اقرأ المزيد...
هل دنت ساعة النظام السوري؟
عمران سلمان،
23
فبراير 2005
من المثير أن الجميع بدأ الآن، بعد اغتيال رفيق الحريري، يتحدث عن ضرورة
الانسحاب السوري من لبنان، وهذا شيء طيب، لأن تصحيح الوضع الخاطئ وإن جاء
متأخرا، يظل أفضل من الإصرار على ذلك الوضع.
لكن مشكلة النظام السوري في الحقيقة لا تكمن فحسب في انسحابه من لبنان، الذي
بات عبئا عليه، بعد أن كان ذات يوم ورقة رابحة، يوم أن كان ساحة للمساومة مع
إسرائيل. مشكلة هذا النظام هي أعمق من ذلك بكثير. ونأمل من الذين يطالبونه
اليوم بالانسحاب من لبنان، خصوصا من بين أصدقائه والمشفقين عليه، أن يواصلوا
جميلهم ويطالبوه أيضا بالكف عن دعم الإرهاب في العراق، والتدخل في شؤون
الآخرين.
عليهم أن ينصحوه بأن ينفتح على المعارضة وينهي احتكار حزب البعث للسلطة،
ويسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعيد الاعتبار للإنسان السوري، وتضع سوريا
في مكانها اللائق بين الأمم، وهي مطالب موصولة أيضا لباقي الأنظمة العربية.
وأخيرا عليهم بمساعدته كي يؤهل نفسه إلى مستوى فهم الواقع الإقليمي والدولي
الجديد، قبل أن يغرق كما غرق جاره وتوأمه في لجة الإعصار.
ومع ثقتي الكاملة، بأن هؤلاء أو معظمهم على الأقل لن يبادر إلى شيء من ذلك،
لأنهم يتوقون إلى مأتم كي يشبعوا فيه لطما، كما يفعلون اليوم في العراق،
فإنهم إن بادروا إلى النصيحة لن ينصت هذا النظام لهم، لأنه هو الآخر قد أدمن
على المكابرة و شراء الوقت.
ويخطئ من يرد الأمر إلى سياسة أميركية أو ضغوط دولية، أو مؤامرات تحاك من هذه
الجهة أو تلك. فالأمر الذي لم يكن ذات يوم بسيطا كما هو الحال اليوم، هو أن
أي نظام سياسي لا يمكن أن يكتسب أي شرعية ( في نظر مواطنيه على الأقل) من
خلال دوره الإقليمي، أيا كان هذا الدور، أو من خلال رفعه للشعارات البراقة.
الشرعية تكتسب فقط من خلال موافقة المواطنين الحرة على هذا النظام، والمعبر
عنها بواسطة صناديق الاقتراع في ظل انتخابات حقيقية ومستوفية للمعايير
الآدمية.
الشرعية تكتسب عبر التعاقد مع المواطنين، واحترام إرادتهم، وليس عبر فرض
الأمر الواقع عليهم، سواء بواسطة القوة الغاشمة أو بواسطة التزوير والتلفيق
السياسي والتاريخي و عمليات التدجين.
والأمر البسيط الآخر هو لماذا لا يحق للمواطن السوري، كما لغيره من المواطنين
العرب، أن يكون لديه تجربة ديمقراطية، من برلمان حقيقي وحريات عامة وأحزاب
سياسية تتنافس في مجتمع مفتوح لما فيه خدمة وطنها؟
لماذا يطالب البحريني أو الكويتي أو العراقي أو المصري لنفسه بذلك، وينسى
السوري؟
لماذا يجري الحديث عن ضرورة تشجيع تحقيق الديمقراطية والانتخابات وإعطاء
الناس حقوقهم، ثم عندما نأتي للواقع العملي، عندما نجد أنفسنا بمواجهة أي
نظام عربي، يتم البحث عن المبررات والمسوغات لتفريغ المطالب والقضايا
الجوهرية من مضمونها، والتذرع بألف حجة وحجة!
آخ نسينا شيئا، سيخرج لنا الآن من متحف الأحياء "أبطال الصمود القومي"
ليقولوا: نتفق معكم مائة بالمائة في
هذا الطرح، ولكن لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ لماذا وسوريا "قلب العروبة
النابض" (وهل للعروبة رأس أو رجلين أو مؤخرة) تقاوم الهجمة الأميركية
الصهيونية على العرب؟ إنكم ترمون إلى إضعافها ومن ورائها الأمة العربية
المجيدة، لتسهيل مؤامرات الأعداء وتحقيق خططهم ومآربهم الخبيثة.. الخ.. الخ.
وعلى هؤلاء سنرد بالقول: حسنا، نحن من سيتفق معكم هذه المرة، ولكن حددوا أنتم
بأنفسكم الموعد والطريقة التي ستجري بها عملية التخلص من حكم القمع والاضطهاد
والتوجه نحو الديمقراطية، والتزموا بما حددتموه.
ولكن رجاء لا تقولوا بعد مائة عام، لا تقولوا يصير خير، لا تقولوا بعد حل
القضية الفلسطينية.. لا تقولوا نظام تعرفه خير من نظام لا تعرفه، فقد قيل، من
جرب المجرب فعقله مخرب! |