اقرأ المزيد...
عقيدة بوش لنشر
الحرية في الشرق الأوسط
بقلم/ عمران سلمان،
20 فبراير 2005
يقول البعض إنه ليس لدى أغلبية العرب ما يخسرونه بقبولهم دعوة الرئيس بوش
لتبني الحرية والإصلاح الديمقراطي، سوى القمع والاستبداد والتمييز وانسداد
الأفق الاقتصادي، وهم محقون في ذلك. فهذه الدعوة تفتح أفقا لا سابق له لتغيير
المنطقة والتعجيل باندماجها في النظام العالمي.
والحق أن هذا التوجه لم يكن في السابق أولوية أميركية، كما أنه لم يكن بالذات
على جدول سياسات الحزب الجمهوري الذي يحكم حاليا في البيت الأبيض، والذي كان
يتبنى على الدوام سياسة الانعزال والانكفاء نحو الداخل.
أما الإدارات الأميركية المتعاقبة نفسها فإنها لم تشجع أو تدعم بصورة جادة
التحركات الديمقراطية في المنطقة العربية، بل أنها في كثير من الأحيان غضت
الطرف عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ولم تر في العديد من الممارسات
اللاديمقراطية ما يثيرها، وذلك كله في مقابل الحفاظ على المعادلات السياسية
والاستراتيجيات الأمنية التي كانت سائدة في زمن الحرب الباردة.
لكن حدثا جللا وقع في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، هو الذي غير الولايات
المتحدة والعالم، وأعاد رسم الخارطة السياسية الداخلية الأميركية تجاه العديد
من القضايا ومن بينها السياسة الخارجية. فأصبح الجمهوريون هم دعاة نشر
الديمقراطية والحرية في العالم، بينما التزم الديمقراطيون بسياسة تشبه في
الكثير من مضامينها مواقف الجمهوريين السابقة.
وبيّنت هجمات سبتمبر الإرهابية أيضا بشكل جلي أن الأمن القومي الأميركي، بات
مرتبطا على نحو وثيق بما يحدث فيما وراء البحار.
وللرئيس الأميركي جورج بوش قول
مشهور في هذا الصدد، طالما ردده في خطبه أثناء ولايته الأولى، وهو أن
الولايات المتحدة بحكم موقعها الجغرافي البعيد نسبيا عن العالم، كانت تعتقد
أنها بمنأى عن الأخطار، لكنها اكتشفت بعد تلك الهجمات أن البحار والمحيطات لم
تعد تحميها.
من هنا ولدت العقيدة الأميركية الجديدة في مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية
في مختلف مناطق العالم.
وقد كان من الطبيعي أن يتم التركيز بعد الهجمات مباشرة على محاربة الإرهاب
عسكريا، وتفكيك الشبكات الإرهابية وقطع خطوط إمداداتها المالية، وتشتيت
قواعدها. لكن مع الوقت اكتشفت الإدارة الأميركية بأن مكافحة الإرهاب وحدها،
وإن كانت تبعد الخطر مؤقتا، لكنها لا تحل جذور المشكلة، طالما أن الظروف التي
هيأت في السابق لنمو وانتعاش الجماعات الإرهابية لا تزال متوفرة.
لذلك كان لا بد من تطوير سياسة الحرب على الإرهاب، كي تصبح حربا على
الاستبداد، ونشرا للحرية.
ولكي تصبح هذه السياسة فاعلة وتكتسب زخما متواصلا، كان لا بد أن تنتقل إلى
مستوى العقيدة السياسية
والاستراتيجية،
على نحو ما كان الأمر عليه أثناء الحرب الباردة. والتي لم يكن من الممكن
كسبها بدون سلسلة واسعة ومتنوعة من الإجراءات والسياسات.
وهكذا طورت الإدارة الأميركية مفاهيمها، وتبنت عقيدة نشر الحرية في العالمين
العربي الإسلامي. وكانت هذه العقيدة هي محور خطاب الرئيس الأميركي في حفل
تنصيبه لولاية جديدة وفي خطابه عن حالة الاتحاد.
إن فحوى هذه العقيدة هو أن الفقر وانسداد منافذ التعبير الاجتماعي والسياسي،
وامتهان كرامة الإنسان وسلبه أبسط حقوقه، هي الظروف التي تولد اليأس وتدفع
لتبني أيديولوجية الكراهية والتعصب، التي تولد بدورها العنف والإرهاب.
وأن هذا الإرهاب الذي قد ينشأ في بيئة محلية، لا يوجد ما يمنعه من الانتشار
إلى بيئات أخرى، ويهاجم بلدانا تقع على بعد آلاف الأميال.
ولما كانت الأنظمة القمعية والديكتاتورية هي التي تنتج بامتياز مثل هذه
الظروف، فإن تغيير هذه الأنظمة أو إجبارها على تخفيف قبضتها عن شعوبها، أصبح
أمرا لا مناص منه، لتجفيف منابع الإرهاب على المدى الطويل.
لقد اكتشف الأميركيون أن بعض الأنظمة العربية، لا تكتفي بإنتاج الظروف
الملائمة لنشوء الإرهاب، وإنما تشجع بصورة مباشرة أو غير مباشرة على توجيه
نقمة الإرهاب إلى خارج حدودها، في محاولة لإبعاده عن أراضيها. كما اكتشفوا أن
هذه الأنظمة ليس لديها ما يكفي من الرغبة والإرادة للتغيير والإصلاح السياسي،
وأنها تتاجر بالوقت وبالبشر وبالشعارات.
ولما كان من غير الممكن تطبيق السيناريو الذي جرب في العراق على العديد من
الأنظمة العربية الأخرى، لأسباب كثيرة، وفي الوقت نفسه من غير الممكن تركها
تواصل اعتقال مواطنيها وتحويل العديد منهم إلى إرهابيين وانتحاريين، فإن الحل
المطروح لمواجهة ذلك على المدى القريب هو مزيج من الضغوط السياسية
والدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري المحدود، وعلى المدى
البعيد العمل على تنمية القدرات الذاتية للمجتمعات العربية، وتعزيز حقوق
الإنسان ونشر ثقافة الديمقراطية والحرية، مع التزام أميركي كامل ومعلن
بالوقوف إلى جانب المطالبين بالتغيير وحمايتهم ودعم جهودهم.
هل ستحقق هذه العقيدة الأميركية نجاحها؟ هذا أمر قد لا يكون من المناسب
التكهن به الآن، لكن من المهم التذكر أن العديد من الإنجازات التي نعيشها
اليوم ونحسب أنها مكاسب عادية، كانت في ذات يوم مجرد حلم أو ربما كلام غير
معقول. |