الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

باحث وكاتب سوري نبيل فياضمقالات سابقة للكاتب

باحث وكاتب سوري نبيل فياض

 


وزارة التكايا، أم تكيّة الوزارات

نبيل فياض 15 مايو 2004

في كلّ دول العالم الإسلاميّة المتخلّفة توجد وزارة أوقاف واحدة، إلاّ في سوريّا: لدينا وزارتان – واحدة تحمل اسم وزارة الأوقاف، والأخرى اسمها نظريّاً وزارة الإعلام، لكنها لا تختلف عمليّاً عن وزارة الأوقاف في شيء، اللهم إلاّ أنّ نسبة المفتيين في الثانية أقل وغير المحجّبات أكثر!

في دول العالم المتحضّرة أو الساعية إلى التحضّر لا يوجد شيء اسمه "وزارة إعلام"! فمن غير المعقول، موضوعيّاً، أن يكون لأي جهة فئويّة أو حزب أو منظومة حكم أو تيار بوقاً إعلاميّاً يسوّق له بنقود كلّ الشعب، من المعارضة والحكم؛ ووزارات الإعلام في تلك الدول المغرقة في تخلّفها ليست غير طرف فئوي يعبّر عن مصالح طرف حاكم، في حين أنّ المعارضة مغيّبة عن هذا الجهاز الهام، هذا إذا لم تكن تتعرّض للتشويه من قبل الطرف الحاكم أو التقزيم الشعبي.

في سوريّا، كما يتراءى لنا، وصل الارتباط العضوي بين وزارة الإعلام والحزب الحاكم إلى درجة أنّ مكاتب الوزارة موجودة في مبنى صحيفة الحزب المسمّاة "بدار البعث": وربما يكون الأمر كلّه مصادفة لا علاقة لها بالسعادة! وحتى الآن لا نعرف ما إذا كان حزبنا العظيم مرتهناً للوزارة الأكثر حضارة أم العكس؟ على أيّة حال، يمكن الاستدلال من سرمديّة القائمين على الحزب وزمنيّة القاعدين على الوزارة أن الأخيرة، كالبشر والله سبحانه، تابعة للأوّل!

ما علينا! سواء أكانت الوزارة تابعة للحزب أم لمقهى الكمال الصيفي: الأمر لا يهم! ما يهم هو حرفيّة عمل هذه الوزارة ودورها التنويري المفترض – فأين وزارتنا العتيدة، بأجهزتها الضخمة وموظّفيها الكثر، من كلّ ما سبق؟

قبل التوقّف عند محطّات منتقاة، لابدّ من نوع من التذكير بالحالة المأساوية لكلّ البنية الإعلامية السورية، خاصّة جهاز الرقابة فيها. إنّ أي نصّ تريد نشره في سوريّا لا بدّ أن يمرّ بأحد أجهزة الرقابة التي تخضع أوّلاً وأخيراً لمزاج الرقيب. والرقباء يتناثرون بين ما يسمّى بالقيادة القطريّة ووزارة الإعلام إياها. مع ذلك، وبفضل الانترنت المنتشرة كالهواء في كلّ سوريّا، صارت مسألة الرقيب تحصيل حاصل. والسوريّون اليوم، بأسمائهم المستعارة الكثيرة، خرجوا من صدفة الرفاق المصادرين، وصاروا يسبحون في كلّ الاتجاهات. قبل أشهر، استدعيت إلى أحد الأمكنة الهامّة بسبب منشور كان يوزعه الأوقافيّون، أذكر أنه كان يحمل – ضمن أسماء كثيرة – بصمة الشيخ الكردي (أيضاً ؟؟؟) زياد الأيوبي؛ وكان هذا المنشور الأوّل من نوعه ربما في سوريّا، صرخة احتجاج مشائخيّة على كتابي المريع، مراثي اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ، وبدت المطالب إلحاحيّة بوقف توزيع هذا الكتاب الفاجر، الذي كانت توزّعه مكتبتان في دمشق وطرطوس. كان ردّي البسيط أن الكتاب موجود على أكثر من خمسة وعشرين موقعاً على الانترنت؛ فإذا استطعنا منع الكتاب في هذه المكتبة السوريّة أو تلك؛ كيف يمكن منعه في الانترنت؟

هل تذكرون قصّة نائمي أفسس، التي لطشت من أصحابها وعادت لنا تحت عنوان أهل الكهف؟ يبدو أن أفسس صارت أكبر من مدينة وأوسع من منطقة!

نعود الآن إلى حرفيّة العمل في الوزارة العتيدة؛ فمنذ سنوات، لم تعرف سوريّا حدثاً أمنيّاً ذا شأن؛ والحدث التافه الذي اكتشفنا أخيراً أنه جنائي، صوّرته لنا الوزارة إياها وسوّقه مناطقتنا الجهابذة، بأسلوب يذكّرنا بالزمن البريجينيفي، على أنه أمني- فأساءوا إلينا مرّتين: مرّة حين سمح لهؤلاء النطق باسم الحضارة السوريّة العظيمة التي لن ينجح أحد في مصادرتها لحسابه، ومرّة أخرى حين صوّروا الوطن الأكثر أمناً على أنه هش أمنيّاً إلى درجة غير عاديّة. وكما نقل لي – عذراً؛ فأنا أتابع أخبار سوريّا من الجرائد الأجنبيّة والمحطّات الفضائيّة غير السوريّة الناطقة بالعربيّة – فقد ذكر السيّد الوزير، الذي سبق والتقيته أكثر من مرّة قبل أن يصبح وزيراً وكنت أعجب بصمته الدائم، أن الإرهابيين – ليسوا إرهابيين ولا من يحزنون – ليسوا سوريي الملامح! لكن التحقيقات كشفت، كما ذكرت صحيفة كويتيّة، أن الجناة سوريّون؛  بالمناسبة، هل توجد ملامح تميّز السوري عن غير السوري من سكّان المنطقة؟ أنا أستطيع تمييز السوري بسهولة عن الياباني أو الصيني أو الصومالي – الذي دحشوه كما نشير باستمرار في جامعة عمرو موسى الهلاميّة – لكني أفشل حتى الآن في تمييز الفلسطيني عن السوري عن الأردني عن اللبناني حتى في اللهجة: لمن لا يعلم؛ في سوريّا مناطق تتحدّث بلهجة لبنانيّة، أخرى تتحدّث بلهجة أردنيّة، وثالثة أقرب إلى العراقيّة منها إلى الدمشقيّة. يمكني هنا توجيه ملاحظة بسيطة يمكن تلخيصها بأنه على بعضهم وشم السوري بين عينيه بدمغة معينة، كنساء الهندوس، تجعل تمييزه عن غيره أسهل على من أراد ذلك.

وماذا بشأن الثقافة التي يبدو أن وزارة الإعلام العتيدة – بالاشتراك مع اتحاد ع ع ع ، المسمّى "إتحاد الكتّاب العرب" – هي المسئولة عن دفّة قيادتها، لا وزارة الثقافة التي قد ندعوكم قريباً جدّاً إلى طقوس جنائزيّة تليق بها؟ إعلامنا المقروء – بالقاف – لا أحد يقرأه؛ والكتب التي توافق عليها الوزارة أو القيادة القطرية الحكيمة تنتهي عند باعة الفول النابت في القرى البعيدة! بالمناسبة، إنّ أبسط متطلبّات الدفاع عن لقمة المواطن تقتضي سحب القائمين على اتحاد ع ع ع من أنوفهم إلى أقرب محكمة لمقاضاتهم على هذا الكم من الهراء المطبوع الذي يصيب الماعز إذا أكلته بنوع من الإسهال لا تفيد معه كافة أصناف السلفا!

هل يوجد من يجرؤ على سؤال هؤلاء: كم هو حجم الورق الذي أضعتموه في كتب لا يقرأها أحد ولن يقرأها؟ هل يوجد من يجرؤ على سؤال هؤلاء: ما هي المعايير التي يتمّ تبنيها في قبول نشر مخطوط أدبي لإحدى المثقفات المبتدءات – وكأننا أمام روزا لكسمبرغ أو غرتروده شتاين بلا زغرة – غير الجمال الخارجي [ليس بالداعي عند العجائز أن يكون فاجراً] والانفتاح الداخلي؟ وما هي المعايير لقبول نشر مخطوط بحثي لأحد الإبداعيين – مثل كارل بوبر أو جورج لوكاش بلا تشبيه – غير القرابة من هذا أو ذاك أو تقاسم أجرة النشر مع هذا أو ذاك؟ على أية حال، فإن الإنجاز الأهم لإتحاد ع ع ع (ع) هو إدخاله الرفيق رفعت الأسد في صفوف باحثيه (رض)! وحتى الآن لا نعرف ما هو العمل الإبداعي لهذا الرفيق الأنضل حتى أدخله ع ع ع في جنته – قطاع خاص إلى حد ما -  التي طرد منها أدونيس!

وماذا بشأن الإعلام المرئي الأكثر أهميّة هذه الأيام؟ قبل سنوات قام طالب في كليّة الإعلام من بلدة صيدنايا بعمل نوع من الاستبيان حول متابعة المواطن السوري لإعلامه القطري. ورغم أن الاستبيان كان قبل هذا الانتشار السرطاني للصحون اللاقطة الفضائيّة، فقد كانت النتائج مريعة بحق إعلامنا المرئي. فالمواطن السوري، الدمشقي حصراً، نادراً ما يعرف شيئاً عن سوريّا من إعلامه المرئي القطري؛ نادراً ما يشاهد مسلسلاً تلفزيونيّاً محليّاً – باستثناء رمضان – أو أغنية لمطرب محلّي، من إعلامه المرئي القطري. أمّا الإذاعة، فرغم إقامتي الحالية في قرية على تخوم الصحراء، قرب تجمعات بدويّة، فإني لم أسمع بدويّاً يذكر أمامي يوماً أنه سمع خبراً عن سوريّا من غير المحطّات الفضائيّة اللبنانيّة أو الخليجيّة وأحياناً المصريّة. وأنا شخصيّاً لا أعرف إن كان ما يزال ثمّة إذاعة في سوريّا أم لا. على أية حال، إن كانت الإذاعة ما تزال موجودة، وبما أننا نعيش في عالم الاقتصاد فيه هو العنصر الحاسم، فأنا أتمنى على المسئولين تحويلها إلى مشروع تجاري ناجح – فندق خمس نجوم مثلاً – لأنه لا تنقصنا كثيراً المشاريع التجاريّة الخاسرة: ألا يكفينا إتحاد ع ع ع (ع)؟

وماذا بشأن التلفزيون الرسمي السوري بعد هذا العرض المأساوي؟ صار تكيّة! وصارت وزارة التلفزيون تكية وزارات أو وزارة تكايا! في البدء كان البوطي! فجأة اكتشفوه! وكأن سوريّا لم تعرف يوماً الفكر الحضاري الواقعي، لا الذي يضع رأسه تحت إبط الله ورجليه على الأرض! وهكذا، لم تبق حكاية للحاخام هليل أو الحاخام بار يوحاي أو الحاخام حنانيا إلاّ وأتحفنا بها البوطي عبر التلفزيون الرسمي. ولأنه لا أحد أفضل من أحد، ولأننا نعيش في بلد تعدّدي، فقد اكتشفوا، ككولمبوس تماماً، قارىء عزاء عراقي إثنيعشري من بقايا الصدّام، فرقّوه بسرعة جنونيّة إلى مقام باحث، وراحوا يتحفوننا بوجهه الذي لا يشبه غير نكسة 1967، وبفمه الذي يذكّرك بأهل الكهف وكهفهم، وأخباره عن سادته موسى ويوسف وسليمان حتى آخر الليسته الحاخامية الهلوسيّة الأشهر! ثم راحت الاكتشافات تتوالى: فمرّة يمني أحول يحدّثنا عن فضائل التبول على القاعد؛ ومرّة دمشقي يقول لقاسيون: أخي العزيز؛ يحاضرنا في الإسلام الحضاري! وهكذا، "فلتت الطعنة"، وهرّ المشايخ علينا، من كافة الأنواع المنقرضة والآيلة للإنقراض، حتى أضحى الوطن كلّه وكأنه قاعة المومياءات في متحف الانتكخانة! بل ربما تكون التكيّة الإعلاميّة الشهيرة تلك، عبر تلفزيونها الفضائي التقدّمي، واحدة من الأبواق القليلة التي تفرح صباحاتنا بآيات من ذكر الحكيم تتحدّث عن حرق الجلود في جهنّم الحمراء وقتل الكفّار "أني ثقفتموهم" وضرب النساء أو هجرهن في المضاجع: عوضاً عن "يا حلو شو بخاف إني ضيّعك" التي تسكننا في قلب الله-المحبّة!

على أية حال: هل يمكن أن يخرج من الجليل شيء جيّد!؟

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها