الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

باحث وكاتب سوري نبيل فياضمقالات سابقة للكاتب

باحث وكاتب سوري نبيل فياض

 


تعلّم الإسلام في خمسة أيام

اليوم الثاني

نبيل فياض، كانون الثاني ـ يناير 2004

الدرس الثاني: النفاق!!

في أية ديانة عرفها عالمنا، قديماً أو حديثاً، يبدو أن الخلاص أو الحساب والعقاب أو الكارما أو أي مفهوم اسكاتولوجي مشابه آخر، مسألة فرديّة صرفة. فلا الله ولا يهوه ولا أهورا مازدا أخبرونا، عبر من يُفترَض أنهم أنبياؤهم، أنهم سيحاسبون البشرية جماعيّاً: الإنسان، إن في الإسلام أو اليهوديّة أو الزرادشتيّة، وفق المنظور الديني الذي لا أدلّة غير ظنيّة عليه، هو الذي يحدّد بنفسه مصيره الاسكاتولوجي: فأعماله في العالم الدنيوي هي وحدها التي يمكن أن توصله إلى جنّة الخلد أو إلى أعماق الجحيم. ـ حتى الإسلام، الديانة العجائبيّة، كما تقدّمها لنا كتب الفقه والتاريخ والعقيدة وما شابه، يقرّ بأن الأب الصالح لا يستطيع اصطحاب أولاده الطالحين معه إلى الجنّة: بل إنّ السنّة يعتقدون أن النبي ذاته لن يستطيع منع نار جهنم أن تكوي بلهيبها عمّه أبا طالب الذي مات كافراً: بعكس الشيعة، سادة النفاق الإسلامي، الذين يخترعون لأبي طالب، والد علي، قصصاً وخرافات تجعله قاب قوسين أو أدنى من الله. ـ مع أن أبا طالب هذا، كافراً كان أم مؤمناً، له من الأفضال على الإسلام ما يجعلنا نقول بثقة أن لولاه لما كان ثمّة دين اسمه إسلام! وهذا ما يضمن له، بلا ريب، جحيماً أخلاقياً أين منه جهنم الزرادشتيين؟

من هنا، ولأن الخلاص مسألة فردية لا جمعيّة، اتجهت كل الديانات المحترمة، باستثناء الإسلام والكنيسة العربية طبعاً، إلى اعتبار الدين ـ يفضّل تسميته بالإيمان ـ شأناً فرديّاً خاصّاً. في الغرب، حيث الإنسان محترم والقيم الفعلية موجودة والحريّات مصانة، ثمّة ميل لأن لا يحسب على الدين من ليس منه: وهكذا، فنحن نصادف المؤمن وغير المؤمن واللا أدري والملحد، كلّ ذلك في إطار من التعايش الإنساني والاحترام المتبادل. وأذكر تماماً أنّ أحد الأصدقاء من الألمان غير المؤمنين من أصول مورمونيّة، حين توفّى، كان نص النعي المرسل إلي من زوجته يتضمّن اعتذار العائلة عن أية طقوس ذات طابع ديني، دون حرج أو خوف. باختصار، في العالم الآن، باستثناء العالم الإسلامي، توجّه عام لنبذ النفاق وكافّة أشكال الباطنيّة، التي أضحت عند الشيعة مرتكزاً أساسيّاً في العقيدة.

بعكس ما تتحفنا به من محطّات النفط المتلفزة البقرات السود الأمريكيات المحجّبات، اللواتي لا يفرّقن بين عمر بن الخطّاب وعمر الشريف، ويخلطن ـ كما فعل النبي محمد وهو يتحدّث عن مريم ـ بين خديجة بنت خويلد وخديجة بن قنة، ويعتقدن أن الإمام النووي هو مخترع القنبلة الذريّة، فالإسلام هو الديانة الوحيدة في العالم، على الأرجح، التي تعتمدّ الكمّ لا النوع في دعوتها. وربما أن مردّ هذا، شعور محمّد بالضعف وهو يواجه أعداء لا حصر لهم بأعداد من المسلمين ضئيلة قليلة. ولأن المسلمين أرواح هائمة لا علاقة لها بالزمان والمكان، ولأن ما جاء به محمد "يُفهم دائماً من منظور الأبديّة"، فأعمال محمّد وأقواله صالحة لكل زمان ومكان، حتى وإن كان ذلك معادٍ تماماً لأبسط معطيات العصر ـ والإنسانيّة الحقّة: كالرقّ وذيوله من تسرّ وملك يمين وما شابه.

إلى هنا والأمر العادي: فتفضيل المسلمين للكمّ على الكيف مسألة لا تعني غير أصحابها؛ وكثير من الناس، ممن لم يتخلّصوا قط من شعور البداوة والقبليّة، يحتاجون على الدوام لروح "العزوة" كي تغادرهم حشرجات البدو حين تكون قبيلتهم صغيرة. أما أن يشرّع الإسلام النفاق في سبيل أن يزيد من عدد أبنائه، فذلك هو غير العادي، بل والمستهجن، ليس فقط من منظور ديني إيماني، بل وفق أبسط أسس الالتزام الأخلاقي والعقائدي.

بدأ تشريع النفاق مبكّراً جدّاً في الإسلام حين شجّع محمد أحد أتباعه، الذي هو على الأرجح عمّار بن ياسر (لا أجد من الضروري أن أوثّق لكلّ كلمة أوردها من التاريخ الإسلامي؛ فزيادة بدوي أو نقص بدوي أمر لا يهم الحضارة كثيراً)، والذي تعرّض لعذاب قوي من المكيين المعارضين كي يشتم نبيّه، أن لا يعرّض حياته للخطر ما دام قلبه عامراً بالإيمان: بمعنى أن يشتمه بلسانه ويقدّسه في قلبه: الأمر الذي يناقض تماماً، باعتقادنا، ما رواه الإنجيل حول موقف بطرس من يسوع حين أنكره ثلاث مرات قبل صياح الديك.

ليس النبي هو الذي شرّع النفاق فحسب، بل إن الله، عزّ وجلّ، بالمنطوق الإسلامي الأغرب، أقر من عليائه بهذا النمط من الممارسة. وللمرّة الأولى في التاريخ الديني المدوّن، وفق ما وصل إلينا من وثائق، يطلب إله من أحد ممثّليه على الأرض أن يشتري إيمان الناس بالنقود الكثيرة التي جاءته من تجارة الألوهة. وهكذا، ينفرد الإسلام، بين كلّ ديانات العالم، بمسألة المؤلّفة قلوبهم: فما الذي تعنيه هذه العبارة؟

حتى يكون كلامنا واضحاً قاطعاً، نقدّم هنا شواهد من كتب التفسير والحديث تناولت هذه المسألة الغريبة:

"وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ، فَإِنَّهُمْ قَوْم كَانُوا يُتَأَلَّفُونَ عَلَى الإسلام مِمَّنْ لَمْ تَصِحّ نُصْرَته اِسْتِصْلاحًا بِهِ نَفْسه وَعَشِيرَته، كَأَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَعُيَيْنَة بْن بَدْر وَالأقْرَع بْن حَابِس، وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ رُؤَسَاء الْقَبَائِل.. عَنْ اِبْن عَبَّاس، قَوْله: {وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ} وَهُمْ قَوْم كَانُوا يَأْتُونَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أَسْلَمُوا، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْضَخ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَات، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَات فَأَصَابُوا مِنْهَا خَيْرًا قَالُوا: هَذَا دِين صَالِح! وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ، عَابُوهُ وَتَرَكُوهُ.. عَنْ الزُّهْرِيّ، قَالَ: قَالَ صَفْوَان بْن أُمَيَّة: لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لأبْغَض النَّاس إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأحَبّ النَّاس إِلَيَّ.. عَنْ مُجَاهِد، قَالَ: نَاس كَانَ يَتَأَلَّفهُمْ [محمد] بِالْعَطِيَّةِ، عُيَيْنَة بْن بَدْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُ.. عَنْ الْحَسَن: {وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ}: الَّذِينَ يُؤَلَّفُونَ عَلَى الإسلام.. عَنْ قَتَادَة: وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ، فَأُنَاس مِنْ الأعْرَاب وَمِنْ غَيْرهمْ، كَانَ نَبِيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفهُمْ بِالْعَطِيَّةِ كَيْمَا يُؤْمِنُوا.. مَعْقِل بْن عُبَيْد الله، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ قَوْله: {وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ} فَقَالَ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ. قُلْت: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وُجُود الْمُؤَلَّفَة الْيَوْم وَعَدَمهَا، وَهَلْ يُعْطَى الْيَوْم أَحَد عَلَى التَّأَلُّف عَلَى الإسلام مِنْ الصَّدَقَة؟ فَقَالَ بَعْضهمْ: قَدْ بَطَلَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ الْيَوْم، ولا سَهْم لأحَدٍ فِي الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة إلا لِذِي حَاجَة إِلَيْهَا وَفِي سَبِيل الله أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا.. عَنْ الْحَسَن: {وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ} قَالَ: أَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فَلَيْسَ الْيَوْم.. عَنْ عَامِر، قَالَ: لَمْ يَبْقَ فِي النَّاس الْيَوْم مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ، إِنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة، قَالَ: قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وَأَتَاهُ عُيَيْنَة بْن حِصْن: {الْحَقّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}؛ أَيْ لَيْسَ الْيَوْم مُؤَلَّفَة.. عَنْ الْحَسَن، قَالَ: لَيْسَ الْيَوْم مُؤَلَّفَة.. عَنْ عَامِر، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْر رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ اِنْقَطَعَتْ الرَّشَا. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فِي كُلّ زَمَان، وَحَقّهمْ فِي الصَّدَقَات.. عَنْ أَبِي جَعْفَر، قَالَ: فِي النَّاس الْيَوْم الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ.. أَبُو جَعْفَر: وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّ الله جَعَلَ الصَّدَقَة فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدهمَا سَدّ خُلَّة الْمُسْلِمِينَ. وَالآخَر مَعُونَة الإسلام وَتَقْوِيَته؛ فَمَا كَانَ فِي مَعُونَة الإسلام وَتَقْوِيَة أَسْبَابه فَإِنَّهُ يُعْطَاهُ الْغَنِيّ وَالْفَقِير، لأنَّهُ لا يُعْطَاهُ مَنْ يُعْطَاهُ بِالْحَاجَةِ مِنْهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطَاهُ مَعُونَة لِلدِّينِ، وَذَلِكَ كَمَا يُعْطَى الَّذِي يُعْطَاهُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله، فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لِلْغَزْوِ لا لِسَدِّ خَلَّته. وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ يُعْطَوْنَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاء، اِسْتِصلاحًا بِإِعْطَائِهِمُ أَمْر الإسلام وَطَلَب تَقْوِيَته وَتَأْيِيده. وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ، بَعْد أَنْ فَتَحَ الله عَلَيْهِ الْفُتُوح وَفَشَا الإسلام وَعَزَّ أَهْله، فلا حُجَّة لِمُحْتَجٍّ بِأَنْ يَقُول: لا يُتَأَلَّف الْيَوْم عَلَى الإسلام أَحَد لامْتِنَاعِ أَهْله بِكَثْرَةِ الْعَدَد مِمَّنْ أَرَادَهُمْ وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ فِي الْحَال الَّتِي وَصَفْت".

وفي نصّ آخر مشابه، نجد القول التالي:

"لا ذِكْر لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبهمْ فِي التَّنْزِيل فِي غَيْر قَسْم الصَّدَقَات، وَهُمْ قَوْم كَانُوا فِي صَدْر الإسلام مِمَّنْ يُظْهِر الإسلام، يَتَأَلَّفُونَ بِدَفْعِ سَهْم مِنْ الصَّدَقَة إِلَيْهِمْ لِضَعْفِ يَقِينهمْ.. وَقَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ: اُخْتُلِفَ فِي صِفَتهمْ، فَقِيلَ: هُمْ صِنْف مِنْ الْكُفَّار يُعْطَوْنَ لِيَتَأَلَّفُوا عَلَى الإسلام، وَكَانُوا لا يُسْلِمُونَ بِالْقَهْرِ وَالسَّيْف، وَلَكِنْ يُسْلِمُونَ بِالْعَطَاءِ وَالإحْسَان. وَقِيلَ: هُمْ قَوْم أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِر وَلَمْ تَسْتَيْقِن قُلُوبهمْ، فَيُعْطَوْنَ لِيَتَمَكَّن الإسلام فِي صُدُورهمْ. وَقِيلَ: هُمْ قَوْم مِنْ عُظَمَاء الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ أَتْبَاع يُعْطَوْنَ لِيَتَأَلَّفُوا أَتْبَاعهمْ عَلَى الإسلام. قَالَ: وَهَذِهِ الأقْوَال مُتَقَارِبَة وَالْقَصْد بِجَمِيعِهَا الإعْطَاء لِمَنْ لا يَتَمَكَّن إِسلامه حَقِيقَة إلا بِالْعَطَاءِ، فَكَأَنَّهُ ضَرْب مِنْ الْجِهَاد.

وَالْمُشْرِكُونَ ثَلاثَة أَصْنَاف: صِنْف يَرْجِع بِإِقَامَةِ الْبُرْهَان. وَصِنْف بِالْقَهْرِ. وَصِنْف بِالْإِحْسَانِ. وَالإمَام النَّاظِر لِلْمُسْلِمِينَ يَسْتَعْمِل مَعَ كُلّ صِنْف مَا يَرَاهُ سَبَبًا لِنَجَاتِهِ وَتَخْلِيصه مِنْ الْكُفْر. وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَنَس، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْنِي للأنْصَارِ ـ : (فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهْد بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفهُمْ..) الْحَدِيث. قَالَ اِبْن إِسْحَاق: أَعْطَاهُمْ يَتَأَلَّفهُمْ وَيَتَأَلَّف بِهِمْ قَوْمهمْ. وَكَانُوا أَشْرَافًا.. وَقَدْ عُدَّ فِي الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ مُعَاوِيَة وَأَبُوهُ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب. أَمَّا مُعَاوِيَة فَبَعِيد أَنْ يَكُون مِنْهُمْ، فَكَيْفَ يَكُون مِنْهُمْ وَقَدْ اِئْتَمَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَحْي الله وَقِرَاءَته وَخَلَطَهُ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا حَاله فِي أَيَّام أَبِي بَكْر فَأَشْهَر مِنْ هَذَا وَأَظْهَر.".

وفي نصّ ثالث؛ يقال أموراً مشابهة:

"وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فَأَقْسَام: مِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى لِيُسْلِم.. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى لِيَحْسُن إِسلامه وَيَثْبُت قَلْبه كَمَا أَعْطَى يَوْم حُنَيْن أَيْضًا جَمَاعَة مِنْ صَنَادِيد الطُّلَقَاء وَأَشْرَافهمْ مِائَة مِنْ الإبِل وَقَالَ "إنِّي لأُعْطِي الرَّجُل وَغَيْرُهُ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَة أَنْ يَكُبّهُ الله عَلَى وَجْهه فِي نَار جَهَنَّم" . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيد أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَة فِي تُرْبَتهَا مِنْ الْيَمَن فَقَسَمَهَا بَيْن أَرْبَعَة نَفَر: الأقْرَع بْن حَابِس وَعُيَيْنَة بْن بَدْر وَعَلْقَمَة بْن عُلاثَة وَزَيْد الْخَيْر؛ وَقَالَ: "أَتَأَلَّفهُمْ"! وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى لِمَا يُرْجَى مِنْ إِسلام نُظَرَائِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى لِيَجْبِيَ الصَّدَقَات مِمَّنْ يَلِيه أَوْ لِيَدْفَع عَنْ حَوْزَة الْمُسْلِمِينَ الضَّرَر مِنْ أَطْرَاف الْبِلاد وَمَحَلّ تَفْصِيل هَذَا فِي كُتُب الْفُرُوع وَالله أَعْلَم. وَهَلْ تُعْطَى الْمُؤَلَّفَة عَلَى الإسلام بَعْد النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟"

وفي نصّ آخر؛ نقرأ التالي:

‏"لما ‏أفاء ‏الله على رسوله ‏صلى الله عليه وسلم ‏يوم ‏حنين ‏قسم في الناس في ‏المؤلفة ‏ ‏قلوبهم ولم يعط ‏ ‏الأنصار ‏شيئا فكأنهم وجدوا [غضبوا منه] إذ لم ‏يصبهم ‏ما أصاب الناس فخطبهم فقال: يا معشر ‏الأنصار ‏ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ‏وعالة ‏فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن. قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم؟ ‏قال: كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن! قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا ‏أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إلى ‏رحالكم؟ ‏لولا الهجرة لكنت امرأ من ‏الأنصار ‏ولو سلك الناس واديا ‏وشعبا ‏لسلكت وادي ‏الأنصار ‏ ‏وشعبها ‏الأنصار ‏شعار ‏والناس ‏دثار ‏إنكم ستلقون بعدي ‏أثرة ‏فاصبروا حتى تلقوني على الحوض!!".

من الملفت للنظر أن الشيعة ـ أتحدّث هنا تحديداً عن كتاب "النص والاجتهاد" لعبد الحسين شرف الدين ـ ضمن هجومهم الضاري على بعض الصحابة، يعيبون على عمر بن الخطّاب، ضمن أشياء كثيرة، إلغاءه لحكم إلهي حين منع سهم المؤلفة قلوبهم.

عن أبي سفيان، الذي تخبرنا المراجع الإسلاميّة أنّه بعد مقتل عمر بن الخطّاب، ورسو الأمر على عثمان بن عفّان؛ أنّه قال لبني أميّة: تلقفوها [الخلافة] تلقف الكرة؛ فما من جنّة ولا نار!!! هذا الرجل، الذي أعطاه محمد بعد فتح مكّة ليفهرسه ضمن قطيعه، والذي بعد أكثر من عشر سنوات على وفاة محمد لم يكن يؤمن لا بالجنّة ولا بالنار، أسلم بضغط من عمّ محمّد، العبّاس؛ وكي يستميله محمد أكثر، قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن!!! عن إسلام أبي سفيان المزعوم، تقول بعض المراجع الإسلاميّة:

أرسلت قريش "أبا سفيان وحكيم بن حزام وبُديْل بن ورقاء ليتحسسوا أخبار المسلمين، فلقيهم العباس راكباً بغلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يريد أن يرسل إلى قريش رسولاً يطلب منهم الخروج لمصالحة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء العباس بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، وأسلم أبو سفيان بعد تردد منه، وملاطفة من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي حتى يستعرض قوات المسلمين، وتمر به جنود الله فيراها، فلا تبقى في نفسه أثارة لمقاومة، وهو سيد مكة المتبوع، فجعل أبو سفيان يسأل العباس كلما مرت كتيبة: من هؤلاء؟ ويعرفُه العباس بهم".

ويحدّثنا مرجع آخر؛ فيقول:

"وقال ابن إسحاق: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدرون ما رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل، وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به.. عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه عيونا خيلا يقتصون العيون.. ، فلما جاء أبو سفيان وأصحابه أخذتهم خيل المسلمين، وقام إليه عمر يجأ في عنقه، حتى أجاره العباس بن عبد المطلب، وكان صاحبا لأبي سفيان. .. قال العباس: ثم خرج عمر يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء قال: فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه. قال: قلت: يا رسول إني قد أجرته. ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه الليلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه. قال: قلت: مهلا يا عمر فوالله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به". قال: فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟" فقال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد. قال: "ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟" قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس: ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق فأسلم. قال العباس: فقلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا. قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ـ زاد عروة: "ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن".

مشكلة الإسلام الأبديّة، أن الأباسفيانات فيه هم الغالبيّة الساحقة ـ وما تبقى قلّة لا تذكر من السذّج والمغفّلين والشيعة. 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها