أولا : الاحتقان وصل إلى
درجة خطيرة
لن يفاجأ أي مراقب دولي إذا أصبح يوما على
أخبار عن اعتداءات واسعة على للأقباط يروح ضحيتها
الكثيرون، فهذا شئ قد يحدث ولأتفه الأسباب. فما يحدث ينذر
بمخاطر جمة قد تتعرض لها مصر فى اى لحظة، فالتعصب الدينى،
والفساد، والغليان، والإحباط العام، وتجذر الكراهية، وتدهور
الأوضاع المعيشية، وحالة التردي الأخلاقي، كلها للأسف قد تنفجر
في وجه أقلية مسالمة هم الأقباط، فقد أصبحوا أداة التنفيس عند
الرعاع ليس فقط من المتطرفين ولكن من المواطنين العاديين
المحبطين والذي لا يوجد سقف أخلاقي يحد من اندفاعهم ولا ردع
قانوني يجعلهم يفكرون قبل اتخاذ خطوات عدوانية آثمة تجاه
جيرانهم وشركاءهم في الوطن.
لقد اتضحت الصورة ولا يجادل
منصف فى وضوحها، فما يحدث ليس "فتنة"، ولا "عراك طائفي "، ولا
"أيدي خارجية "، ولا "اقتتال اثنى " وإنما هى جرائم موجهة ضد
اقلية مسالمة نحذر من انها قد تتحول إلى مشهد دموي عبثي يطيح
بكل شيء.
ثانيا : ما يحدث يشكل عارا على
الحكومة المصرية ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية
إن حياد أي
حكومة تجاه الجريمة هو جريمة في حد ذاته، فكيف نصف التستر بل
والمشاركة بطريقة أو بأخرى على جرائم واضحة للعيان؟. إن
الحكومة لا تحترم دستورها ولا قوانينها وتكرس الكراهية
الطائفية في كل مناحي الحياة في مصر.
لقد رجعنا إلى عصور
التاريخ البغيض التي نقلت إلينا مآسي عن نصرة المسلم والإسلام
هي فوق القانون وفوق الوطنية. إن سلوك الحكومة يضرب في مقتل
القانون ومبدأ الوطنية و أسس الدولة الحديثة، وكافة
المواثيق الدولية التي صيغت أساسا من أجل إعلاء مبدأ الإنسان
والوطن والوحدة الإنسانية والأسس المشتركة للتعايش العالمي
وتنظيم حياة البشر. إن ما يحدث من الحكومة المصرية في العقود
الأخيرة هو ارتداد للأفكار البدائية عن التصنيف الديني والصراع
الديني.
ثالثا : استهداف الأقباط
ما
يحدث وما حدث من قبل يوضح بلا لبس فكرة "الاستهداف " و"
التربص" و"التنظيم " ضد الأقباط فيما يتعلق ببناتهم وأموالهم
وأسلمتهم واوضاعهم السياسية والعامة. قد تكون هذه التنظيمات
قليلة ولكنها تعتمد على تغذية مشاعر الكراهية وحشد الرعاع في
ظل غياب العقوبة. وفي حديث للسيدة جيهان السادات لقناة "الحرة"
قالت أن هناك تنظيمات في مصر فيما يتعلق بنشر الحجاب، وهم
يدفعون أموال للفنانات حتى يتحجبن ووصلت الجرأة إلى الوصول
إليها شخصيا عدة مرات من قبل هذه المنظمات وقت أن كانت حرم
رئيس الجمهورية وطلبوا منها أن تتحجب.
وقد قدمت بحث من قبل
عن "أسلمة الأقباط" وذكرت فيه عدد من المنظمات نقلا عن مراجع
معتمدة، فالمسألة ليست عشوائية وإنما ورائها قدر من التنظيم
والباقي يكمله سلوك الرعاع المحبطين والمتعصبين.
فنحن أمام
مفردات محددة مثل "الاستهتار " بالقانون في ظل غياب الردع، ثم
"الاستحلال" وفقا لنظرية المؤمن والكافر، ثم "الاستباحة" لكل
ما هو قبطي وفقا لمبدأ الاستحلال، ثم "التربص" لمعرفة نقاط
الضعف التى سوف يتسلللون منه، ثم "التنظيم " أي قيام ذلك من
خلال تنظيمات محددة قد تكون قليلة وقد تكون سرية لكنها
بالتأكيد موجودة، ثم "الاستهداف" باختيار أهداف معينة بناء على
رؤية محددة لهذه التنظيمات وبناء على مخططات لديها تجاه
الاقلية القبطية .
رابعا : بناء سور عازل بين شركاء
الوطن
إن تكرار الحوادث ضد الأقباط يبني بشكل تلقائي سورا
من الشكوك والمخاوف بين شركاء الوطن وزملاء العمل والجيران من
المسلمين والأقباط، وقد زرت مدينة أسيوط من قبل وشاهدت هذا
الجدار والتوجسات والمخاوف بين شركاء وطن واحد، ولعل هروب
الأقباط إلى المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية هي محاولة
للسعي نحو مجتمع أقل حدة في استقطاباته. كيف نستطيع أن نقنع
مواطن قبطي أن يتصرف بشكل طبيعي وهو يعلم أن ابنته أو زوجته او
اخته قد تكون مستهدفة من قبل هؤلاء المتعصبين،
وإذا وقعت الكارثة سوف تتسر عليها الدولة حتى ولو كانت البنت
قاصرا وطفلة لم يتعدى عمرها خمسة عشر عاما، وكيف نزيل مخاوفه
وهو يري جاره ينقض على أملاكه في هجوم بربري غير متوقع، وهو
يري تكاتف وتعاضد مجتمعي ضده فى حال تحول احد افراد اسرته
إلى الإسلام حتى ولو كان ذلك تم بواسطة الخطف أو الإكراه أو
الخداع اوالإغواء او بطريقة ضد القانون المحلى والدولى.هل ثقة
القبطى او القبطية فى جاره او زميله او صديقه قد اصبحت خطرا
عليه؟ هل عصر الثقة بين شركاء الوطن انتهى؟.
إن ما يحدث
يمثل خطرا كبيرا في خلق جيتوهات قبطية وخاصة في المدن والقرى
الصغيرة، أنها كارثة لن يحلها سوي تطبيق القانون وروح العدالة
والحس الإنساني.
خامسا : غياب الوضوح الأخلاقي
إن أكثر ما يحزنني هو غياب الوضوح الأخلاقي في المجتمع المصري.
moral clarity ، فما يحدث ضد الأقباط لا يحتاج إلى أخلاق رفيعة
لأدانته وإنما يكفي أن يكون الشخص يحتفظ بالحد الأدنى من
الأخلاق حتى يشعر أن هذه الجرائم تستحق الأدانة بصوت عال
وواضح. إنه لشيء محزن اللف والدوران للهروب من المسئولية
الأخلاقية، وقد قام صديق لى يعمل باحث فى مجال حقوق الانسان فى
نيويورك اسمه عبد العزيز عبد العزيز، بطريقته للاستقصاء الفردي
العميق لمعرفة مكنون المجتمع المصرى تجاه شركاءهم الأقباط. وقد
لاحظ الباحث المسلم أن هناك قلة نادرة فقط هي التي لديها
الوضوح الأخلاقي والشجاعة الأخلاقية لتعلن أن ما يحدث للأقباط
تمييز وجرائم بل واضطهاد مقيت، أما الأغلبية فحدث لها تبلد
والتواء أخلاقي نتيجة لثقافة الكراهية والتعصب السائدة في
المجتمع ووصل الالتواء إلى أعلي المستويات والطبقات الاجتماعية
إلى أساتذة الجامعات وكبار الموظفين والسياسيين والشرائح
الاجتماعية العليا.
سادسا : غياب العدالة
العدل أساس
الحكم وصفة الله ومقصده، ولكن في مصر تختفي العدالة بقدرة قادر
إذا تعلق الأمر بالأقباط. أنظروا على مدى ثلاثة عقود ماذا حدث
لمرتكبي الجرائم ضد الأقباط، لنخجل من سير العدالة في مصر. هل
يتصور أحد أو يعقل غياب مجرد تحقيق عادل ونزيه يظهر الحقائق
بأمانة حول كل ما يتعرض له الأقباط. فإذا فشلنا في مجرد إجراء
تحقيق نزيه وعادل ومحايد فكيف يمكن أن نصنف على أننا دولة
محترمة. منذ التحقيق الذي قامت به لجنة من مجلس الشعب برئاسة
د. العطيفي عام 72، ووضعت توصيات لم ينفذ أي منها من قبل
الدولة، لم يحدث تحقيق عادل حتى الآن، لأنهم أدركوا أن أي لجنة
تحقيق عادل ستنتهي بوضع المسئولية على الحكومة وفضح تسترها على
هذه الجرائم وتحميلها المسئولية الدولية على عدم حماية
الاقليات بها، والأهم هي أن تكشف الحقائق حول أوضاع الأقباط
الحقيقية وهو الشيء الذي ترفضه الدولة والمجتمع معا.
سابعا : أعلام غير محايد وغير
نزيه
إذا كنا فشلنا في تحقيق العدالة وهي الملاذ الأخير
للبشر فكيف ننتظر من الأعلام خيرا ؟، إن الإعلام المصري في
مجمله مزيف ومضلل ليس له تسلية سوي الهجوم المتواصل على أمريكا
وإسرائيل وأقباط المهجر. فباستثناء أقلام قلة نزيهة يتسم
الخطاب الأعلامى بضعف الاخلاقية و تدني المهنية وغياب
شبه كامل للحياد المهني، حتى التحقيقات القليلة التي تتطرق
لبعض مشاكل الأقباط تلحظ بها على الفور الالتواء والتبرير
وكأنه محامي للمجرمين وليس أعلام يسعى للبحث عن الحقيقة، إنه
اعلام يحول الجانى الى ضحية ويضع اللوم على الضحايا
الابرياء!!، إنه جزء من أزمة المجتمع وسبب رئيسي لها في نفس
الوقت.حتى المراسلين المصريين لصحف متميزة مثل الشرق الاوسط
يكتبون عن الاقباط من القاهرة بشكل متعصب وخيال مريض.هل هذه
معجزة ان يستمع الصحفى بحيادية الى طرفى الازمة، ولكن للاسف
التعصب يعمى القلوب والعيون.
ثامنا :من يتحدث باسم
الاقباط؟
هناك أزمة حقيقة فيمن يتحدث باسم الأقباط في ظل
غياب مجتمع مدني قبطي قوي ومنظم، وفي ظل غياب تمثيل عادل لهم
في المجالس النيابية، وفي ظل تراجع دورهم في الحياة السياسية
والثقافية والإعلامية. وقد اعترف وزير الشباب السابق أستاذ
العلوم السياسية على الدين هلال في ندوة له في مركز القاهرة
لدراسات حقوق الإنسان عندما كان وزيرا " أن نسبة تمثيل الأقباط
والمرأة عورة في الحياة السياسية المصرية ".
في ظل غياب
مجتمع قبطي قوي وفاعل وحيوي يستطيع أن يجبر الدول على إجراء
حوار سياسي حقيقي بين ممثلين مدنيين وممثلين عن السلطة، لا
يزيد رد فعل السلطة عن ترضية واعتذار وطلب من البابا تبريد
حالة الغليان دون مناقشة حقيقية للمشاكل وكيفية حلها او الحقوق
وكيفية تحقيقها. إنها أزمة أخرى أن يجلس البابا وهو شخصية
دينية متسامحة في مقابل سياسيين محترفين يتسم أسلوبهم
بالالتواء والميكافيلية.إن اخطر ما فى الموضوع هو كانه حوار
بين الاسلام والمسيحية، فالمسؤليين الذين يحاورون البابا
يتحدثون وكانهم جاءوا للتفاوض باسم الاسلام الذى لابد ان ينتصر
وفقا لهذه الرؤية، وهنا تضيع المواطنة والحقوق والعقوبة
على جرائم بدل تبريرها والدفاع عنها. أن المسألة تحتاج إلى
أطراف سياسية تتحاور معا بصراحة وبدون لف أو دوران أو كسوف
وعلى ارضية المواطنة والقانون وليس ارضية اخرى، وهذا للأسف غير
متوفر حاليا.
تاسعا :خلل فى المجتمع القبطى
كشفت الازمة الاخيرة التى حدثت فى ابو المطامير عن خلل يحتاج
إلى تشريح كامل وعميق للمجتمع القبطي، فالأقباط يشعرون
باستهدافهم في دينهم في الأساس ولهذا يتظاهرون فقط إذا تعلق
الأمر بمسألة لها ارتباطات دينية، حدث ذلك في أزمة الراهب
المنحرف والتي عرفت بأزمة جريدة "النبأ " وحدث مؤخرا في موضوع
زوجة القس. إن هذا يكشف عن خلل واضح في المجتمع القبطي يحتاج
إلى دراسة تبين التغيرات السلبية التي حاقت بهذا
المجتمع، فهناك مشاكل أكثر أهمية بكثير من أزمة زوجة القس
للإحتجاج بشأنها، فهناك بنات في عمر الزهور وقاصرات يخطفن أو
يغرر بهن، وهناك اعتداءات آثمة عليهم تتكرر بشكل منتظم، وهناك
تهميش كبير يقع عليهم، وهناك تمييز في كل مناحي الحياة يتزايد
يوما بعد يوم يلحق بهم، وهناك انتهاك يومى لفكرة المواطنة،
ويتركون كل هذا وأكثر منه ويتظاهرون من أجل راهب منحرف وخلافه.
كما أن الهروب من مشاكل الأسرة القبطية وعدم دراستها بشكل عصري
أيضا يعتبر أمرا محزنا. أننا نحتاج إلى رؤية ثورية عصرية فيما
يتعلق بمشاكل الأسرة القبطية والا ستكون أسرنا عرضة
دائما للاستنزاف والابتزاز
وأخيرا : يشكل وجود الأقباط بعد
كل هذه القرون من الاضطهاد المنظم معجزة، وقد سألني باحث كندي
باستعجاب كيف تفسر بقاء المسيحية في مصر رغم اختفاءها في كل
الشمال الأفريقي وهي قد تعرضت لنفس ظروف الاضطهاد وربما أصعب
وظلت صامدة فى مصر فكيف تفسر ذلك ؟ وكان ردي أنها معجزة.معجزة
أن يبقى الاقباط فى هذه البلاد بعد قرون طويلة من الاضطهادات
من بشر يبررون السلب والنهب باسم الله، ويفجرون انفسهم
كالقنابل من اجل الحور، ويتلذذون بلون الدم كوسيلة لارضاء
والتقرب من الههم، حتى نزعوا عن منطقة الشرق الاوسط باكملها
صورتها الانسانية -----متى تتخلص الانسانية من هذا الكابوس.
إيلاف