الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

فرنسا تنتصر لنفسها في مواجهة وباء العصر

 

 

عمران سلمان، 10 فبراير 2004

يبدو أن فرنسا مصممة على المضي قدما في إقرار القانون المعروف "بمنع الرموز الدينية في المدارس الحكومية"، غير عابئة بالعويل والنحيب وشق الجيوب القادم من صوب المنطقة العربية. رغم أن أغلبية سكان هذه المنطقة تركوا كل شيء في أيديهم وصار همهم الأول والأخير، هو تعليم الفرنسيين كيفية الإخلاص لتعاليم الثورة الفرنسية والتقيد بمواثيق حقوق الإنسان الدولية (أي والله).. وفي طريق ذلك الانتصار "لشرف" الحجاب المراق على أعتاب الشانزلزيه.

وفرنسا إذ تمنع الحجاب والقلنسوة والصليب، إنما تساعد أتباع هذه الأديان ولا سيما المسلمين، على الاقتراب من مستويات الحداثة المقبولة، بعدما استعصى عليهم القيام بذلك بأنفسهم، وسدت عليهم إمكانيات التطور ذاتيا، كما تساعدهم على الاندماج في المجتمع الفرنسي في إطار قيم العلمانية.

لكن المسلمين، المسربلين بقيم التخلف والحنين للماضي، والمسكونين إلى حد الجنون بافتعال المعارك الفارغة، وجدوا في هذه القضية متنفسا للعقد المتراكمة. وللأسف لم يشذ عن ذلك الكثيرون .. فمن رئيس إيران الخمينية محمد خاتمي إلى شيخ الإخوان المسلمين غير المتوج يوسف القرضاوي وما بينهم من حكام ومسؤولين عرب، وتفريعات هؤلاء من جمعيات وأحزاب ومنظمات ومنابر.. الخ، كلهم تداعوا للاشتراك في معركة الحجاب المصيرية، حتى ذاك المسكين شيخ الأزهر الذي كان طوال الأزمة يحلم..، لم ترحمه رجعيته وتزمته من هجمة الهائجين، فقد أصابته بعض السهام.

ولم يعر هؤلاء كلهم أي قيمة أو انتباه لمخاوف الفرنسيين الطبيعية والمفهومة وهم يرون جماعات الإرهاب الإسلامي، وهي تتغلغل (عبر الحجاب وغير الحجاب) إلى جسد المجتمع الفرنسي، وتحوله إلى ساحة للتشدد الديني وتسوية الصراعات الخارجية وحيث تزدهر نزعات العنصرية ومعاداة السامية (في السنوات الثلاث الماضية فقط شهدت فرنسا مئات الاعتداءات التي شملت معابد ومنشآت يهودية).

ومع ذلك ففرنسا لم تمنع الحجاب كليا في أراضيها (ولو فعلت لما استحقت لوم أحد، لأنها ستكون قد بادرت بشجاعة للتخلص من أحد الرموز المنافية للعصر) وإنما اقتصر قرارها ذلك فحسب على طالبات المدارس، بهدف إتاحة الفرصة للصغيرات كي ينشأوا بحرية بعيدا عن تدخل أهاليهن، ثم عندما يكبرن يتمكن من الاختيار بحرية إما البقاء في عالم النساء المتحضر أو الدخول إلى عالم الحريم والأحجبة. الاختيار هنا سيكون من حقهن المضمون بضمانة الدستور الفرنسي.

وبالتالي فإن فرنسا لم تفعل أكثر مما تتيحه لها قوانينها وفهمها للحرية والكرامة الإنسانية. لكن مشكلة المسلمين ليست مع فرنسا في الوقع، إنها مع الحجاب نفسه. وتوجيه الانتقادات والشتائم للفرنسيين هي محاولة للهروب من مواجهة المشكلة الحقيقية.

إن الحجاب الذي يتذرع المسلمون بأنه ليس رمزا دينيا، مثل الصليب أو القلنسوة، وإنما أحد أركان الإسلام، هو أخطر من الصليب والقنلسوة، اللتي هي في نهاية الأمر مجرد علامات يمكن خلعها مثلما يمكن لبسها، أما الحجاب فأمره مختلف. إنه (ككل وباء) يبدأ بقطعة قماش ثم يتحول إلى جلد سميك يستحيل التخلص منه.

إنه أخطر سلاح في العصر الحديث، تملكه جماعات الإرهاب الإسلامي، لإحكام السيطرة النهائية والكاملة على المرأة. إنه أداتهم الأمضى في السيطرة على النساء واعتقالهن.

إنه مثل الشرك ما أن تدخله المرأة حتى يستحيل عليها الخروج منه. إنه أبلغ رمز يمكن تخيله لاحتقار المرأة ودونيتها.

وهو إلى ذلك حجاب يحجب العقل ويقيد الشخصية ويفتك بآدمية النساء بشكل جماعي. لذلك يقيم المسلمون الدنيا ولا يقعدونها، ضد فرنسا وضد غيرها، لأنهم يعرفون بأن خسارتهم هذا السلاح، تعني خسارتهم السيطرة على ملايين "الدجاجات البياضة"، التي تفرخ لهم أصوليين وإسلاميين، وتمد جماعات الإرهاب بالذخيرة البشرية كي يقارعوا بها العالم المتحضر.

هذه هي حقيقة مشكلتهم. أما فرنسا كما دول أوروبية أخرى ستحذو حذوها قريبا، فهي تريد حماية مواطنيها (نساء ورجالا) وحرمان تلك الجماعات من سلاحها الفتاك، والتوفير على نفسها مكابدة شرور الإرهاب الإسلامي التي عصفت وتعصف بدول عديدة، استسلمت ذات يوم لنزوة التعاون مع الإرهابيين، وتغاضت عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان وحقدهم الدفين على الحضارة، فلم يوفروها في نهاية المطاف.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها