الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

باحث وكاتب سوري نبيل فياضمقالات سابقة للكاتب

باحث وكاتب سوري نبيل فياض

 


 

صمت المثفقين المريب: في الدفاع عن الحقيقة والأمن السوري!!

بقلم: نبيل فياض، 7 ديسمبر 2004

 

للأسف الشديد، نادر للغاية وجود المثقفين في سوريّة اليوم؛ فعندما أردت أن أكتب في مسألة الابستمولوجيا الارتقائيّة، بمشاركة الفيلسوف الألماني غيرهارد فولمر، لم أجد من يعرف الأخير، الشهير للغاية في عالم الفلسفة الألماني المعاصر، غير الراحل نايف بلّوز، أستاذ الفلسفة السابق في جامعة دمشق. وحين زارتني الباحثة الدانمركيّة الأشهر، باتريشيا كرونه، في دمشق، واتفقنا على ترجمت كتابها الصعب، الهاجريّون [ نشر في بيروت ومنعه أحمد درغام في دمشق]، لم أجد من يعرف كرونه بين كلّ مثقفي دمشق الذين صادفتهم غير الباحث والمفكّر صادق جلال العظم. وحين دعيت من قبل مجموعة إسلاميّة في دمشق لإلقاء محاضرة حول المقاربة الاستشراقيّة للقرآن ـ تحدّثت فقط عن شباير وآرثر جفري وغايغر وهوروفيتس وغريمّه ـ تفاجأت بأن هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم "باحثين إسلاميين"، ليس فيهم من يعرف شيئاً عن تطوّر نظرة الاستشراق للإسلام، والمدارس الاستشراقيّة والفروق بينها. بل إنّ أحداً لا يعرف شيئاً عن قضيّة مصحف اليمن، التي تثير منذ زمن عاصفة "هادئة" في أوساط الغربيين المهتمين بالشأن الإسلامي.

بالمقابل، فحين قدّمت كتابي الضخم، "النصارى"، الذي يحكي عن تلك الطائفة المسيحيّة التي عاشت في منطقة نهر الأردن وجبال سوريّة الساحليّة بين القرنين الأوّل والخامس للميلاد، وكانت عاصمتاها بلّة [الفحل الأردنيّة اليوم] وبويريا، الواقعة جنوب أنطاكية وشرق اللاذقيّة، والتي عنها انشقّت طائفة الإبيونيين الهامة للغاية بسبب علاقتها كعقائد بكثير مما جاء به الإسلام، أثار استغرابي أن معظم رجالات اللاهوت المسيحي في سوريّة لم يفهموا ما كتبت: لأنهم لا يمتلكون الحد الأدنى من الثقافة اللاهوتيّة بما يؤهلهم للدخول إلى عالم العقائد المسيحيّة المعقد، أو إلى تاريخ الكنيسة الأكثر تعقيداً.

مثل ذلك أيضاً الأميّة في اللغات الأجنبيّة التي تتفشّى بين مثقفي سوريّة عموماً. حيث يندر أن تجد بينهم من يجيد تماماً لغة أجنبيّة، أو يستطيع التعبير عن ذاته خارج اللغة العربيّة: في معظمهم خريجو كليّات علوم إنسانيّة أدخلوا إلى الصحافة أو ما شابه بواسطة لا علاقة لها بالفكر. من هنا، كانت صدمتهم هائلة بالتجمّع الليبرالي في سوريّة، لأنهم تفاجأوا بشيء لا يعرفون عنه أي شيء. وسوريّة، بكل أسف، لم تعرف خارج الماركسيّة والأصوليّة الإسلاميّة أي شكل ثقافي هام: يمكن هنا استثناء بعض المحاولات القديمة التي قام بها معجبون بالفلسفة الوجوديّة أو البنيوية أو الفرويدية وغيرها من مدارس التحليل النفسي لتقديم شيء إلى القاريء العربي ـ محاولات انتهت تماماً الآن. بالمناسبة، فإن ما قدّم من الفلسفة الوجوديّة، على سبيل المثال، كان الأسهل للمترجم؛ فالرجل الأهم في تاريخ الفكر الوجودي، هايدغر، لم يقدّم كما يجب حتى الآن: ربما لصعوبة فلسفته.

إذن، باستثناء أسماء تعدّ على أصابع اليد الواحدة، لا يوجد مثقّفون في سوريّة. والندرة المثقفة الحاليّة، تقترب من حافة الاعتزال وربما العزل.

من هذه النخبة المثقفة النادرة: المفكّران الصديقان صادق العظم ومحمّد شحرور. الأوّل علماني لا ديني، والثاني علماني مسلم. وهذان الرجلان كنت ألتقيهما باستمرار في أحد الأفرع التابعة للأمن العسكري، عند صديق هو لواء ودكتور في الفلسفة الغربيّة في آن. وهناك كانت حواراتنا، التي كان يحضرها إضافة إلى السابقين، الباحث المهندس زكريّا أوزون والدكتور عاصم العظم وأحياناً الدكتور أحمد برقاوي. وكان الحوار في ذاك الفرع الأمني أكثر من صريح ويتجاوز الجرأة بما لا يقارن. ومن تلك الحوارات تعلّمت شخصيّاً رفض الخوف: الخوف الذي سكنني بعد تجربة اعتقال مريعة في الأمن العسكري أيضاً، فرع حمص، في الثمانينات. كان النقاش يمتدّ من السوسيولوجيا إلى السياسة، من بوبر إلى نيتشه، ومن فويرباخ إلى القرضاوي: دون تعصّب أو إزعاج أو خجل. بل كثيراً ما كنت أنسى أني في فرع أمني، لعمق ديمقراطيّة الحديث، ثم أعود إلى ذاتي لأسأل بصوت عال: هل أنا في الكسليك أم في فرع مخابرات سوري؟

هذا اللواء الدكتور، الذي انتهت علاقتي به بعد اعتقالي، يستحق من المثقفين الفعليين، وسوريّة تشهد هذا الحراك الثقافي الديمقراطي غير المسبوق، أن تذكر أفضاله علينا بأنه أوّل من رعى خليّة ثقافيّة علمانيّة ديمقراطيّة فعليّة في سوريّة. وإذا كانت ثمة من يخشى من المثقفين أن يقال إنه كان عميلاً لهذا الضابط أو ذاك، إذا انكشفت علاقة الإثنين، فإن أبسط قواعد الصدق مع الذات تتطلّب منّا، كأناس نسعى نحو التطوير بكلّ قوّة، التحدّث إلى المجتمع الذي نسعى لتطويره بصراحة، فنحكي عن هذا المسئول الاستخباراتي الذي نتلمّس فيه عنصراً غاية في الفعاليّة لإشعار الناس أن رجال الأمن مثل باقي قطاعات الشعب فيهم الجيد وغير الجيد وبالتالي لا داعي للخوف من التعاطي معه بوضع الجميع في سلّة واحدة، وبالمقابل يفهم الناس أن المعارض يمكنه أن يلتقي مع رجل السلطة دون أن تكون علاقتهما تابع-متبوع، إذا كان اللقاء يفيد في دفع الحراك الثقافي الاجتماعي نحو الأمام.

سوريّة تتغيّر: ومن واجب المثقفين الفعليين أن ينصفوا هذا الرجل العظيم "المظلوم"، الذي كانت أفكاره ومواقفه النبيلة حجر الأساس الذي أقمنا عليه بناءنا المعرفي الذي نسعى لأن نعلي أبراجه.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها