اقرأ المزيد...
شياطين الملا عمر
وأيتام صدام
عمران سلمان،
16 يوليو 2004
يبدو كثير من
العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، كمن نكبوا بإدارة الرئيس بوش والحزب
الجمهوري، وهم يسعون حاليا أو ينوون التصويت بكثافة لمنافسه المرجح السيناتور
الديمقراطي جون كيري.
أسباب هذه
النكبة إن جاز التعبير تتلخص في عاملين، أحدهما سياسي والآخر ديني. السياسي
يتعلق بموقف الإدارة الحالية من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والحرب في
العراق وأفغانستان. أما الديني فمرتبط بالحرب على الإرهاب، التي تفسر على
نطاق عربي وإسلامي واسع بأنها حرب على الإسلام.
وهم يتصورون
أن سحب أصواتهم (رغم ضآلتها العددية قياسا بالعدد الكلي للناخبين في الولايات
المتحدة) من جانب الجمهوريين ومنحها للديمقراطيين، من شأنه أن يساعد في سقوط
الرئيس بوش وفوز كيري. وبالتالي التأثير في العاملين المذكورين أو تخفيف
حدتهما.
سوف نبحث في
مكان آخر من هذا المقال هذه المواقف لنرى مدى أسباب الكره الحقيقي لبوش
والجمهوريين، لكن بودنا قبل ذلك أن نسجل المأساة التي تنتظر العرب والمسلمين
الأميركيين حتى قبل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم.
كيري على يمين بوش
كشف كيري عن
موقفين مهمين في الأسابيع الماضية، تزامنا من باب المصادفة مع إعلان التحول
العربي والإسلامي، أحدهما بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والآخر بشأن
المنطقة العربية.
ففي رسالة بعث
بها كيري إلى الإسرائيليين ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقتطفات منها، يؤكد
السيناتور الديمقراطي على سياسة بوش الحالية تجاه إسرائيل، بما فيها الالتزام
بأمن الدولة العبرية، وتأييد الجدار الأمني الفاصل في الضفة الغربية، وأن من
حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ويزيد عليها بتأييده الصريح لنقل السفارة
الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وأخيرا وليس آخرا التعهد بعدم التعامل مع
ياسر عرفات بحسبانه زعيما فاشلا، على حد تعبير الرسالة.
وبهذا الإعلان
يبدو كيري إن لم يقف مع بوش على نفس الخط، فإنه يقف إلى يمينه.
أما التعهد
الثاني المتعلق بالمنطقة العربية، فيقول فيه كيري إنه إذا فاز في الانتخابات
فسوف يمارس سياسة صارمة تجاه السعودية بسبب دعمها للإرهاب، وسوف يعمل على وضع
استراتيجية للتخلص نهائيا من اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط
في غضون عشر سنوات.
وهنا أيضا
يبدو كيري كما لو أنه يقف مباشرة على يمين بوش فيما يتعلق بالسياسة الشرق
أوسطية.
ونضيف لذلك أن
كيري لم يعارض الحرب في العراق أو أفغانستان، ولم يدع لسحب القوات الأميركية
من هذين البلدين، بل اقتصر خلافه مع إدارة بوش على قضايا هامشية من نوع، أنه
كان يفضل إشراك الأمم المتحدة والحلفاء الأوروبيين في الحرب، بدلا من ذهاب
الولايات المتحدة منفردة للعراق وتحمل تكاليف الحرب.
وحتى هذا
الاختلاف يبدو أنه قد انتهى مع تسليم السيادة للعراقيين في 28 يونيو الماضي،
وإشراك الأمم المتحدة على نحو واسع في الإشراف على الجداول الزمنية المتعلقة
بنقل السلطة والانتخابات وتشكيل باقي المؤسسات العراقية.
يتهم كيري
أيضا إدارة بوش بعدم تركيز جهودها بما يكفي على مكافحة الإرهاب، وتصفية
المنظمات والجهات الإرهابية ومحاسبة الدول التي تؤوي أو تساعد الإرهابيين.
وهذا يعني أنه في حالة فوزه سوف يصعد من الحملة على الإرهاب.
وهكذا فإن
العرب والمسلمين في الولايات المتحدة يبدو أنهم مقبلون على كارثة أكثر مما
يشكون منها الآن إذا خسر بوش الانتخابات.
البعض من
هؤلاء يمني نفسه بالقول إن هذه المواقف هي فقط من أجل الدعاية الانتخابية
والحصول على أصوات ودعم جماعات الضغط السياسي في الولايات المتحدة.
وهذا القول مع
خطأه الواضح، فإنه يتجاهل مسألة مهمة، وهي أن ما يعلنه أي مسؤول أميركي ليس
كلاما في الهواء، ومن يعش في هذه البلاد، يعرف جيدا أن الوعود والالتزامات،
خاصة الواضحة منها والمعلنة والمكتوبة، هي جزء من الالتزام الشخصي والسياسي
لأي مسؤول، ليس بإمكانه التنصل منها، إلا بخروجه من المنصب.
إنه ليس مجبرا
على الإعلان عن مواقف أو التزامات، ولكن حين يقطعها على نفسه، فإن الجميع
ينتظر منه التنفيذ ولا عذر أو استثناء في ذلك.
استراتيجيات أميركية
إن مشكلة كثير
من العرب والمسلمين في الشرق الأوسط، وامتداداتهم في أميركا، أنهم لم
يستوعبوا حتى هذه اللحظة مغزى وأبعاد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية،
رغم مرور ثلاث سنوات على تلك الهجمات، ورغم الشواهد والتفاصيل الكثيرة التي
تتزاحم يوميا على صناعة الحدث، منذ ذلك الوقت.
ولا بأس أن
نعيد هنا ما سبق أن قلناه في أماكن أخرى من أن العالم تغير بعد تلك الهجمات
وتغيرت معه أميركا. والحال أن هذا التغير ليس سياسة حزبية. لقد أصبح جزءا من
نسيج الاستراتيجية الأميركية الشاملة، والتي يمكن حصر تفريعاتها في التالي:
الحرب على
الإرهاب والجماعات الإسلامية استراتيجية أميركية.
تغيير الشرق
الأوسط على المدى البعيد والحد من خطر الإرهاب فيه استراتيجية أميركية.
تعزيز الأمن
الداخلي الأميركي وتطوير أساليب الحماية والدفاع والهجوم الاستباقي
استراتيجية أميركية.
هذه
الاستراتيجيات لا علاقة لها بمن يأتي إلى البيت الأبيض، سواء من الجمهوريين
أو الديمقراطيين. الاختلاف بينهما هو في التفاصيل والكيفيات فحسب.
أما مسألة
العلاقة مع إسرائيل فهي الأخرى استراتيجية أميركية، لم تبدأ بالطبع مع هجمات
سبتمبر، لكن هذه الهجمات أعطتها بعدا جديدا، يتمثل في: تشابه مصدر الخطر على
الدولتين (ليس صدفة أن جميع المنظمات الفلسطينية المسلحة مدرجة على القائمة
الأميركية للإرهاب)، وتشابه طبيعة الخطر (العمليات الانتحارية والهجمات ذات
المنطلقات الدينية)، الاستجابات لهذا الخطر (الهجمات الاستباقية، وأساليب
المواجهة).
وأي محاولة
للتأثير في السياسة الأميركية لا بد أن تضع نفسها في إطار واحدة من هذه
الاستراتيجيات، والعمل من داخلها وليس بمواجهتها أو التشهير بها.
لن تستطيع أي
جماعة عربية أو إسلامية، سواء من داخل الولايات المتحدة أو خارجها، أن تجد
لها موطئ قدم أو تجعل لنفسها أهمية في النظام الأميركي، من دون أن يكون عندها
شيئا تقدمه في إطار إنجاح هذه الإستراتيجيات كلها أو بعضها.
المشكلة أن
العرب والمسلمين يعارضون هذا كله، ثم يريدون أن يكون لهم صوت مسموع. فحين
تربط جمعية أو جماعية إسلامية نفسها بمنظمات مصنفة في الولايات المتحدة على
أنها إرهابية، أو تؤيد العمليات الانتحارية، أو تبدي تعاطفا مع نشاطات أو
أفراد ضمن هذه المنظمات، فإن عليها أن تتوقع الدخول في تصادم وحرب مع
الولايات المتحدة. وما ينطبق هنا على الجماعات ينطبق أيضا على الدول.
هل بإمكان
منظمة مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) أن تقنع صانع القرار
الأميركي أو الكونغرس بجديتها ورغبتها في العمل من أجل مكافحة الإرهاب الذي
يستهدف أميركا، إذا كانت تؤيد العمليات الانتحارية في إسرائيل، أو في العراق
أو في أي مكان آخر. حتى الصمت تجاه هذه العمليات لم يعد مقبولا من وجهة النظر
الأميركية.
لماذا يكرهون بوش
أعود إلى نقمة
كثير من العرب والمسلمين على الرئيس بوش والجمهوريين، لأتساءل ما هو السبب
وما الذي قام به هذا الرئيس الأميركي كي يستحق هذه النقمة؟
لم يقم الرئيس
بوش مثلا بإصدار قرار بطرد جميع العرب والمسلمين من أميركا، ولم يتعرض بسوء
للإسلام، على العكس زار المساجد وتحدث عن الإسلام باحترام وفرق بينه وبين
الإرهاب، مع أن كثير من المختصين بالإسلام أو يعرفونه تماما المعرفة، لا
يوافقون على ما ذهب إليه بوش.
كل ما فعله هو
ثلاثة أمور.
الأول هو
الإطاحة بنظام حكم طالبان المتخلف، ألا يستحق الشكر على ذلك؟
الثاني
الإطاحة بنظام صدام حسين الدموي، ألا يستحق الشكر على ذلك؟
الثالث،
مطاردة الجماعات الإرهابية وتجفيف منابعها المالية والسياسية وضرب نفوذها في
كل مكان. ألا يستحق الشكر على ذلك؟
نعرف أنه
بتدميره نظام طالبان فقد دمر أحلام الإرهاب الإسلامي في إقامة دولته، وفي
تجفيفه لمنابع جماعات الإرهاب الإسلامي، فقد دمر قدرتها على نشر التخلف في
العالم، وفي تدمير لنظام صدام حسين فقد دمر أحلام الفاشية القومية العربية.
وإذا كان
العرب والمسلمين ينتقدون الرئيس بوش على ذلك، ألا يعني من زاوية أخرى، أنهم
في الواقع يؤيدون نظامي طالبان وصدام وجماعات الإرهاب الإسلامي؟
كيف يستطيع
هؤلاء أن يثبتوا أنهم في الوقت الذي ينتقدون فيه الحرب التي خاضتها الولايات
المتحدة في العراق وأفغانستان، لا يؤيدون عمليا هذين النظامين؟
نعرف أن هناك
كثيراً من الأميركيين لا يؤيدون بوش لأسباب تتعلق بالانتماءات العقائدية أو
لمواقف أيديولوجية أو لأمور حزبية أو اقتصادية أو عرقية.. الخ.
لكن كيف يمكن
لإنسان أن يعارض إسقاط نظام طالبان ونظام البعث العراقي، إلا إذا كان يعتبر
هذين النظامين أو أحدهما يمثله على أفضل وجه، ومن كان وجهه هذا، كيف يتوقع أن
يقبله العالم المتحضر أو يعامله، وهو يعتبر الملا عمر وصدام أيقونتيه
المفضلتين؟
ألا يحق لهذا العالم أن يتوجس خيفة من هذا الشخص وأمثاله؟
|