الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

فهان كيراكوس * سوريا * 

  Mvw55hl@gmail.com

ديمقراطية البنادق

سوريا* فهان كيراكوس *

23/ أيار/2006

Mvw55hl@naseej.com

أصبحت الديمقراطية أحدث نكتة تتناقلها الأنظمة المستبدة، و الأحزاب و الجماعات الديكتاتورية، الإرهابية.

فعلا إنها نكتة العصر. أن تسمع حكومات إرهابية قمعية تتحدّث عن الديمقراطية، و تدعو إلى تطبيقها في الانتخابات، أن تسمع الأحزاب و المنظمات الإرهابية تتحدَّث عن الديمقراطية و تدعو إلى صناديق الاقتراع؟!

هذه هي الحلقة الأخيرة من مسلسل نهاية التاريخ، أو الخطوة الأخيرة لِسَيْرِ التاريخ إلى نهايته.

ماذا يعتقد هؤلاء الإرهابيون عن مفهوم الديمقراطية، و ماذا يعتقدون عن العالم الآخر؟

هل يعتقدون بِأنهم قادرون على الضحك عليهم، أو إقناعهم من خلال مبدأ النفاق و التقية على أنهم مع الديمقراطية؟؟؟

هنا علينا أن نعترف بِتقدّمهم في أكثر من بلدٍ  و موقع، و احتلالهم المرتبة الأولى من بين الأحزاب و القوى السياسية في أكثر من دولة في العالم، و من خلال صناديق الاقتراع. و أنا أضيف، و أؤكد على أنّ قوى الظلام و الإرهاب سوف تحتل المقاعد الأولى في الدول ذات الأنظمة التوتاليتارية، و الأنظمة الإرهابية الأصولية في العالم، بِصَرْف النظر عن العقيدة الدينية لِتلك القوى و الأحزاب، فَالشواهد ماثلة أمام أعيننا اليوم، في أفريقيا و آسيا و أمريكا الوسطى و الجنوبية، و بِالطبع نحن لسنا استثناءا من هذا المشهد المرعب، و نحن لسنا بعيدين عن دائرة القحط و الجفاف التي تجتاح العالم، إننا أمسينا في الحلقات القريبة جدا من بؤرة هذا القحط، و هذا الانحطاط في كلِّ شيء، لقد دخلنا ملكوت الله من بابها الآخر، دخلنا مملكة هادِس، مملكة الموت الروحي، مملكة جفاف الدماغ و تسطّحه و تصدّعه، دخلنا مملكة الإرهاب الشامل.

نحن الآن في ظلام دامس، إنه البيئة المناسبة، لا بل، البيئة المثلى لِالأعمى؛ فَالأعمى يعيش في مملكة الظلام هذه بِمهارة فائقة، لأنها مملكته و فضاؤه الأرقى لِلتنطّح و التنطّط و التسلّط، إنه يسدل الوشاح الأسود على المنافذ و الطاقات و الثقوب كي لا يظهر غير اللون الأسود في ممالك الظلام تلك. و لأن هذا الفعل غير مُطَمْئِن لِملوك الظلام و الظلاميين، فَهم يقومون بِحَقْنِ الفضاء بِغبار أسود لِمَنْعِ اختراق أيِّ شعاع كونيٍّ صادر من الأفلاك و النجوم، إنهم يحطِّمون كلَ الفوانيس، و أكثر من ذلك، فَهم يعلنون الحرب الظلامية المقدَّسة على هؤلاء الأعداء الذين يحملون النجوم، لأنهم يعتقدون بِأنها فوانيس معلقة في السماء.

من الطبيعي جدا، بل من المؤكد، أن ينجح الظلامي في السير دون خوف، و دون أن يتعثَّر في مملكته، و من الطبيعي أيضا، أن ينجح هو بالذات في الوصول إلى صناديق الاقتراع التي وضعها في حقول الألغام التي زرعها هو. مَنْ يتجرّأ الخوض في النقاش المعرفي معهم. مَنْ يتجرّأ الطلب منهم لإزالة الألغام مِن الحياة كي يصل الكل إلى الصناديق؟؟.

إن الأنظمة المستبدة هي الوجه الآخر لِلعملة، إنهم ينهلون من المعين نفسه، من الثقافة نفسها، إنهم أصحاب رسالة خالدة، و هم مدعوون لتبليغها للعالم أجمع، و أنظمتهم السياسية هي خير الأنظمة، و هم ينتمون إلى قوم له الفضل الأعظم على البشرية جمعاء؛ فَهم مؤسسو علوم الهندسة و الفلك و الفيزياء و الآلهة، و مخترعيها، فَالأنظمة التوتاليتارية تحتكر جميع السلطات في بلدانها، حتى أنها تحتكر الهواء و نبضات القلب، و الخيال.

هذه الأنظمة هي الحاضنة الحقيقية، و الدافئة لِلحركات و الأحزاب الأصولية، لأنها بِتسلطها و استبدادها على الشعب، تكون قد صادرت كل شيء في المجتمع، فَلا حَقَّ للكلام و الرأي الحرّ، و لا حقّ لِلعشاق بِالتهامس و التناقر كَالعصافير بين أفنان شجرة الحُبِّ، و لا يجب ترك الشجرة تنمو هكذا دون رقيب و حسيب، و على العشَّاق أن يحصلوا على أذنٍ مسبق لِيستظلوا تحتها، و أيضا أن يقدِّموا  برنامج عشقهم.

هذه الأنظمة لا تسمح بِالمزاودة عليها لا يمينا و لا يسارا، و حتى دينيا، فَهي تقمع اليمين و اليسار، كي لا يكون أحد أكثر يمينية أو يسارية منها، أمّا الدينية، فَهي (السلطة) تسارع إلى تلبية مطالبها و تزايد عليها، إذْ أنها تغضُّ الطرف عن تسرطن الخلايا و التجمعات الدينية تحت مسميات مختلفة، و تخصِّص لهم الأثير بِالصوت و الصورة؛ فَفي ظلِّ هذه الأنظمة، تحظى الأحزاب و الجماعات الدينية فقط بِحرية النشاط و الحركة، فَهي تنمو و تزدهر و تتضخم على حساب المجتمع المدني، و بِالنتيجة، تكون هذه الأحزاب و الجماعات هي التي تحصد الأصوات في أيَّة عملية انتخابية، لأنها تكون قد عملت بكامل حريتها في التنظيم و التنسيب و التجييش و التحريض و التلويث و التجهيل في المناخ الإرهابي (وجهها الآخر/ النظام السياسي ).

إن الأصولية تنادي بِالديمقراطية الصناديقية، و ليس في قاموسها أيِّ عنصر آخر من عناصر الديمقراطية، إنها تفهم الديمقراطية إلى حدود استيلائها على السلطة الصناديقية، أمَّا مفرداتها الأخرى و المتعلِّقة بِحرّية الإنسان و مساواة المرأة بِالرجل في الحقوق و الواجبات، مساواة البشر كلهم أمام القانون، حق و حرية الإنسان في المعتقد و الدين، و حقّه في اختيار أو تغيير معتقده و دينه دون إكراه، أي بكلمة، إنها في حِلٍّ من مبادئ و شرعة حقوق الإنسان، فَأيَّة ديمقراطية هي التي حملت حركة حماس الأصولية إلى سدّة الحكومة و البرلمان الفلسطيني؟! فَهذه الحركة كانت في ظلِّ نظام عرفات، و بعده تمارس نشاطها الدعائي و التجييشي و التحريضي و هي حاملة السلاح في الشارع الفلسطيني، و لديها ميليشيا منظمة و انتحاريين جاهزين لِبروشور دعائي قوي لِكَسْبِ الشارع من خلال إشعال الغرائز و العقائد، فَهذه الحركة، و في ظلِّ الاستبداد العرفاتي، استطاع استثمار الآيات و البندقية الدينية، و الوصول لأعلى درجات السلَّم، و هو الآن يسعى جاهدا لأن يحرق هذا السلَّم الذي صعد عليه، هذه هي ديمقراطية البندقية، هل يستطيع أيّ طرف في الساحة الفلسطينية أن يتجاهل ثقافة حماس الأصولية، و هل يمكنهم ألاّ يردِّدوا المفردات و المصطلحات الراديكالية التي فرضتها الحركات الأصولية الفلسطينية ليس فقط على الشعب الفلسطيني، و إنما في الساحة العربية و الإسلامية، حتى بات المشهد كاريكاتوريا في العالمين العربي و الإسلامي، فَالمجاهد الذي يفجِّر نفسه وسط مدنيين في السعودية و مصر هو انتحاري إرهابي مكانه نار الجهنم و بئس المصير، أمّا الذي يقوم بِنفس العمل الانتحاري وسط مدنيين إسرائيليين، فَهو فدائي استشهادي مكانه جنّة الخلد و الحوريات المهلبيات؛ و نفس هذه الصورة تتكرَّر في لبنان، حيث احتكر حزب الله الساحة الشيعية بِواسطة البندقية الدينية و جيشه العقائدي، و ثقافته الأصولية، و العمليات العسكرية الجاهزة لِبروشور دعائي لاختطاف الشارع الشيعي، و حتى أنه لجأ إلى إرهاب فكري و ديني من خلال استصدار فتاوى تحرِّم، و بالتالي تكفِّر مَن يفكِّر بِالخروج عن طوعه و برنامجه الجهادي المرتبط عقيديا بِالأجندة الفارسية لِلمنطقة.

هذان النموذجان يحملان البنادق إلى جانب السلاح الإلهي المخيف. أمَّا بقية الأحزاب و الجماعات الأصولية التي لا تملك السلاح و ميليشيا مسلحة، فَهي تملك سلاح الدمار الشامل، سلاح الإرهاب الشامل. و يتجلى هذا السلاح من خلال ادّعائها بِأنهم يتحدثون بِاسم رئيس أحزابهم(= الله). كل هؤلاء الأصوليون يدَّعون شراكتهم مع الله، صداقتهم الحميمة معه، معرفتهم الأكيدة له، برامجهم و بياناتهم الموقَّعة من قِبَله بِالذات، هذا السلاح الذي لا يمكن لأيّة سلطة مواجهتها و الوقوف ضدها إلاَّ في حالة واحدة فقط، و هي أن تذهب هي بِذاتها (السلطة) في ذات الطريق و تصادق الله، و تشاركه في كلِّ صغيرة و كبيرة، أو تذهب أبعد منهم، و تمتهن الأصولية الأعنف و الأشرس و الأشمل. و هكذا، فَالنتيجة في ديمقراطية البنادق تكون لِلأشرس و الأكثر أصولية و عنفا و نفاقا و مكرا. و في نهاية المطاف، كلّهم لا علاقة لهم بِالديمقراطية، و هم أعتى أعداء الديمقراطية، لكنهم يلعبون على الألفاظ و ينافقون و يخدعون بعضهم بعضا، و هم في المحصلة يلعبون السياسة و لا علاقة لِ( الله) بِكلِّ خطاباتهم و شعاراتهم و مفرداتهم الغوغائية، المناسباتية، الدينية، و هم لا يفعلون سوى الهجوم على الآخرين بِاسم الآلهة و الخرافات المقدَّسة، للاستيلاء على السلطة، و أنا متأكد بِأنهم سيكونون في مقدمة الصناديق في أيِّ بلد من هذه البلدان التوتاليتارية، فيما إذا قرَّرت إجراء الانتخابات في ظلِّ هذه الديمقراطية البنادقية، بعيدا عن تدخل سلطة الدولة و أجهزتها القمعية. و نحن في سوريا لسنا استثناءا، فَالإخوان هم على رأس الديمقراطية الصندوقية، و ليس على رأس ميثاق و شرعة حقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة، فَالذي سَيلعب لعبة الأصوليين و الإرهابيين، يجب أن يتحمَّل النتائج، أو يدخل في ملعبهم بِمهارات تفوق مهاراتهم، لَطالما قوى المجتمع المدني  مغيَّبة و مقموعة؛ و في النهاية يكون الشعب و الوطن هم ضحية المستبدين و الأصوليين، و ضحية الديمقراطية البنادقية، الصنادقية، الهزلية.

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها