الجزيرة.. والخرزة الزرقاء

نبيل فياض، 11 مارس 2005

أنا زعلان جدّاً من الصديق الإعلامي الشهير، فيصل القاسم، لأنه لم يخبرني أنّه سيستقبل في برنامجه المتخم بالمشاكل، الاتجاه المعاكس، السياسيين الكبيرين، كريم الشيباني ومحمّد (ص) [البخيل من ذكرت عنده ولم يصلّ علي] حمشو! طيب! يا معن! إذا كان فيصل نسى، هل يعقل أن تنسى أنت! أنتما تعرفان أني أعيش في قرية ممتلئة بالعيون الزرق والأسنان الفرق: هذا يجعل هاتين النضوتين عرضة للحسد، ولو كنت أعرف مسبقاً أن الشيباني وحمشو على الجزيرة، لوزعت في القرية خرزاً أزرق وأنياب ذئب تدمري وشبّاً (يمكن استخدام الشب لأشياء أخرى غير ردّ العين: اسألوا طنط أم طوني). يقولون في القرية إنّ جاري وليد، أبا محمّد، يفسخ سقف الباطون بعينه الزرقاء؛ ولمّا رأيت الشيباني "على الهواء"، سارعت إلى الاتصال بالأخت أم محمّد كي أطمئن أنّ وليد بعيد عن التلفزيون، فأخبرتني، والحمد لله، أن زوجها يعزّي عديله في زوج ابنة عمة زوجته الأولى! ارتاحت أعصابي!الله! وعدت لأتابع هذه الأمسية الخوفيّة [من خوفو لا من الخوف] الجميلة!

الله!!! كريم الشيباني.. نوستالجيا على حلّه! شو حلو وهو يخبرنا عن حزبه، الذي وحده الله – إذا كان عنده وقت – يعرف اسمه! شو حلو وهو يخبرنا عن قواعد حزبه الجماهيريّة في مدينة حلب! يا روحي! الحزب الديغولي بلا زغرة! حزب العمّال البريطاني؟ نعم يا أختي! كنّا حكينا سابقاً عن حزب أونكل صفوان والست بارعة، الذي يمكن دحشه كلّه، قاعدة شعبيّة وقيادة ومكتب سياسي، في سيّارة فولكسفاغن موديل 1961: وهذا الحزب قديم عريق مشرّش – ماذا يمكن أن نقول بالتالي عن حزب عمو كريم الذي لم يبلغ [من بلوغ] بعد!

لا يحرق قلبي غير اسمه: لقد حاولت وأجهدت مخّي كي أحفظ اسم هذا الحزب، ولم أستطع! على أيّة حال، يكفي أن تختار شيئاً من هذا القرطل القصبي الغريب: تقدّمي، وطني، ديمقراطي، إشتراكي، وتلبّق له – كما كانت المرحومة، طنط زهيدة، تلبّق لسوتيانها الضخم قميصاً أسود اللون، يُخفي الحجم الكارثي لصاروخيها العابرين للقارّات -  حزباً من الجبهة الوطنيّة التقدميّة، وتخلص القصّة! يا أختي! أستغرب حتى الآن كيف أنّ دولتنا الرشيدة لم تحوّل هذه الجبهة، بلا زغرة، إلى متحف؛ فيأتي القاصي والداني للفرجة [صاروا فرجة!!!] عليها؛ ونلمّ عليهم مصاري، فيصبحون كائنات مفيدة للمرّة الأولى والأخيرة؛ لا مانع أيضاً من دحش حزب إسلامي في هذا المتحف، فتصبح المتحفيّة شكلاً ومضموناً: يمكن أن نُنكح الحزب الشيوعي من هذا الحزب الإسلامي، ونختار للحزب الوليد "الشمولامي"  شعاراً مثل: يا عمّال العالم، صلوا على النبي!!! وتخيلوا لا متحفيّة هذا الحزب حين يكون الرئيس البوطي ونائبة [أو نائب] الرئيس تيتا وصال!!! وبالرفاه والبنين!

وحتى يكمل النقل بالزعرور، يا حلاوة!!!، استضافوا عضو البرلمان السوري، الاقتصادي، رجل الأعمال – كنت أسأل عمّو خالد، الذي أصرّ حين تزوجت ابنته وحطّوا صورتها مع عريس الهنا، الذي طلقته بعد ثلاثة أيام، في مجلّة الشبكة، أن يسبق اسمه اللقب "رجل الأعمال"، وكان لقبه "الباشا": شو يعني رجل أعمال، التي تصرّ على أن يسبق اسمك، بعد أن أسقط حزبنا القائد التهمة "باشا"؟ وكان يجيب: هذا لقب وين ما ركبته، بيركب – محمّد حمشو!

لمن فاته الفصل الأول من تراجكوميديا الانتخابات السورية من الذين باستطاعتهم قراءة العربيّة؛ أقول: بدأت الحكاية، يا سادة ياكرام: نحكي والا ننام؟؟ نحكي: ذنبكم على جنبكم! كان يا مكان، في قديم الزمان، قائمة [قاعدة أحلى: صح؟] اسمها "العلم والإيمان"؛ وهذه القاعدة – أرجو أن لا يترجم الأمريكان الواطين النص ويعتقدوا أنهم من أبناء لادن – كانت مرشحة للبرلمان السوري! كونغرس؟ حاضر: للكونغرس السوري! وكانوا، يا حبيباتي، كلّهن شباب حلوين: بياخدوا العقل! إيه: وبعدين؟ وكانوا، كلهن من الطايفة – كلّو طايف على كلّو – السنيّة!! لا والله! ليش الكذب؛ فوّتوا معهن واحد مسيحي حتى يعرف الغرب الامبريالي الحقير الواطي أنو عنّا وحدة وكرامة وإتحاد ووثبة وقرداحة وطنيّة!

العلم والإيمان ما بتزبط!!! سدّه يا مشاغب! قصّة آدم! تضربوا أنتو وآدم! خلص! ما ضلّ عنّا مشكل غير قصّة آدم! قصّة آدم مدحوشة من قبل الغرب الإمبريالي للحفاظ على منظومتنا الابستمولوجيّة في أدنى درجات الارتقاء المعرفي! ونوح؟ مين نوح؟ المطرب! طوفان يأخذكم جميعاً! بلا وطنيّات مفختة! إذا لم تؤمنوا بأننا فضّلنا بني إسرائيل على العالمين فأنتم كفرة؛ ولن نسمح لكم بانتخاب قائمة العلم والإيمان!

أنتم مزعجون تماماً! خلص، حبّكت! برنامج سياسي أو اقتصادي؟ ما هذه التفاهات! قلنا لكم: العلم والإيمان! ألا يكفي هذا؟ أنتم والله العجب العجاب! العلم يعني النشوء والارتقاء، والإيمان يعني آدم والفاميليا المقدّسة! هنا الجماليّة في الأمر! لا يوجد تناقض! القائمة تحلّ كل التناقضات! العلم اختصاص القومي السوري المسيحي، والإيمان اختصاص الباقين! أنتم جوعى وعاطلون [عن العمل طبعاً]؟ تسلّحوا بالعلم والإيمان! تريدون استعادة الأراضي المغتصبة من الخليج العربي [الفارسي: حتى لا يزعل آية الله السيس تاني] حتى سبتة ومليلة؟ تسلّحوا بالعلم والإيمان!   

والله فهمنا: العلم والإيمان! ما هو التفسير السياسي-الاجتماعي لهذا المصطلح الأغرب؟ يعني: إذا قلت لكائن من وطننا الصامد المتصدّي، إنّه لا بدّ أن تنتخب قائمة العلم والإيمان، وردّ عليك هذا الكائن: ما هي المكتسبات التي قد أحصل عليها في حال انتخبت هذه القائمة المصون؛ ماذا ستقول له؟ سأقول له: سد بوزك! أنا واثق من أنكم، أيها الجيل المشاكس، عملاء للغرب وأذناب لأمريكا والاستعمار والصهيونيّة! أنتم تريدون تعريفات دقيقة لشعاراتنا الأعظم، فقط لإفراغها من أي مضمون! أنتم تدوسون الشعارات العظيمة بأقدامكم المارينزيّة – سوف يأتي يوم نأكل أكبادكم فيه: سوف ترى؛ "إنّ غداً لناظره قريب".

لكن نيافة سناتورنا الحمش مخمّس الرحمات [هل يمكن أن نربط بين حمشو وأحد أرقام اللغة العبريّة]، قال إنّه "طلع" يا محلا نوره بانتخابات ديمقراطيّة كاسحة؛ مع أنه لم يشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى قائمة "الجبهة الوطنيّة التقدميّة"، المفروضة على الشعب السوري منذ أيام آحاب!

صدقوني – وليس في هذا الكلام أدنى نفاق لدولتنا الرشيدة الزبيديّة – أنه لو لم تفرض الدولة قائمتها لكانت مصيبتنا أقرب ما يكون إلى تسونامي سياسيّة، بكلّ معنى الكلمة. بمعنى أنه لو لم تكن الدولة تفرض تلك الأسماء التي لا تخلو من مثقفين، لكان بوندستاغنا الموقّر ممتلئاً حتى الثمالة بأسماء من أمثال المرحوم محمود دياب، الذي لم يغادر عرشه الإلهي منذ أيام مينا موحّد القطرين حتى افتكره الله في الدورة الشهريّة الماضية؛ وغيره من نخبة مثقفي البدو في حمص، الذين لا يفرّق أحدهم بين الألف و"الكوندوم"!

محمّد (ص) حمشو: وما أدراك ما محمّد (ص) حمشو!!! مئات ملايين الليرات السوريّة تُصرف على الدعاية الانتخابيّة من قبله في أيّام في بلد حيث راتب الطبيب لا يتجاوز الآلاف السبعة! بطاقات هويّة كان يؤتى بها بالنقود من مناطق نائية فقيرة لانتخاب قائمة العلم والإيمان! أساليب دعائيّة لا تذكّرنا إلاّ بسلالة العرّاب من أجل كرسي يعرف القاعد عليه أنه "لا ينفع ولا يضر".

خارج قائمة الجبهة، ونحن هنا نتكلّم بموضوعيّة مزعجة للجميع؛ لا يوجد غير نوعين: تجّار الطائفيّة وسارقو قوت الشعب الذين يطلق عليهم خطأ اسم "تجّار". ولو أنّ الدولة لا تفرض بالصرماية بعض أسماء، لكان مجلس شعبنا أكبر قن لديوك أعداء الشعب! ما الحل؟ ديمقراطيّة التصويت في مجتمع أمّي، لا ينقصه غير العقل، هي تسمية أخرى لأغبى أنواع التحقير الذلتي! ديمقراطيّة التصويت لا تعني غير أن يمسك اللصوص وأحباش [ديوك روميّة] الله، كما يسميّهم نيتشه، برقبة الوطن، لسحبه إلى الهاوية!

كما قلنا في لقاء أخير مع الصحافة الهولنديّة، سوريّا تحتاج أوّلاً للديمقراطيّة المعرفيّة، التي تعني فيما تعنيه، أن يكون لي في الوطن المساحة ذاتها التي لأحباش الله! وحين سأمتلك – أنا وغيري من العلمانيين الليبراليين ـ حيّزاً لا بأس به من إمكانيّة التعبير المعرفي، فهذا يكفي لهز الأسس الأيديولوجيّة الواهية التي يقيم عليها أحباش الله وسبونسراتهم بنيانهم الرملي: لكن ما دامت القيادة القطرية موجودة، ما دام أحمد درغام موجوداً، لا حياة لمن تنادي.