بذلك قد دخلت في مواجهة عسكرية حتمية مع حلف
الناتو.
ولنعد الى منطقتنا العربية وأحلافها العسكرية والسياسية. فمثلا، بعد حرب
48، التي انتهت بنكبة الشعب الفلسطيني ونشوء دولة اسرائيل على أنقاضه
وهزيمة الجيوش العربية امامها، تداعت الدول العربية في اطار جامعتها وتحت
شعار "الوحدة قوة" الى توقيع
معاهدة
الدفاع المشترك
والتعاون الاقتصادي عام 1950.
أثبتت الوقائع ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ان هذه المعاهدة ظلت حبرا على
ورق. وستبقى! لأنها تفتقد إلى الآليات التي تؤهلها لتكون حلفا حقيقيا
راسخا بين الدول العربية. وقادرا بالتالي ليكون قوة رادعة لإسرائيل
وايران وغيرهما من الدول التوسعية والعدوانية الإمبريالية في المنطقة.
فالوحدة ليست شعارا يرفع بقدر ما هي التزامات وآليات تطبق عبر الإرادة
الشعبية الديمقراطية الواعية. وكما هي الحال في الاتحاد الأوروبي. لا بل،
وهناك من الدول العربية من اعتدى على جاره او اجتاحه، كاجتياح صدام حسين
للكويت، وتآمر حافظ الأسد على لبنان تحت يافطة "الثورة الفلسطينية"
واحتلاله ومحاولة ابتلاعه كما ظهر جليا فيما بعد، وغيرها من النزاعات،
كالنزاع العقيم بين المغرب والجزائر.
ولكن في عام 67 وقبيل الحرب حصل تحالف عسكري وسياسي وثيق بين مصر وسوريا
والاردن. وما ان هاجمت اسرائيل مصر في 5 حزيران حتى هبت فورا سوريا
والاردن لنصرتها والدخول في الحرب الى جانبها. هذا يعني ان الحلف بين
الدول الثلاث لم يكن حبرا على ورق، بل حلفا حقيقيا عمدته دماء المصريين
والسوريين والاردنيين.
ولهذا فإسرائيل لم تهاجم لبنان، لأنه لم يكن جزءاً من هذا التحالف،
واحتلال مزارع شبعا حصل لأنها أصلا كانت محتلة من قبل سوريا، بعدما طردت
سوريا مخفر الدرك اللبناني من المزارع في الخمسينيات وقتلت وجرحت بعض
عناصره.
وفي حرب 73 حصل نفس التحالف بين مصر وسوريا اللتان اشتركتا معا بالهجوم
على اسرائيل. أي ان التحالف المصري السوري لم يكن حبرا على ورق. بل ايضا
عمدته الدماء المصرية السورية.
اسرائيل هنا لم تهاجم لا الأردن ولا لبنان، لأنهما لم يكونا جزءاً من
التحالف المصري السوري.
والآن نصل الى التحالف الإيراني السوري العسكري والسياسي والعقائدي
والمذهبي وتوابعه المعروفين:
في لبنان كميليشيات "حزب الله" و"امل" وباقي شلل 8 آذار، التي تتلقى
الأوامر والدعم والتسليح من النظامين الإيراني والسوري،
في فلسطين كحماس والجهاد الإسلامي و"القيادة العامة" وباقي شلل الفصائل
العشر المقيمة في دمشق وتتلقى الأوامر والدعم والحماية والرعاية من
التحالف المذكور،
وفي العراق فلول جيش المهدي وفلول القاعدة وفيلق القدس الإيراني وشلله
المخابراتية.
ففي حرب تموز 06 الكارثية لم تهاجم اسرائيل سوريا، رغم انه وباعتراف
نصرالله وافتخاره عشرات المرات بأنه في حلف استراتيجي مع إيران وسوريا
"الأسد". أي أن الحلف المذكور وتوابعه ظهر على حقيقته كنمر من ورق. أي أن
الحليف ترك حليفه وحيدا أمام العدو المشترك. وهكذا فتكت اسرائيل فتك
ذريعا بحزب الله ودمرت لبنان وحاصرته برا وبحرا وجوا، ولم تأخذ حلفاء حزب
الله بعين الاعتبار. وكأنه لا وجود لهما. وهما، وكأن الحرب لا تعنيهما
بشيء.
لأن الحلف يتعمد بالدم وليس بالدولارات والصواريخ والبيانات والتصريحات
وعبر القنوات الفضائية والإعلام.
وبالتالي فإن إسرائيل في حربها الحالية على غزة لم تأخذ حلفاء حماس من
إيران الى سوريا الى حزب الله بعين الاعتبار. وكأن حلفاء حماس الآن لا
وجود لهم، كما في حرب تموز بالنسبة لحزب الله.
والحلف الذي لا يتعمد بالدم يصبح عبارة عن طبخة بحص!
ومن المضحك هنا أن نصرالله في خطابه في بداية الحرب على غزة يطلب من مصر
فتح معبر رفح، ممننا في الوقت نفسه اللبنانيين بأن سوريا فتحت الحدود
أمامهم أثناء حرب تموز. حقا هذا الكلام يدعو للسخرية والاستنكار! ويؤكد
على عقلية نصر الله المريضة والغير موزونة في الرؤية الصحيحة للأمور، بل
هو يَذْكُر ذلك بخبث لكي نقول شكرا بشار لأنك فتحت الحدود واستقبلت
اللبنانيين. مع العلم لكل لبناني أن النظام السوري هو السبب الأول لكل ما
يحصل في لبنان من كوارث وحروب ومنذ عام 69. حيث كان له الدور الأساسي في
فرض اتفاقية القاهرة المشؤومة على الدولة اللبنانية.
ولو كانت سوريا حليفا حقيقيا لحزب الله وعمقا استراتيجيا له كما يدَّعي
هو وتدَّعي هي لدخلت الحرب الى جانبه معمدة هذا التحالف بالدم. المضحك
هنا أن بشار الأسد بعد وقف اطلاق النار قفز يخطب خطبة الانتصار على
اسرائيل وكأنه كان يحارب إلى جانب حزب الله وأيضا خامنئي ايران فعل نفس
الشيء. حدث ذلك قبل أن يُصَدِّعُ رأسنا نصرالله بنصره الإلهي المزعوم.
والأنكى من ذلك قول وليد المعلم لقناة "المنار" خلال الهجوم الإسرائيلي
على غزة
الخميس 8 كانون الثاني 2009:
"سوريا
تشكل عمق استراتيجي للمقاومة في لبنان وفلسطين وليس لحمل البندقية معها
فلديها ما يكفي".
هذا الكلام من المعلم يحمل إشارة واضحة لإسرائيل لكي تفتك بحماس. مؤكدا
على أن تحالفه مع حماس هو من ورق. ولا علاقة له بالقضية المصيرية
العقائدية الواحدة في مواجهة "مشروع الشرق الأوسط الجديد" والتي تَجْمَعُ
هذا التحالف الذي هو في الحقيقة عند الجد "طبخة بحص"، لا أكثر ولا أقل
وباعتراف المعلم!
ولهذا ففي حرب غزة الحالية لم تهاجم إسرائيل سوريا أو حزب الله و ايران،
لأنها تعرف أن تحالفهم ما هو سوى ضجيج كلامي ضدها.
ويؤكد على كل ما قلناه الموقف الإيراني الذي ظهر على حقيقته ومن فم
المرشد الأعلى خامنئي،
الخميس 8-1-2009،
الذي بدل ان يعلن الجهاد المقدس لدعم حماس،
منع المتطوعين الإيرانيين،
المحتشدين في المطارات، من الالتحاق بالمقاتلين الفلسطينيين في غزة،
وعبّر
لهم عن "جزيل شكره"، مستدركاً "ينبغي عليكم أن تنتبهوا إلى أننا لا
نستطيع
أن نفعل شيئا في هذا المجال".
ان دل هذا على شيء فإنه يدل على مؤامرة ايران لزج مصر في الصراع من خلال
احراجها امام الجماهير العربية والاسلامية، وهي ترى فتك اسرائيل بحماس
وتدمير غزة، ووضع اللوم عليها وتحميلها مسؤولية ما يحدث في غزة. هي ايضا
مؤامرة ايرانية لتكون حماس والشعب الفلسطيني البائس وقبله اللبناني وقودا
للطموحات الإيرانية في الهيمنة على المنطقة. وقالها خامنئي وبكل وقاحة في
نفس الخطاب:
"بفضل وعي وذكاء شعبنا تحولت
(إيران)
إلى تمثال العظمة و الجلال والأمل في عيون شعوب المنطقة في سبيل
المقاومة والنصر".
كلام فارغ بسببه تم قتل مئات الالاف في العراق وتدمير وقتل الآلاف في
لبنان وما يحدث اليوم في غزة من قتل وتدمير.
بل ان استعمال خامنئي كلمة العظمة والجلال تدل على عنجهية فارسية وغرور
واستكبار لا مثيل له الا عند اباطرة الفرس.
هو لو كان صادقا في حلفه مع حماس لكان
بامكانه ارسال
هؤلاء
المتطوعين الى
حليفه السوري
ليكونوا قرب
فلسطين المحتلة
على حدود الجولان ويشكلوا تهديدا لإسرائيل يخفف الضغط عن حماس.
ولقام
مع حليفه السوري صاحب الجولان المحتل بإعلان التعبئة العامة ودعوة
الاحتياط
وتوجيه
الاشارات القوية لمجلس الأمن وأمريكا انهما لن يتركا حماس وحيدة تفتك بها
اسرائيل. هنا فقط القيام بهذه الاستعراضات العسكرية سيكون لها اثرها
الكبير، خاصة اذا كانت مدعومة من الحليف الروسي.
فالتهديد
بالحرب
من قبل سوريا وايران
قد يغيير
موازين اللعبة التي تلعبها اليوم
اسرائيل
مع حماس بغزة دون أي خطوط حمراء في وجهها.
حتى ان نصرالله وضع خطوط حمراء امام الجيش اللبناني في معارك البارد ولم
يضع خطا احمرا واحدا امام الهجوم الاسرائيلي على حماس.
ومن هنا فالحلف الإيراني السوري هو في الحقيقة طبخة بحص حتى ان ايران لن
تهب اذا هوجمت سوريا ولا سوريا ستتحرك اذا هوجمت ايران.
هدف النظاميين الآني فقط هو المتاجرة بالقضية الفلسطينية كورقة مفاوضات
رابحة الى ابعد الحدود وإطالة معاناة الشعب الفلسطيني و ايضا اللبناني،
لأنه إذا تم حل الصراع العربي الإسرائيلي حسب المبادرة العربية وقيام
الدولة الفلسطينية، عندها سيصاب مرشد الأمة خامنئي بحالة من الهلع، لأنه
سيصبح عاطلا عن العمل. وبماذا سيشتغل عندها؟ وبماذا سيشْغِلُ الايرانيين؟
وكيف سيستطيع الهيمنة على العالم العربي من خلال مخالبه المطيعة؟ |