الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

هل يغفر العرب السنة لأميركا؟

1/5/2006

بقلم عمران سلمان

بعد أن غيرت مجرى التاريخ في العراق هل يغفر العرب السنة لأميركا؟

يقول مدير قناة العربية عبد الرحمن الراشد في عموده (الشرق الأوسط 27 ديسمبر) إن على أميركا بدلا من تكبد عناء إصلاح صورتها لدى العرب والمسلمين أن تصلح الأصل، أي أن تصلح سياساتها في المنطقة، فتنصلح بذلك الصورة. والمقصود هنا بالطبع السياسة الأميركية تجاه المسألتين الفلسطينية والعراقية.

والواقع أن ما يقوله الراشد، يقوله الكثير من العرب والمسلمين، داخل أميركا وخارجها، كما يقوله أيضا بعض الأميركيين من الديمقراطيين واليساريين منهم تحديدا.

هؤلاء يعتبرون أن ما جنته أميركا من تشويه لصورتها وسمعتها في العالم العربي والاسلامي، هو في المقام الأول بسبب سياساتها وليس بسبب ما هي عليه، وبالتالي يفترضون ويطرحون بأن تغيير هذه السياسات من شأنه أن يحل هذه المشكلة، كليا أو جزئيا. وكان بودي أن أتفق مع ما يذهب إليه هؤلاء، لولا أن وراء الأكمة ما وراءها.

الواقع أن مبدأ الأصل والصورة، مبدأ سليم في حد ذاته، فأي صورة في نهاية أمرها هي انعكاس للأصل، وأي تغيير فيها لا بد أن يسبقه تغيير في أصلها، وهذا ما كنا نقوله دائما للعرب والمسلمين الذين يشكون ويتذمرون من الآخرين الذين حسبما يقولون يشوهون صورتهم ويقدمونهم على نحو غير حقيقي، كنا نقول لهم أصلحوا الأصل تنصلح الصورة.

لكن ما يطرحه الراشد هنا، كما يطرحه بعض الليبراليين واليساريين الأميركيين المأزومين، ليس مسألة أصل وصورة. وإنما هي مسألة أخرى، سأناقشها في هذا المقال. لة أصل وصور

لنأخذ في البداية المسألة الفلسطينية.

ما هو الأمر الجوهري الذي تغير في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة، وهي الفترة التي شهدت أكبر حالة عداء لأميركا؟

الإجابة تقريبا هي لا شيء. أميركا لا تزال تدعم إسرائيل عسكريا واقتصاديا وسياسيا، كما كانت تفعل منذ عقود. ولم يتغير الموقف الأميركي من حق إسرائيل في الوجود أو حقها في حماية نفسها.

وخلال جميع الحروب التي خاضتها الدولة العبرية مع الدول العربية ظل الموقف الأميركي الرسمي واحدا، لم يتغير وهو الوقوف إلى جانبها.

فهل كان العرب يكرهون أميركا في ذلك الوقت بأكثر مما يكرهونها اليوم؟ الإجابة هي كلا.

على العكس من ذلك، فإن الموقف الأميركي تطور في السنوات الأخيرة لصالح الفلسطينيين، فلأول مرة يتبنى رئيس أميركي (الرئيس الحالي جورج بوش) موقف تأييد إقامة دولة فلسطينية متصلة الأطراف وقابلة للحياة، جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. كما أنه لأول مرة يتم فيها بوضوح تحديد الموقف الأميركي المعارض لإقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية.

مع ذلك فإن نبرة العداء بين العرب والمسلمين للولايات المتحدة هي اليوم أكثر بكثير مما كانت عليه في العقود الماضية.

سبب هذه النبرة لا يعود إلى السياسات الأميركية التي كانت متبعة حتى الآن  في المنطقة العربية، وإنما بالذات إلى تغير هذه السياسات. كيف ؟

هناك ثلاث مسائل، باعتقادي، كان لها التأثير الأكبر في هذا المجال.

الأولى هي الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فهذه الهجمات غيرت أميركا، كما غيرت العالم بالنتيجة. وبسببها شنت الولايات المتحدة الحرب في أفغانستان والعراق، كما أطلقت أكبر حملة ضد نفوذ الإسلام المتشدد والتكفيري.

هذه الحملة استهدفت بصورة خاصة تدمير شبكة الإمدادات المالية الضخمة التي بنتها الحركة الوهابية وجماعات الإخوان المسلمين طوال أكثر من عقدين من الزمن، واشتملت على بنوك ومصارف وجمعيات خيرية وبعض المشاريع التجارية، والتي كانت كلها تغذي مراكز وفروع انتشار هاتين الحركتين، في البلدان العربية الإسلامية وكذلك في دول الغرب.

ورغم أن الوهابيين والإخوان المسلمين لم يتأثروا بصورة مباشرة بالحملة الأمييركية، إلا أن من الواضح أن قدرتهما على العمل والنشاط في الساحات البعيدة قد ضعفت إلى حد كبير.

ولمواصلة هذا النشاط بات يتعين عليهما ابتداع طرق جديدة، مكلفة وغير مأمونة، في الكثير من الأحيان. 

وبالطبع كان من الواضح منذ البداية أن الحملة الأميركية موجهة فحسب ضد المؤسسات الضالعة، أو المشتبه في ضلوعها في النشاطات الإرهابية، لكن الإخوان المسلمين والوهابيين، وبسبب نفوذهم الكبير في الإعلام والتعليم والمساجد في المنطقة العربية، صوروا الحملة على أنها موجهة ضد الإسلام والمسلمين، وشنوا حملة دعائية شعواء لتأكيد مزاعمهم.  ولم تنفع المحاولات الأميركية، لإثبات العكس، والأرجح أنها لن تنجح في المستقبل القريب.

الحرب في العراق

مشكلة أميركا هنا أنها لم تشن حربا على نظام عربي فحسب، وصولا إلى اسقاطه ومحاكمة زعمائه.

كثير من العرب لم يكونوا بالضرورة يحبون صدام حسين، بل أن بعضهم كان يرى فيه، ديكتاتورا تسبب في العديد من النكبات لهم. لكن مشكلة الولايات المتحدة أنها أزاحت نظام صدام (العربي السني) ووضعت بدلا منه نظاما يجمع الشيعة إلى الأكراد.

هنا صعق العرب (و80 في المائة منهم سنة) لهذا التطور، ولم يستسيغوه أو يقبلوه حتى اليوم.

كان يمكن لمعظم العرب أن يتسامحوا مع فكرة إزالة نظام صدام بواسطة القوة العسكرية الأميركية، على أن يوضع في مكانه، نظاما سنيا آخر، سواء من داخل حزب البعث أو خارجه، وسواء من عائلة صدام أو غيرها، أما أن ينام هؤلاء على نظام عربي سني يحكم العراق (حتى وإن كان نظام أقلية)، ليصحوا على نظام يكون فيه رئيس العراق ووزير خارجيته من الأكراد، فيما رئيس الحكومة ومعظم الوزارات السيادية الأخرى من الشيعة، هذا تسبب في إحداث زلزال عنيف للوعي العربي السني، لا أعتقد أنه سيفيق منه قريبا.

والمشكلة الأخرى، أن هذا لم يحدث في عاصمة صغيرة أو ثانوية، بالمقاييس العربية والإسلامية، وإنما في بغداد، عاصمة الدولة العباسية!

وبالتالي فهل كانت الولايات المتحد تعي أنها غيرت في الواقع مجرى التاريخ (المستمر بتقطع منذ قرابة 1400 عام) في هذه المنطقة من العالم!

هل يتوقع الأميركيون أن يغفر لهم العالم العربي السني ذلك، وهل يمكن أن يكافأهم في استطلاعات الرأي؟

أنا أتوقع أن جميع الاستطلاعات التي تجري اليوم أو ستجري خلال السنوات العشر القادمة على الأقل في البدان العربية (وجميعها تقريبا يحكمها بالمناسبة عرب سنة، حتى في الدول التي أغلبية السكان فيها من الشيعة مثل البحرين) ستكون نتيجتها معروفة سلفا وهي ضد الولايات المتحدة.

فهل كانت أميركا تجهل ذلك حين أرسلت قواتها للإطاحة بنظام صدام؟ يفترض أنها لم تكن تجهل ذلك، ويفترض أنها كانت تعرف أن هذا تطور منطقي للأحداث.

وبالتالي كان ينبغي على مستشارة شؤون الدبلوماسية العامة الأميركية كيرن هيوز أن تجيب حين حاصرها "محامو" الأنظمة العربية السنية (كما حصل في لقائها مؤخرا مع قناة الجزيرة في برنامج من واشنطن بتاريخ 19 ديسمبر) : "إننا نعرف سبب غضبكم، وربما نتفهمه ولكن عليكم أن تنسوا بعد اليوم ما كان سائدا طوال قرون وأن تقبلوا بالواقع الجديد وهو أنه ليس من العدل أن تحكم الأقلية الأكثرية، كما أننا لسنا في دعاية انتخابية نحرص فيها على جمع أكبر عدد من الأصوات، نحن ننفذ سياسة نعتقد أنها تخدم مصالح الشعب الأميركي، وتوفر العدل للآخرين".

اعترافات بوش

المسألة الثالثة، هي ما قاله الرئيس الأميركي جورج بوش في إحدى خطبه وهو أن الولايات المتحدة والغرب، اخطأوا طوال الستين عاما الماضية بدعمهم للأنظمة العربية (القمعية) طلبا للاستقرار والأمن على حساب الديمقراطية والحرية، وبالنتيجة لم يتوفر الأمن وانتشر الإرهاب، (للأسف، رغم هذا الإعتراف العظيم، لا تزال إدارة الرئيس بوش تدعم وتشيد بالأنظمة القمعية في البحرين والأردن ومصر والمغرب).

لكن الاعتراف بحد ذاته حرك لدى الحكومات العربية المؤثرة (مثل السعودية ومصر وسوريا ومن يدور في فلكها) الشعور بعدم الأمان، بالنظر لما حدث في العراق، مما دفعها إلى الإصرار على إثبات خطأ الولايات المتحدة وإفشال عقيدتها الجديدة بأي ثمن. ومن يقرأ الصحف ووسائل الإعلام التابعة لهذه الدول (حيث لا توجد أصلا وسائل إعلام مستقلة) يستطيع أن يعرف حجم الانزعاج من التوجهات الأميركية الجديدة والرغبة في تغييرها. ولن أستغرب في يوم من الأيام لو قيل لي بأن بعض هذه الأنظمة قد وفر الغطاء لتنفيذ هجمات إرهابية أو أعمال اغتيال داخل الولايات المتحدة.

نخلص من هذا إلى أن العداء لأميركا في المنطقة العربية، ناجم في الأساس عن سعي هذه الأخيرة، إلى تغيير المعادلات السياسية القائمة منذ قرون في المنطقة، وأن مكر التاريخ وحده هو الذي وضع في خندق واحد، الحكومات العربية والقوميين العرب والإسلاميين في مواجهة هذه المسألة بالذات. فهل يمكن لصورة الولايات المتحدة أن تكون غير تلك التي تظهرها استطلاعات الرأي؟!

عمران سلمان: كاتب وصحفي بحريني

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها