الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

باحث وكاتب سوري نبيل فياضمقالات سابقة للكاتب

باحث وكاتب سوري نبيل فياض

 


متى يعتقلنا الأمن السياسي؟

نبيل فياض، 11 إبريل 2005

كم يسافر من سوريّا وإليها من مواطني البلد يوميّاً؟ وهل كلّ مواطن ملزم بأخذ رخصة من الأمن السياسي إذا ما أراد مغادرة الجنّة المسمّاة سوريّا حتى إلى جهنّم؟ هذا السؤال أطرحه بمناسبة محاولتي مغادرة القطر إلى الولايات المتحدة بدعوة من مركز بحوث في واشنطن دي سي، وتتبّع عناصر الأمن السياسي في منطقتي لتفاصيل القضيّة وكأنها "اغتيال الحريري"! من حقّ كلّ إنسان، مطلق إنسان، اختيار الأماكن التي يرغب بالعيش فيها أو زيارتها؛ ومن حق كلّ إنسان، مطلق إنسان، رفض العيش في ما يراه الآخرون جنّة واختياره العيش في جهنم، مادام وحده الذي يكتوي بنارها!

لدينا حسّ وطني؟! بصراحة مطلقة: لا!! فالوطن مرهون بالكامل للتطرّف الديني وعملائه!! لدينا حسّ قومي؟! لا!! فالسنوات الإثنتان والأربعون من عمر ثورتنا المجيدة كانت كافية لإشفائنا من الباكتريا القوميّة! لدينا انتماء؟؟ على الإطلاق!! فأيام السجن عند الأمن السياسي "دون تهمة" تكفي لغسل أجسادنا من وشم الانتماء! نمتلك إحساساً بتواصل إنساني مع من ينتمي إلى شكل تفكيرنا؟ حتماً! نعتبر أنّ الليبرالي الديمقراطي الأميركي أو غير الأمريكي أقرب إلينا بما لا يقارن من المسلم المتطرّف؟ وهل هذا سؤال يستأهل الإجابة؟! أليس البوطي، صنيعة الرئيس السابق للأمن الداخلي، يعتبر أن المسلم السنّي الشافعي الملتزم بقواعد دينه [بكلمات أخرى: الإرهابي الكامن] أقرب إليه من جاره غير السنّي؟؟؟ نحن، على الأقل، لسنا إرهابيين-إجراميين، ولن نكون!

بدأت معاناتي مع الأمن السياسي عام 1993، حين أُدخِلَ إلى معرض الكتاب في مكتبة الأسد عمل اسمه "ضوابط التكفير"؛ لشيخ سعودي نصف معتوه-نصف مجرم، اسمه محمود القرني! وكان الكتاب مطبوعاً في عمّان، وتوزعه دار نشر دمشقيّة، ذنب للأخوان المسلمين، يمتلكها أشخاص من آل دعبول! في الصفحة 163 من هذا العمل الإجرامي، كما ذكرتُ غير مرّة، يقال إن العلويين والإسماعيليين والدروز أشدّ كفراً ونفاقاً من النصارى [يقصد المسيحيين] واليهود؛ من هنا فالاقتراح الوجيه إسلاميّاً لعلاج هذه المعضلة الخطيرة، بعكس ما ينافق به البوطي والقرضاوي والأخت منيرة القبيسي، هو قتل الرجال وسبي النساء [كما سبى محمّد (ص) صفيّة بنت حيي وجويرية بنت المصطلق.. ومن شابه نبيّه ما ظلم] واستحلال الأموال [هل تذكرون بني قريظة؟] واستعباد الأطفال! وبما أن سوريّا مكوّنة من سنّة مطلوب منهم تنفيذ شرع الإله في غيرهم، ومن غيرهم مطلوب منهم أيضاً أن يقبلوا أن يُنفّذ فيهم شرع هذا الإله، فالكتاب التحفة كان يهدف إلى الدفع بحالة الإرهاب الإجرامي في سوريّا إلى حدّها الأقصى، خاصّة إذا ما عرفنا أنّ الأردن، مكان طبع الكتاب، والسعوديّة، مكان تأليفه – أشكر كلّ الآلهة على ما يحصل للسعوديين اليوم، لأن هؤلاء الذين لا علاقة لهم بالبشر، يدفعون غالياً ثمن ما كانوا يزرعونه لغيرهم – ليس فيهما أي من الطوائف المطلوب تنفيذ شرع الإله بها!

ملاحظة:

حين أفكّر بشكل الإله الذي قدّمه لنا محمّد، لا أشعر إلا بالرغبة العارمة في التخلّص حتى من لساني لأنه ينطق باللغة التي نطق بها هذا الرجل الذي لم يترك نقيصة إلاّ ووضعها في إلهه المريع! ما هذا الإله الذي لا يسرّه غير رائحة الدم وصوت السيوف تنحر الآخر كالشاة! ما هذا الإله الذي يجفل من رؤية ساق أو شعر لأنثى عابقة بالحياة! ما هذا الإله الذي يخلق شعوباً كي تقتلها شعوب غيرها! باختصار: إنّ أسوأ ما فعله محمّد للبشرية هو أنه حمّل الإله الذي قدّمه لنا كلّ ما في داخله هو ذاته من عقد وشوائب!!!

إذن: الكتاب مفصّل على سوريّا، التي هي الدولة الوحيدة التي تحتوي هذه الطوائف. وكان الكتاب معروضاً بطريقة تجعل الأعمى يراه في دار النشر تلك. بالمقابل، كان كتابي، يوم انحدر الجمل من السقيفة، يُطارد كاللص من قبل مخبري القيادة القطرية وعناصر الأمن السياسي. أطلعت الدكتور طيّب التيزيني، الذي كانت له محاضرة يومها ضمن فعاليات المعرض، على المسألة، واتفقنا على أن أقوم من بين الحاضرين لأقرأ على خشبة مسرح المكتبة النص الموجود في ذلك الكتاب الإجرامي. وهذا ما حصل. حاول الضابط المسئول عن المعرض تقزيم الأمر باعتبار أن اليسار السوري [كذا] يريد إظهار نفسه عبر اصطياد نسخة مهرّبة إلى المعرض وتكبير المسألة لتبدو بحجم الفضيحة. ولمّا كنت أتوقع ذلك، فقد اشتريت سلفاً نسخاً كثيرة من الكتاب التحفة، وجعلتهم يوقعون في المعرض على كلّ وصل شراء. وكانت فضيحة بجلاجل: وكانت المواجهة عنيفة للغاية بيني وبين ضابط الأمن السياسي المسئول عن المعرض يومها، والذي ينتمي إلى الطائفة السنيّة ومن إحدى أكثر بلدات ريف دمشق تعصّباً دينيّاً.

بعدها، بدأت مطاردة كتبي من قبل هذا الضابط تحديداً إلى درجة أنه جعل بعض أصحاب المكتبات في دمشق يمضون على تعهد بعدم بيع كتبي: وقت كانت كتب التطرّف الديني تغزو كلّ الأمكنة في سوريّا؛ إضافة إلى أن المدن السوريّة الأخرى، التي توزّع فيها كتبي بطريقة كبيرة لم تعرف إجراء كهذا: وأخصّ بالذكر، حمص واللاذقيّة وطرطوس.

يوم 30 أيلول الماضي، اتصل بي هذا الضابط هاتفيّاً ليتأكّد من وجودي في مكان عملي؛ وبعد دقائق قام باعتقالي مع ضابط آخر لم أعد أراه! وفي الاعتقال، أدّت بعض التصرفات برعايته إلى إصابتي بانهيار مما استوجب نقلي إلى مشفى الشرطة في دمّر حيث ظللت تحت "حكم السيروم" حتى يوم 19 تشرين الأوّل. ولمّا خرجت، وكان طلبني رئيس الشعبة قبلها بساعات، قال لي الأخير، حين سألته عن سبب اعتقالي: نحن غلطنا، ونحن صحّحنا الغلط.

نعم! أنا ذاهب إلى الولايات المتحدة أوّلاً للعلاج: فالجروح النفسيّة والجسدية التي أصابتني من هؤلاء، منذ اعتقالي الأول في حمص في الأمن العسكري في الثمانينات إلى اعتقالي الأخير في الأمن السياسي لا يمكن أن تشفى إلاّ في الولايات المتحدة: وهنا أشكر للغاية الطبيب السوري من سان دييغو الذي اتصل بي داعيّاً إياي للعلاج مجاناً في مشفاه، وحتى الشفاء الكامل، من الجروح والأمراض التي ألمّت بي من التيار الأصولي وأعوانه.

كان الأصعب في فترة الاعتقال، حين جاء إليّ الضابط ذاته في المشفى، وأنا بحالة يرثى لها، وقال لي إنّ كنائس [بروتسانتيّة حصراً] بعينها صعبة الاختراق على الأمن السياسي وعلي إن خرجت أن أساعده في اختراقها: نعم! بعد هذا العمر؛ بعد هذا الكم الكبير من الكتب والمقالات؛ بعد رسائل الدكتوراه التي تكتب عني في ألمانيا وانكلترا – أعمل مخبراً؛ وضدّ من؟ ضد الذين لولاهم لبقيت في سجن هذا الشخص "إلى يوم يبعثون".

قبل أن أغادر سوريّا قبل شهرين إلى قطر، للقاء في الجزيرة، اكتشفت أني ممنوع من المغادرة، وعلي مراجعة شعبة أمن بعينها. وفي الشعبة، قال لي رئيسها إن اعتقالي لم يكن بسبب التجمّع الليبرالي في سوريّا، ولمّا سألته عن السبب؛ أجاب: يمكن أن أخبرك ذات يوم!

ذات اليوم هذا لن يأتي، لأني طبعاً لا أمتلك ما يشجعني على رؤية الرجل إلاّ إذا كانت الحالة اضطراريّة: وهكذا، قمت مع الصديقين اللذين اعتقلا معي بوضع تصوّر تحليلي لسبب اعتقالنا: بما أن التجمّع هو الغطاء للاعتقال، فهنالك سببان لا ثالث لهما له: إمّا نقدنا الحاد، نحن الثلاثة، للتيار الأصولي، أو نقد رموز الفساد في سوريّا. وبما أن الصديقين الياس وجهاد لم ينتقدا عموماً رموز الفساد، فالأصوليون وأعوانهم في الأجهزة هم السبب فيما حصل لنا في تشرين الأوّل الماضي؛ خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إلحاح هذا الضابط ذاته، أثناء التحقيق معي، على مسألة أن أعدّل لهجتي الانتقاديّة للإسلام.

إن ما نشر في الصحف السوريّة وغير السوريّة عن اعتقالي هو عشر الحقيقة: وأطمح للخروج كي أظهر للعالم كلّه الحقيقة كلّها.

نعم! أنا ذاهب إلى أميركا؛ بل وأقول بصريح العبارة أني تلقيت دعوة أخرى البارحة، العاشر من نيسان، من مؤسّسة بحثيّة ألمانيّة، للسفر إلى ألمانيا فقط كي أعرض قضيتي على الألمان، من أجل المساعدة في رد أذى التيار الأصولي وأعوانه عنّي.

يوم الجمعة القادم، وهذه المعلومة برسم الأمن السياسي، سوف نعيد تشكيل التجمّع الليبرالي في سوريّا: شاء من شاء، وأبى من أبى. فالوطن ليس ملكاً للسحاقيات القبيسيّات وشيوخهن في السلطة وخارجها. 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها