هل
دقت ساعة التخلي عن حزب الله؟
080513
قد يستغرب
البعض الكلام عن موضوع التخلي عن حزب الله، فيما هو يظهر وكأنه الرابح
الأكبرعلى الساحة اللبنانية، وكأنه على وشك إعلان انتصاره المدّوى على أهل
بيته، وعلى أخوانه في الدين والوطن، وعلى مدينته بيروت المحاصرة والخائفة،
والتي أصدر بحقها حكم الاعدام مع وقف التنفيذ. ولكن لا بد من الاشارة أولاً
إلى أن انتصاره هذا، لم يكن قادر على تحقيقه من دون غض طرف الجيش اللبناني
عن تجاوزاته، وعن تماديه في استباحته للممتلكات العامة والخاصة. ولا بد من
التمييز أيضاً فيما بين هذا الانتصار الشكلي والمرحلي، والآخر الحقيقي
والشامل والنهائي، والوارد في أدبيات وثقافة منظري الحزب الالهي، والذي يعني
إنشاء جمهورية ولاية الفقيه. ولكن لا بأس، وبما أن السعى نحو هذا الهدف
الأعظم والأسمى مهما كان بعيداً هو بحد ذاته عمل شريف ومثمن من قبل منظري
الجمهورية الاسلامية، قد ُتحسب هذه المراحل الأولية كمقدمة في سياق إنشاء هذه
الأمة المنشودة، والتي حدودها تتخطى حدود لبنان، باتجاه العالم أجمع، وهو
مشروع كوني أعلنه بكل فخر الرئيس محمود أحمدي نجاد في تصريحه الأخير.
أما بالنسبة لموضوع "التخلي"، لا بد أن نشير أولاً أنه
عندما نتكلم عنه لا نقصد طبعاً الاطراف التي لا تكن لحزب الله الصداقة
والود، بل الاطراف التي ما زالت حتى الساعة تدعم الحزب مادياً ومعنوياً،
والتي هي في طور الانقلاب على هذه العلاقة وبشكل غير معلن، تماهياً مع
مصالحها الحالية ولا سيما تلك المتعلقة بمحادثات السلام الجارية عبر الوسيط
التركي. ولتبيان دوافع هذه الطرح، لا بد من العودة إلى بعض المحطات والمواقف
التي سبقت اندلاع الاحداث الأليمة الأخيرة، والتي أدمت قلوب اللبنانيين الذين
ظنوا أن الحرب الاهلية ذهبت عن ديارهم إلى غير رجعة. وبعيداً عن الجدلية
العقيمة التي تتبارى في توصيف هذه الاحداث المتجددة من زاوية كونها حرباً
أهلية أم لا، من المهم بمكان التأكيد على خطورة هذه المرحلة التي يمر بها
لبنان، من ناحية حتمية انعكاس نتائجها ليس فقط على الداخل اللبناني بل على
منطقة الشرق الاوسط بكاملها.
وفي مقدمة هذه المحطات والمواقف،التي سبقت مباشرة انطلاق
هذا الاجتياح "المقرر مسبقاً" لحزب الله، من المهم التساؤل حول الدوافع التي
حملت رئيس الاتحاد العمالي العام، المدعو غسان غصن، والمبرمج كما يعلم
الجميع على الرموت كونترول السوري، على الغاء التظاهرة التي كان أعلن عن نيته
تنظيمها نهار الاربعاء الواقع في تاريخ 7 أيار(مايو)، أحتجاجاً على غلاء
المعيشة. ولكن المهم التذكير قبلاً بدوافع توصيفنا لاجتياح بيروت من قبل حزب
الله "بالمقرر مسبقاً". فللمراقب لتصرفات حزب الله الميدانية خلال السنوات
الماضية، ينجلي واقع يقول أن حزب الله لا يقدم عادة على خطوات عفوية أو
عشوائية أو غرائزية أسوة بباقي الميليشيات، وأن قاموسه العسكري ينبذ الردات
الفعل الأولية، وبالتالي كل تحركاته العسكرية هي حكماً مدروسة جيداً ومخطط
لها بدقة وتأني.
وبالعودة لموضوع التظاهرة التي لعبت في هذه الحرب
المذهبية السنية الشيعية، دور "بوسطة عين الرمانة"، التي شكلت شرارة لانطلاق
حرب 1975، نلاحظ أن ما لم يخطط له، وما لم يكن ينتظره حزب الله هو الموقف
الذي أخذه السيد غسان غصن بقرار رجوعه عن النزول إلى الشارع. والمرجح أن يكون
هذا القرار الذي أتخذه هذا الأخير عشية التظاهرة جاء تلبية لأوامر وردت إليه
في الساعات الأخيرة، من الباب العالي. وهو قرار قصم ظهر حزب الله في بداية
تنفيذ مشروعه الاحتلالي لبيروت، إذ كشفه على الساحة في اليوم التالي، وحيداً،
وغير مدعوماً حتى من حلفائه المباشرين والأقرب إلى قلبه، مثل حركة أمل،
والتيار الوطني الحر، وتيار المردة التابع للوزير السابق سليمان فرنجية،
والحزب الديمقراطي الدرزي التابع للامير طلال ارسلان، والحزب السوري القومي
الاجتماعي. فنزل حزب الله إلى الشارع ليتحمل وحده مستقبلاً تبعات كل تصرفاته
وأعماله، بالرغم من التدخل الشكلي ومن باب رفع العتب، والتي أتى لاحقاً ،
لحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. بمعنى آخر لم يستطع حزب الله
التلطي وراء شعار المعارضة لنزوله إلى الشارع، وأصبح وحده مسؤولاً أمام
اللبنانيين وأمام العالم. ولكن هل يمكن البناء على ذلك واعتبار هذا التراجع
في المواقف نوعاً من بداية التخلي السوري عن حزب الله؟
وللموضوعية وإذا كان من المبكر بناء الاستنتاجات في هذه
المرحلة الاولية، إلا أنه لا بد من التوقف أمام التصريحات اللاحقة والتي صدرت
عقب اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الاسد، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة
آل ثاني، والذي عبرالاثنين في نهايته
"عن الأمل
بأن يتمكن الاشقاء في لبنان من إيجاد حل لهذا الوضع من خلال الحوار فيما
بينهم وبما يصون أمن واسقرار لبنان". وهي تصريحات أقل ما يقال فيها بأنها
فاترة، ومبهمة، وعامة وغير داعمة فعلياً للحزب في معركته الحالية في شوارع
بيروت، ويمكن وصف مصادرها أي الطرفين السوري والإيراني "بالمتفرجين"، كما جاء
على لسان الناطق باسم الحكومة الايرانية.
والجدير بالذكر هو كونها تتلاقى مع تمنيات وأمآل الحكومة
الاسرائيلية، والتي تنظر بعين الرضى والارتياح لانغماس حزب الله في حرب
مذهبية سنية شيعية. فانتصار نصر الله الأخير والمبين على أخوته في الوطن وفي
الدين، أفرج صدور المسؤولين الاسرائيليين، لأنه من ناحية يلوث صورة حزب الله
في العالم العربي ذات الغالبية السنية، ومن ناحية أخرى يزيح فعلياً عن كاهلهم
مهمة البحث عن وسيلة للتخلص من تهديده. فإسرائيل تدرك جيداً بأن هذا الانتصار
وإن كان مدوياً لحزب الله ، لكنه يشكل في الوقت ذاته محاصرة معنوية وعسكرية
له ، قد تغرقه في وحول شوارع بيروت وأزقتها إلى ما لا نهاية. إذ لا بد من
التسليم بأن انتصار حزب الله هذا هو في الواقع افتراضي، كالانتصارعلى عدو
ضمن مستنقع بامكانه أن يبتلع الطرفين المتقاتلين.
لذا يمكننا القول بان الذي يجري حالياً في لبنان هو
بمثابة خطة مدروسة من الدول الراغبة في التخلص من تهديد حزب الله، وفي مقدمها
اسرائيل والولايات المتحدة، يلاقيها "التخلي" عنه من قبل بعض الدول
الاقليمية، التي سعت وتسعى دائماً لاسترضاء هاتين الدولتين أو لإعادة مد ما
انقطع من جسور معها. والتطلع الموضوعي يكون ليس إلى المرحلة الحالية، بل إلى
مستقبل هذا الانتصار وإلى الننتائج التي تتوخاها هذه الدول الاقليمية من وراء
إغراق حزب الله في انتصاراته.
|