الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

 

 

 

 

 مجدي خليل

 

magdikh@hotmail.com

 


حرب دينية أم حرب سياسية؟


الدين في جوهره المفترض أنه علاقة روحية نقية خالصة بين الإنسان والله، ولكن عبر التاريخ الإنساني كله أستخدم الدين كثيراً كأداة للمصالح والحروب والتقاتل واستغل أسوأ استغلال، وقد عانت البشرية من ويلات الحروب الدينية، وقد مارست كل الأديان حروبا باسم الدين، ولكن الأديان الثلاثة التي يطلق عليها "توحيدية" وهي اليهودية والمسيحية والإسلام، هي التي مارست الحروب والتقاتل الديني بشكل فج وأوقعت ملايين الضحايا من البشر عبر هذه الحروب الدينية. مارس اليهود الحرب باسم الله وباسم اليهودية مبكرا في التاريخ، والكتاب المقدس ملئ بهذه الحروب الدينية، وعلى عكس ما تنادي به تعاليمهم مارس المسيحيون الحروب الدينية سواء فيما بينهم عبر الاقتتال المذهبي أو مع غيرهم فيما عرف باسم الحروب الصليبية. وقد حدث إصلاح ديني مسيحي أدي إلى فصل الدين عن الدولة وبهذا توقفت هذه الحروب الدينية بشكل كامل وتحولت إلى حروب سياسية تمارس من قبل دول سياسية لأسباب ليست دينية. ولم يتوقف المسلمون لحظة واحدة عن ممارسة الحروب الدينية عبر تاريخهم الذي يمتد إلى خمسة عشر قرنا، ولأنه لم تحدث حركة إصلاح ديني إسلامي فلم تتوقف الحروب الدينية عند المسلمين بل على العكس يمكن القول انه طوال مدة الخمسة عشر قرنا الماضية - وباستثناءات نادرة - يمكن القول أن حروب المسلمين كلها حروبا دينية.
 ولأن بعض العقليات الإسلامية غارقة في التفكير الديني البحت فإنها لا تتخيل شكل آخر من الحروب يمكن أن تخوضه سوي الحروب الدينية، ولهذا تقوم بعملية إسقاط ديني على أي حرب تخوضها وتحولها إلى حروب دينية أو تصفها على أنها حروب دينية ضد الإسلام والمسلمين. ولهذا قامت الكثير من المرجعيات الدينية في أغلب الدول العربية بتوصيف الحرب على العراق على أنها حرب دينية. وقال بيان لمجمع البحوث الإسلامية بالازهر "أنها غزوة صليبية جديدة تستهدف الأرض والعرض والعقيدة والوطن، ومن ثم يصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة!!!". وقد سبب هذا البيان إحراجا لشيخ الأزهر المستنير المعتدل والذي لا يسعى لتصعيد الأمور فسارع بنفي أن هذه الحرب حرباً صليبية.. والغريب أن أحد الذين صاغوا البيان ووقعوا عليه وهو د. أحمد كمال أبو المجد، هو مفوض الجامعة العربية لحوار الحضارات !! وهو مثل الكثيرين غيره مزدوج في الخطاب، وعندما تسمعه يتكلم في واشنطن أو لندن أو روما تحس أنك أمام شخص آخر غير الذي يتحدث في القاهرة أو يدعو إلى التهييج والتضليل عبر مثل هذه البيانات.
 وإذا عرفنا الحروب الدينية، بأنها التي تقوم بها دول دينية أو تسعي لتحقيق أهداف دينية أو ترفع شعارات دينية أو يقودها رجال الدين أو تعمل على تعبئة الشعب للحرب، على أسس دينية فهل ينطبق أي من هذه التعريفات على الحرب التي تقودها أمريكا وبريطانيا الآن ؟
 بالطبع لا، فالجميع يعرفون أهداف الحرب وهي معلنة وليس فيها شئ يتعلق بالدين، وأمريكا لا توصف ضحاياها في هذه الحرب على أنهم شهداء، ولم يذهب بوش ليخطب من على منبر الكنائس لإعلانها، ولا ترفع أي شعارات دينية. والمتابع لوسائل الإعلام الأمريكية على اختلافها وتنوعها لا يجد أي شئ أو لفظ يوحي بأنها حرب دينية، بل ووسائل الإعلام المتحمسة للحرب والمؤيدة لها مثل فوكس نيوز تنحو في تأييدها من منطلق الحماس الوطني وليس الديني، والشارع الأمريكي والرأي العام الأمريكي واستطلاعات الرأي العام المتعددة توضح نتائجها إنها حرب سياسية ولم أعثر على ما يدل على أنها حرب دينية فمن أين استنتج هؤلاء أنها حرب دينية؟؟!! وفوق كل ذلك فإن أغلب رجال الدين المسيحي في العالم كله من شرقه وغربه ضد هذه الحرب، ويكفي أن أعلى مرجيعة دينية وهو البابا يوحنا بولس وصفها بأنها حرب غير عادلة، وأعترض عليها أسقف الكنيسة الانجليكانية رغم أن بلده شريكا فيها، وبالطبع رفضتها الكنائس الشرقية بالإجماع وفي مقدمتهم قداسة البابا شنودة، ومعظم الكنائس حول العالم ومنها الكثير من الكنائس الأمريكية، وانطلقت ضدها المظاهرات في كل أرجاء العالم وبالذات في الدول الغربية. كما أن أمريكا علمانية تفصل تماما بين الدين والسياسة، صحيح أن الشعب متدين ولكن يظل الدين علاقة شخصية بحتة بين الإنسان وربه.
 وجب التنويه أنه يمكن أن يكون للحروب الغربية أهداف أخلاقية كالقضاء على الظلم أو نشر الديمقراطية أو مطاردة ديكتاتور ولكن الأهداف الأخلاقية تختلف عن الأهداف الدينية فالأولى محل إجماع إنساني بصرف النظر عن الدين.
 وحتى الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، الذي لا يختلف أحد على عمق تدينه وأخلاقه النبيلة، وصف الحرب على العراق في مقالة له بأنها غير عادلة في في نيويورك تايمر.
 بالطبع أنا هنا لا أناقش الحرب عادلة أم غير عادلة فهذا موضوع آخر له سياق آخر، فقد تختلف وجهات النظر حول العدالة من منظور تفسير القانون الدولي ولكن تظل ضرورية لرفع ظلم إنساني أو درء أخطار مستقبلية. كل ما يهمني قوله أن الهيئات المسيحية عبر العالم كله أدانت هذه الحرب ووقفت ضدها فكيف توصف بأنها حرب صليبية!!! 
 ولان للعالم العربي يعيش في ظل أجواء يغلب عليها الهوس الديني فإن الخط الوحيد الثابت في الإعلام العربي هو تكريس فكرة الدولة الدينية والحروب الدينية ودفع الناس إلى الكراهية والفوضى عكس الإعلام الغربي الذي يتعامل في مجمله مع الأخبار بدرجة عالية من المهنية.
 ولأن كل شيء يوصف بأنه ديني في العالم العربي فقد وقعوا عبر تاريخهم في مئات المتناقضات التي يستعصي فهمها أو الاقتناع بها.
 وهكذا حول أصحاب المصالح وبعض رجال الدين في العالم العربي الاسلام إلى عقيدة مزاجية يفسروها كما يحلو لهم ووفقاً لمصالحهم ورغباتهم. ولم يوضحوا لنا ما هي الحرب الدينية وما هي الحرب الوطنية ومن هو الشهيد ومن هو غير الشهيد وما هي المعايير التي يتبعونها لهذا التصنيف.
 وأدى هذا إلى إضعاف فكرة الوطنية والانتماء للوطن، يقول الشيخ الراحل محمد الغزالي "إن تقسيم المسلمين على أساس الوطن ضرب من الكفر لا صلة له بالإسلام قط. إن وطن ا لمسلم هو عقيدته وإن حكومة المسلم هي شريعته وأن ديار المسلم وما عليها فدى للإسلام".
 وأعلنها صراحة سيد قطب "لا جنسية للمسلم غير عقيدته فالمسلم لا يعتز بجنس ولا بقوم ولا بوطن ولا بأرض".
 وتهميش الانتماء الوطني جعل أصحاب البلاد الأصليين غير المسلمين في الدول الإسلامية مواطنين من الدرجة الثانية.
 وعودة إلى موضوع الحروب الدينية في التاريخ الإسلامي نلاحظ أن الفكر الإسلامي فشل فشلا ذريعا في تعريف مفهوم الجهاد وفي تحديد معني كلمة شهيد وقد ان الاوان لتخرج هذه المصطلحات تماما من القاموس الاسلامى رحمة بالانسانية، فإذا كانت وسائل الإعلام العربية ومنها الأهرام -التي غيرت لهجتها من مصرع إلي استشهاد ومن حرب إلى غزو بعد عدة أيام من بداية الحرب وبعد ورود أنباء عن صمود العراقيين- تطلق كلمة شهيد على القتلى العراقيين في الحرب بدعوى أنهم يدافعون عن عرضهم ومالهم فماذا عن القتلى الذين قتلهم جيش صدام في الجنوب والشمال العراقي وهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم أيضا لماذا لم يطلقوا عليهم لفظ شهداء ؟ وماذا عن ضحايا عدي صدام ومنهم كثيرين تم اغتصاب زوجاتهم قبل قتلهم، لماذا لم تطلق عليهم شهداء؟ وماذا عن ضحايا صدام بمئات الآلاف ولم نسمع عنهم لفظ شهيد في أي وسيلة إعلام عربية، ولم يعلن أحد الجهاد ضده، ومثلهم الذين قتلوا في الجزائر أو في الصراع الذي دار بين المجاهدين في أفغانستان.
 المتتبع للتاريخ الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى الحرب الدائرة في العراق الآن يجد أمامه عدد من الملاحظات الجديرة بالتأمل :
 أولا : إذا كان الصراع بين طرف مسلم وطرف غير مسلم، فورا يطلق لفظ جهاد للوقوف في صف الطرف المسلم، حتى ولو كان ظالما ودكتاتورا فاسدا مثل صدام حسين، والشيء الذي يدعو للتأمل في حالة دولة مثل مصر تم غزوها وتناوب عليها عدد كبير من المستعمرين المسلمين كالاخشديين، والايوبيين، والفاطميين، والمماليك، والعثمانيين. وكان مستعمر مسلم يطرد مستعمر مسلم آخر ولم تعلن المقاومة والجهاد إلا عندما احتلتها فرنسا ثم إنجلترا، واليس من العار ان يطلق على الاحتلال العثمانى لمصرفى كتب التاريخ المصرى لفظ "الفتح العثمانى لمصر" فى حين يطلقون على الاحتلال الفرنسى لمصر الاسم الصحيح وهو غزو على الرغم من ان الاحتلال العثمانى لمصر استمر لما يقرب من اربعة قرون دمر خلالها كل مقومات المجتمع المصرى، وصدعوا رؤوسنا بأن جنود نابليون دخلوا الأزهر بخيولهم ودنسوا الأزهر. وتمر الأيام ويدخل الجنود الفرنسيون باحذيتهم وأسلحتهم أقدس مكان عند المسلمين الحرم المكي لتحريره من جهيمان العتيبي عام 79 بدعوة من الحكومة السعودية، ولم يقل أحد أنهم دنسوا الحرم المكي طالما أن هناك مصلحة، وجنود الأمن في كل الدول العربية يدخلون المساجد بأحذيتهم لمطاردة الإسلاميين أو لفض المظاهرات دون أن ينبس أحد ببنت شفة.
 ثانيا : التاريخ الإسلامي ملئ باستعانة المسلمين بالأجانب للقتال ضد مسلمين آخرين والأمثلة لا تحصى ولا تعد في التاريخ الإسلامي وحتى لا نغرق في التفاصيل نذكر بعض الأمثلة فقط.
# تحالف هارون الرشيدى مع شارلمان في فرنسا للقضاء على دولة الأمويين في الأندلس ورغبته في عودتها للخلافة العباسية.
# الصراع بين الوزيرين شاور ودرغام في عهد الدولة الفاطمية، شاور لجأ إلى نور الدين محمود في دمشق ودرغام لجأ إلى الصليبيين "الملك اموري".
# الملك الكامل أنزعج من تحالف أخيه مع خورازم شاه فأصبح الحل الوحيد في نظره هو الاستناد إلى الفرنجة، وعرض عليهم التنازل عن القدس مقابل هذا التحالف.
# الخليفة العثماني أستنجد بروسيا ضد محمد على.
# وماذا عن دعوة الأمريكيين لتحرير الكويت والفرنسيين لتحرير الحرم المكي والتحالف الأمريكي السعودي.
# التجاء الدول الإسلامية إلى أمريكا لمساندة المسلمين في البوسنة وكوسوفو ومن قبلهم أفغانستان ضد السوفيت هذه مجرد أمثلة ليس أكثر.
 ثالثا : ما تم قتله من مسلمين بواسطة مسلمين أضعاف أضعاف من قتل في حروب المسلمين مع غير المسلمين.
 والتاريخ ملئ بالحروب بين المسلمين ويمكن الرجوع إلى تاريخ الفتنة الكبرى، الخوارج، المعتزلة، الإسماعيلية، الباطنية، القرامطة، الدروز، الحشاشين، الشيعة، المرجعية، الحنابلة، الشافعية، الاشعرية، الجهمية.. الخ.
 بل أن أكثر تدمير حصل لدمشق في تاريخها جاء من تيمور لنك المسلم ووصل به الفسق إلى حد اغتصاب المسلمات هو وجنوده في مساجد حلب "راجع ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة".
 ولماذا نذهب بعيدا وما حدث في العقدين الآخرين من قتال بين دول إسلامية ودول إسلامية أخرى أو داخل الدولة الواحدة يقطع بحجم المأساة التي يعيشها العالم الإسلامي.
 رابعا : عندما يحدث الصدام بين مسلم ومسلم آخر فالذي ينتصر في المعركة، هو الذي يعلن انه المسلم الصحيح بصرف النظر عن خطأ أو صحة موقفه. ويكفي أن نقول أن لعن الإمام على بن أبي طالب من على منابر الصلاة كان عادة متبعة في عهد الآمويين بعد فوزهم بالخلافة ولم يبطل هذه العادة سوي الخليفة عمر بن عبد العزيز (99-101) هـ. والإمام علي هو أحد أهم الشخصيات الإسلامية في التاريخ الإسلامي كله ويمكن وصفه بانه" حكيم الاسلام" وتشويه صورته من قبل الأمويين هو إهانة لكل المسلمين ولكنه حدث لأنهم كانوا المنتصرين.
 ما أود أن أقوله أن الدين أستغل أسوأ استغلال لتبرير تصرفات إنسانية الكثير منها جانبه الصواب، والفتاوى التي صدرت هي استغلال للدين وإضعافا لرسالته وهدفها خداع البسطاء.
 والحرب على العراق هي حرب سياسية وليست دينية وهناك ثمانية دول عربية تؤيدها وتقدم الدعم لأمريكا وتردد أن هناك ثلاث دول عربية خليجية سوف تساهم في نفقات الحرب رغم نفي هذه الدول علنا لهذا، فليذهب أذن أصحاب نظرية الجهاد لمحاربة هذه الدول التي تساعد أمريكا.
 العالم كله الآن يدين تاريخه في الحروب الدينية، والغرب ينظر إلى تاريخ حروبه الدينية على أنها فترة مجللة بالعار. المسلمون وحدهم هم الذين يعتزون بحروبهم الدينية ويتمنون عودتها.
 خلاصة القول أن التاريخ تجمد طويلا في المنطقة العربية وآن الأوان لكي يتحرك إلي الأمام.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها