وحدة
المسار والمصير على حساب لبنان الصغير
07.04.02
نشرت
"السياسة" الكويتية في الأول من نيسان خبراً ليس له علاقة بكذبة أول
نيسان، بعنوان "
بري ينقلب
على النظام السوري : البرلمان سيقر محكمة الحريري قريباً".
نتمنى أن نصدق ذلك، إلا أن الوقائع والحقائق وخيبات الأمل من رئيس حركة
"أمل" نبيه بري تشيرُ إلى العكس تماما. عبر عنها المثل اللبناني في هذه
الحالة بقوله" لو بدها تشتي كانت غيمت".
فالسيد بري هو جزء لا يتجزأ من المشروع الإيراني السوري ولو كان غير ذلك
لأخذ مواقف سيادية استقلالية وطنية لبنانية واضحة بعد الانسحاب السوري من
لبنان. الحقيقة تقول أن دور بري في المشروع المذكور هو: التخدير والتطمين
والتعطيل وبث التفاؤل بالكلام القليل وأحياناً الكثير. عيديَّتِهِ
المشهورة للشعب اللبناني التي غدت احتلالا لوسط بيروت من قبل "معارضة" هي
أكبر دليل.
ولهذا فنحن لا نرى في الأفق غيوما ستحمل مطرا ولا مطراً سينبتُ زرعا، بل
هدوءاً قبل العاصفة. ربما عملية اغتيال شيطانية تخلط الأوراق لمصلحة
المشروع الإلهي، وتطبخُ الآن في المطابخ التي فضحت نفسها من خلال عرقلتها
للمحكمة.
فالحذر ثم
الحذر يا أحرار 14 آذار أنتم في حالة حرب مفتوحة عليكم من قبل أوغاد
أشرار!
فمجلس النواب مغلق أيضا بواسطة بري رغم إرادة أكثرية نوابه وبأمر عمليات
من مرتكب جريمة الرابع عشر من فبراير لتعطيل إقرار مشروع المحكمة. هذه
حقيقة!
رد السيد
بري على انتقادات الزعيم الوطني وليد جنبلاط بسبب إغلاقه للبرلمان لن
تغير في الأمر شيئاً، حيث قال مخاطبا جنبلاط:"أن
أبواب المجلس ستبقى دائما مفتوحة ومن منطلقات ذات الدستور الذي تحرص عليه."
حقا وليد جنبلاط ورفاقه في 14 آذار والحكومة الشرعية يحرصون جدا على
الدستور وتطبيقه حرصهم على حرية الوطن وسيادته، ويسيرون على هداه لمصلحة
لبنان وخلاص شعبه من الحروب. أما السيد بري فإنه ما زال ينثر وعودا
يتراجع عنها كما يحلو له ويفسرها على ذوقه، كما تراجع عن اعتبار حكومة
السنيورة حكومة المقاومة الأولى وصارت بنظره "الحكومة البتراء". دون
أسباب وجيه يستطيع إقناعنا بها، بل بحجج سخيفة ومبررات أقبح من ذنوب لا
تنطلي حتى على السذج.
فالوزراء المستقيلون أو المبتورون كما سماهم بري هم من بتروا أنفسهم
بإرادة الولي الفقيه خامنئي ووكيله الشرعي في لبنان حسن نصر الله.
رئيس الحكومة لم يبترهم وما زال متمسكا بهم، وما زالت كراسيهم تنتظر
عودتهم، وما زالوا يقبضون رواتبهم على آخر ليرة وهم قاعدون باسترخاء
"تنابل السلطان" في بيوتهم.
حتى أن بري لم ينتقد لحود بكلمة واحدة عندما تراجع الأخير في مؤتمر القمة
عن النقاط السبع التي باركها كل القادة اللبنانيين الروحيين والسياسيين
وعلى أساسها توقفت حرب تموز التدميرية التي جلبها للبنان عن سابق تصور
وتصميم حسن نصر الله وندم بعد فوات الأوان بكلمة "لو".
البرلمان
مازال مقفلاً في دورته العادية التي ينص عليها "ذات الدستور" كما يعرف
المحامي بري، ويريد أن يبيعنا كلاما بعد أن حشره جنبلاط في الزاوية، بأن
"
أبواب المجلس ستبقى دائما مفتوحة".
وهي في الواقع مغلقة.
وهل سينقلب بري حقا على النظام السوري ويقر المحكمة؟
نشكك بذلك! لأنه كما أسلفنا هو متخندق مع "معارضة" وفي قلب المشروع
الإلهي للهيمنة على لبنان من خلال الهيمنة على الحكومة وعلى الشرق
العربي.
ولو كان بري صادقا فيما يقول، فلماذا لا يفتح البرلمان المغلق منذ سبتمبر
العام الماضي أي بعد انتهاء الحرب؟
وماذا ينتظر لفتح البرلمان؟ كلمةُ سر تأتيه من طهران أو دمشق!
بري يعرف أنه بإغلاقه لمجلس النواب يدوس على المادة 32 من الدستور التي
تحدد فتح الدورة العادية بعد منتصف آذار. هذه المادة لم تُنَصْ لكي لا
تنفذ أو لكي تنفذ حسب رغبة رئيس المجلس. المجلس ليس ملك رئيسه بل ملك
الشعب اللبناني عبر ممثليه. الدستور لا يطبق حسب ذوق بري أو غيره وإنما
حسب المواد القانونية المحددة الكلمات. الدستور ليس عبارة عن قصيدة شعر
يفسر أبياتها النائب الإلهي محمد رعد أو زميله الأرضي حسن الحاج حسن على
هواهما. ولا يمكن أن يقال عنه المعنى في قلب الشاعر. والمجلس اجتمع في
القليعات وليس في بيروت وانتخب عام 89 رئيس الجمهورية الشهيد رينيه معوض.
وماذا لو دمر مجلس النواب بعمل ارهابي على شاكلة 14 شباط فهل ستنتهي
شرعية النواب؟
النائب أخذ شرعيته من انتخاب الشعب له وليس من البناء الذي يجلس فيه أو
من حجم أو رقم سيارته!
يشير كلام بري في رده على جنبلاط إلى أنه بانتظار تعليمات.
أين استقلالية ووطنية وسيادة رئيس مجلس النواب إذا كان ينتظر تعليمات ما
لفتح البرلمان؟ خارقا بذلك الدستور وضاربا بعرض الحائط مطالب الأكثرية
النيابية بإصرارها على فتح الدورة العادية وهذا من حقها.
الأكثرية والحكومة دستوريا وشرعيا على حق!
نطالب الأكثرية لمصلحة الشعب الذي انتخبها أن تحزم أمرها وتقوم بواجباتها
الوطنية كاملة في تمرير المشاريع المهمة ومنها إقرار المحكمة وانتخاب
رئيس جديد للجمهورية دون الاهتمام بكلام منثور في الهواء الطلق وتهديدات
تأتي من المدافعين عن المجرمين والمرتهنين لأوامر الخارج.
أما
بالنسبة
للمحكمة
الدولية التي رفض بري استلام مشروعها طالبا من الموظفين عدم التواجد وعدم
استلام البريد من الحكومة الشرعية، فقد قال ردا على انتقادات جنبلاط:"
أؤكد
أن المجلس النيابي سيقرها وفي مهلة غير بعيدة
وسأبقى أحاول
أن أجعلها علامة جمع لكل اللبنانيين وليس تمزيقا لهم كما
يعمل بعض
مدعي الحرص عليه، وما أظنك منهم".
بالتأكيد جنبلاط ورفاقه في 14 آذار ليسوا منهم، كيف لا وهم يحرسون وحدة
وسيادة لبنان برموش عيونهم ويدافعون عنه بصدورهم الوطنية العارية ويقدمون
الشهداء من بين صفوفهم من أجل تحقيق استقلاله الكامل. لأنه لا استقلال
بوجود دويلات ومربعات وجزر أمنية، قراراتها ليست منها، وتزج لبنان في
الحروب لمصلحة إيران وسوريا. وها قد أصاب الهلع النظام السوري عندما علم
أن خبراء الأمم المتحدة يعملون على تحديد مزارع شبعا لإعادة القسم
اللبناني إلى السيادة اللبنانية. هذا يؤكد ما كنا نقوله دائما بأن قصة
شبعا هي فبركة بعثية بإدارة نصر الله الإيرانية لكي يظل لبنان ساحة
مفتوحة لحروب الآخرين على أرضه والجنوب منصة لإطلاق الصواريخ كلما أتى
أمر من طهران أو دمشق. وهذا يؤكد أيضا بأن خزعبلات البعث ونظريات حافظ
أسد حول خرافة
وحدة المسار والمصير كانت فقط على حساب لبنان الصغير. وهذا ما أكدته حرب
تموز الكارثية حيث لم يشارك النظام السوري بطلقة واحدة، بل كان يفاوض
العدو الإسرائيلي من وراء ستار ويحاول عقد الصفقات على حساب شعب لبنان
المنكوب.
من
يمزق وحدة اللبنانيين ويدمر آمالهم في حياة حرة كريمة ومستقبل زاهر، أليس
هو نفسه من يحتل الآن وسط بيروت للهيمنة على الحكومة بالبلطجية والإرهاب
والاستكبار؟
ومن
يفعل ذلك غير السيد بري وحلفائه في " معارضة" ومن ورائهم المشروع الإلهي؟
المحكمة كانت على طاولة الحوار نقطة إجماع. من يعطلها ويغلق البرلمان في
وجه مشروعها أليس الحاج نبيه بري؟
ومن
يريد إفراغ المحكمة من جوهرها أليس حلفاء الحاج أبو مصطفى؟
|