اقرأ المزيد...
تفكيك مملكة الشر والإرهاب
14 نوفمبر 2003
بقلم عمران
سلمان
إذا كان من وصف يجوز إطلاقه على العملية
الانتحارية الأخيرة في الرياض فهي أنها بداية انهيار معبد الإرهاب الإسلامي
الذي تمثله السعودية على رؤوس أصحابه.
مشكلة السعودية التي تواجه اليوم
ربما أكثر من غيرها انفلات مارد
"القاعدة" في شوارعها ومدنها، أنها هي بالذات المسؤولة عن ولادة هذا المارد
وإمداده بأسباب الحياة وتعهده بالنمو المطرد طيلة أكثر من ربع قرن.
وهي مسؤولة بسبب ذلك عن مئات الجرائم التي
ارتكبتها القاعدة، وآلاف المآسي الرهيبة التي عانتها شعوب بأكملها من
إندونيسيا وحتى الولايات المتحدة مرورا بالشيشان وروسيا وكشمير وأفغانستان
وأفريقيا.
أما المشكلة الأكبر للعائلة السعودية الحاكمة
فهي أنها تواجه "رأيا عاما" سعوديا وعربيا بات يؤيد القاعدة ويربط بين بقائها
وإرهابها، وبين مصير انتصاره الموهوم على الغرب وإسرائيل، وبالتالي يرى في
مناصبة العداء للقاعدة افتئاتا على حقه واستهدافا لوهمه. هذا "الرأي العام"
يؤيد ضمنا أو صراحة ما تقوم به القاعدة من عمليات ضد الغربيين بالدرجة الأولى
ثم ضد من يعتبرونهم حلفاء للغربيين أمثال آل سعود!
وبخلاف جماعات الإرهاب في الجزائر ومصر في
الثمانينات والتسعينات، والتي كانت محلية الجسم والطابع، وإن لم تكن كذلك في
التمويل والشحن الديني، فإن الأموال السعودية وفكرها الوهابي السلفي المتخلف،
مضافا إليهم معاهد التكفير والتجهيل المنتشرة داخل السعودية وخارجها، جعلت من
القاعدة أخطبوطا تمتد أذرعه من أقصى الأرض إلى أقصاها.
وقد جرب هذا الأخطبوط الضرب في كل مكان وحيث
طالت أذرعه، موقعا عشرات الآلاف من الضحايا والأبرياء، ومثيرا حالة من الرعب
والفزع في كل مكان وطأه.
وكانت سقطته المدوية في الحادي عشر من سبتمبر
عام 2001 حينما هاجم مدينتي نيويورك وواشنطن، وقتل آلاف الأبرياء.
لكن يد العدالة الأمريكية سرعان ما انتفضت في
وجهه وراحت تنقض عليه وتكيل له الضربات وتطارده في كل زاوية وكهف شاء أن
يتخذه مخبأ له، وحينما ضاقت عليه الأرض، ولم يجد أمامه غير المستنقع الذي خرج
منه وهو السعودية، راح يخبط فيه ويدمر بناءه ويقصف أساسه، عله يشفي غليل حقده
وتعطشه للدماء.
هناك من يتساءل: ألا تستحق السعودية أن تذوق
بعضا من السم الذي جرعته بمرارة للآخرين؟ ألا ينبغي أن يدفع آل سعود بعضا من
الثمن جراء درب الآلام الطويل الذي دفعوا شعوبا بأكملها للسير فيه؟
ثم ألا يجب على العالم المتحضر أن يجد طريقة ما
يتخلص بها من هذه العائلة ـ الحاضنة للإرهاب ـ والقاعدة في الوقت نفسه؟
إن مملكة الشر التي أسسوها في قلب الجزيرة
العربية، أولى أن تفكك ويتم إعتاق الشعوب التي استعبدت، سواء في المنطقة
الشرقية أو في الحجاز أو غيرها من المناطق.
أما الوهابيون ومن في ذيلهم من البدو فلتبتلعهم
صحراء نجد والربع الخالي، فيكونوا قد عادوا من حيث أتوا. ثم إذا شاءوا أن
يتعلموا ويتحضروا يمكنهم طلب مساعدة الآخرين الذين سيرحبون بذلك.
أما إذا أصروا على بداوتهم وتخلفهم، فيجدر
بالعالم المتحضر أن يتجاهلهم وينساهم، أو يجعل بينه وبينهم سدا منيعا، حتى
ينقرضوا كما حدث للقبائل البدائية.
وحتى يتم قطع الطريق نهائيا عليهم، وفك الكربة
الأزلية لعرب شبه الجزيرة العربية يجب إسناد إدارة الأماكن الدينية في مكة
والمدينة، لإشراف إسلامي دولي، وتكون أرضها محايدة وتتمتع بحكم ذاتي.
إن اختفاء الدولة الوهابية من خريطة الشرق
الأوسط من شأنه أن يردم ولسنوات طويلة قادمة أهم مجرى يغذي الإرهاب في الوقت
الراهن. روافد هذا النهر تتمثل في ثلاثة، الفكر الوهابي السلفي، أموال النفط،
العصبية البدوية.
لقد شاء القدر أن تجتمع هذه الروافد جميعها في
بقعة واحدة (السعودية) على نحو لا نجد له أي مثيل في أي مكان آخر.
كما أن اختفاء الدولة الوهابية من شأنه أن يعيد
إطلاق ديناميكية جديدة على مستوى إصلاح الإسلام وتجديده، وعلى مستوى الثقافة
والاجتماع العربيين، وعلى مستوى التحضر الذي يُعتبر الوهابيون ألد أعدائه على
وجه الأرض.
إن التركيز الشديد للإرهاب والتخلف في هذه
الدولة، كان لا بد له أن يتسرب إلى البقاع الأخرى، بحكم نظرية الضغط
الأسموزي.
لقد ظل هذا التركيز يختمر وزادت درجته، طوال
الستينات والسبعينات، مع قدوم عناصر الأخوان المسلمين ممن أبعدهم نظاما عبد
الناصر والبعث السوري إلى السعودية، والذين اشتغل معظمهم في التدريس وغسل
أدمغة عشرات الآلاف من الشباب القادمين من مختلف الدول الإسلامية.
وما أن أطل عقد الثمانينات حتى كانت معاهد
الظلام والتجهيل هذه قد خرجت من سيكونون زعماء مستقبليين لجماعات الإرهاب
الإسلامي في آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وحينما أعلن أسامة بن لادن وزعيم الجهاد المصري
أيمن الظواهري عن تشكيل "الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى" والتي عرفت
فيما بعد بتنظيم القاعدة، لم يجدا صعوبة تذكر في تجنيد البؤر الإرهابية التي
خرجتها المعاهد الوهابية وشحنتها إلى بلدانها، وتم ربط هذه البؤر بعضها ببعض
لتشكل بنية التنظيم الجديد الذي استند عليه بن لادن والظواهري في إرهاب
العالم.
بيد أن ما فات على الكثيرين وقتها أن المنبع
الرئيسي للإرهاب الجامع للعقيدة الوهابية والمال النفطي والعصبية البدوية، ظل
في السعودية نفسها التي كان ترفد القاعدة بأجيال وأجيال من الإرهابيين.
ولذا لم تكن صدفة أبدا أن 15 من منفذي العمليات
الإرهابية في الولايات المتحدة التسعة عشر، كانوا من السعوديين، كما أنه ليس
صدفة أن معظم قادة الإرهاب والمتصدرين للعمليات الانتحارية اليوم في الشيشان
أو العراق أو في السعودية نفسها من هؤلاء.
وأن تدير القاعدة ظهرها اليوم للنظام الوهابي
في الرياض في محاولة لهدم المعبد على من بداخله، فإن هذا لا يبرّئ ساحة نظام
آل سعود، بقدر ما يوضح أن القاعدة لم تعد بحاجة إلى خدمات هذا النظام، لأنها
ببساطة أصبحت بفضله تملك كل ما تريد، في حين أصبح هو عائقا في طريقها.
إن على العالم المتحضر أن لا ينشغل بمصير هذا
الصراع الداخلي أو اتخاذ النظام السعودي حليفا في محاربة القاعدة، وإنما
انتهاز الفرصة للتركيز على تفكيك هذا البناء كله، مرة واحدة وإلى الأبد.
|