الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

فهان كيراكوس * سوريا * 

  Mvw55hl@gmail.com

رحيل الديكتاتور الأخير

سوريا 21/3/2012

إنه الفصل الأخير من مسرحية ( العُقَب الحديدية ) التي بدأ عرضها على المسرح السوري بِ النسخة العربية منذ أن داست سنابك الخيول الغازية من صحراء الجزيرة العربية على مقدسات بلاد الشام، منذ أن عَمَلت سيوف الله و  أنبيائه أفعالا شنيعة و وحشية من قتل و ذبح بِ حَقِّ أهل البلاد، و كتابة دستور همجي، أو بِ الأحرى، تكريس دستور همجي بِ الأفعال و الأقوال في جميع مناحي الحياة. لقد استعمر هؤلاء الغرباء، قطاع الطرق المنفلتين من الأخلاق و القانون و الرحمة، هؤلاء الذين قذفتهم زوابع الرمال و العجاج مع العقارب و الأفاعي و سموم رياح الصحراء إلى غوطة دمشق الغنّاء، و نضارة الحقول و السهول، و جمال الأنهار الرائعة في ربوع سورية الحبيبة. إنهم الغزاة الذين مارسوا كلّ الدناءات و القبح و الدعارة و الخلاعة و الانحلال الخلقي، و في الوقت نفسه، و بِ التزامن مع ممارساتهم الدنيئة تلك، كانوا يعظون بين الناس و يُسْمِعونهم الكلام المنمّق الإنساني، و يدعونهم إلى ثقافتهم البدائية، البربرية، إلى عقيدتهم و دينهم، و من خلفهم، و على خواصرهم تلمع أنصال الخناجر و السيوف، لِ تُفِهم المنكوبين المداسين المستَعْمَرين فحوى و مضمون العظات و الدعوات؛ هكذا حرقوا ثقافة أهل الشام، ثقافة سورية الخضراء، و سلّموها لِ أقوام أكثر انحطاطا منهم. سلّموا هذه المزهرية لِ السلاجقة الهمج الذين اجتاحوا – كما الذئاب - حقولنا و بساتيننا و أرواحنا كي يضيفوا فصلا جديدا من الوحشية و العهر على ما فعله أبناء الصحراء، لقد أدخلوا علما حديثا من علومهم و ابتكاراتهم في حياتنا، ألا و هو الخازوق. لقد فعل بنو العثمان و شركاءهم الأكراد في سورية ما لم يفعله أيّ غازٍ، أو مستعمرٍ في الشعوب التي كانت تستعمرها، إنهم استباحوا الحياة بِ كلّ ما تعني هذه الكلمة من معنى، لم يتقيدوا بِ الحدود و المحرّمات و المقامات و المقدسات، إنهم هكذا بِ طبيعتهم و فطرتهم. أقوام مجردون من الروح تماما، عملهم الوحيد هو الغزو و القتل و السرقة و التكاثر البهيمي.

 إنهم اغتالوا أحلام بلاد الشام، اغتصبوا ذاكرة الشعوب التي تعرضت لِ  المجازر الرهيبة على أيديهم و مخالبهم و أنيابهم، و منهم أبناء و بنات بلاد الشام، فَ الأجداد و الجدّات، بدل أن يقصّوا- على الآباء و الأحفاد- حكايات و ذكريات ألعابهم و أفراحهم، و جودة  ثمار حقولهم و وفرة غلال مزروعاتهم و كرومهم، كانوا يذرفون الدموع بعد دقائق معدودة من بدء الكلام، لأنهم ما كانوا يستطيعون التخلص من كوابيس المجازر الوحشية التي كانوا شهودا عليها؛ لقد دخلت سوريا تحت الانتداب الفرنسي بعد هزيمة ألمانيا و حليفتها تركيا في الحرب العالمية الأولى، بدأت مرحلة جديدة في حياة السوريين، و لِ أوّل مرة وجدَ الإنسان السوري نفسه في دولة قانون و دستور، في دولة ليس فيها خازوق أو باشا سفَّاح، في دولة فيها برلمان و انتخابات حرّة و أحزاب سياسية حقيقية، لِ الأسف، فَ هذه الومضة لم تدمْ سوى مقدار رفَّة عين، فَ هي بِ الكاد لمعت في سماء دمشق، حتى أطفأناها بِ الانقلاب العسكري الأول الذي قام به الزعيم حسني الزعيم، و الذي كان له شرف تبديل الحذاء العسكري الغريب بِ الحذاء العسكري القريب، و كان فاتحة زمن الأوليجاركية الوطنية، و المسكين ( كما يًقال ) لم يتسنى له بِ تسخين قعدته على كرسي الزعامة حتى اقتيد من قِبل ملازم أول – بعد أن صفعه على وجهه - بِ البيجاما إلى المحكمة العسكرية، حيث تم إعدامه، و كل الجرائم التي ارتكبها في سورية هي أنه سلّم الزعيم أنطون سعادة إلى الحكومة اللبنانية حيث أًعدم هناك، لأن فترة ثلاثة أشهر من حكمه ( أقلّ أو أكثر ) لم تكن كافية لِ تثبيت دعائم الدكتاتورية، ناهيك عن ارتكاب مجازر بِ حقّ السياسيين أو الشعب؛ ما علينا، فَ لعبة العسكر ليست مزحة، و ليست خطابات و بيانات و انتخابات، إنها لعبة المفترسين ( إمّا قاتل أو مقتول )، فَ لذلك تحوّل هو   / الزعيم/ إلى فريسة لِ ينقضّ عليه الحنّاوي و يسجّل ماركة حذائه العسكري على سورية، إلاّ أنه لم يلحق بِ ترتيب مكتبه الانقلابي حتى أطاح به الزعيم أديب الشيشكلي، لكنه لم يطحْ بِ رأسه، و هذه تُسَجّل فضيلة لِ الشيشكلي، و يبدو أنّ أخلاقه لم تكن همجية و دموية، إذْ أنه أُزيح عن السلطة و لم يُدْخل البلاد في مجازر و حروب عصبوية، أمست سوريا فريسة تتصارع عليها السعودية و العراق و مصر، و من خلفهم بريطانيا و فرنسا و أمريكا و الاتحاد السوفيتي، هذا الصراع كان فاتحة مرحلة صناعة الديكتاتور العقائدي، و بِ الطبع بعد أن اكتملت دعائم مصنع الديكتاتوريات العالمية في الكرملين، عقب انتصار الشيوعيين في ثورتهم على الثورة البرجوازية التي أطاحت بِ القيصر عام 1917/، تلك الثورة التي بسطت سلطتها و جبروتها و تسلطها على شعوب الإمبراطورية الروسية ( الاتحاد السوفييتي )؛ هي التي صنعت أدوات و آليات و خطوط إنتاج الديكتاتور تحت رقابة و إشراف الزعيم القائد الرفيق فلاديمير إيليتش لينين، حيث تم إنتاج النموذج الأول في الداخل السوفييتي، و الذي أصبح النورم الذي يُقاس عليه الإنتاج القادم، و الديكتاتور النموذج هو الزعيم الرفيق ستالين، و راحت الماكينة تنتج الديكتاتور عقب الديكتاتور في الداخل و الخارج.

في الخارج، و بِ الذات في العالم العربي، كان المنتج الأول من تلك البضاعة، الديكتاتور المصري، قائد ثورة أل 1953/ الزعيم جمال عبد الناصر، و الذي أصبح في عام 1958 ديكتاتورا على مصر و سوريا من خلال لعبة الوحدة بين البلدين، حيث أُخضِع الشعب السوري لِ بطش و استبداد و فساد الموظفين و رجال المخابرات الهمج، و تعرّضنا لِ أبشع أنواع النهب و السرقة و الاستبداد، و في تلك المرحلة ( مرحلة الوحدة بين البلدين ) تمّ حلّ الأحزاب السياسية و اعتقال السياسيين و المثقفين و المفكرين و زجهم في عفونة زنزانات المخابرات، حيث يُعَذّبون حتى الموت، و يُذَوَّبون في الأسيد، كما فعلوا بِ الرفيق الشيوعي المناضل الشهيد فرج الله الحلو؛ لقد فعلوا أكثر من ذلك، إذْ أنّ الديكتاتور المصري القادم من تنظيمات الإخوان المسلمين لم يعجبه النسيج السوري الملوّن، و لم يَرُقْ له وجود مسؤلين و مفكرين و زعماء و موظفين مسيحيين في دوائر و مؤسسات الدولة، و يقال: بأنه حين زار مدينة القامشلي في ذاك الزمان، حيث الأغلبية كانت من السريان و الأرمن و الكلدان و الآشوريين، و حين دخل إلى مبنى البلدية، رأى و تحدّث مع رئيس و أعضاء المجلس البلدي، حيث تمّ التعرف عليهم بِ الأسماء، و كان أغلب الأسماء هو ( لحدو، شليمون، كيفورك، عبد المسيح...إلخ )، حينذاك التفت إلى مرافقيه و قال:" إيه. هو أحنا في كنيسة و لاّ إيه ". و يحكى أيضا بِ أنه غيَّرَ اسم وادي النصارى إلى وادي النضارة.

إنّ السنوات الثلاث السوداء من عمر الوحدة ( الاحتلال ) كانت كافية لِ نشر مفردات ثقافة الديكتاتور العقائدي التي تعلّمها من المصدر الأم / الاتحاد السوفييتي /، و التي أطاحت بِ دولة الوحدة عام 1961/، و بعد هذا التاريخ جاء الانقلاب العسكري في الثامن من آذار عام 1963/، و جاء معه الرفاق المقاتلين الذين قادوا العملية الثورية عبْر مخاضات عسيرة كلفتهم دماء و دموع و مآسي إلى أن استقر الوضع الثوري بعد الانقلاب الأبيض الذي قاده وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد تحت شعار الحركة التصحيحية؛ أمّا الديكتاتور المصري وجد له عمل في مكان آخر  تحت شعار قومجي غرائزي مختلف عن شعار الوحدة، حيث اجتاح جيشه الوطني الباسل واحتل جمهورية اليمن،ربّما في /1965 /.

 الآن غيّر الديكتاتور الجديد الحذاء العسكري بِ حذاء تمّ صنعه في الكرملين بِ دقة متناهية و بِ خيوط عقائدية ديماغوجية مكيافيلية، بنى الديكتاتور نظاما شموليا استبداديا فاسدا، حوَّل المجتمع السوري إلى مزرعة يعيث فيها الرفاق ( مدنيين، عسكريين، مخابرات، عملاء، مرتزقة، قطاع الطرق...) نهبا و فسادا، قلَّبَ المفاهيم الأخلاقية رأسا على عقب، قبض على كلّ شاردة و واردة حتى الهواء احتكره، و راح يحصي علينا أنفاسنا، دخل إلى غرف نومنا، باتت هراوته ظلّ المواطن، أمسك المجتمع ظاهريا بِ الشعارات الرنّانة البرّاقة الفضفاضة التي تلامس العاطفة و الغريزة، أمّا في العمق فَ الركائز الرئيسة لِ النظام هي في تخوين الشعب، تلفيق اتهامات جاهزة تليق بِ المقام و المقاس، الإرهاب الشامل. دخل الشعب السوري في غيبوبة صدمة الإرهاب الشمولي الدموي قرابة الثلاثة عقود بعد أن دمّر النظام مدينة الحاضر في حماة و قضى على حزب الإخوان المسلمين بِ الحديد و النار حيث انطبعت المشاهد الوحشية من الطرفين في ذاكرة السوريين و أدركنا فحوى الرسالة الدموية التي أرسلتها السلطة، أ لم ندخل في سبات الصدمة العثمانية أربعة قرون مظلمة من الوحشية و الانحطاط؟؟.

لقد مهَّد الطريق لِ الدكتور كي يكمل أطروحته  لِ يصبح  الديكتاتور، و هكذا سارت الأمور بِ مؤازرة و مباركة اللصوص و الفاسدين من أركان النظام نفسه في عهد الأسد الأول، كانوا يضحكون في عبّهم، لأن النظام الذي دبَّت الشيخوخة فيه سلخ جلده و اكتسب شبابا من خلال الأسد الثاني، و سوف يعيش أربعين سنة قادمة إلى أن  يترهّل لِ يعود لِ إنتاج نفسه أكثر شبابا من خلال الأسد الثالث، و هكذا دواليك، لكن الذي لم يدخل في حسابات هؤلاء، و لم يقرؤوا التاريخ جيدا، هو أنّ هذه الأنظمة انتهت صلاحيتها في الحياة، و أنّ مكانها الطبيعي هو أحد الرفوف المغبرة في متحف التاريخ، و أنّ رحيل الدكتور عن السلطة هو مسألة وقت لا أكثر،  فَ النظام الأمني الاستبدادي الفاسد سقط أخلاقيا و معنويا، لذلك، و حتى بقاء رأس النظام في القصر سَ يكون شكليا إلى حين تشييع جنازة هذا النظام بنيويا، و الطرف الآخر هو أيضا لم يقرأ جيدا، أولا لأن زمن الثورات هو الآخر بات من التاريخ، و مكانها هي أيضا على أحد الرفوف المغبرة في متحف التاريخ، و ثانيا، لِ أنْ ليست الأنظمة العشائرية، القبلية العائلية هي داعية الحرية و العدالة و الديمقراطية، و ليست دولة مثل تركيا التي في رقبتها جرائم إبادة الجنس لِ ملايين من الضحايا، و التي تمارس النفاق السياسي تارة عبر تمثيلية سفن الحرية إلى إسرائيل، و أخرى حماية الأقصى...إلخ؛ أيّة ثورة (حرية و ديمقراطية ) هي تلك التي تقودها أنظمة عنصرية، استبدادية، فاسدة؟؟!!. 

في كل الأحوال، إننا اليوم نودِّع الديكتاتور، و أرجو أن يكون الرحيل سريعا، هادئا و مسالما، لِ يتفرَّغ العقل الكوني بِ وضع التالي من هذه الأنظمة البدائية الفاسدة تحت المجهر، و أطمئن الدكتور بِ أنّ الدور سَ يأتي على الجميع، و منهم النموذج العالمي لِ البدائية و الفساد و الاستبداد/ مملكة آل السعود/، مهما تلطّى خلف تقاطع السيفين، و مهما ربط نفسه بِ شرعية السماء، فَ مكة و يثرب سَ تفتح أبوابها لِ زوّار  و سياح مسيحيين، بوذيين، هندوس و لا دينيين... لذلك أقول: لتكن أنتَ الديكتاتور السوري الأخير، و ليعش السوريين بلا ديكتاتور بعد اليوم، و ليحفظ الرب بلدنا الحبيب سوريا.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها