سياسة العصا
والجزرة السورية والغربية
20 أيار 2011
يتبادر إلى ذهن المراقب للوضع في سوريا أن
هناك ضوء أخضر دولي أُعطي للرئيس السوري كي يقوم بتحجيم دور
المعارضة (الثورة) باستعمال القوة البالغة من جهة والاجتماعات
التحاورية مع فعاليات محلية من جهة أخرى، أي باتِّباع سياسة العصا
والجزرة. والسؤال البديهي يبقى هل يتَّبِع الغرب مع الرئيس السوري
نفس سياسة العصا والجزرة من خلال فرض عقوباتٍ عليه وفي آن الإيحاء
برضاء ما عليه إذا ما أخذ بنصائحه؟ السؤال يفترض إجابتين تساؤليتين
بديهيتين..
الاجابة الأولى:
1- هل ينتظر الغرب ما ستؤول إليه الأمور في ليبيا والكيفية التي
سيتمكن الغرب من تمكين سيطرته على منابع النفط الليبي في حال جرى
تقسيم ليبيا إلى مقاطعات أو دويلات أم ستبقى موحّدة في ظل نظام
يُفتَرَض أنه سيكون ديمقراطي!؟ واستطراداً، كيف سيتمكن الشعب
الليبي من اقتباس النهج الديمقراطي، وهو الذي قَبَع نيّف وأربعين
سنة في ظل نظام ديكتاتوري شعوبي غير محدد الهوية في غير نصوص
الكتاب الأخطر، وبالتالي، ألا يحتاج هذا الشعب وقياداته الثورية
الجديدة إلى مساعدة الغرب بالذات، الذي دعم ثورته، لإقامة
الديمقراطية الحديثة والمناسبة؛ وهل يتم هذا الدعم دون مقابل وما
هو المقابل إن لم يكن... النفط؟!
2- من هنا نرى أن انتظار الغرب بات مُبَرراً استراتيجياً لا سيما
بعد التجربة التي خاضها الغرب في أفغانستان وتمدد منها إلى العراق
قبل أن ينتهي فعلياً من تثبيت الديمقراطية، نوعياً، في أفغانستان؛
وهي تجربة قاساها وأفقدَ ديمقراطيته وهجها واضطره إلى الانسحاب من
العراق تحت ضغوطات لم يتوقعها في الداخل العراقي وأيضاً في داخل
بلاده بالذات..
3- ومن الدرس الذي لم تطوى صفحته بعد، يرى الغرب أن واقع الأمور في
سوريا يتحمل المزيد من الانتظار، (حتى تستوي الطبخة، كما يقول
المثل العامي وبالتالي فإن الدماء التي تسيل في سوريا تحديداً وفي
الدول العربية الأخرى عموماً تبقى دماء عربية، والمؤسف أن أحداً من
قادة الأنظمة الدكتاتورية العرب، في اليمن وسوريا مثلاً، يأبه
بدماء الشعب طالما كانت من أجل إبقاء السلطة بأيديهم، وهم عفى
استعداد لإراقة المزيد منها، لا حفاظاً على أنظمتهم الفاسدة، التي
هم على استعداد تام لتغييرها وحسب الطلب، بل لإبقاء سلطتهم وتسلطهم
على رقاب العباد..
الإجابة الثانية:
- قد يكون أحد أهم أسباب انتظار الغرب على تطورات الوضع في سوريا
هو افتقاد المعارضة إلى قيادة حقيقية غير تلك التي يتحكَّم النظام
السوري بمصيرها، وهذه ممثلة حالياً بنشطاء حرية الرأي المثقفين
الذي يتعرضون منذ سنوات طويلة إلى أنواع الكبت والاعتقال الخ...
أمّا المعارض السورية في الخارج فهي لم تتمكن إلى اليوم من تكوين
ما يمكن تسميته قيادة تستطيع فرض تأثيرها الحقيقي على الشارع
السوري..
- سببٌ ربما كان وجيهاً هو أن عدم بلورة وجود قيادة سورية معارضة
تفرض وجودها على الساحة والخشية من استلام الأخوان المسلمين الحكم
في حال سقوط النظام الحالي، خشية غربية وإسرائيلية مشتركة، نتائجها
قد تنسبب بالمزيد من الخلل في ميزان القوى الحالي إذ، في أسوء
الاحتملات، قد يعتمد النظام الجديد على قوة الاسلاميين لدعم
الأخوان وبهذا كمن يخرج من تحت دلفة النظام الحالي إلى تحت مزاريب
لا قدرة لأحد، في الغرب أو إسرائيل، على مجابهتها الأمر الذي سيزيد
الطين الثوري بلّة ، من هنا يمكن استنتاج سبب انتظار الغرب حالياً..
- سبب إضافي يطرأ أيضاً هو اهتزاز الوضع الايراني بانتظار سقوطه
التلقائي فيلحق به النظام السوري الرديف مع استمرار الثورة الشعبية
في سوريا وانطلاقها المتجدد في ايران، وهذا ما سيوفِر الكثير من
الجهد الغربي المباشر فيكتفي بالإشارات والإيحاءات والعقوبات وما
شابهها..
إنطلاقاً من تحليلات هذه الأسباب وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار
التصرف الغربي في ليبيا لم يعُد هناك وسيلة لإنهاء الوضع السوري
دون تدخل غربي مباشر وقبل تناثر تداعياته على لبنان بالذات، لم
يبقى سوى قيام الجيش السوري بإستلام البلاد لمساعدة الشعب السوري
ودعم ثورته تمماماً كما حصل في جمهورية مصر العربية ولكن، بما أن
القيادات الأعلى في الجيش السوري ممسوكة بقوة من سلطة النظام
القائم، ومنذ أمدٍ بعيد جداً، لم يتبقى لنجاح الثورة الشعبية
وإسقاط هذا النظام سوى تكتُّل ضباط الصف الثاني في الجيش السوري
لقيام بالمبادرة المطلوبة؛ بهذا يمكن للشعب السوري الذي عانى
الكثير منذ استلام حزب الأمة الواحدة للبلاد وأجرى تجارب أطلق
عليها تسمية ديمقراطية أو مدنية باءت بالفشل الذريع رغم ما أنجزه
هذا الحزب من مكاسبَ مادية اقتنصها من وصايته على لبنان واستغلالٍ
للقضية الفلسطينية أسوء استغلال...
... . ...
السؤال الأهم في نظرنا: هل القبض على الثورة
في سوريا تؤجّل أو تُسرِّع وثبة حزب الله على السلطة في لبنان؟
مع فقدان النظام السوري وهج تدخله المباشر في لبنان وخاصةً بما
يتعلّق بالوضع الحكومي وبالتالي تنفيس مفاعيل الانقلاب الذي أقدم
عليه حزب الله وحلفاؤه في الأكثرية، التي جعلتها النقلة الجنبلاطية
الخاطئة من الجبهة الاستقلالية إلى الأحضان السورية (وجنبلاط لم
يُحسن القراءة هذه المرة)، حال عملياً دون الوصول إلى المبتغى
الحزبإلهي وحلفائه إلى استكمال ذلك الانقلاب وتشكيل حكومة انقلابية،
على الرغم من محاولاتٍ عَبَثية عديدة جربها هؤلاء الحلفاء لاستغلال
الوقت الذي أضاعته الأحداث المتسارعة في سوريا بالذات أولاً
وتشبُّث رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة بالنصوص
الدستورية، من حيث المبدأ ومحاولة التخلّص من ضغوطات النظام السوري
ثانياً وذلك لن يكن ممكناً لولا تنبُّه الرئيسان لمخاطر بدأت تظهر
في الأفق عن ترددات تلك الأحداث..
مفاعيل الثورة الشعبية في سوريا وتردداتها إلى لبنان:
أسطع دليل عن هذه الترددات هي تلك الأحداث التي نتجت عن اتهامات
سورية مفبركة عن تدخل لبناني في ثورة الشعب السوري والتي يمكن
اعتبارها نُذُر تهديد باحتمال التدخل المباشر في مناطق الحدود
اللبنانية/ السورية. والدليل الساطع الثاني اللافت هو نتائج انطلاق
فلسطينيي المخيمات إلى الحدود الاسرائيلية / السورية-اللبنانية في
محاولة مكشوفة للفت أنظار العالم عمّا يجري في الداخل السوري..
في واقع الأمر أن مثل هذه الترددات لم تغِب عن أنظار العالم الغربي
والشرقي معاً لما تقدمه من دوافع لتدخل إسرائيلي مباشر، جرّاء
الوضع الخطير الذي صنَّعه النظام السوري، ولأول مرة بفتح حدوده
أمام الفلسطينيين للاجتياز إلى قلب إسرائيل، الأمر الذي ربما أفقد
الأخيرة فضيلة الصبر بعد الإحساس بالخطر الداهم..
في نظرنا، إن الخطر الأكبر على لبنان من التدخل الاسرائيلي المباشر،
لا يكمُن وراء التحرّك الفلسطيني إلى الحدود السورية واللبنانية/
الاسرائيلية، بل هو، وهنا بيت القصيد:
هو رعب فقدان الدعم الايراني المسلح المكشوف جداً للنظام السوري
للإحتفاظ بالسلطة (هذا الدعم كشفته جميع وسائل الاعلام العربية
والغربية) بل هو أن يبادر حزب الله إلى استعادة زَهوِه، وقبل فقدان
الامدادات العسكرية الايرانية، وقبل أن تُضطر سلطة النظام السوري
إلى التضحية به كورقة ابتزاز غربية لفك ارتباطه بالنظام الايراني
وكشرط أساسي للسكوت عن هذا الارتباط الذي يصبح غير ذي جدوى في غياب
حزب الله المباشر عن الساحة..
من هنا، أخشى ما يخشاه اللبنانيون أن يبادر حزب الله إلى تسريع
تحقيق إنقلابه والوثوب على السلطة مُحدثاً تغييراً كبيراً في جميع
المعادلات الاقليمية، على الأقل في ظنه هو؛ الأمر الذي يحوِّل
انظار العالم عن سوريا إلى الوضع اللبناني الهش كون نتائج هكذا
تصرُّف سوف تستجر إسرائيل للدخول إلى لبنان للإحاطة بسوريا، فلا
تُنْقذ سوريا ويخسر لبنان!..
لهذه الأسباب مجتمعة بات من الملحّ جداً التنبّه من وثبةٍ مرتقبة
لهذا الحزب وحلفائه والمبادرة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تضع
الجميع أمام المخاطر وتسحب البساط من تحت سنابك الخيول الايرانية
في لبنان بعد أن أفلحت بإخراج جيش الوصاية السورية؛ إن المسئولية
الوطنية والقومية المنوطة برئيس الجمهورية والرئيس المكلف تقتضي
التصرُّف الفوري ورفض جميع مماحكات حزب الله المتسترة خلف حلفائه
ومتطلباتهم المتعددة الوجوه والأشكال والغايات التي ليست مقبولة في
الأيام العادية فكيف والحال في الأيام العصيبة والمخاطر التي تهدد،
ليس البلاد بل الكيان اللبناني ككل..
إنها مبادرة مطلوبة لإخراج لبنان عن دائرة العنف الثوري المستشري
في المنطقة كلها ورفض جميع تردداته على الوطن، فلبنان لم يعد
بقادرٍ على دفع جزية الدم عن جميع الأنظمة الدكتاتورية والعقائدية
الواردة والمستوردة إلينا؛ وليتذكر الرئيسان أنه لم يسبق قط أن حاز
مثيلٍ لهما في تاريخ لبنان ما يحوزانه من ثقة شعبية لا يُسمح
بتجاوزها خاصةً وأنها كُللت بدعم جميع الفعاليات الروحية والشعبية..
إنها صرخة نُطلقها بحرية لإنقاذ لبنان مما يتهدد كيانه من مخاطر
تربص به من كافة الاتجاهات..
صانك الله لبنان
لاحظ س حداد
التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا
|