الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

باحث وكاتب سوري نبيل فياضمقالات سابقة للكاتب

باحث وكاتب سوري نبيل فياض

 


لا نريد لأحد أن "يطورق"!

 بيل فياض، 26 يوليو 2004

 

في كتابه الهام، Why I am not a muslim، ثمّة فصل بارز للغاية يحمل عنوان، الهراطقة والهرطقة، يورد فيه الباحث ابن الورّاق، صاحب الكتاب، قائمة طويلة بأسماء من عُذّب أو قُتل في الإسلام لأسباب فكريّة؛ ومن هؤلاء نذكر: جعد بن درهم، ابن المقفّع، ابن أبي العوجاء، بشّار بن برد، صالح بن عبد القدّوس، حمّاد عجرد.. إلخ. وما من مثقّف ناطق بالعربيّة إلا ويتذكّر أسماء من قتلوا أو تعرّضوا للقتل أو عذّبوا أو اضطهدوا في عصرنا لأسباب دينيّة في المنطقة ذات الغالبيّة المسلمة؛ ومنهم، نذكر: حسين مروّة، مهدي عامل، فرج فودة، نزار الحلبي، نجيب محفوظ، مارسيل خليفة، تسليمة نسرين، سلمان رشدي، نوال السعداوي.. إلخ. وطبعاً، لن أقحم ذاتي في قائمة المضطهدين رغم اضطراري للإختفاء زمناً طويلاً بسبب كتابي يوم انحدر الجمل من السقيفة، حيث استدعيت باديء ذي بدء إلى الأمن الداخلي، فالعسكري، فالسياسي، بتحريض من أبرز المسيطرين على القرار الديني السنّي في دمشق، وأخصّ هنا بالذكر، محمّد سعيد رمضان البوطي ومحمود كفتارو. رغم أنّ أبسط ما كان باستطاعتهم القيام به، بدل إثارة القوى الأمنيّة القويّة المخيفة آنذاك، بتهم مختلقة ـ هذا يتنافى حتى مع أخلاقيّة عبدة الشيطان ـ مثل العمالة وإثارة الفتن، الردّ على ما ورد في كتبي من آراء، بالتوثيق ذاته الذي قدّمتها به. لكنّي كنت على ثقة مطلقة، أنه لن يكون باستطاعتهم ذلك لأن أعمالي تعتمد أمهات المصادر والمراجع التي يعتمدونها هم أنفسهم: وكان أمامهم بالتالي أحد حليّن ـ إمّا استخدام أسلحتهم الإرهابيّة التقليديّة أو إعادة النظر نقديّاً بتلك المصادر والمراجع التي اعتمدتها في أعمالي ومن ثم خلق حالة نقديّة كتابيّة وما بعد كتابيّة وصل إليها الغرب المتحضّر منذ أكثر من مئتي سنة. ولأنهم غير مؤهّلين فكريّاً ولا نفسيّاً للحل الثاني، اختاروا الحلّ الأوّل.

العام الماضي أعادوا النغمة ذاتها مع كتيبي الصغير، مراثي اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، لكنّهم هذه المرّة دبّجوا منشوراً ضخماً كان زياد الأيوبي أبرز الموقعين عليه، وزّعوه في الشوارع وعلى الجهات الأمنيّة [!!]، احتوى من التهم بحقّي ما كان يمكن أن يوصلني، في دولة غير سوريّا، إلى السجن حتماً. ولن أذكر ما حدث لبعض أعمالي الأخرى من هجوم محاكم-تفتيشي، مثل أم المؤمنين تأكل أولادها، مع أنه كان أسهل عليهم الطعن في مراجعي ومصادري، التي لا أعتقد أنها كتب مقدّسة.

هل الإسلام ديانة قامت أساساً على الإرهاب بأصنافه؟ هل يكفي أن يكون المرء مسلماً حتى يكون إرهابيّاً، إن بالفعل أو بالكمون؟ هل السيف هو الذي يحمي الفكرة في الإسلام، فالفكرة فيه دون سيف غير قابلة للحياة وربما التواجد؟ لماذا لم تقم قيامة الكنيسة في الغرب على كتاب مايكل موركوك Behold the man، الذي صوّر فيه الكاتب، الذي أعرفه شخصيّاً، يسوع وأمّه وزوجها على أنهم ثلاثي عهر: معتوه يخدم زبائن المحل، قوّادة لا تمانع في بيع ذاتها إذا كان الزبون يطلب ذلك، وزوجها النجّار العجوز العصبي؛ في حين اشتعل العالم الإسلامي ضد سلمان رشدي وكتابه، الذي لم يخل من الوثائقيّة الدقيقة: وكانت النتيجة أن كتاب موركوك لم يسمع به أحد، بينما أضحى رشدي أحد أشهر شخصيّات العصر؟ مثل ذلك كان موقف العالم الأنغلوساكسوني من فيلم، حياة برايان، الذي لم يكن أكثر من محاكاة ساخرة بطريقة مريعة لحياة المسيح كما وردت في مرقس، حسبما أعتقد. – مع أننا لا ننكر الموقف الإرهابي في باريس حصراً، والذي لم يكن أكثر من حالة إفراديّة لم تتكرّر لا هيستريا جمعيّة كما حصل في العالم الإسلامي حيال سلمان رشدي، من فيلم الإغواء الأخير للمسيح.

هذا الكلام أورده هنا بعدما قرأت ما أرسله إلي الأستاذ أيمن عبد النور من مقالات هاجمت السيّد مأمون الطبّاع المحامي، بسبب مقالة له طالب فيها كلّنا شركاء بالتوقّف عن نشر مقالاتي؛ وإلاّ؟؟؟ السيّد مأمون الطبّاع المحامي هو النتاج الطبيعي لهذه البيئة الإرهابيّة، التي لا تفهم وجود الآخر إلا من نافذة "طورق"، ولا تستطيع "تصوّر" وجود رأي مخالف أو ناقد. مأمون الطبّاع المحامي السنّي الإرهابي، الذي لم نسمع منه غير صوت الصمت وقت جرّ أحد نظرائه طائفيّاً وقضائيّاً بمعرفة نظيره الآخر المسمّى وزير العدل درزيّاً من رقبته إلى سجن عدرة السوري لأنه أزعج الله بإفطاره في رمضان، هو النقيض المباشر لكلّ ما يحارب من أجله العالم "الحرّ" اليوم: أي حقوق الإنسان والديمقراطيّة والليبراليّة. ـ وهنا، لا بدّ من إيراد الملاحظات التالية:

1 ـ لم أعرف حتى وقت متأخر أن كلّنا شركاء تعيد نشر بعض مقالات كنت نشرتها في موقع "الناقد"، الصحيفة الالكترونيّة التي أكتب بها، والتي تصدر من الولايات المتحدة، حيث لا أحمد ضرغام ولا بوطي ولا طبّاع.

2 ـ لا أعرف شخصيّاً، ولا بالاسم، أياً من الذين هاجموا بعض ما ورد في تلك المقالات أو دافعوا عنه؛ وفي نهاية الأمر، أنا أكتب أوّلاً وأخيراً، عبر الناقد وصحيفة بيروت تايمز الأمريكيّتين، للسوريين واللبنانيين المقيمين في الغرب، أوّلاً لأنهم بسبب البيئة المحيطة صار من الصعب عليهم، وهم يواجهون الآخر الحضاري، إلاّ أن يخجلوا من تقبّل وجود محام من نمط الطبّاع أو رجل دين من نمط البوطي أو مسئول من نمط ضرغام؛ وثانياً، لأنّ سوريّا، كما أعرفها ليس دون عمق، صارت وطن الأمراض العضال، التي لا أمل منها؛ سوريّا الفاسدة من شرطي المرور حتى القضاء والمحامين، سوريّا الذمم المباعة على الأرصفة من الكتّاب والصحفيين إلى أولاد المسئولين، سوريّا الراكضة بأفضال طبقة الكهنوت الفاسدة نحو حائط الإرهاب والاستبداد المسدود: هي الوطن الأخير الذي يمكن أن نأمل بتغيّره، خاصة مع افتقادها لأبسط وأوّل مقومات التغيير: الرغبة به!  

3 ـ إنّ كلّ ما تمّ في كلّنا شركاء، بما في ذلك التفوّهات التي لا تليق بأولاد الشوارع، الصادرة عن أحد الذين أدمنوا خنوع "طورق"، والذين نحارب وسنحارب من أجل إشفائهم من فيروس خنوعهم المتوارث منذ أيام أحكام أهل الذمّة، لم يحظ قط بموافقتي ولا حتى بأذني، وهو ما يفترض في منبر يريد أن يكون محترماً. وإذا كنت لم أقاض المنبر ولا القائمين عليه، خاصّة بعد اعتذاره "الخانع" من أحد الإرهابيين الإسلاميين الذين يحملون لقب محام عن نشر ما لم أطلب منه نشره، فذلك فقط لأني عشت طويلاً في بيئة "أهل الذمّة" السوريّة، وأعرف ماهيّة هواجسهم وخوفهم غير المبرّر من ابن تيميّة جديد واقف دائماً خلف الباب أو أحكام عمريّة جديدة تعيد الجميع إلى نقطة الصفر.   

لقد قلت ذات مرّة في مقالة لي، تعقيباً على الحركة القبيسيّة التكفيريّة التي تنتشر كالنار في الهشيم بين نساء السنّة السوريّات، بمعرفة ومباركة بعض كبار المسئولين [أليست أخت المجاهد أحمد جبريل إحدى أبرز عناصر التنظيم؟]، معيدة إياهن إلى عصور الجاهليّة الأولى: ليس صعباً أن تقنع رجلاً يعتقد أنّ المرأة بقرة أن المرأة ليست كذلك؛ لكن من المستحيل إقناع إمرأة تعتقد أنها بقرة أنها ليست كذلك. وهنا لا أستطيع سوى القول: ليس صعباً إقناع أحد غير "المطورقين" أن ليس من حقّه "طورقة" الناس، لكن من المستحيل إقناع من استمرأ "الطورقة"، بكافّة أصنافها، حتى صارت جزءاً من تقليده، أن ليس لأحد الحق في طورقته.

مع ذلك، كشخص من بيئة مارست الإرهاب بكافة أصنافه على كلّ من عاداها الرأي، سنظّل نحارب كي لا يبقى مطورقاً، ليس في سوريّا فحسب، بل في العالم كلّه.

طورق: لفظ كان يستخدمه السنّة السوريّون إذا وجدوا غير سنّي يمشي وسط الطريق، بعد صفعه على قفا رقبته.

نبيل فيّاض؛ الناصريّة؛ 7238726؛ 092845824 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها