اقرأ المزيد...
إصلاح
الإسلام بدلا من تدمير العالم
بقلم عمران سلمان
يعيش المسلمون
اليوم أكثر من أتباع أي دين آخر، تحدي التكيف مع العصر الحديث وما يفرضه من
علاقات ووقائع جديدة. وأساس هذا التحدي هوالإصلاح الديني.
لم يطرح هذا
التحدي من قبل بمثل هذه الحدة والإلحاح. ربما لأن العالم أصبح في العقود
الأخيرة قرية كونية صغيرة، تتجاور فيها الثقافات والأديان، كما يتجاور فيها
البشر. ولكي يعيش الناس في حالة من النظام والطمأنينة فهم بحاجة إلى قواعد
تنظم سلوك التعامل فيما بينهم، ولكي يتمكنوا من التعايش بسلام فهم بحاجة إلى
احترام بعضهم البعض. وأساس هذا الاحترام هو الإيمان بالمساواة والعدالة.
وقد بلورت
العديد من الدول والمجتمعات ثقافة التعايش هذه، إنطلاقا من تجاربها التاريخية
واستنادا إلى المواثيق والمعاهدات الدولية. وحدها المنطقة العربية، لا تزال
بعيدة عن هذه الثقافة ولا تزال تعيش خارج سياق التاريخ الحديث.
في هذه
المنطقة، التمييز بين البشر هو الأصل، والمساواة هي الاستثناء. الناس لا
يعاملون انطلاقا من آدميتهم وإنما حسب انتمائهم الديني أو الطائفي أو القومي.
ويشجع الإسلام
مثل هذا التمييز، ففي الإسلام يغيب الإنسان ويحضر المسلم أو المؤمن، وتوضع
قواعد للتعامل مع أتباع الديانات الأخرى، فالمسيحي أو اليهودي أو الصابئي هو
في منزلة أدنى من المسلم، أما البوذي أو الهندوسي أو الأيزيدي فلا حقوق لهم،
لأنهم خارج نطاق أية رعاية إلهية مزعومة.
الإسلام يقرر
أن أتباعه هم وحدهم من يتبعون الدين الصحيح وهم الذي يقبل الله منهم دينهم،
وما عداهم فهم ضالون أو مشركون أو ببساطة مجرد كائنات بشرية لا قيمة لها أو
وزن.
وبالطبع مثل
هذا التصنيف والتقييم يتناقضان مع قواعد التعامل في هذه القرية الكونية، كما
أنه يقف على طرف نقيض مع مواثيق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية.
لحسن الحظ أن
الديانتين الأخريتين، المسيحية واليهودية، وجدتا من يطورهما مع الوقت، وينتزع
منهما القدرة على التمييز واضطهاد الإنسان.
لكن المشكلة
بقيت مع الإسلام، فهو لم يعش مثل هذه التجربة، ولم يجد "مارتن لوثر" مسلم،
يقوم بعملية الإصلاح، ينفض عنه غبار المطلق، وينزع منه الأنياب والأظافر.
ولأن الإسلام
وصل إلى هذا العصر، عصر القرية الكونية الصغيرة، وهو لا يزال في حجم
الديناصور، وتنوء أكتافه بأثقال القرون الوسطى، فإنه من الطبيعي أن لا يتمكن
من الدخول إلى هذه القرية. لذلك قرر أن يشتبك معها ويدمرها.
إن ما يفعله
الإسلام وأتباعه اليوم هو بالضبط محاولة تدمير هذه القرية، وإعادة فرض قواعد
جديدة على العالم.
وبدلا من أن
يصلح نفسه، لكي يتناسب مع العصر الحديث، يحاول الإسلام أن يعيد العالم كله
إلى العصور المظلمة. وإذا كان العقل والمنطق يفترضان رفض مثل هذه المحاولة،
فإن الحكمة تتطلب إصلاح الإسلام، بدلا من تخريب العالم.
إن هذا
الإصلاح يجب أن ينطلق من المبادىء الرئيسية التالية:
أولا: أن
الناس متساوون، دون قيد أو شرط، فيما يتصل بطبيعتهم الآدمية، وأن اعتقادهم
الديني أو جنسيتهم أو عرقهم أو طائفتهم أو جنسهم، لا يرتب لهم أي مزايا ولا
يسلب منهم أي حقوق.
ثانيا، أن
الدين هو في نهاية المطاف تجربة شخصية، ولا علاقة للمجتمع أو الدولة به.
ثالثا، أن
الدولة الحديثة يجب أن تعامل أفرادها على أساس أنهم مواطنون، وليسوا أتباع
أديان.
ثالثا، أن
الدين هو جزء من حياة الإنسان، لكنه ليس الحياة كلها.
رابعا، من حق
أي إنسان الإيمان بأي دين، لكن إيمانه هذا لا يرتب له أي حقوق على الآخرين أو
على الدولة.
خامسا، أن
للإنسان القيمة الأعلى في الوجود، والأديان أو العقائد أو الفلسفات ما هي إلا
أدوات لخدمة البشر، ولا يجوز بحال أن يضحى بالإنسان من أجلها.
سادسا، على
الدولة والمواطنين احترام الأديان في نطاقها الخاص، ولكن حين تتعارض هذه
الأديان مع مصلحة الإنسان، فيجب تغليب مصلحة هذا الأخير.
أخيرا، كنت
ولا أزال، وسأستمر أدعو إلى إعلاء شأن الإنسان سواء في مواجهة الأديان
والعقائد التي تنتقص من قيمته، أو في مواجهة الفلسفات والسياسات التي تضحي به
على مذبح أهوائها.
ورغم أن هذا
الإنسان يقتل ويدمر كل يوم، ويحرق الزرع والحرث والنسل، كما يحدث في العراق،
وكما يحدث في مناطق أخرى من العالم، فإن قناعتي هي أن المشكلة لا تكمن في
الإنسان ذاته، وإنما فيما يلقن من عقائد وأفكار، فالمسلم لا يولد إرهابيا
ولكن المسجد والبيئة والتعليم هي التي تجعل منه إرهابيا. إنه ضحية لتعاليم
الحقد والكره وخزعبلات الحور العين، وأوهام الجنة.
ولكي نمنع
ظهور هذا
الإرهابي،
علينا أن نقضي على تلك الأوهام، ولن يحدث هذا إلا بإصلاح الدين نفسه، وهذه
باتت مسألة حياة أو موت، للمسلمين قبل غيرهم، وكلما جرى إنجازها بصورة أسرع،
كلما حقنت الكثير من الدماء، دماء المسلمين ودماء غيرهم.
عمران سلمان،
كاتب
وصحافي بحريني
Omrans80@yahoo.com
|