اقرأ المزيد...
أرادوهم جسراً للمعرفة فأصبحوا قنابل موقوتة
عمران سلمان،
27 يوليو
2004
وضعت الهجمات
الإرهابية على الولايات المتحدة من بين ما وضعت قضية الهجرة العربية والمسلمة
إلى الدول الغربية على جدول الاهتمامات الدولية. فقد شرع العديد من هذه الدول
في إعادة النظر في قوانين الهجرة المطبقة حاليا في اتجاه الحد من مخاطر تسلل
عناصر تابعة لتنظيم القاعدة أو جماعات محسوبة عليه. كما تسود مخاوف في أجهزة
الأمن في تلك الدول من التعرض لهجمات إرهابية تطول بعض المنشآت الحيوية فيها.
وهي مخاوف تجد
لها ما يبررها في ضوء التهديدات التي أطلقها قادة تنظيم القاعدة، وتعهدوا
فيها بالقيام بأعمال إرهابية مدمرة، وفي ضوء الاكتشاف المتزايد لخلايا نائمة
وعناصر لها ارتباط بشكل من الأشكال بالقاعدة، وأخيرا في ضوء حالة التأييد
المتزايد بين الكثرة الكاثرة من العرب والمسلمين للقاعدة وزعيمها أسامة بن
لادن.
ظلال أحداث
سبتمبر
حتى وقت قريب
كان الوجود العربي والمسلم يعتبر مصدرا للغنى والتنوع الروحي والثقافي في
المجتمعات الغربية. ويحرص المعنيون فيها على تضمين زيارات المسؤولين أو
الإعلاميين الأجانب، جولات للتعرف على نشاط الجاليات العربية والمسلمة،
باعتبار ذلك دليلاً على قدرة هذه المجتمعات على استيعاب ذلك التنوع من جهة،
ومن جهة أخرى على نجاح فكرة الاندماج والتعايش بسلام بين مختلف الأصول
العرقية والدينية والاثنية. وأتذكر أنني حين زرت الولايات المتحدة في صيف عام
1997 ضمن برنامج «الزائر الدولي» الذي تنظمه وكالة الإعلام الأمريكية فإن
جدول الزيارة التي استمرت ثلاثة أسابيع وشملت أربع ولايات أمريكية، تضمن لقاء
مع المسؤولين في مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) في واشنطن الذي كان
يقوده وقتها (المعتقل حاليا بتهمة إقامة علاقات مشبوهة مع ليبيا) عبد الرحمن
العمودي. وأتيحت لنا في تلك الزيارة التعرف على نشاطات المجلس وأوضاع الجالية
بصورة عامة وظروف حياتها.وخرجنا
بانطباع أن المسلمين يعيشون أوضاعا طبيعية في الولايات المتحدة ويحظى دينهم
بنفس الحقوق المتوافرة للأديان الأخرى وهم يساهمون بشكل واسع في جميع مجالات
الحياة الأميركية ويحظون بالتفهم من جانب الحكومة الفيدرالية.
لكن هجمات
سبتمبر ألقت بظلالها الثقيلة على المجتمع الأميركي، وأحيت من جديد الجدل حول
الهجرة، ليس داخل الولايات المتحدة فحسب، وإنما أيضا داخل الأقلية العربية
والمسلمة نفسها. وهناك تساؤلات اليوم تطرح حول ما إذا كان الوجود العربي أو
المسلم قد استُوعب بصورة كافية في المجتمع الأميركي، وما إذا كان قد تمكن من
الاستفادة من الفرص المتاحة له حتى النهاية.
وبالمقابل فان
العرب والمسلمين بدوا أكثر قربا والتصاقا بقضايا أوطانهم الأصلية، كما أن
الكثير منهم بدأ يطرح سؤال الهوية بإلحاح. فهل هم عرب ومسلمون قبل أن يكونوا
أميركيين أم أنهم عرب ومسلمون وأميركيون في الوقت نفسه، أم أنهم أميركيون في
البداية وبعد ذلك عرب ومسلمين. وفي الحالات التي تتعارض فيها هذه الهويات،
فأي منها ستكون له الغلبة والالتزام؟. وعلى سبيل المثال هل من الممكن أن
يشترك المسلم الأميركي المنخرط في الخدمة العسكرية تحت علم الولايات المتحدة
في حرب يكون طرفها الآخر دولة عربية أو مسلمة؟
مهرجان
ديترويت
هذه الأسئلة
وغيرها تعد جزءا من الجدل المحتدم في أوساط الجالية العربية والمسلمة في
الولايات المتحدة. ويظهر تقرير تليفزيوني بثته قناة الجزيرة الشهر الماضي في
يونيو عام 2002 عن مهرجان للعرب والمسلمين في ديترويت مثالا على هذا النوع من
الأسئلة. فقد لوحظ في إحدى جنبات المهرجان وجود مكتب للتحقيقات الفيدرالي
الأميركي، في مهمة معلنة وهي تجنيد العرب الأميركيين في إطار الحرب على
الإرهاب. وتناول التقرير أسئلة وجهت لعدد من المشاركين في المهرجان حول ما
إذا كانوا يقبلون العمل في هذا الجهاز، فجاءت إجاباتهم كالتالي:
أحدهم تقبل
الفكرة لكنه اشترط أن يكون الهدف هو فقط مطاردة الجماعات المتطرفة، في حين
رفضها اثنان تماما وعدوها بمثابة خيانة أو عار. أما الرابعة فقد قبلت الفكرة
قائلة إن ذلك طبيعي، فهي بوصفها مواطنة أميركية تنظر إلى مكتب التحقيقات
الفيدرالي كمؤسسة وطنية والعمل
فيها مثل العمل
في أي مؤسسة أخرى.
وفي النهاية
فان سؤال الهوية المتفجر من المرجح أن يستمر في التفاعل. وسيتطلب من العرب
الأميركيين ابتداء من سبتمبر 2001 وصاعدا أن يجيبوا على الكثير من التساؤلات
في هذا الإطار مع توقع زيادة إيقاع الحرب الموجهة نحو الإرهاب، وربما تحولها
إلى حالة صدام أكبر مع عدد من الدول أو المناطق العربية والإسلامية، سيما في
ضوء التهديدات الإرهابية المتزايدة. لكن من زاوية أخرى فان الأسئلة التي
طرحتها الهجمات على الولايات المتحدة على المهاجرين العرب والمسلمين في الدول
الغربية، لم تكن في واقع الأمر مصطنعة أو بنت وقتها. من الصحيح أن تلك
الهجمات أيقظتها من سباتها وربما جعلتها أكثر حدة وإلحاحا، لكنها لم تخترعها
كلية. فالأسئلة حول المهاجرين ومدى قدرتهم على الاندماج والتكيف مع البيئة
الجديدة، ومدى قدرة هذه البيئة على استيعاب القادمين الجدد إليها بثقافاتهم
وهوياتهم وخلفياتهم الإثنية والدينية المتنوعة، هي نفسها بالنسبة لجميع بقاع
الهجرة كما بالنسبة لجميع المهاجرين.
ولاء مزدوج
إن المعنى
الأول للهجرة لا يتضمن فحسب الانتقال المكاني من بقعة جغرافية لأخرى، فهذه
الإمكانية باتت متاحة لمعظم البشر تقريبا، لكنه يتضمن بالأساس معنى ثقافيا
وحضاريا إن جازت التسمية. فالمهاجر إذ ينتقل من البقعة التي كان فيها إلى
وطنه الجديد فهو يهجر في الواقع طريقة الحياة ونمط المعيشة وربما الثقافة
أيضا. وضمن هذا الأساس يفترض أنه لا يواجه مشكلة في تحقيق الهدف الذي جاء من
أجله. فهو يندمج في البيئة الجديدة ويصبح مواطنا يعني بقضايا مجتمعه الجديد
وتشغله همومه ومشكلاته، كما يستفيد بالمقابل من الفرص والامتيازات التي
يوفرها هذا المجتمع لمواطنيه. ومعظم الهجرات الناجحة تنتمي إلى هذا النوع.
لكن تحولا
جديدا طرأ على الهجرة العربية والمسلمة للولايات المتحدة في العقود القليلة
الماضية. فقد أصبحت ذات طابع اقتصادي في الغالب. والمهاجر من هذا النوع يترك
بلده، طلبا للرزق وتحسين ظروف المعيشة. وما أن يستقر ويحصل على جنسية وعمل
وسكن وخدمات له ولأسرته، حتى ينتهي الهدف من الهجرة بالنسبة إليه. فهو لا
يشعر حينها بالانتماء للبلد الذي يعيش فيه، ولا يسعى للاندماج في مجتمعه. إنه
ينظر إليه فحسب كمصدر للرزق والخدمات والامتيازات، وربما لا يهتم أو يتأثر
إذا أصاب هذا البلد أي ضرر.
وبالمقابل فهو
يعطي جميع مشاعره واهتمامه وولاءه للبلد أو المنطقة التي جاء منها. إنه يتحول
مع الوقت مهاجرا إلى ما لانهاية إذا كان غير قادر على العودة إلى بلده الأصلي
أو إلى مجرد مقيم في بلد المهجر. وهذا النوع من المهاجرين، هو لب المشكلة
وسبب البلاء. وللأسف فإن معظم المهاجرين العرب والمسلمين للدول الغربية في
العقود الأخيرة ينتمون إلى هذا النوع.
وما زاد الطين
بلة أن الجماعات الأصولية وجدت في التجمعات العربية والمسلمة في بلدان المهجر
فريسة سهلة فراحت تخترقها وتبث عبرها شذوذها الفكري وتطلعاتها المريضة
وتؤلبها ضد هذه البلدان وأنظمتها "الكافرة"! وبدلا من أن يصبح المهاجرون جسرا
لنقل الثقافة والمعرفة وشؤون الحضارة الحديثة لبلدانهم الأصلية، أصبحوا
ينقلون لبلدان المهجر قضايا بلدانهم ومشكلاتها وتخلفها. وهو الأمر الذي بات
يشكل ورطة حقيقية للطرفين (بلدان الهجرة والمهاجرين)
لن يكون
من السهل الخروج منها دون خسائر، قد تكون باهظة في بعض المناطق.
معلومات
مثيرة
أما وقد وصلنا
إلى خاتمة المقال فربما يجدر بي أن أذكر معلومة جديدة عرفتها مؤخرا وأثارت
لدي قدرا كبيرا من الاستغراب. هذه المعلومة هي أن معظم الملايين السبعة
المسلمين الموجودين في أميركا هم في الواقع من السود، وأن نسبة المسلمين بين
العرب الأميركيين (وعددهم الكلي حوالي ثلاثة ملايين) لا تزيد على 23 في
المائة فقط. فحسب التوزيع الديني للعرب الأميركيين هناك 23 في المائة مسلمون
والباقي أي 77 في المائة مسيحيون، والتوزيع الكلي للعرب (دينيا) على النحو
التالي : 42 في المائة كاثوليك و23 في المائة أرثوذكس، 12 في المائة
بروتستانت و23 في المائة مسلمون. أما توزيعهم حسب البلدان التي قدموا منها
فهو كالتالي: 56 في المائة من لبنان، 14 في المائة من سوريا، 11 في المائة من
مصر، 9 في المائة من فلسطين، 4 في المائة من الأردن، 2 في المائة من العراق،
و4 في المائة من بلدان عربية مختلفة. (المصدر : المعهد العربي الأميركي
2000). وهنا يبرز تساؤل محوري وهو: إذا كانت الغالبية من العرب الأميركيين هي
من المسيحيين، فهل يحق للمنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الحديث
باسمهم، كما فعلت وتفعل حتى اليوم؟
|